"من مدينة السلام المصرية ذات الشوارع الضيقة إلى كل العالم"، هكذا تحولت الأغاني الشعبية المصرية المعروفة باسم أغاني المهرجانات التي نشأت في أزقة القاهرة وتقمعها السلطات ويخجل فنانو البلاد المشهورون منها إلى موضة عالمية رغم أنف القيود الحكومية.
أثناء التجوال في شوارع القاهرة الضيقة، يطلق سائقو عربات التوك توك أصوات أغاني المهرجانات من مكبرات الصوت. وهذا النوع من الموسيقى له صوت مميز يجمع بين آلة الرق المصرية (أو الدُّف) والطبلة والإيقاعات الإلكترونية، وغناء المؤدين وموسيقى الراب. ولفترة من الوقت، كانت الطبقة العاملة هي التي تستمتع بالأساس بالمهرجانات وتتغاضى عنها السلطات. لكن الآن بعد أن زادت شعبيتها، يحاول المسؤولون إسكاتها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Economist البريطانية.
نشأة أغاني المهرجانات
وُلِدَت المهرجانات في مدينة السلام، وهي ضاحية خارجية مُهمَلَة في شرق القاهرة، في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وعكست المهرجانات التجارب اليومية للمؤدين، بدءاً من فقدان النعال إلى ارتفاع معدلات البطالة ووحشية الشرطة. تقول عالمة أنثروبولوجيا مصرية لا تريد ذكر اسمها: "هذه الكلمات مهمة لأنها تعطي صوتاً لمن لا صوت لهم". وتصف هذه الأغاني بأنها "صرخة مدوية من جزء غير مرئي من مصر".
وغالباً ما كانت هذه الموسيقى تُنتَج محلياً، وتُوزَّع على وحدات تخزين USB وتُعزَف في حفلات الزفاف. لكن المهرجانات سرعان ما انتشرت خارج مدينة السلام وأصبحت صوت الطبقة العاملة في مصر. واعتقد بعض النخبة في البلاد أنَّ أغاني المهرجانات كان سيئة الذوق. ونادراً ما عُزِفَت هذه الأغاني على الراديو. كما لم يُدعَ فنانو المهرجانات للظهور على شاشة التلفزيون.
ومع ذلك، وجدت المهرجانات، بصفتها نوعاً أدبياً يوثق مشكلات المجتمع بالإضافة إلى كونها جذابة، معجبين جدداً خلال الربيع العربي لعام 2011. وصارت إيقاعاتها تُسمَع في حرم الجامعات وردهات الفنادق وتنطلق بصوت صاخب من السيارات.
واشتدت حملة القمع على الموسيقى بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في انقلاب عام 2013، حسب الصحيفة البريطانية.
وقررت نقابة الموسيقيين المصريين، الخاضعة للدولة، أنَّ المهرجانات كانت "مبتذلة". وفي الواقع، كان هذا اللون من الفن هداماً؛ إذ تنصح إحدى الأغاني من يريدون نسيان أولئك الذين يضطهدونهم، بشرب الحشيش.
الفن يجب أن يقدم صورة إيجابية لمصر
تقول سارة رمضان من مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي جماعة لحقوق الإنسان، إنه في عهد الرئيس السيسي "شُجِّع الفنانون على تقديم صورة متفائلة عن مصر، وتجنب الإشارة إلى الجيش والشرطة.
وبدأت النقابة بفرض هذه الرؤية من خلال تقييد هؤلاء الفنانين". وبدأ تغريم موسيقيي المهرجانات بسبب أدائهم بدون ترخيص صادر من النقابة. وبعد انتشار أغنية "بنت الجيران" التي تتحدث عن المخدرات والكحول في عام 2020، مُنِع هؤلاء المؤدون حتى من الغناء في الأماكن الخاصة. وفي وقت لاحق، نصّت النقابة على أنه يتعين على بعض الفنانين التقدم للحصول على تراخيص جديدة كل عام.
أحكام قضائية وغرامات مالية ومنع للمطربين الشعبيين
في عام 2021، فقد ما لا يقل عن 19 موسيقياً من موسيقيي المهرجانات تراخيصهم أو فشلوا في الحصول عليها، فيما بدت أنها محاولة لخنق حياتهم المهنية.
وطلبت النقابة، أيضاً من موقع يوتيوب إزالة بعض محتوى المهرجانات (لكن لا تزال مقاطع الفيديو هذه مفتوحة).
لم تستجب نقابة الموسيقيين المصريين إلى طلبات التعليق المقدمة من قبل صحيفة The Economist البريطانية.
ومن بين أهداف البيروقراطية كان حمو بيكا، المغني الذي توصي كلمات أغانيه بشرب الحشيش. ورفضت النقابة منحه الترخيص أكثر من مرة، وتعرض لانتقادات بسبب الفظاظة الملحوظة في موسيقاه، وفشله في اجتياز اختبار صوتي كلاسيكي، وعدم قدرته على تقديم الأوراق الصحيحة.
وفي مارس/آذار، حُكم عليه وزميله المطرب عمر كمال بغرامات مالية وأحكام مع وقف التنفيذ بتهمة "انتهاك القيم العائلية" في مقطع نشروه مع راقصة شرقية ترقص معهم.
ولكن رغم هذه القيود تنطلق أغاني المهرجانات للعالمية
القيود المتزايدة للحرية الفنية في مصر، كانت حتى الآن غير فعالة. ففي العصر الرقمي، من الصعب إسكات أنواع كاملة من الفن.
وتحظى مقاطع فيديو حمو بيكا بملايين المشاهدات على يوتيوب. وتضمن مسلسل "Moon Knight- فارس القمر"، أحد مسلسلات شركة Marvel الأمريكية الذي يدور جزء منه في مصر، أغنية مهرجانات بعنوان "الملوك" في حلقة مبكرة.
وفي أبريل/نيسان، وصلت هذه الأغنية للمركز الخامس عشر في مخطط بيلبورد للمبيعات الرقمية للموسيقى العالمية. وفي الخارج، أصبحت الآن أفضل أغنية مصرية على تطبيق Spotify؛ وما يقرب من 90% من تشغيل الأغنية يأتي من خارج البلاد.
قد تتحول لواحدة من أهم صادرات مصر الثقافية
وقد يتبع المزيد من الفنانين خطى "الملوك". إذ تأمل Reservoir Media، وهي شركة موسيقية مقرها نيويورك، في أن تحظى أغاني المهرجانات المصرية بشعبية بين المستمعين الغربيين كما فعل ريغيتون، وهو نوع رقص شائع في أمريكا اللاتينية، في أواخر عام 2010.
فقد وقعت الشركة صفقة مع الممثل والمغني محمد رمضان، واشترت علامة مصرية وتأمل في تنمية مواهب جديدة من المنطقة. يقول غولنار خوسروشاهي، رئيس Reservoir Media: "ينصب اهتمامنا على الموسيقى الجديدة ذات الطبيعة الثقافية المحلية. وهذا يناسب هدفنا".
على الجانب الآخر، ينتقد المحافظون كل هذا، خوفاً من أن يعتقد الأجانب أنَّ المهرجانات تمثل أذواق مصر. ولكن أغاني المهرجات قد تمثل قريباً صادرات ثقافية كبيرة، سواء أحبتها السلطات أم لا. وبعد تصدر أغنية "الملوك" قوائم المبيعات، نشر أحد الموسيقيين القائمة على الشبكات الاجتماعية، مُعلقاً: "من مدينة السلام إلى العالم".