تثير حاملة الطائرات الصينية الثالثة، التي دشنتها الصين مؤخراً، قلق خصوم بكين مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والهند وتايوان بسبب التطور الكبير، الذي شهدته مقابل الحاملات الأقدم، والذي سيجعلها أكبر حاملة طائرات في العالم بعد الحاملات الأمريكية، كما أن الغريب أن اسمها في حد ذاته يثير قلق منافسي بكين.
واستكملت بكين بناء ثالث حاملات طائرات، وأطلقتها يوم 17 يونيو/حزيران، وسط اهتمام لافت من غرمائها الغربيين والآسيويين، وهي الحاملة الأكثر تقدماً بشكل كبير مقارنة بالحاملتين السابقتين، حيث يعتقد أنها مزودة بأنظمة قتالية جديدة، يقول الخبراء إنها تلحق بالولايات المتحدة بسرعة.
وتمثل حاملة الطائرات الصينية الثالثة التي تحمل اسم ""فوجيان"، والتي كانت بدأت عملية بنائها عام 2015، نقلة كبيرة مقارنة بالحاملتين السابقتين، حسب الخبراء الغربيين والآسيويين.
فهذه السفينة الجديدة ستكون أول حاملة طائرات حديثة للجيش الصيني، وستكون خطوة مهمة إلى الأمام"، حسبما قال ماثيو فونايول، الزميل الأول في مشروع الصين التابع لمجموعة الأزمات الدولية، لشبكة CNN الأمريكية.
وإطلاق الحاملة خطوة رمزية مهمة لا يعني بداية تشغيلها عسكرياً، ولكنها ستدخل في مراحل من التجارب البحرية، وعمليات دمج الأسلحة قبل تكليفها في مهمة عسكرية.
وتبلغ إزاحة السفينة مع حمولتها الكاملة أكثر من 80 ألف طن، حسبما ذكرت وكالة "شينخوا" الصينية، مضيفة أن السفينة ستجري اختبارات الإرساء واختبارات الملاحة بعد الإطلاق، وسيكون حجم السفينة مقارباً لفئة حاملات فورد الأمريكية.
ولكن سرعة تنفيذ وتصنيع حاملات الطائرات الصينية، والقفزة في المستوى والحجم، تثير القلق في الغرب، حيث يقول ماثيو فونايول "لقد التزموا حقاً ببناء برنامج حاملات الطائرات الذي وضعوه، ويواصلون دفع حدود ما يمكنهم القيام به",
لماذا يقلق الغرب وتايوان من اسم حاملة الطائرات الصينية الثالثة؟
تمتلك الصين الآن أكبر قوة بحرية في العالم من حيث العدد، ولكن لا تقارَن بقدرات البحرية الأمريكية التي تمتلك نحو 10 حاملات طائرات، مقارنة بحاملتين قديمتي الطراز للصين دخلتا للخدمة قبل سنوات قليلة، وتعد حاملات الطائرات هي السفن الأساسية لأسطول أي قوة عظمى.
وتسمى الصين حاملاتها بأسماء المقاطعات (بينما تسميها أمريكا عادة بأسماء الرؤساء السابقين، وتسمى الغواصات بأسماء الولايات)، وكان أمراً مقلقاً للغرب وتايوان أن حاملة الطائرات الصينية الثالثة سميت باسم مقاطعة "فوجيان" الساحلية، أقرب مقاطعات البلاد لتايوان، التي تعتبرها بكين مقاطعة متمردة.
يفصل مقاطعة فوجيان عن تايوان مضيق يقل عرضه عن 80 ميلاً (128 كيلومتراً) في أضيق نقطة فيه.
كيف بدأ برنامج حاملات الطائرات الصينية بكازينو ملاهٍ في هونغ كونغ؟
لدى الصين حاملتا طائرات، الأول تُدعى Liaoning، التي تُعد أول حاملة طائرات صينية، وهي في الأصل حاملة سوفييتية لم يكتمل بناؤها، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، عُرضت للبيع من قبل أوكرانيا التي كانت تبنى بها، وتم شراؤها بـ20 مليون دولار عام 1998 من قِبل رجل الأعمال المقيم في هونغ كونغ، شو تسينغ بينغ، بدعوى استخدامها كـ"كازينو" في هونغ كونغ، وتبين أنه تم تكليفه بهذه المهمة من قبل البحرية الصينية.
استغرقت عملية إصلاحها وتطويرها سنوات، وسُلمت للبحرية الصينية التي بدأت تشغيلها في سبتمبر/أيلول 2012، ولكنها. ظلت سفينة تدريب حتى عام 2018، ولذا لم يتم تخصيص Liaoning لأي من أساطيل العمليات في الصين.
أما حاملة الطائرات الصينية الثانية، فهي Shandong، والتي تم بدء العمل بها في 2013، وهي أول حاملة طائرات صينية محلية الصنع، واستنسخت من الحاملة السوفييتية التي تم شراؤها من أوكرانيا، ودشنت عام 2017، وصلت شاندونغ في أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى القدرة التشغيلية الأولية أو المعايير الأساسية للنشر في البحار.
ما المختلف في الحاملة الثالثة عن شقيقتيها، والذي يجعل خصوم بكين يقلقون؟
"فوجيان" هي سفينة مختلفة عن الحاملتين السابقتين، فهي أطول بعشرة أمتار من سابقتيها؛ ومن المحتمل أن تكون أكبر حاملة طائرات غير أمريكية في العالم.
كما أن تصميمها المختلف عن شقيقتها الأصغر تماماً، هو تصميم صيني بشكل كبير، لأن الحاملة الأولى بناها السوفييت والثانية كانت مشتقة منها، ويشير ذلك ليس فقط لاستفادة الصينيين مما تعلموه من هاتين الحاملتين، والتطوير الذي أضافوه، ولكنهم في الأغلب درسوا التصميمات الغربية، ولاسيما الأمريكية عن كثب، وقد يكونون قرصنوا بعض التقنيات.
نظام إقلاع متطور أدخلته أمريكا لتوها الخدمة
اللافت في حاملة الطائرات الصينية الثالثة أن بكين قفزت مباشرة بهذه الحاملة إلى نظام الإطلاق الكهرومغناطيسي (EMALS)، بدلاً من نظام الإقلاع القصير مع الاسترداد الموقوف (STOBAR) المستخدم في الحاملتين السابقتين.
ونظام الإقلاع القصير مع الاسترداد الموقوف يقوم على إقلاع الطائرات من الحاملة بواسطة قوة محركها باستخدام قفزة تزلج (يمكن تسميته بمنحنى أو حافة القفز) للمساعدة في الإقلاع، حيث تكون حافة مدرج الحاملة في هذا النظام منحنية بشدة للأعلى؛ لمساعدة الطائرة على الإقلاع من مسافة قصيرة.
أما الاسترجاع القصير فيتم عبر إيقاف الطائرات خلال الهبوط بواسطة حاجز، وهو نظام تضطر حاملات الطائرات لاستخدامه بسبب قصر طول مدرجها، وهو يضطر المشغلين لتقليل حمولات الطائرات.
أما نظام الإطلاق الكهرومغناطيسي (EMALS) المستخدم في حاملة الطائرات الصينية الثالثة "فوجيان"، فيعمل عن طريق مقلاع يستخدم محركاً تحريضياً يحصل على الدفع من المجالات المغناطيسية القوية الناتجة عن محركات الحث الكهرومغناطيسي، وذلك لدفع الطائرات للإقلاع.
كان الأمريكيون هم من اخترعوا هذا النظام، وتم تثبيت نظام الإقلاع الكهرومغناطيسي EMALS لأول مرة على السفينة الرائدة في فئة حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد آر فورد التي دخلت الخدمة عام 2017.
يمثل ذلك قفزة كبيرة من الصين، لأنها انتقلت من نظام حافة القفز القديم المستخدم في الحاملات السوفييتية والصينية الأقدم إلى نظام الإطلاق الكهرومغناطيسي الذي أدخله الأمريكيون الخدمة قبل خمس سنوات فقط في حاملة طائرات واحدة فقط حتى الآن (ولكن حاملات أخرى في الطريق).
يعني ذلك أن الصين لم تمر بنظام المقاليع البخارية الشائع في الحاملات الأمريكية العاملة حالياً، بل قفزت من نظام قديم جداً إلى الأحدث مباشرة.
وبالمقارنة مع المقاليع البخارية التي ما زالت النظام الأكثر استخداماً في أغلب الحاملات الأمريكية، فإن نظام الإقلاع الكهرومغناطيسي EMALS أقل في الوزن، والمساحة وفي استهلاك الطاقة، وكذلك في متطلبات الصيانة والعمالة، وأكثر موثوقية وأسرع في الشحن.
سيكون لديها طائرات أكفأ
تستطيع حاملة الطائرات الصينية الثالثة فوجيان حمل جميع أنواع الطائرات (المقاتلات والمروحيات وغيرها من الطائرات ذات الأجنحة الثابتة) من على سطح السفينة.
ستحصل حاملة الطائرات الصينية الثالثة على نسخة محسنة من المقاتلة الثقيلة J-15 (طائرة صينية مشتقة من الطائرة الروسية سوخوي 33)، ونسخة حرب إلكترونية أخرى من الطائرة نفسها، حسب تقرير لصحيفة Global Times الصينية.
ويحتمل أن تعمل على متنها المقاتلة الشبحية الصينية التي ما زالت قيد التطوير J-35، وطائرة حرب إلكترونية ثابتة الجناحين تسمى KJ-600.
الحاملة ستكون مزودة بقدرات تسمح لها بالعمل جنباً إلى جنب مع سفن سطحية أخرى مثل المدمرات والفرقاطات وناقلات تجديد الأسطول في ظروف بحرية متنوعة.
كيف يمكن مقارنتها بالحاملات الأمريكية؟
رغم أن قدرات حاملة الطائرات الصينية الثالثة غير معروفة بالكامل، ولكن يبدو أنها ستكون أصغر قليلاً من الحاملات الأمريكية من طراز فورد، التي أطلقت أول نسخها عام 2017، والتي تستطيع حمل نحو 75 طائرة متنوعة، أي إن الحاملة الصينية الجديدة قد تستطيع حمل عدد أدنى بقليل من ذلك 70 طائرة أو أقل.
ولكن هذا يمثل قفزة كبيرة مقارنة بعدد الطائرات في الحاملة الصينية الثانية Shandong البالغ نحو 36 طائرة أي أن الحاملة الصينية الجديدة قد تحمل ما يقرب من ضعف شقيقتها الأصغر.
هل توسع نفوذ الصين إلى البحار البعيدة؟
ومن المتوقع أن تكون منطقة عمليات حاملة الطائرات الصينية الثالثة حول نقاط التوتر القريبة من الصين، شبه الجزيرة الكورية، ومضيق تايوان، وبحر الصين الجنوبي، حسب Global Times.
وبالتالي، على عكس الولايات المتحدة التي تستخدم حاملات الطائرات لنشر نفوذها في أعالي البحار والمحيطات البعيدة عن شواطئها، فإن الصين ما زالت تركز على استخدام أسطولها البحري لحماية سيادتها الوطنية، وتأكيد نفوذها في محيطها القريب.
ويؤشر ذلك إلى أن بكين بعيدة عن إتقان عمليات حاملة الطائرات المعقدة التي استغرقت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية والهندية عقوداً لإتقانها، حسب موقع Eurasian Times الهندي.
قد يرجع ذلك إلى قلة خبرة البحرية الصينية مقارنة بالبحريات الغربية، التي لديها تقاليد عريقة، نتيجة لعزلة بكين النسبية في مجال التدريب لسنوات، حتى عن روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي بسبب الخلاف السوفييتي الصيني، علماً بأن الاتحاد السوفييتي وروسيا كقوة برية في الأساس متأخران أصلاً عن الغرب في المجال البحري تحديداً.
لكن يعمل الصينيون بجد للحاق بمنافسيهم، وفي هذا الإطار، يقول العميد البحري الهندي، جي براكاش، "ما زالوا يعرفون أنهم بعيدون عن الخبرة التي تتمتع بها البحريات الغربية والهندية".
حاملة الطائرات الرابعة قد تكون نووية
يفترض الخبراء أن رابع حاملة طائرات صينية ستعمل بالطاقة النووية، مما يسمح لها بالبقاء في البحر لفترة أطول وحمل مزيد من الوقود والبضائع والمدفعية والطائرات، بسبب المساحة التي تتوفر جراء الاستغناء عن المحرك التوربيني الغازي الكبير.
يمكن للطاقة النووية أيضاً دفع أنظمة EMALS الخاصة بإقلاع الطائرات، بمقدار أكثر قوة، وربما يتيح للحاملة حمل أسلحة الطاقة الموجهة (DEW) لإسقاط الصواريخ والطائرات النفاثة.
يمكن للحاملة النووية المحتملة حماية نفسها بشكل أفضل من التهديدات المحمولة جواً عند دمجها مع الأسلحة العادية، مما قد يقلل الحمل على المدمرات والفرقاطات المرافقة.