"طائرات إسرائيل باتت تحمي أجواء البلدان العربية"، لم يعد هذا السيناريو هدفاً إسرائيلياً بعيد المنال، بل إنه أمر واقع وقائم حالياً؛ حيث إن التعاون العسكري العربي الإسرائيلي، يجري بالفعل بشكل سري، فيما كانت تأمل إسرائيل والولايات المتحدة أن تعطي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة دفعاً لهذا التعاون الذي يراه كثيرون بداية حقيقية لتدشين حلف ناتو الشرق الأوسط.
فلقد أصبح التنسيق الذي لم يكن من الممكن تصوّره في السابق بين الجيوش الإسرائيلية والعربية في دائرة الضوء، خلال زيارة جو بايدن الأخيرة إلى الشرق الأوسط؛ حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس (AP) الأمريكية.
ولم يأت بايدن للمنطقة لتدشين مبادرة التعاون العسكري العربي الإسرائيلي، بل هي أمر واقع قائم منذ فترة، ولكن على العكس، فإن بايدن هو الذي يستغل هذه المبادرة لإكساب زيارته الإشكالية للشرق الأوسط قبولاً في مواجهة المعارضة الأمريكية الداخلية لها.
طائرات إسرائيل تسقط المسيّرات الإيرانية فوق الأرض العربية
ففي سماء شرق إسرائيل، كانت عقارب الساعة تقترب من الثانية صباحاً، عندما فحص 4 طيارين إسرائيليين الأفق بحثاً عن طائرتين مسيرتين بدون طيار كانت كلتاهما تتجه نحو إسرائيل منطلقة من إيران. وفجأة، شاهدها الطيارون بينما كانت تسرع متجهة غرباً.
وجّه أحد الطيارين حديثه إلى قادته عبر الراديو قائلاً: "مطابقة إيجابية. سوف أطلق القذيفة".
وبعد ثوانٍ، تحطمت الطائرتان المسيرتان على الأرض بعد أن أسقطتهما المقاتلات الإسرائيلية في موقعين فوق أراض عربية.
كان هذا الحدث السري، الذي وقع في 15 مارس/آذار، أحد أول الأمثلة الناجحة لعلاقة عسكرية وليدة بين إسرائيل وشركاء من الدول العربية والولايات المتحدة: وهو مشروع يحاول الرئيس الأمريكي جو بايدن تعزيزه في إطار شبكة ذات طابع رسمي أكبر، وذلك خلال زيارته هذا الأسبوع إلى الشرق الأوسط، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
يضرب هذا الحدث، الذي أكده مسؤولان إسرائيليان وكذلك تسجيلات اتصالات الطيارين، مثالاً على الطريقة التي تعمل بها الآن إسرائيل -التي كانت معزولة من قبل في الشرق الأوسط بسبب التضامن العربي مع القضية الفلسطينية- عن كثب مع عديدٍ من الجيوش العربية. ويعرض كذلك كيف أن المخاوف المشتركة من إيران أبطلت المخاوف التي كانت لدى بعض الحكومات العربية من التعاون مع إسرائيل بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية.
إسرائيل تستغل تهديد مسيرات إيران لإطلاق مشروع الدفاع الجوي للشرق الأوسط
صحيحٌ أن التهديد الإيراني الأكبر على المدى الطويل يتمثل في البرنامج النووي، لكن خصوم طهران قلقون من الطائرات المسيرة؛ لأن صغر حجمها وبطئها النسبي يصعّب اكتشافها واعتراضها، ونظراً إلى أنها تسببت في أضرار فعلية.
وفي هذا السياق، أطلقت إسرائيل مبادرة جديدة التي أعلنت عنها في الشهر الماضي، وهي مشروع الدفاع الجوي للشرق الأوسط، حسب The New York Times.
وتعد محاولة لتعزيز الدفاعات الجوية للمنطقة ضد المسيرات. وتتمثل الفكرة في السماح للمشاركين فيها بتنبيه بعضهم بعضاً على الفور بشأن هجمات المسيرات القادمة، من خلال التنسيق مع القيادة المركزية للولايات المتحدة. حذرت إسرائيل فعلياً بعض الدول العربية من هجمة وشيكة بالطائرات المسيرة، وذلك حسبما قال مسؤول بارز في الجيش الإسرائيلي.
بايدن يستغل المبادرة لتبرير زيارته للمنطقة
لكن هذه المبادرة الإسرائيلية لتشكيل حلف عربي إسرائيلي ضد المسيرات أصبحت في قلب السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط.
فمنذ تولي إدارة بايدن السلطة قلل من أهمية الشرق الأوسط في السياسة الأمريكية وبدا أنه يتجاهله، ولكن الأزمة الأوكرانية أثبتت أن أهمية الشرق الأوسط لا تنفد، وخلال الأشهر القليلة الماضية، تغيرت هذه السياسة الأمريكية، حسب صحيفة Politico الأمريكية.
خلص بايدن وفريقه إلى أنه يجب عليهم تكثيف وجود واشنطن في الشرق الأوسط للحفاظ على تدفق النفط العالمي بعد تضاؤل الصنبور القادم من روسيا في أعقاب الحرب الأوكرانية، ولإحباط محاولات بكين وموسكو لزيادة نفوذهما، وللتصدي لطموحات إيران النووية، والحفاظ على وقف إطلاق النار في اليمن، ولإحداث تحديث أسرع في المجتمع السعودي.
ولكن الملف الذي يركز عليه بايدن في زيارته هو العمل على تسريع عملية التطبيع العربي الإسرائيلي، في مقدمتها تحسين العلاقات بين المسؤولين في إسرائيل والسعودية.
إدارة بايدن لم تكن متحمسة لاتفاقات إبراهام.. فما الذي تغير؟
لم تكن إدارة بايدن متحمسة لاتفاقات سلام إبراهام التي ورثتها عن إدارة ترامب؛ حيث لم يكن بايدن وإدارته مرتاحين لتجاهلها القضية الفلسطينية تماماً، ولا ما صاحب هذه الاتفاقية من اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، إضافة إلى قلقهم من أن تعزيز العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل هدفه الأساسي الضغط على واشنطن في الملف الإيراني بسرعة وطريقة لا تناسبها أو قد تؤدي إلى إشعال حرب لا تريدها.
في عام 2017، حذر وزير الخارجية الأمريكي الحالي أنتوني بلينكن قبل توليه هذا المنصب بسنوات، من ترويج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لـ "الناتو العربي". وكتب بلينكن آنذاك "أن تحالفاً أمنياً عربياً سنياً، يمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى الصراع الطائفي بين السنة والشيعة".
ولكن حاجة بايدن لزيارة الشرق الأوسط، للبحث عن النفط الرخيص في السعودية والإمارات، والتي بدا أنها تمثل تراجعاً كبيراً من الرئيس الذي هدد المستبدين العرب وتوعد بنبذ السعودية، جعل هناك فائدة مزدوجة لفكرة الناتو الشرق الأوسطي بالنسبة لبايدن وخاصة التحالف العربي الإسرائيلي ضد المسيرات الإيرانية.
فبسرعة حولت إدارة بايدن أجندة الزيارة من هدفها الحقيقي، وهو استجداء دول الخليج لزيادة إنتاج النفط، إلى هدف يستطيع ترويجه في واشنطن، وهو تعزيز السلام بين العرب وإسرائيل بحيث يصل للتنسيق العسكري.
ومن الناحية الميدانية، فإن حلف المسيرات الذي بدأ العمل به، يقدم فائدة بلا مخاطرة كبيرة لواشنطن؛ إذ سيخفف العبء على كاهلها في الدفاع عن منطقة الخليج ضد تهديدات المسيرات الإيرانية، ويوفر شعوراً لإسرائيل ولدول الخليج مفاده أن واشنطن تأبه للتهديدات الإيرانية.
وسيقلل دعم أمريكا لحلف المسيرات من الانتقادات لزيارة بايدن لمنطقة الخليج، في الداخل الأمريكي، لأن الجمهوريين والديمقراطيين على السواء سيرحبون بدعمه للتطبيع العربي الإسرائيلي، لا سيما إذا كان أحد أهدافه التنسيق ضد إيران.
حتى إن النشطاء الديمقراطيين اليساريين الذين أظهروا حماساً لافتاً للقضية الفلسطينية في السنوات الماضية، لن يستطيعوا الاعتراض علناً على فكرة التطبيع بين إسرائيل وأعدائها السابقين.
التعاون العسكري العربي الإسرائيلي بدأ قبل بايدن
بدأ التعاون الأمني والعسكري بين بعض الدول العربية وإسرائيل يخرج للنور بعد اتفاقيات أبراهام لعام 2020 التي تم التفاوض عليها في ظل إدارة ترامب وأدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول في جامعة الدول العربية.
لقد نما التعاون العسكري العربي الإسرائيلي أكثر منذ أن حول البنتاغون التنسيق مع إسرائيل من القيادة الأمريكية في أوروبا إلى القيادة المركزية للجيش الأمريكي المكلفة عادة بالتعامل مع الدول العربية، في العام الماضي؛ حيث جمعت هذه الخطوة الجيش الإسرائيلي في سلة واحدة مع خصومه العرب السابقين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ودول أخرى لم تعترف بإسرائيل بعد.
واليوم، تسعى إدارة بايدن للبناء على هذا المسار؛ حيث قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، اليوم الخميس، إن تشجيع الدول العربية على تعزيز العلاقات الأمنية والعلاقات الشاملة مع إسرائيل هو أحد أهداف رحلات بايدن إلى إسرائيل والسعودية.
بالفعل هذا العام، شاهد أمراء من دول الخليج العربية وشخصيات بارزة أخرى من على ظهر سفينة حربية تدريبات أمريكية، شارك بها رجال ضفادع بشرية وبحارة إسرائيليون في البحر الأحمر، في واحد من التدريبات الإسرائيلية المتزايدة جنباً إلى جنب مع الجيوش الأمريكية والعربية.
تم تعيين ضابط ارتباط إسرائيلي في مقر الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، وهي دولة خليجية اعترفت بإسرائيل فقط في عام 2020. يتشاور مسؤولو الدفاع العرب والإسرائيليون بشكل متزايد في جميع أنحاء المنطقة، ويستكشفون مجالات التنسيق الأمني وكيفية مواءمة الخبرات؛ المخابرات والأسلحة لتنفيذه، حسب الوكالة الأمريكية.
الكونغرس يدعم الحلف العربي الإسرائيلي المضاد للمسيرات الإيرانية
قدم المشرعون الجمهوريون والديمقراطيون تشريعاً الشهر الماضي من شأنه أن يوجه البنتاغون إلى تشكيل نظام دفاع جوي مشترك لإسرائيل والدول العربية ضد الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار الإيرانية.
وقال كيربي، الخميس، إن الولايات المتحدة تؤكد على تنسيق أنظمة الدفاع الجوي الإقليمية كخطوة مبكرة في التحالف "لذلك هناك بالفعل تغطية فعالة للتعامل مع إيران".
وقال مسؤول إسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "أعضاء القيادة المركزية الأمريكية يعملون معاً أيضاً في مجال الأمن البحري؛ وذلك لمناقشة المشاورات الأمنية العربية والإسرائيلية التي لا تزال تجري وراء الكواليس إلى حد كبير. والفكرة هي أن القيادة المركزية الأمريكية يمكنها التنسيق بين هذه الدول وتحقيق الرؤية المتمثلة في وجود دفاع إقليمي".
ودافع بايدن عن اجتماعه المرتقب مع قادة السعودية الذي سبق أن زعم أنهم منبوذون، قائلاً إنه يتصرف جزئياً بناءً على طلب إسرائيل، حسب وكالة أسوشيتدبرس (AP) الأمريكية.
ولكن التنسيق الأمني العربي الإسرائيلي يعمّق إحباط الفلسطينيين، الذين يشعرون بالفعل بأن اتفاقيات إبراهام قد باعتهم، ولأنها لم تفعل شيئاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
لم يقدم المسؤولون الأمريكيون حتى الآن سوى القليل من التفاصيل عن التعاون العسكري العربي الإسرائيلي الناشئ، واضعين في اعتبارهم أن الجماهير العربية قد تعارض احتضان عدو قديم، حسب الوكالة الأمريكية.
ولكن العلاقات الأمنية في ظل القيادة المركزية الأمريكية تثير احتمالات قيام "تحالف عربي سني موحد حقاً للوقوف مع إسرائيل" ضد إيران، حسبما قال دانييل شابيرو، السفير السابق لدى إسرائيل والمدافع البارز عن التحالف الناشئ بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
هل تستطيع تل أبيب التصدي لها؟
في حين تفتقر إيران إلى الأسلحة المتطورة أمريكية الصنع الموجود كثير منها لدى إسرائيل ودول الخليج، فإنها تمتلك ترسانة لا مثيل لها من الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة.
تأمل الولايات المتحدة أيضاً أن يعني التنسيق أن الجهات الفاعلة الإقليمية ستتحمل المزيد من المسؤولية عن أمنها؛ مما يسمح للولايات المتحدة باستمرار توفير الحماية لحقول النفط بمنطقة الخليج التي استمرت لعقود، مع تحويل مزيد من اهتمامها إلى روسيا والصين.
ومن الواضح أن تنسيق قدرات الدفاع الجوي الإقليمية بين إسرائيل وبعض الدول العربية، يمثل صلب عملية التعاون العربي الإسرائيلي.
فهو تعاون يبدو دفاعياً حتى الآن، ويستهدف مجالاً حققت فيه إيران اختراقاً كبيراً عبر طائراتها المسيرة، وصواريخها الباليستية، فيما تدعى إسرائيل أنها حققت اختراقات كبيرة في تطوير تكنولوجيا الأسلحة المضادة للطائرات المسيرة والصواريخ.
وتشكل الطائرات المسيرة الإيرانية تحدياً تكنولوجياً جديداً أمام إسرائيل وكذلك دول الخليج؛ حيث إن المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية تملك آليات دفاع جوي متطورة وقادرة على اعتراض الصواريخ التي تنطلق من غزة ولبنان وسوريا. ولدى إسرائيل كذلك منظومة معقدة من المستشعرات قادرة على اكتشاف الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون والتي يحفرها مقاتلو حزب الله اللبناني أحياناً تحت الحدود الإسرائيلية.
لكن هذه الدفاعات ليست كافية نسبياً ضد المسيرات.
قال ألون أونغر، وهو مشغّل طائرات مسيرة لدى القوات الجوية الإسرائيلية سابقاً ويدير مؤتمراً سنوياً حول المسيرات في إسرائيل، إن أي طائرة مسيرة تكون "طائرة بطيئة نسبياً ذات مقطع راداري منخفض. يصعب تحديد انطلاقها أو مسارها، أو قذفها باستخدام المقاتلات الحربية السريعة، التي صُنعت للاشتباك مع مقاتلات العدو في المعارك الجوية".
تسبب هجوم إيراني بالطائرات المسيرة على منشآت شركة أرامكو السعودية النفطية في سبتمبر/أيلول 2019 في تعاظم الشعور بالقلق من تهديدات الطائرات المسيرة المتزايدة، ليس فقط في إسرائيل، بل في الولايات المتحدة وفي دول الخليج.
ساعدت هذه المخاوف المشتركة في حشد الجهود الأمريكية والإسرائيلية لتأسيس برنامج تعاون إقليمي لمكافحة المسيرات.
إسرائيل تريد أن تربط الدول العربية معها بشبكة رادارات مشتركة
طموح إسرائيل في تعزيز التعاون العسكري مع الدول العربية يبدو كبيراً، خاصة أن هذا الطموح سيجعل لها اليد العليا تكنولوجياً باعتبارها أكثر تقدماً من مجمل الدول العربية، الأمر الذي قد يمكنها من اختراق شبكات أنظمة الدفاع الجوي العربية وإمكانية السيطرة عليها إذا لزمت.
في المستقبل، تأمل إسرائيل أن يصير المشاركون في مشروع الدفاع الجوي للشرق الأوسط، الذي أعلنت عنه، متصلين بنفس نظام الرادار؛ مما يقلص الحاجة إلى إرسال أحدهم تحذيرات إلى الآخرين، وفقاً لتقرير صحيفة The New York Times.
قال الجنرال ران كوتشاف، قائد نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي سابقاً وكبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي: "سوف يرى الجميع نفس التغذية (المعلوماتية) على شاشاتهم".
وبالفعل، تحدث بعض التنسيقات. في حادث شهر مارس/آذار، تمكنت إسرائيل أيضاً من النجاح في الحصول على إذن من دولة عربية قريبة لدخول مجالها الجوي واعتراض المسيرات قبل أن تعبر حدود إسرائيل.
رفض المسؤولون الإسرائيليون تحديد هوية تلك الدولة، وذلك تجنباً للتسبب في إحراج لها لأنها سمحت لقوة جوية أجنبية بالتحليق فوق الأراضي الخاضعة لسيادتها. لكن الأرجح أن هذه الدولة كانت الأردن، وهي الدولة الوحيدة عند الحدود الشرقية التي تجمعها بإسرائيل علاقات ودية، حسب الصحيفة الأمريكية.
ويبدو أن هذه السرية تسلط الضوء على حقيقة أن جهود تأسيس شبكة ذات طابع أكثر رسمية لا تزال في مرحلة تجريبية. يأمل المسؤولون الإسرائيليون أن يعلن الرئيس بايدن رسمياً عن المشروع خلال زيارته هذا الأسبوع. لكن المشاركين من الدول العربية مترددون في التأكيد على تورطهم، ناهيك عن ذكر مشاركتهم في تحالف عسكري مكتمل الأركان مع إسرائيل.
قال عبد الخالق عبد الله، وهو خبير في الشؤون السياسية والدبلوماسية لدول الخليج يستقر في دبي: "ثمة قدر كبير من التعاون، وإنه باقٍ. لكنه بعيد للغاية عن أن يصير نظاماً موحداً".
وأوضح عبد الله أن التنسيق العسكري الثنائي بين إسرائيل والبحرين والإمارات -بل وربما حتى السعودية، التي لا تجمعها الآن علاقات رسمية بإسرائيل- يعد ممكناً.
وأضاف: "لا أعتقد أن هناك أحداً في حالة مزاجية تسمح بتحالف إقليمي".
الأمر ليس قاصراً على دول الخليج
التعاون العسكري العربي الإسرائيلي لا يبدو ظاهرة خليجية، فلقد وقعت وزارة الدفاع الإسرائيلية على اتفاقيات معلنة مع نظيرتها البحرينية ونظيرتها المغربية، وهو ما يسهل على البلدان الثلاثة التنسيق ومشاركة المعدات العسكرية.
في خطوة لم تكن متصورة قبل ثلاث سنوات، نصَّبت إسرائيل مركز اتصال عسكرياً لها في البحرين، في إطار مبادرة إقليمية منفصلة لمكافحة القرصنة. تدربت البحرية الإسرائيلية والبحرينية كذلك معاً في الخليج في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، جنباً إلى جنب مع البحرية الأمريكية.
وزار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس المغرب، ووقع الطرفان في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، على مذكرة تفاهم دفاعي هي الأولى من نوعها بين تل أبيب ودولة عربية، تمهد الطريق لتعاون عسكري مشترك بينهما وصفقات أسلحة مختلفة.
حلف المسيرات بديل للناتو الشرق الأوسطي الواسع النطاق
ويقول المسؤولون والمحللون إنه من بين هذه العلاقات العسكرية المتنامية، يعد مشروع مكافحة المسيرات الأكثر واقعية حتى الآن، وتقوده رغبة حقيقية في تنسيق أفضل.
قال الجنرال عاموس يادلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والضابط البارز في القوات الجوية الإسرائيلية سابقاً: "إن أي ناتو شرق أوسطي لا يبدو منطقياً تماماً. فلا نعتقد أن الإسرائيليين سوف يذهبون للقتال مع السعوديين في اليمن، ولا نعتقد أن الإماراتيين سوف يأتون للقتال مع إسرائيل في غزة".
لكن أي منظومة دفاعية ضد المسيرات، ذات نطاق محدود، تمثل "الاحتياجات والمتطلبات الإقليمية لجميع الأطراف"، حسب يادلين.
التعاون بدأ قبل اتفاقات إبراهام
التعاون والاتصال قائم بالفعل على مستوى صغير وسري بين إسرائيل وبعض الدول العربية. لكن إتمام التقارب الدبلوماسي في 2020، الذي عُرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، أتاح تعميق العلاقات العسكرية التي صارت معلنة على نحو تدريجي خلال الأشهر الماضية، حسبما يقول مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون.
وبالفعل، أتاحت هذه العلاقات القوية للقوات الجوية الإسرائيلية أن تتدرب في أجواء البلاد العربية التي تصفها بالصديقة، وذلك حسبما نقلت صحيفة The New York Times عن مسؤولين إسرائيليين، وهو تغيرٌ في قواعد اللعبة بالنسبة للقوات الجوية الإسرائيلية التي كانت تعاني من تقيدها في الماضي بالتحليق فقط في المجال الجوي الإسرائيلي الضيق والمزدحم.
ومع مرور الوقت، تأمل إسرائيل أن تجعل فوائد هذا التحالف الشركاء العرب أكثر قبولاً للمشاركة.
لماذا تحول الأردن من القلق من اتفاقيات إبراهام لعضوية حلف المسيرات؟
شجعت اتفاقيات إبراهام كذلك مصر والأردن -اللتين تحظيان بعلاقات رسمية مع إسرائيل منذ عقود لكنهما لم ترسّخا هذه العلاقات- أن تعملا بصورة أوثق مع تل أبيب.
الأردن تحديداً يلاحظ تغير في موقفه. كان الأردن الذي يعد ثاني دولة عربية تقيم علاقة مع إسرائيل، قلقاً على ما يبدو من اتفاقيات إبراهام، خاصة ما ارتبط بها من اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل وحديث عن إنهاء الوصاية الهاشمية على الأقصى، والأخطر بالنسبة لعمّان، جهود جرت لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين أو حلها على حساب الأردن بما في ذلك توطين اللاجئين لديه أو حتى احتمال تنفيذ عملية هجرة جديدة.
ولكن جرت مياه كثيرة لدى الأردن، خلال الفترة الماضية، فبدلاً من أن يكون أحد ضحايا الموجة الجديدة للتطبيع العربي الإسرائيلي، فإن الأردن يبدو أنه يريد توجيهها، عبر التركيز على المجال الأمني ولا سيما في مواجهة التهديدات الإيرانية، وبدا ذلك من تصريحات العاهل الأردني عبد الله بن الحسين بتأييده إنشاء "ناتو الشرق الأوسط".
ورغم أن الأردن نفسه لا يعاني من هواجس التهديد الإيراني، كثيراً، إلا أن قيامه بدور في هذا الملف المهم لدول الخليج وإسرائيل يمكنه من الاحتفاظ بمقعد في هذه المبادرة، والأهم فإنه يحاول أن يتفادى تداعيات التطبيع السلبية في الملفات الحساسة لديه.
قد يكون الثمن الذي يدفعه الأردن جراء قيامه بهذا الدور، هو إغضاب إيران التي تنتشر ميليشياتها في سوريا المجاورة، ولكن يظل هذا الخطر أقل من أن يكون الأردن معزولاً عن قطار التطبيع وأدنى خطورة من تردي الوضع الاقتصادي في حال غياب دعم عربي أو غربي عن المملكة.
وفي الوقت نفسه، سارع الأردن بعد إظهاره الحماس لناتو الشرق الأوسط إلى التهدئة مع طهران؛ حيث أعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة أن عمان منفتحة على علاقات صحية مع إيران، مشيراً إلى أن بلاده لم تتعامل يوماً مع إيران على أنها مصدر تهديد لأمنها القومي.
ما هو موقف مصر؟
تبدو مصر هي الأكثر قلقاً من التعاون العسكري العربي الإسرائيلي، بما فيه الحلف ضد المسيرات الذي تقوده إسرائيل؛ حيث كانت الأوضح في رفضها لفكرة الناتو الشرق أوسطي، عبر تصريح لا لبس فيه لوزير خارجيتها سامح شكري.
المفارقة أن تحفظ مصر على حلف الناتو الشرق الاوسطي، يأتي رغم أن القاهرة هي أول من افتتح قطار التطبيع منذ السبعينيات، ونظام الرئيس السيسي وصل بالعلاقة مع إسرائيل لمستوى غير مسبوق، كما أن هناك تقارير عن تعاون عسكري بين مصر وإسرائيل في سيناء وصل إلى درجة قيام تل أبيب بغارات بطائرات مسيرة في سيناء بالتنسيق مع مصر، حسب تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
ولكن هناك أسباب عديدة لهذا التحفظ المصري على الحلف العسكري العربي الإسرائيلي، أولها أن هذا الناتو الشرق الأوسطي، عدوه الأساسي إيران، ومصر رغم أنه لا توجد لديها علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء مع إيران، ورغم غياب أي تبادل تجاري أو تنسيق سياسي ذي مغزي بين البلدين، إلا أنها في الوقت ذاته حريصة على عدم الانخراط في مواجهة ضد إيران على أي مستوى من المستويات. وفي الملفات المشتركة مثل سوريا ولبنان، هناك هدنة بين الطرفين، وأصدقاء وحلفاء مشتركون مثل نظام الأسد نفسه، والقوى الناصرية اللبنانية الموالية لحزب الله وإيران والصديقة لمصر.
ورغم أن الخطاب الإعلامي المصري مناهض لكل التيارات الإسلامية، فإنه لا يكاد يذكر إيران مكتفياً بتأثير القصور الذاتي لدى المصريين المتأثر بالموقف العربي والسني العام من إيران والخوف من النفوذ الشيعي، إضافة إلى تأثير الدعاية ضد الإسلاميين التي تضع الإسلاميين كلهم سنة وشيعة في سلة واحدة.
لا تريد مصر أن تجد نفسها منخرطة في عداء مع طهران يشغلها عن ملفات أكثر أهمية بالنسبة لها؛ مثل ليبيا والسودان وفلسطين وأزمة سد النهضة، خاصة أن إيران أثبتت قدرة على إيذاء خصومها عبر أذرعها المتعددة.
إلى جانب ذلك، فإنه رغم نسج السيسي علاقات وثيقة مع حكام تل أبيب منذ عهد نتنياهو، ولكن أن يصل الأمر إلى تعاون أو حلف عسكري بقيادة إسرائيل يتيح لها الاطلاع على أسرار الجيش المصري، الذي ما زال يعتبر تل أبيب عدواً، لهو أمر صعب على الجيش والقيادة السياسية المصرية.
الأهم أنه في ضوء التفوق التكنولوجي الإسرائيلي وتشابه الأجندة الإسرائيلية الخليجية المناهضة لإيران، فإن مصر ستكون مجرد عضو عادي في هذا الحلف، ولن تكون حتى نائباً للرئيس، الأمر الذي يجعل الحلف أداة لتقزيم الدور المصري في المنطقة.
ماذا عن السعودية؟
تمثل العلاقات العلنية مع السعودية الجائزة الكبرى لإسرائيل في عملية التطبيع، ولكن المملكة العربية السعودية متحفظة بشأن أي تعاون علني مع إسرائيل.
وقبل زيارة بايدن للشرق الأوسط، قال المراقبون والمدافعون في الولايات المتحدة وإسرائيل عن الشراكات الأمنية العربية الإسرائيلية إنهم لا يتوقعون اختراقات كبيرة في هذا الملف خلال الرحلة، ويبدو أن هذا ما حدث رغم إعلان بايدن نيته دمج إسرائيل في هيكل أمني بالمنطقة.
وقد أشار كبار المسؤولين السعوديين إلى دعمهم لخطوة القيادة المركزية للجيش الأمريكي في جذب الجيش الإسرائيلي الحديث القوي إلى نفس مظلة التعاون الأمريكي مع الجيوش العربية.
وكان لافتاً أن نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، أثناء زيارته للولايات المتحدة هذا الربيع، قد ذهب إلى مقر القيادة المركزية الأمريكية في ولاية فلوريدا، للاستفسار عن تنسيق قدرات الدفاع الجوي الإقليمية.
في المقابل، تبدو السعودية متحفظة في تسريع وتيرة التعاون العربي الإسرائيلي العسكري وخروجه للعلن، وتفضل أن يبقى أغلبه طيَّ حالة من الغموض أكثر منه سرية، قد يرجع ذلك إلى الحرج الذي قد يسببه لها بالنظر لمكانة المملكة العربية والاسلامية ورغبتها في أن يتزامن التطبيع مع منح بعض المكاسب للفلسطينيين، وتمهيد الأجواء الداخلية السعودية له.
وقد يرجع ذلك أيضاً إلى أن كارت التطبيع هو من أثمن البطاقات في يد المملكة في مواجهة الانتقادات الغربية لها، وبالتالي فإنها تحتاج إلى استثماره بحذر وعدم إلقائه على الطاولة بسرعة.
وقد جاءت تصريحات المسؤولين السعوديين خلال زيارة بايدن وبعدها لتشير إلى أن المملكة ليس لديها نية للدخول في أحلاف عسكرية مع إسرائيل، أو المضي حتى الآن قدماً في اتجاه خطوات للتطبيع أكثر من فتح المجال الجوي السعودي أمام الطائرات السعودية.