ينوي الرئيس التونسي، قيس سعيّد، طرحَ دستور جديد للاستفتاء، في يوليو/تموز، ويقول سعيّد إن الغاية منه إصلاح الهياكل القانونية والسياسية والاقتصادية في البلاد، من أجل بناء "جمهورية جديدة"، حسب تعبيره. وقرر سعيّد الدفع باتجاه وضع دستور جديد يأخذ مكان دستور 2014، الذي يعده كثير من التونسيين الركن الأساسي في التغيير الذي أحدثته الثورة التونسية نحو الديمقراطية. ما الذي استحدثه دستور تونس الجديد الذي يريده قيس سعيد، ومَن صاغه؟
ما قصة الدستور التونسي الجديد الذي يريده قيس سعيد؟
انتُخب سعيّد رئيساً للبلاد في عام 2019، وأعقب ذلك مدة من المناوشات والخلافات والجدل مع خصومه ومعارضيه، ليبدأ في صيف عام 2020 مجموعة من تدابير الاستيلاء على السلطة، أسفرت عن استحواذه على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وقد وصف خصومه هذه الخطوات بأنها انقلاب على نظام الحكم في البلاد.
وتلقّى سعيّد مسودة الدستور الجديد يوم الإثنين 20 يونيو/حزيران. وقد سلَّمها إليه الصادق بلعيد، الخبير القانوني الذي عهد إليه سعيّد برئاسة اللجنة المكلفة بصياغة الميثاق الجديد للبلاد.
من المقرر الآن إجراء استفتاء على الوثيقة الجديدة، في 25 يوليو/تموز. وتتضمن مسودة الدستور تعزيزاً لصلاحيات سعيّد في تشكيل النظام السياسي في تونس، وتنطوي على تعديلات وحذف لبعض البنود والمواد الواردة في دستور 2014، وأهم هذه التعديلات حذف المادة التي تقر بأن "الإسلام هو دين الدولة في تونس".
ما هو رد فعل القوى السياسية التونسية على الدستور الجديد؟
أعرضت الأحزاب السياسية عن المشاركة في مشاورات صياغة الدستور الجديد، وكان هذا هو موقف معظم القوى السياسية في البلاد، وأبرزها حركة النهضة، وائتلاف الكرامة، وأحزاب قلب تونس.
قالت أحزاب المعارضة إنها ستقاطع الاستفتاء، ونزل آلاف التونسيين إلى الشوارع نهاية الأسبوع للاحتجاج على خطوة سعيد.
تأتي مسودة الدستور في وقت مدَّد فيه القضاة إضرابهم في عموم البلاد أسبوعاً ثالثاً للاحتجاج على عزل سعيّد 57 قاضياً، واتهامهم بالفساد و"حماية الإرهابيين".
وكانت معارضة سعيّد الشعبية أخذت بعداً جديداً، الأسبوع الماضي، فقد نظَّم الاتحاد العام التونسي للشغل إضراباً عن العمل لمدة 24 ساعة، للمطالبة برفع أجور عماله، وأدى ذلك إلى توقف الرحلات الجوية الدولية والمحلية، وتعطيل النقل البري والبحري في عموم البلاد.
ما الجديد الذي تم استحداثه في دستور سعيّد؟
لا يزال أمام سعيد حتى نهاية يونيو/حزيران، للموافقة على المسودة، ويُعرض الدستور الجديد للاستفتاء في غضون 30 يوماً. وإن أُقرَّ الدستور الجديد فسيكون ثالث دستور لتونس منذ عام 1959.
تضمَّن دستور 1959 ودستور 2014 الإقرار بأن الإسلام هو "دين الدولة"، أما مسودة الدستور الجديد فقد أزالت الإشارة إلى الإسلام بوصفه ديناً للدولة، وقال سعيّد للصحفيين يوم الثلاثاء، 21 يونيو/حزيران، إن "الدستور القادم لتونس لن يتحدث عن دولة دينها الإسلام، بل أمة دينها الإسلام".
وأضاف سعيّد خلال لقائه الحجاج التونسيين في مطار تونس، وهم في طريقهم إلى مكة، أن "الأمة تختلف عن الدولة".
وقال بلعيد، رئيس لجنة صياغة الدستور، في وقت سابق من شهر يونيو/حزيران، إن الدستور الجديد لن يذكر أن الإسلام دين الدولة "لمنع توظيف الدين [أداةً] للتطرف السياسي"، بحسب تعبيره.
استنكر حزب النهضة التونسي تصريحات بلعيد، وقال إن سعيّد ينظم انقلاباً على المبادئ الديمقراطية لثورة 2010، ويعتدي على النظام البرلماني القائم على تعدد الأحزاب. وحذر الحزب من تعديل المادة الأولى من الدستور أو حذفها، وهي المادة التي تنص على أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها".
لم يُكشف الستار بعد عن النسخة الكاملة من الدستور الجديد، لكن سعيّد تعهد "بإعادة بناء النظام السياسي التونسي وتنشيط اقتصاد البلاد". وقال إن المسودة "ليست نهائية، وقد تُراجع بعض المواد، أو يُعاد النظر فيها".
وقال سعيّد ضمن تصريحاته يوم الثلاثاء: "ليست القضية في النظام أن يكون رئاسياً أم برلمانياً، المهم هو أن السيادة للشعب. ووظائف الدولة هي وظائف وليست سلطة، فهناك الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية، والفصل بينها". أمَّا بلعيد، فقال في وقت سابق من هذا الأسبوع إن الدستور الجديد يختلف اختلافاً رئيسياً آخر عن دستور 2014، وهو أنه يركز على "الازدهار الاقتصادي".
مَن المشاركون في وضع دستور جديد ومن المُستبعدون؟
أُعلن عن قرار وضع الدستور الجديد لتونس، في مايو/أيار، وعيَّن سعيّد وقتها بلعيد مسوؤلاً عن لجنة صياغة الدستور. أنشأ سعيّد أيضاً "الهيئة الاستشارية الوطنية من أجل جمهورية جديدة"، للمشاركة في وضع الدستور الجديد. ويتفرع عن الهيئة لجان ثلاث: هي "اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية"، و"اللجنة الاستشارية القانونية"، و"لجنة الحوار الوطني".
ضمَّت الهيئة الوطنية الاتحادَ العام التونسي للشغل، غير أن قادتها قالوا إن المرسوم الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين إلى التصويت في الاستفتاء على دستور جديد للبلاد لا يلزم إلا من وقّع عليه، ولا يلزم الاتحاد. وشملت الهيئة أيضاً عمداء كليات الحقوق بالدولة، ورؤساء نقابات تجارية، وبعض الجماعات الحقوقية.
مع ذلك، لم تضم الهيئة ولا لجنة صياغة الدستور أي ممثلين عن الأحزاب السياسية الكبرى في تونس، لا سيما حزب النهضة والحزب الدستوري الحر.
وقال قادة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي شارك نحو 700 ألف شخص في إضرابه الأخير، إنهم لن يشاركوا في محادثات الدستور.
وضمت قائمة المستبعدين من مناقشات الدستور: "الحزب الجمهوري" المنتمي إلى قوى الوسط الليبرالية، وحزب "التيار الديمقراطي" الاشتراكي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب العمال الشيوعي.
وقد دعت هذه الأحزاب إلى تنظيم حملة لإسقاط الاستفتاء على الدستور، ووصفوه بـ"الصوري المزيف"، لأن الغاية منه إعطاء "شرعية زائفة" لسعيّد في مواجهة دستور 2014.
ووصف محمد بن سالم، وزير الفلاحة التونسي الأسبق، الدستور الجديد بأنه "دستور الغرف المظلمة". وقال سالم: "ما يُكتب الآن لن يكون دستوراً للجمهورية التونسية، وإنما دستور لجمهورية قيس سعيّد، وهكذا يمكن تسمية الجمهورية بجمهورية قيس أو الجمهورية السعيدية أو جمهورية البلعيدية السعيدية".