هل هناك علاقة بين طول الشخص أو قصره من جهة، واحتمالات الإصابة بأمراض بعينها من جهة أخرى؟ وما مدى دقة ما توصَّلت إليه بعض الدراسات في الهندسة الوراثية في هذه النقطة؟
هناك دراسات أثبتت أن طول قامة الشخص أو قصرها تحدده العوامل الوراثية، ولكن ليس بشكل كامل، فنسبة مسؤولية العامل الوراثي في حدود 80%، أما النسبة الباقية فلها علاقة بالظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية بشكل عام.
وأثبتت دراسات سابقة، على سبيل المثال، أن الأشخاص قصار القامة يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، بينما الأشخاص الأطول قامة يكونون أكثر عرضة للإصابة بجلطات الدم، لكن تفاصيل تلك الدراسات، التي لا تتوقف، تكشف عن أمور أخرى.
ماذا تقول أحدث الدراسات بشأن طول الإنسان؟
نشر موقع الإذاعة الألمانية دويتش فيلة تقريراً حول العلاقة المباشرة بين طول الشخص من جهة، واحتمال إصابته بأمراض بعينها من جهة أخرى، بحسب دراسة أجراها فريق علمي بقيادة فريق بقيادة سريدهاران راجافان، وهو طبيب في جامعة كولورادو الأمريكية، أجرى أبحاثاً أكثر عمقاً تتعلق بطول قامة البشر.
قام الفريق بتحليل بيانات تم جمعها من أكثر من 250 ألف شخص بالغ، وتتعلق بأكثر من 1000 نوع من الأمراض والخصائص المرضية، وباستخدام قاعدة بيانات تضم معلومات وراثية وصحية.
النتائج التي توصلوا إليها كشفت أن الشخص طويل القامة يكون معرضاً لنسبة خطر أكبر للإصابة بالرجفان الأذيني والدوالي الوريدية، مقارنة بشخص آخر قصير القامة. وفي الوقت نفسه، يكون طوال القامة أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب التاجية وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول، بحسب نتائج الدراسة التي نُشرت في مجلة PLOS Genetics العلمية.
هذه ليست المرة الأولى التي يقوم خلالها العلماء بأبحاث تتعلق بالعلاقة بين قامة الشخص ومدى تعرضه للإصابة بالأمراض، إذ كشفت دراسة ألمانية عام 2019 عن أن الأشخاص الأقصر قامة يكونون أكثر عرضة للسكري، بينما كشفت دراسة سويدية عام 2017 أن الأشخاص الأطول قامة أكثر عرضة بنسبة ضئيلة إلى الإصابة بأمراض السرطان والجلطات.
في هذا الشأن، حيث توصلت دراسة ألمانية عام 2019 إلى أن الأشخاص الأقصر قامة أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. وفي الوقت نفسه، وجد علماء سويديون في عام 2017 أن الأشخاص طوال القامة أكثر عرضة للإصابة بجلطات الدم. وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الأطول قامة أكثر عرضة بقدر قليل للإصابة بالسرطان.
لكن فريق راجافان، من جامعة كولورادو كشف، في دراسته الأخيرة، عن وجود عوامل أخرى قد يكون لها تأثير على العلاقة بين القامة والأمراض، كما كشفوا أن الأشخاص طوال القامة يواجهون خطراً متزايداً للإصابة بالاعتلال العصبي المحيطي، الذي ينتج عن تلف الأعصاب في الأطراف، بالإضافة إلى التهابات الجلد والعظام، مثل تقرحات الساق والقدم.
هل الارتباط بين طول القامة وتلك الأمراض حتمي؟
بشكل عام، من الممكن أن يؤثر طول الأشخاص البالغين على أكثر من 100 خاصية سريرية، بحسب ما يقوله راجافان، وتشمل هذه الخواص العديد من الأمراض المرتبطة بانخفاض متوسط العمر المتوقع للفرد، وتراجع نوعية الحياة.
ومع ذلك، يتعين القيام بمزيد من الدراسات لتأكيد أن طول المرء يشكل عاملاً خطيراً فيما يتعلق بالعديد من الأمراض الشائعة لدى البالغين. لكن لم تكن هذه النتائج مفاجئة لنوربرت شتيفان، وهو أخصائي في مرض السكري بمستشفى توبنجن الجامعي في ألمانيا، بحسب تقرير دويتش فيلة.
ويعرف الأطباء منذ أعوام أن جينات الإنسان هي المسؤولة عن تحديد طول أو قصر قامته. ويقول شتيفان: "ومع ذلك، فإن هذه الجينات لا ترتبط بحجم الجسم فقط، ولكن أيضاً بعمليات أخرى تحدث في الجسم، وبالتالي تكون مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بمخاطر مرضية معينة".
ومع ذلك، يحذِّر أخصائي مرض السكري من أننا يجب ألا نعطي أهمية مفرطة لعلوم الوراثة، وذلك لأن العوامل الاجتماعية والاقتصادية قد يكون لديها تأثير أيضاً.
ويقول شتيفان إن السبب وراء ذلك هو أن الأشخاص الذين يستهلكون مزيد من منتجات الألبان وأمصال الألبان، التي تعمل على تنشيط جينات "آي جي إف 1-" و"آي جي إف 2، سيكونون مختلفين عن غيرهم، على سبيل المثال".
ويوضح أن الجينات تحفز نمو الجسم، وأنها بمجرد تنشيطها تظل نشطة مدى الحياة، مشيراً إلى أن "آي جي إف 1-" يعزز نمو الخلايا، وهو ما يفسر سبب زيادة خطر إصابة الأشخاص طوال القامة ببعض أنواع السرطان.
كما أن الأشخاص طوال القامة يعتبرون أقل عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وبالنوبات القلبية، حيث إنهم يحرقون مزيد من الطاقة عندما يتحركون، وذلك بسبب أطرافهم الأطول.
ومع ذلك، فإن الأطراف الأطول تعني أيضاً وجود أوردة أطول في الساق، ما يعني أنه يجب أن يقوم الجسم بضخ الدم لمسافة أطول حتى يصل إلى القلب، مما يزيد من خطر الإصابة بجلطات الدم. ويقول الأطباء إن هذا يعني بصفة خاصة أن الأشخاص طوال القامة يجب أن يمارسوا الرياضة بصورة منتظمة.
هل القامة تتطور للأطول أم للأقصر؟
حسم العلم إجابة هذا السؤال لصالح طول القامة منذ سنوات، وقبل أشهر قليلة فقط أظهرت دراسة الأسباب وراء هذا التطور. "العلماء يفكون شفرة طول قامة الإنسان"، نشرت مجلة DECCAN HERALD تقريراً تحت هذا العنوان، رصدت من خلاله نتائج الدراسة التي كشفت أسباب تطور البشر ليصبحوا أطول قامة بشكل عام.
أجرى الدراسة فريق دولي من العلماء والباحثين من جامعات كيمبريدج وكوين ماري بلندن وبريستول وميشيغان وفاندربيلت، وتوصلوا إلى أن جزءاً في خلايا المخ هو مستقبل ميلانوكورتين3، الذي كان يعرف بأنه أحد أفراد العائلة المسؤولة عن توازن الطاقة وعمليات الحرق داخل الجسم، هو المسؤول عن تحديد طول أو قصر القامة.
تلك الدراسة هي التي أكدت أن طول قامة الإنسان أو قصرها يعود بنسبة 80% إلى أسباب وراثية، بينما تُمثل التغذية والعوامل البيئية الأخرى النسبة المتبقية، وشملت تحليل العلماء لبيانات خاصة بالطاقم الجيني للإنسان لأكثر من ربع مليون شخص، وهي أضخم دراسة من هذا النوع.
وقد ظل الباحثون يتتبعون عند هذه العينة الضخمة من البشر، نحو مليونين من الفروق الوراثية الشائعة، كي يخلصوا إلى أن الكثير من الجينات التي حدّدتها الدراسة بدقة ربما تكون من العوامل المهمة في تنظيم نمو الهيكل العظمي، إلا أن دورها لم يكن معروفاً من قبل.
كما أشارت هذه الدراسة التي مكّنت العلماء من وضع أيديهم على ما يقارب 700 فرق فردي وراثي، وما يتجاوز 400 منطقة في الطاقم الجيني الخاص بتحديد صفة الطول عند الإنسان، إلى أن تحسّن نوعية الغذاء على مرّ الأجيال القليلة الماضية جعل متوسط طول قامة الإنسان أكبر.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.