لم يسبق في تاريخ الحروب أن شهدنا استخدام الطائرات بدون طيار بهذا الشكل المُكثَّف الذي تُستخدَم به في أوكرانيا؛ إذ يعتمد الروس والأوكرانيون على حد سواء على الطائرات غير المأهولة لتحديد مواقع العدو وتوجيه ضربات مدفعيتهم الفتَّاكة.
لكن بعد أشهر من القتال، استُنزِفَت أساطيل الطائرات دون طيار لدى كلا الجانبين، وهما الآن يتسابقان لتصنيع أو شراء ذلك النوع من الطائرات دون طيار المتقدمة والمقاوِمة للتشويش الذي يمكن أن يوفر ميزة حاسمة، كما يقول تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
روسيا تبحث عن طائرات بدون طيار من إيران
انعكست مدى إلحاحية الأمر في كشف البيت الأبيض، الإثنين الماضي، 11 يوليو/تموز، أنَّ لديه معلومات بأنَّ إيران ستسرع بتقديم "ما يصل إلى بضع مئات" من الطائرات المُسيَّرة لمساعدة موسكو. واخترقت الطائرات التي تُقدِّمها إيران بفاعلية أنظمة الدفاع الجوي السعودية والإماراتية المُقدَّمة من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
قال صامويل بينديت، وهو محلل بمركز أبحاث "تحليل الأمن القومي" المعنيّ بالشؤون العسكرية: "ربما لا تزال قوة الطائرات دون طيار الروسية كبيرة، لكنَّها مُستنزَفة. والروس يتطلَّعون للاستفادة من سجل الإنجازات الإيراني المُثبَت".
وأضاف بينديت أنَّ أوكرانيا في غضون ذلك تريد وسائل لـ"َضرب منشآت القيادة والسيطرة الروسية من على بُعد كبير".
ولا يزال الطلب على الطرازات الاستهلاكية الجاهزة مكثفاً في أوكرانيا، وكذلك الجهود لتعديل مُسيَّرات الهواة لجعلها أكثر مقاومة للتشويش. ويعتمد كلا الجانبين على التمويل الجماعي لتعويض الخسائر في ساحة القتال.
وصرَّح مسؤول أوكراني بارز، يدعى يوري شيغول، للصحفيين يوم الأربعاء، 13 يوليو/تموز، بالقول: "العدد الذي نحتاجه ضخم". وقال إنَّ أوكرانيا تسعى مبدئياً لشراء 200 طائرة مُسيَّرة عسكرية من حلف الناتو، لكنَّها تحتاج 10 أضعاف ذلك.
أوكرانيا تسعى للحصول على مسيّرات أكثر قوة
ويشكو المقاتلون الأوكرانيون الأقل تسليحاً من أنَّهم ببساطة لا يملكون الطائرات المُسيَّرة العسكرية المطلوبة للتغلُّب على التشويش الروسي وعمليات الاختطاف باستخدام التحكم بموجات الراديو. إذ يتم رصد وتدمير الطرازات المدنية التي يعتمد عليها معظم الأوكرانيين بسهولة نسبية. ويشيع إمطار المدفعية الروسية لمُشغِّلي تلك الطائرات بوابل من النيران في غضون دقائق من رصد الطائرة.
ومقارنةً ببداية الحرب، يرى بينديت الآن دلائل أقل على إسقاط الطائرات المُسيَّرة الروسية. وأضاف: "الأوكرانيون على وشك الهزيمة".
ويزيد من مشكلات المدافعين أنَّ بطلة الحرب الأوكرانية في الأسابيع الأولى من الحرب، طائرة بيرقدار Bayraktar TB-2 المُسيَّرة تركية الصنع، أصبحت "أقل فاعلية" في مواجهة الدفاعات الجوية والإلكترونية الروسية الأكثر كثافة في شرق أوكرانيا.
وقال قائد وحدة استطلاع جوي أوكراني مؤخراً لصحفيين من وكالة أسوشيتد برس خارج مدينة باخموت قرب خطوط الجبهة: "الروس في موضع أفضل بكثير؛ لأنَّهم يُشغِّلون طائرات مُسيَّرة بعيدة المدى".
تحتاج أوكرانيا إلى طائرات دون طيار متطورة يمكنها مقاومة التداخل الراديوي والتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي "GPS"، والاعتماد على الاتصالات عبر القمر الاصطناعي والتقنيات الأخرى من أجل السيطرة والتحكم.
وحدد مستشار كبير للرئيس فلوديمير زيلينسكي في تغريدة في منتصف يونيو/حزيران الماضي يسرد فيها مختلف الأسلحة المطلوبة، أنَّ أوكرانيا بحاجة إلى 1000 طائرة مُسيَّرة إن أرادت إنهاء الحرب.
وأعرب نائب رئيس الوزراء الروسي المشرف على صناعات السلاح الروسية في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي، يونيو/حزيران، عن أسفه من أنَّ تطوير الطائرات المُسيَّرة قبل الحرب لم يكن أكثر قوة. وقال يوري بوريسوف أيضاً إنَّ روسيا ستعزز تصنيع مجموعة واسعة من الطائرات دون طيار، "ولو أنَّه ليس من الممكن القيام بذلك على الفور".
المخزون الروسي والأوكراني من الطائرات بدون طيار ينخفض
يتجاوز المخزون الروسي من الطائرات العسكرية المُسيَّرة بعيدة المدى المخزون الأوكراني، لكنَّ إمدادات الكرملين أيضاً تتراجع. فوفقاً لمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتبَّعتها الباحثة في شؤون المُسيَّرات فاين غرينوود، تُشغِّل القوات الروسية هي الأخرى الكثير من الطائرات المُسيَّرة رباعية المراوح "كوادكوبتر" الجاهزة بتكلفة 2000 دولار، غالباً يُوفِّرها أقارب الجنود ومتطوعون.
قال بينديت إنَّ روسيا فقدت نحو 50 من أكثر طرازات الطائرات المُسيَّرة وفرة لديها، طائرة Orlan-10، لكنَّها على ما يبدو تملك العشرات أو أكثر منها.
ويُقدِّر تقرير جديد من مركز أبحاث "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" البريطاني متوسط العمر الحالي للطائرة دون طيار الأوكرانية بنحو أسبوع.
شحنت الولايات المتحدة وحلفاء غربيون آخرون المئات من الطائرات دون طيار، بما في ذلك عدد غير محدد من طائرات Switchblade 600 "الانتحارية" التي تحمل رؤوساً حربية خارقة للدروع. يمكن لهذه الطائرات التحليق بسرعة 70 ميل/ساعة (112.7 كم/ساعة تقريباً) وتستخدم الذكاء الاصطناعي لتتبُّع الأهداف. لكنَّ مداها محدود، ويمكنها البقاء في الجو لنحو 40 دقيقة فقط.
ومن المحتمل أن تكون طائرات مُسيَّرة عسكرية متطورة أخرى يُطلَق عليها اسم "Phoenix Ghosts" أكثر فائدة في بلوغ مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة الروسية، وقد اقتنتها الولايات المتحدة من أجل أوكرانيا في مايو/أيار الماضي.
قال الفريق المتقاعد ديفيد ديبتولا، عضو مجلس إدارة شركة Aevex Aerospace المُصنِّعة للطائرة، إنَّ خصائصها سرية في معظمها، لكن يمكنها التحليق لست ساعات وتدمير المركبات المدرعة ولديها كاميرات بالأشعة تحت الحمراء للمهمات الليلية.
مسيّرات انتحارية
من الطائرات دون طيار الأخرى الملائمة على نحو مماثل للاستطلاع وتوجيه المدفعية طائرة Furia المحلية الأوكرانية، والتي تكلف الواحدة منها 25 ألف دولار.
قال أرتيم فيونيك، المدير التنفيذي للشركة المُصنِّعة Athlon Avia، إنَّ نحو 70% من طائرات Furia الـ200 التي اشترتها أوكرانيا بعد بدء روسيا أعمالها العدائية في 2014 قد أُسقِطَت. وأضاف أنَّ الإنتاج سيُستأنَف في مصنع جديد، لكنَّ الموردين المحليين وحدهم لا يمكنهم البدء في سد فجوة الطائرات المُسيَّرة الأوكرانية.
وأوضح شيغول، رئيس الهيئة الحكومية للاتصال الخاص، الأسبوع الماضي، أنَّ أولويات أوكرانيا من الطائرات المُسيَّرة تشمل الطائرات المُسيَّرة "الانتحارية" والطرازات القادرة على النجاة من ستار الحرب الإلكترونية الروسي السميك.
وتشمل المعدات المضادة للطائرات دون طيار التي قدَّمتها الشركات الغربية لأوكرانيا معدات لا يمكنها تحديد موقع الطائرة المُسيَّرة وحسب، بل أيضاً طرازها وبنيتها بناءً على ترددات الراديو التي تستخدمها. ثم تحدد أفضل السبل لتعطيل الطائرة.
تجعل لعبة القط والفأر الكهرومغناطيسية الأعقد من أي وقتٍ مضى هذه من أوكرانيا أحدث ساحة اختبار للابتكار التكنولوجي العسكري.
قال تورستن شميلوس، المدير التنفيذي لشركة Aaronia الألمانية، التي قدَّمت التكنولوجيا لأوكرانيا: "الجميع الآن يريد مُسيَّرات ومُسيَّرات خاصة ومُسيَّرات لا يمكن التشويش عليها أو أياً كان". وسيقود التقدم السريع إلى كابوس شيملوس: "سيكون لدى الجميع ملايين المُسيَّرات التي لا يمكن التغلُّب عليها".