في الوقت الذي يسعى فيه حلف الناتو للتوسع وضم أعضاء جدد، تحاول كل من روسيا والصين توسيع الشراكات وضم أعضاء جدد لمنظمات آسيوية ضخمة منافسة للغرب، مثل منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وذلك لتطوير قدر أكبر من التفاهم السياسي والاعتماد الاقتصادي المتبادل بين هذه البلدان بعيداً عن الغرب، ما يخلق حوافز للتعاون في مختلف المجالات، وما قد يشكل تحدياً كبيراً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية والناتو في الشرق. فما هي منظمة شنغهاي ومن أعضاؤها، وما أهدافها؟
ما هي منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)؟
تعتبر منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) منظمة دولية أوروآسيوية، تأسست في شكل تحالف سياسي واقتصادي وعسكري، في مدينة شنغهاي الصينية في 15 يونيو/حزيران 2001 من قبل 6 دول في البداية، هي: جمهورية الصين الشعبية، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، وأوزبكستان. حيث كانت هذه البلدان، باستثناء أوزبكستان، أعضاءً في "مجموعة شانغهاي الخماسية" التي تأسست في 26 أبريل/نيسان 1996 في شانغهاي.
وانضمت لاحقاً كل من الهند وباكستان إلى المنظمة كعضوين كاملي العضوية في 9 يونيو/حزيران 2017 في قمة أستانا. فيما أصبحت إيران العضو التاسع، وذلك بعدما وافق الأعضاء على تعديل وضعها بالمنظمة من عضو "مراقب" إلى عضو "كامل"، خلال القمة التي عقدت بالعاصمة الطاجيكستانية دوشنبه يوم 17 سبتمبر/أيلول 2021.
وتشمل الدول المراقبة للمنظمة، أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا، كما يشمل "شركاء الحوار" في المنظمة، أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا، وهي جميعها دول مرشحة لكي تصبح عضواً كاملاً في منظمة شنغهاي للتعاون.
يشكل أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون ما يقرب من نصف سكان العالم، وما يقرب من ثلاثة أخماس كتلة اليابسة الأوروبية الآسيوية، ما يجعلها أكبر تحالف سياسي إقليمي في العالم. وغالباً ما تسمى منظمة شنغهاي في الغرب بـ"التحالف الشرقي".
ما أهداف منظمة شنغهاي؟
تتمحور أهداف المنظمة حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين دول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن، ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي.
كما تنص على التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية، وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
ومنذ تأسيسها، كان التعاون الأمني أحد المهام الرئيسية للمنظمة، ولا تزال على قمة أولوياتها وهدفاً رئيسياً في المستقبل. وفي الوقت نفسه، يرى كثير من المحللين، أن منظمة شنغهاي حلف عسكري جديد في الشرق لمواجهة حلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO).
ما أهمية منظمة شنغهاي وما الأنشطة العسكرية التي تخوضها؟
تشكل شعوب هذه المنظمة نصف البشرية، ما يجعلها كياناً أساسياً ضخماً لا يمكن الاستهانة به سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً في النظام العالمي، خاصة أن معظم الدول الأعضاء تعارض الهيمنة الأمريكية حول العالم، وتعرب في الخفاء والعلن عن مخاوفها منذ ذلك.
وتركز منظمة شنغهاي للتعاون بشكل أساسي على المخاوف الأمنية المتعلقة بـ"آسيا الوسطى" لدولها الأعضاء، وغالباً ما تصف التهديدات الرئيسية التي تواجهها بأنها "الإرهاب" و"الانفصالية" و"التطرف". وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، توسعت أنشطة المنظمة لتشمل زيادة التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب.
وتقول المنظمة إنها "تجري التدريبات العسكرية بانتظام بين الأعضاء لتعزيز التعاون والتنسيق ضد الإرهاب والتهديدات الخارجية الأخرى، والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين".
وكان هناك عدد من التدريبات العسكرية المشتركة لمنظمة شنغهاي للتعاون. عُقدت الأولى في عام 2003، حيث جرت المرحلة الأولى في كازاخستان والمرحلة الثانية في الصين. منذ ذلك الحين، تعاونت الصين وروسيا في مناورات حربية واسعة النطاق في الأعوام 2005 و2007 و2009، برعاية منظمة شنغهاي للتعاون.
وشارك أكثر من 4 آلاف جندي في التدريبات العسكرية المشتركة في عام 2007، المعروفة باسم "مهمة السلام"، التي جرت في تشيليابينسك بروسيا بالقرب من جبال الأورال. وبعد الانتهاء بنجاح من المناورات الحربية تلك، بدأ المسؤولون الروس يتحدثون عن انضمام الهند إلى مثل هذه التدريبات في المستقبل، وأن منظمة شنغهاي للتعاون تقوم بدور عسكري.
وفي مناورات "مهمة السلام" عام 2010، التي أجريت في الفترة من 9 إلى 25 سبتمبر/أيلول من ذلك العام، في منطقة ماتيبولاك بكازاخستان، والتي حضرها أكثر من 5 آلاف فرد من الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، تم إجراء مناورات مشتركة للتخطيط والعمليات.
ما حجم هذه الكتلة اقتصادياً؟
بلغ حجم اقتصادات الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2020، نحو 19.58 تريليون دولار، لتشكل بذلك نحو 23.1٪ من إجمالي حجم الاقتصاد العالمي، بحسب البنك الدولي، أي ما يقرب من ربع اقتصاد العالم.
ومنذ تأسيس المنظمة قبل نحو 20 عاماً، اقترحت الصين هدفاً طويل الأجل لإنشاء منطقة التجارة الحرة بين دول منظمة شنغهاي للتعاون، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير فورية أخرى لتحسين تدفق السلع في المنطقة.
وأسست المنظمة مجلس الأعمال الخاص بها في 14 يونيو/حزيران 2006 بهدف توسيع التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وإقامة علاقات مباشرة بين المجتمعات المالية، وتسهيل الترويج العملي للمشاريع الاقتصادية متعددة الأطراف. بالإضافة إلى الطاقة والنقل والاتصالات السلكية واللاسلكية والإقراض والقطاع المصرفي، يركز المجلس على أولويات التعاون بين دول منظمة شنغهاي للتعاون مثل التعليم والبحث والتكنولوجيا المبتكرة، فضلاً عن الرعاية الصحية والزراعة.
وفي العام نفسه، أسست المنظمة أيضاً ما يعرف بـ"اتحاد البنوك المشتركة بين البنوك" التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO IBC) من قبل مجلس رؤساء الحكومات، وذلك بهدف توفير التمويل والخدمات المصرفية للمشاريع الاستثمارية التي ترعاها حكومات الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، ويجتمع مجلس SCO IBC بشكل خاص بناءً على إجماع جميع الأطراف مرة واحدة على الأقل كل عام.
تشمل مجالات التعاون ذات الأولوية داخل منظمة شنغهاي للتعاون الدولي: توفير التمويل للمشاريع التي تركز على البنية التحتية والصناعات الأساسية وصناعات التكنولوجيا الفائقة والقطاعات الموجهة للتصدير والمشاريع الاجتماعية، وإصدار وتقديم القروض بناءً على الممارسات المصرفية الدولية المقبولة عمومًا، وتنظيم تمويل ما قبل التصدير لتحفيز التعاون التجاري والاقتصادي بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، والمجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
وفي قمة منظمة شنغهاي للتعاون لعام 2007، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ضرورة "تغيير الهيكل المالي العالمي"، قائلاً: "نرى الآن بوضوح خلل الاحتكار في التمويل العالمي وسياسة الأنانية الاقتصادية. لحل المشكلة الحالية، ستشارك روسيا في تغيير الهيكل المالي العالمي حتى تتمكن من ضمان الاستقرار والازدهار في العالم وضمان التقدم".
وأضاف بوتين أن "العالم شهد ظهور حالة جغرافية سياسية مختلفة نوعياً، مع ظهور مراكز جديدة للنمو الاقتصادي والنفوذ السياسي. سنشهد ونشارك في تحول هياكل الأمن والتنمية العالمية والإقليمية التي تتكيف مع الحقائق الجديدة للقرن الحادي والعشرين، عندما أصبح الاستقرار والازدهار مفهومين لا ينفصلان".
وبمناسبة قمة بشكيك في يونيو/حزيران 2019، ألقى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أيضاً بياناً لبناء سوق للعملة المحلية بدلاً من الدولار الأمريكي بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون. وفي يوليو/تموز 2022، أوصت إيران الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون بإنشاء عملة موحدة، لتسهيل التبادل التجاري بين الدول الأعضاء.
كيف ينظر الغرب إلى منظمة شنغهاي؟
تجري منظمة شنغهاي للتعاون تدريبات عسكرية بانتظام منذ عام 2002، وإلى جانب تحسين الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، ووجود إيران، وقدرات هذه الدول اقتصادياً وعسكرياً ونووياً، فإن كل ذلك يثير قلق الغرب وخوفه.
ووصف بعض العلماء الغربيين منظمة شنغهاي بأنها هي "ناتو الشرق"، كما صنفوها على أنها كتلة عسكرية ناشئة يجب الحذر منها، وبأنها أكبر كتلة مناهضة للولايات المتحدة في المنطقة، واجتماعها معاً يشكل تحدياً لمصالح الولايات المتحدة وأدوارها القيادية في الشرق.
وعلى الرغم من أن منظمة شنغهاي للتعاون ليست تحالفاً عسكرياً حصرياً، إلا أن الدول الأعضاء فيها تشارك في مناورات عسكرية وحربية مشتركة. مع انضمام الهند وباكستان وإيران، يمتلك 4 أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون قدرات نووية مهمة، وقد أدى ذلك بالتأكيد إلى تعزيز الكتلة الشرقية الجديدة ضد الناتو.
ولكن من بين جميع الدول الأعضاء، هناك عدد قليل جداً من الدول التي تلبي متطلبات الناتو للإنفاق العسكري (2٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، ما يفرض قدراً كبيراً من الضغط على عدد قليل من الدول المختارة لحمل الشعلة أثناء النزاع.
بالإضافة إلى ذلك، نظراً لأن الدول الأعضاء لم تتعهد بتقديم دعم عسكري، فسيكون لها مطلق الحرية في رفض التورط في النزاعات العسكرية المستقبلية، كما يقول خبراء ومحللون غربيون.
ما التحديات التي تواجه منظمة شنغهاي؟
لكن ما تفتقر إليه منظمة شنغهاي للتعاون من حيث القدرة العسكرية المشتركة، قد تكون قادرة على تعويضه من حيث الفرص الاقتصادية. لم يتم استغلال أسواق العديد من دول منظمة شنغهاي للتعاون بشكل كامل حتى الآن، ويمتلك الاتحاد موارد طبيعية وبشرية هائلة. وتعد الهند والصين من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، ومع تعاون اقتصادي أكبر، قد تستفيد الدول الأخرى الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون من نموها أيضاً.
ويتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه منظمة شنغهاي للتعاون في إيجاد طريقة للتوفيق بين المصالح السياسية المتباينة للدول الأعضاء فيها. وقد يساعد هدف منظمة شنغهاي للتعاون المتمثل في زيادة التبادلات الثقافية والإنسانية، في التغلب على هذه العقبة. لكن حلف الناتو ليس موحداً كما يعتقد الكثيرون أيضاً؛ إذ لا تُجبر الدول الأعضاء بالضرورة على المشاركة في عمليات الناتو، وقد تختار حتى إجراء عملياتها من جانب واحد.
وإذا أردنا التوسع في إجراء مقارنة بين حلف الناتو وبين منظمة شنغهاي، يبدو أن حلف الناتو يركز بشكل أكبر على العالم بينما تبدو منظمة شنغهاي للتعاون أكثر اهتماماً بالقضايا الداخلية. لذلك قد لا يكون من الأفضل إجراء مقارنة بين الاثنين كما تقول بعض التحليلات الغربية؛ إذ لن تشكل منظمة شنغهاي للتعاون كهيئة تهديداً مباشراً لحلف شمال الأطلسي، ولكن بشكل مستقل، قد تكون روسيا والصين قادرين على العمل كلاعبين قويين في الصراع.
ورغم الحجم والتأثير الاقتصادي الهائل لمنظمة شنغهاي للتعاون، إلا أنه لا يمكنها التنافس مع الناتو في الساحة السياسية العالمية. وهذا ليس له علاقة بالقدرات العسكرية والاقتصادية لكلا الكتلتين، بل يتعلق أكثر بأهداف هاتين المنظمتين. فقد تم بناء حلف الناتو ليكون تحالفاً ضد عدو مشترك، وفي غياب واحد، قد تفقد الكتلة السياسية الغربية قوتها المتماسكة. من ناحية أخرى، تم تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون خلال أوقات السلم، ولها مصالح تتجاوز التعاون العسكري، بما في ذلك أنشطتها الاقتصادية والثقافية المختلفة في المنطقة.