زلزال قتل أكثر من 1500 شخص والعدد مرشح للارتفاع، ودمر قرى بأكملها، ورغم ذلك يقف العالم متفرجاً، فهل السبب الوحيد هو العقوبات الغربية على أفغانستان؟
كانت حصيلة ضحايا الزلزال الذي ضرب ولاية باكتيكا، شرقي أفغانستان، فجر الأربعاء 22 يونيو/حزيران 2022، قد ارتفعت إلى 1500 قتيل، بالإضافة إلى أكثر من ألفي مصاب، ونقلت وسائل إعلام عن المتحدث باسم حركة طالبان قوله إن "حصيلة قتلى الزلزال ارتفعت إلى 1500، فيما بلغ عدد المصابين أكثر من 2000 مصاب".
الزلزال الذي ضرب أفغانستان هو الأعنف في البلاد منذ عشرين عاماً، ورغم ذلك لم يتحرك العالم لتقديم المساعدات، كما هي العادة في تلك الكوارث الطبيعية المدمرة، وترك المسؤولين عن البلاد يسعون لإنقاذ المصابين ودفن الموتى، رغم ضعف الاتصالات والافتقار إلى طرق ملائمة للوصول إلى المناطق المنكوبة.
ووقع الزلزال الذي بلغت قوته 6.1 درجة بمنطقة جبلية قاحلة تتناثر فيها مجتمعات سكانية صغيرة، على بعد نحو 160 كيلومتراً جنوب شرقي كابول، قرب الحدود مع باكستان، وهو ما يصعب من مهام الإنقاذ وتوفير المساعدات الإنسانية.
كيف يستجيب العالم عادة للكوارث الطبيعية؟
في حالات الكوارث الكبرى، وبصفة خاصة الزلازل المدمرة، يهرع العالم إلى نجدة الدولة المنكوبة، بغض النظر عن وضع تلك الدولة السياسي أو الاقتصادي. فلا فرق في مثل تلك الظروف الاستثنائية بين دولة غنية وأخرى فقيرة، ولا بين دولة تنتمي لما يوصف بالعالم الأول أو الثاني أو الثالث، فالاعتبارات الإنسانية تكون المحرك الأول عادة.
وهذا الكلام ليس مرسلاً أو إنشائياً، بل حقائق تؤكدها عشرات السوابق. فعلى سبيل المثال كان خبر عنوانه "العالم يهرول لتقديم المساعدة لليابان بعد الزلزال المدمر"، هو القاسم المشترك في وسائل الإعلام حول العالم، خلال مارس/آذار 2011، عندما ضرب اليابان زلزال مدمر، بلغت قوته 8.9 درجة بمقياس ريختر.
تسبب ذلك الزلزال في مقتل نحو ألف شخص وإصابة 10 آلاف آخرين، ونتج عنه أيضاً تسونامي هائل، فسارعت دول العالم إلى إرسال المساعدات وفرق الإنقاذ، وتحركت حاملة الطائرات يو الأمريكية يو إس إس ريغان إلى سواحل اليابان لتقديم المساعدة، بحسب تقرير لموقع NDTV.
وهذه الاستجابة الفورية في ذلك الزلزال ليست استثنائية، بل هي الأمر الطبيعي والمتكرر في الكوارث الطبيعية. والزلازل تحديداً تعتبر من أخطر الكوارث الطبيعية وأكثرها تدميراً بسبب استحالة التنبؤ بها رغم التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققته البشرية.
فعندما ضرب زلزال سومطرة المدمر ونتج عنه تسونامي دمر منتجع بالي تماماً عام 2004، أصبحت إندونيسيا على الفور مسرحاً لاستقبال فرق الإنقاذ من شتى أنحاء العالم، وانهمرت المساعدات من جميع الدول، وأصبحت متابعة عمليات الإنقاذ الأكثر متابعة وتغطية إعلامية من أركان الكرة الأرضية الأربعة.
وحتى في أفغانستان نفسها، التي شهدت عدداً من الزلازل المدمرة على مدار تاريخها، كانت استجابة العالم أيضاً غير مختلفة، فخلال زلزال هندو كوش عام 1991، سارعت دول العالم إلى تقديم المساعدات، والأمر نفسه تكرر خلال زلزال 1997، الذي ضرب الحدود بين أفغانستان وإيران، وأودى بحياة أكثر من 1500 شخص في كلا البلدين، ودمر أكثر من 10000 منزل بشكل كامل.
فالزلازل ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة لتحرك ألواح الغلاف الصخري في باطن الأرض، أو ما تعرف جيولوجياً بالصفائح التكتونية. وتكون حركة تلك الألواح أو الصفائح إما متباعدة عن بعضها أو مصطدمة مع بعضها أو منزلقة عبر حدودها، وتنطلق من أعماق مختلفة، وتتوقف قوتها على هذا العمق الذي تنشأ منه.
ومن صفات الأرض الأساسية أنها ذات صدع، فهناك شبكة هائلة من الصدوع تمزق الغلاف الصخري للأرض، وتحيط به إحاطة كاملة، يشبهها العلماء بخط اللحام على كرة التنس.
إذ إن الأرض تحت أقدامنا، بحسب علماء الجغرافيا، غير مستقرة بالمرة، وتتألف من طبقات متباينة السماكة تتحرك في اتجاهات مختلفة، وتزخر بالصدوع والكسور التي تتخللها مجارٍ ضيقة من السوائل. وهناك رواسب وطين وقواعد صخرية، بخلاف تلك الصفائح التكتونية العملاقة التي تحتك ببعضها أو تتباعد عن بعضها.
الزلزال الأعنف منذ 20 عاماً، وأفغانستان "وحيدة"
لكن على النقيض تماماً من ذلك التعاون الدولي الإنساني جاء رد الفعل على الزلزال الأعنف في تاريخ أفغانستان منذ أكثر من 20 عاماً "فاتراً وباهتاً" بصورة لافتة. فمن ناحية التغطية الإعلامية لم تشغل أخبار الزلزال حيزاً يذكر من التغطية الإخبارية حول العالم، المنشغلة تماماً بأخبار الحرب في أوكرانيا وأزمة الغذاء العالمية والتضخم والأزمات الجيوسياسية بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.
وتكفي نظرة سريعة على كبريات الصحف الأمريكية والغربية وشبكات التلفزيون الإخبارية وحتى وكالات الأنباء العالمية الكبرى للوقوف على الحيز الهامشي الذي تشغله تلك الكارثة الطبيعية المدمرة، والتي أودت بحياة عدد ضخم من الأفغان، والعدد مرشح للزيادة بعد ما يقارب اليومين من وقوع الزلزال.
وقال مسؤولون إن السلطات الأفغانية لا تزال تكافح، الخميس 23 يونيو/حزيران، للوصول إلى المنطقة النائية التي ضربها الزلزال، وقال محمد إسماعيل معاوية، المتحدث باسم القائد العسكري لحركة طالبان في إقليم بكتيكا الأشد تضرراً لرويترز "لا يمكننا الوصول إلى المنطقة، الشبكات (الهاتفية) ضعيفة للغاية، ونحاول حالياً الحصول على آخر المستجدات".
وذكر أن الزلزال أسفر عن مقتل ما يقرب من ألف شخص وإصابة 1500 آخرين. كما دمر أكثر من 3000 منزل، وأضاف أنه تم إنقاذ حوالي 600 شخص من مختلف المناطق المتضررة ليل أمس الأربعاء.
بينما قال هبة الله أخوند زاده، زعيم طالبان، إن "عدد الضحايا مرشح للارتفاع" مع استمرار جهود البحث والإنقاذ عن أشخاص قد يكونون مدفونين تحت الأنقاض. وأوضح أن الزلزال تسبب في تدمير مئات المنازل. ونشرت وسائل إعلام أفغانية صوراً لمنازل تحولت إلى أنقاض وجثث ملفوفة بأغطية على الأرض في الساعات التي أعقبت الزلزال.
وأظهرت الصور أن عدداً غير معروف من الناس ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض وفي مناطق نائية. وقال موظفو الصحة والإغاثة إن عمليات الإنقاذ معقدة بسبب ظروف صعبة، منها هطول الأمطار والانهيارات الأرضية، ووجود العديد من القرى في مناطق تلال يتعذر الوصول إليها.
وقال أحد موظفي الصحة بمستشفى رئيسي في إقليم بكتيكا بشرق أفغانستان، طالباً عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، "لا يزال الكثير من الناس مدفونين تحت الأرض. ووصلت فرق الإنقاذ التابعة للإمارة الإسلامية، وتحاول بمساعدة السكان إخراج القتلى والمصابين"، بحسب رويترز.
العقوبات الغربية "تزيد الطين بلة"
اللافت هنا هو أن الحديث عن العقوبات الغربية، التي أعيد فرضها على أفغانستان بعد عودة طالبان لحكم البلاد في أعقاب الانسحاب الأمريكي، في أغسطس/آب 2021، جاء مرادفاً للتغطية "الشحيحة والخجولة" للكارثة الطبيعية المدمرة في البلاد.
فعلى الرغم من أن قادة طالبان قد توجهوا بنداءات استغاثة للعالم، كي يتم رفع أي حواجز أو عوائق أمام وصول المساعدات للمناطق المنكوبة جراء الزلزال، فإن الاستجابة لا تزال "صفراً". وكتب أنس حقاني، أحد المسؤولين الكبار في طالبان، على حسابه في تويتر: "تعمل الحكومة في إطار قدراتها المتاحة. ونأمل من المجتمع الدولي ووكالات الإغاثة أيضاً أن يقدموا المساعدة في هذا الموقف العصيب"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وهناك أساس قانوني يضع أعمال الإغاثة العاجلة في ظروف الكوارث الطبيعية تحت تصنيف "مساعدات إنسانية" وليس "مساعدات تنموية"، وهو ما يعطي الدول الراغبة في تقديم المساعدة حجة قوية في مواجهة العقوبات الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً. ورغم وجود خيط رفيع أو منطقة رمادية بين تصنيف "مساعدات تنموية" و"مساعدات إنسانية"، فإن كارثة طبيعية كهذا الزلزال المدمر في أفغانستان لا تحتاج للتفكير عند الاستجابة لها، لذلك تحركت وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة على الفور، وأبدت استعدادها لتنسيق جهود الإغاثة الدولية لأفغانستان.
لكن مناشدات تقديم المساعدات الإنسانية لأفغانستان لم تجد أذناً مصغية، رغم أن كارثة الزلزال سبقتها كوارث أخرى كالجفاف وانهيار اقتصاد البلاد، وهو ما يعني مضاعفة تأثير الزلزال المدمر، وارتفاع أعداد الضحايا كلما تأخرت المساعدات، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.
وهناك هيئات إغاثة دولية، مثل لجنة الإنقاذ الدولية ومجموعة الطوارئ الطبية الإيطالية والاتحاد الدولي للصليب الأحمر في جنيف، بدأت بالفعل في إرسال بعض من طواقمها إلى أفغانستان، بعد أكثر من يوم ونصف من وقوع الزلزال، لكن مدى قدرة تلك الهيئات على الوصول إلى المناطق المنكوبة، في ظل قدرتها وإمكاناتها المحدودة بفعل العقوبات المفروضة على البلاد، يظل غير معلوم.
إذ إن جهود الإغاثة في هذه الكارثة الطبيعية لا تتعرض فقط للعرقلة بسبب العقوبات، فالأساس القانوني لتقديم الإغاثة الإنسانية موجود وقائم بالفعل، لكن هناك أيضاً الاعتبارات السياسية لدى الحكومات الغربية، والمتمثلة في عدم الرغبة في الاعتراف بطالبان كحكام لأفغانستان، رغم أن هذا هو الأمر الواقع فعلاً، وربما يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل أفغانستان وشعبها يقفون بمفردهم في مواجهة كارثة طبيعية لم تشهدها البلاد منذ أكثر من عقدين.
الخلاصة هنا هي أن الاعتبارات السياسية للدول الغربية، وعلى رأسها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أثبتت أن لها الأولوية على التحرك لتقديم المساعدات الإنسانية لضحايا كارثة الزلزال الطبيعية، والنتيجة هي أن أفغانستان تقف وحيدة في مواجهة الفاجعة.