لمدة 13 عاماً حُرم المصريون من خدمات الإنترنت غير المحدودة، بسبب قرار الحكومة بالدفع مقابل الاستخدام، لكن الآن، ومع إقبال معظم المواطنين على استخدام الإنترنت، يطالب الكثيرون منهم بوضع حدٍّ لما يُعرف بـ"سياسة الاستخدام العادل" المطبقة منذ عام 2009، إثر مزاعم بسرقة المستخدمين للإنترنت.
باقات الإنترنت في مصر غير كافية
يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، إنه مع بداية الألفية الجديدة كان من الشائع لمشتركي الإنترنت في مصر شراء باقات غير محدودة وتوزيعها على الجيران والأصدقاء مقابل رسوم مالية.
أوضح خبير الاتصالات عمرو بدوي، الذي شغل منصب رئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، الذراع التنفيذية لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في عام 2009، عند تطبيق سياسة الاستخدام العادل، أن هذا الأمر تسبب في خسائر لمقدمي خدمات الإنترنت، وأدى إلى فرض تلك السياسة التقييدية التي يحصل المشتركون بموجبها على باقات محدودة بأسعار تناسب السعة والسرعة.
قال بدوي: "من غير العادل أن يدفع كل المشتركين نفس المبلغ مقابل مستويات مختلفة من الاستهلاك، ينبغي أن يدفع من يستهلكون الإنترنت بكثافة عالية مقابل استهلاكهم".
عند تطبيق سياسة "الاستخدام العادل" عام 2009، كان عدد مشتركي الإنترنت حوالي 12.3 مليون مشترك فقط، أي حوالي 15% من عدد السكان البالغ تعدادهم 81 مليون نسمة في ذلك الوقت.
في بداية 2022، وصل عدد مشتركي الإنترنت إلى 76.4 مليون، بعدما كان 63.6 مليون مشترك في العام السابق، أي حوالي 75% من تعداد السكان الذي يتعدى الآن 103 ملايين نسمة.
مع تفشي جائحة كوفيد-19 منذ عامين، أعادت الحكومة المصرية اكتشاف شبكة الإنترنت، ونقلت جزءاً كبيراً من أنشطتها إليها، من المعاملات التجارية إلى التعليم، في إطار سعيها للحد من التواصل البشري وانتقال العدوى.
وحضر الملايين من طلاب المدارس والجامعات محاضراتهم على الإنترنت، وعُقدت صفقات بمليارات الجنيهات عبر الإنترنت، وعُقدت الاجتماعات في جميع المؤسسات عبر الإنترنت، بما في ذلك اجتماعات حضرها كبار المسؤولين في الحكومة المصرية.
الحكومة تتحجج بـ"الضغط على البنية التحتية"
وأدّى هذا الاعتماد المتزايد على الإنترنت إلى زيادة استهلاك المستخدمين للبيانات، بحسب موقع MEE، لذا غالباً ما يؤدي هذا الاستهلاك المتزايد إلى حاجة المستخدمين لتجاوز السعة القصوى لباقات البيانات المحدودة، ما فتح الباب أمام اتهامات المشتركين لمزودي الخدمات بأنهم يقدمون لهم القليل جداً مقابل الكثير من المال.
عندما يستهلك المستخدمون السعة الكاملة للباقة تنخفض سرعة الإنترنت تلقائياً إلى الحد الأدنى، ما يجعل الخدمة نفسها بلا أي فائدة.
يضطر معظم المشتركين إلى شراء باقات إضافية قبل موعد تجديد الباقة العادية، ما يعني اضطرارهم إلى دفع ضعف الرسوم الشهرية التي ينبغي عليهم دفعها لمقدمي الخدمة.
في المقابل، يقول بعض مزودي الخدمة إن منح المشتركين باقات غير محدودة سيتسبب لهم في خسائر مالية كبيرة.
يقول أسامة ياسين، الرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات: "سيضع ذلك ضغطاً هائلاً على البنية التحتية المتاحة".
"لا للسرقة، لا للغش، لسنا أغبياء"
اجتذبت الحملة التي انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي، الشهر الماضي، دعماً واسعاً، إذ أصر المشاركون على الحصول على باقات غير محدودة من شركات الإنترنت في مصر.
شارك بعض الأشخاص في الحملة تحت شعار: "لا للسرقة، لا للغش، لسنا أغبياء". وتصدر الوسم "إنترنت غير محدود في مصر" وسائل التواصل الاجتماعي لأسابيع، وسط دعم متزايد من المشتركين والمستخدمين.
وتعهد المشاركون بمواصلة التعبير عن مطالبهم، والتي يعتبرونها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.
اكتسبت الحملة أيضاً دعماً من المشاهير، من بينهم الممثل الكوميدي محمد هنيدي، الذي قال إن الإنترنت أصبح عنصراً رئيسياً في حياة المصريين.
كتب هنيدي على تويتر: "يعتمد التعليم على الإنترنت، وتحولت الصحافة إلى نشر مقاطع الفيديو، ولدينا آلاف اللاعبين، في واحدة من أشهر الصناعات في العالم. أصبح الإنترنت غير المحدود ضرورة".
الحكومة: "مصر لا تحتاج إنترنت غير محدود الآن"
من جهته، دعا الصحفي الموالي للحكومة مصطفى بكري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى التدخل، باتخاذ ما وصفه بـ"إجراء حاسم".
في الوقت نفسه، دعا عدد من نواب البرلمان وزارة الاتصالات لإقناع مقدمي الخدمة بالاستجابة لمطالب المشتركين.
وأنهى بعض مشتركي الإنترنت اشتراكاتهم بالفعل، لإجبار مزودي خدمة الإنترنت على الاستجابة لمطالب الحملة.
ورداً على ذلك، قال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عمرو طلعت، إن باقات الإنترنت غير المحدود ستكون باهظة التكلفة على المشتركين. وصرّح الوزير للتلفزيون المصري في وقت سابق من هذا الشهر: "ستكون الأسعار غير عادلة للمشتركين الذين لا يستخدمون الإنترنت كثيراً".
قال طلعت إن الوزارة تركز أكثر في الوقت الحالي على توفير الإنترنت لكل المصريين، بما في ذلك من يعيشون في المناطق الريفية. وكشف أن الوزارة أنفقت 2.1 مليار دولار على تطوير البنية التحتية للإنترنت في السابق، وأنها تخطط لإنفاق 3.4 مليار دولار أخرى على مزيد من التطوير.
وقال عمرو بدوي، مسؤول الاتصالات السابق، إن "مصر لا تحتاج إنترنت غير محدود الآن". وأضاف بدوي: "إننا نحتاج إلى تقوية شبكات الإنترنت داخل المدارس. هذا أمر بالغ الأهمية، لأن التعليم أهم عناصر التحول الرقمي الذي تطمح بلدنا إلى تحقيقه"، حسب تعبيره.