دبابات T-62 دخلت الخدمة عام 1961 خلال الحقبة السوفييتية، فكيف أعادتها حرب روسيا في أوكرانيا إلى الخدمة؟ وما مواصفاتها؟ ولماذا سخر البعض منها بعد ظهورها في ساحة الحرب؟
منذ بداية الحرب في أوكرانيا، التي يصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها عملية عسكرية خاصة بينما يصر الغرب على وصفها بأنها غزو، أصبحت الأسلحة من صواريخ ودبابات وطائرات وغيرها محط اهتمام كثير من المتابعين للحرب، وبخاصة في المقارنات بين الأسلحة الروسية من جهة والأسلحة الغربية من جهة أخرى.
والأزمة الأوكرانية في الأصل أزمة جيوسياسية، طرفاها روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تسعى الحكومة الأوكرانية للانضمام إلى الحلف وهو ما تعتبره موسكو تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ومع رفض إدارة الرئيس جو بايدن تقديم ضمانات أمنية لبوتين بأن كييف لن تنضم للناتو، ارتفعت وتيرة التصعيد وبدأ الروس هجومهم يوم 24 فبراير/شباط الماضي.
معارك شرسة في شرق أوكرانيا
يتركز القتال الشرس حالياً في شرق وجنوب أوكرانيا على المدن الرئيسية في دونباس؛ حيث منطقتا لوغانسيك ودونيتسك الانفصاليتان، خاصة مدينة سيفيرو دونيتسك، التي قالت مصادر أمريكية إن الروس باتوا يسيطرون على أكثر من 80% منها، ويرجع التقدم الذي تحققه القوات الروسية في الأيام الأخيرة إلى أسباب متعددة، منها الخسائر الفادحة التي تتكبدها القوات الأوكرانية أمام نظيرتها الروسية، بحسب آخر تصريحات الرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه.
وفي خضم تدفق الأسلحة الغربية من الناتو والولايات المتحدة على أوكرانيا، تبرز أسلحة بعينها؛ مثل صواريخ غافلين الأمريكية المضادة للدبابات والمدرعات وصواريخ ستينغر، وسط تقارير تفيد بأن الجيش الروسي فقد ألاف الدبابات بالفعل، وإن كانت تقارير غربية لا تؤكدها التقارير الروسية.
وفيما يتعلق بالدبابات تحديداً، نشر موقع Business Insider الأمريكي تقريراً حول دبابات T-62 التي تعود إلى زمن الاتحاد السوفييتي، والتي يقول التقرير إن روسيا اضطرت لإرسالها إلى القتال، فما مواصفات تلك الدبابات، وهل لا تزال قادرة على التسبب في مشكلات للأوكرانيين؟
فمع احتدام القتال في شرق وجنوب أوكرانيا، اللذين يشهدان هجمات جديدة وهجمات مضادة أسبوعياً، يواجه الجيش الروسي نقصاً متزايداً في الدبابات.
وتؤكد الصور أن روسيا فقدت ما لا يقل عن 760 دبابة قتال رئيسية في حربها في أوكرانيا حتى 7 يونيو/حزيران، وغالبيتها دبابات T-72B3 وT-80 الحديثة نسبياً، وإن كان الرقم الحقيقي أعلى بكل تأكيد.
ورصد مقطع فيديو في مايو/أيار حمولة قطار من دبابات T-62 المتقاعدة- التي دخلت الخدمة عام 1961- متجهة إلى مدينة ميليتوبول المحتلة في جنوب أوكرانيا، في إشارة إلى أن روسيا بدأت تعود إلى مخزونها القديم من هذه الدبابات.
وقد رُصدت دبابات T-62M وT-62MV المجهزة بالدروع التفاعلية لاحقاً في منطقة خيرسون أوبلاست المجاورة، في مواجهة القوات الروسية الدفاعية مع القوات الأوكرانية التي تحاول تحرير مساحة كبيرة من بلادها.
ويظهر مقطع فيديو آخر دبابة T-62 معطلة خارج القتال. ولم يتأكد حتى الآن أن أياً منها قد تعرض للتدمير أثناء القتال.
وتعتبر دبابات T-62 الابن الأوسط لدبابات الحقبة السوفييتية؛ إذ دخلت الخدمة بين الدبابتين الأكثر نجاحاً وانتشاراً T-54 وT-72.
وكانت دبابات T-62 لا تزال من التصميمات القوية في حرب أكتوبر/تشرين عام 1973، حيث تمكنت دبابات T-62 السورية والمصرية بمدافعها القوية، وإن كانت بطيئة، من اختراق دبابات باتون وسينتوريون وسوبر شيرمان الإسرائيلية.
هل تصمد دبابات T-62M في أوكرانيا؟
بحسب تقرير الموقع الأمريكي، يعتبر لجوء روسيا إلى مخزونها القديم من الدبابات سوفييتية الصنع علامة سيئة، على أساس أن تلك الدبابات خارج الخدمة منذ فترات طويلة، فلماذا لا تواصل موسكو استخدام دبابات T-72 وT-80 الأقوى من حيث الدروع والتسليح؟ وبالإضافة إلى ذلك، فهناك أمور تتعلق باختلافات جوهرية بين دبابات T-62 والدبابات الأحدث في الترسانة الروسية، أهمها وجود عضو رابع في طاقم تلك الدبابات القديمة، وهو ما لا يتناسب مع هياكل التدريب والتوظيف في روسيا حاليا.
ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن روسيا تملك حوالي 10 آلاف دبابة في مخزونها، من ضمنها 2500 دبابة T-62، وهذا يشير إلى وجود آلاف أخرى من دبابات T-72 وT-80 يمكن إعادتها للخدمة.
لكن العديد منها كان على الأرجح في حالة سيئة بحيث لا يمكن تجديدها ونشرها في أوكرانيا بسرعة مثل دبابات T-62M، التي ستُرسل على الأرجح إلى قوات انفصالية متوسطة القدرات موالية لروسيا.
هل وقعت معارك دبابات كبرى في أوكرانيا؟
وتوقع تقرير بيزنيس إنسايد أنه في حالة وقوع معركة مباشرة مع الدبابات الأوكرانية (دبابات T-64 وT-72 وT-80)، سيكون وضع دبابات T-62M الروسية صعباً بسبب ضعف أجهزة الاستشعار، والسيطرة على الحرائق، والدروع واختراق الدروع.
لكن معارك الدبابات لا تزال شحيحة نسبياً في أوكرانيا، ولا يزال بإمكان دبابات T-62 إلقاء قذائف 115 ملم لتفجير المشاة والتحصينات والمركبات المدرعة الخفيفة.
أما في دور الدعم، قد تمنح تحديثات دروع دبابات T-62M فرصة للنجاة من ضربات الدروع الأمامية القادمة من الأسلحة الأخف و/أو الأقدم المضادة للدبابات التي يستخدمها مشاة الجيش الأوكراني، مثل M72A2 LAW وRPG-7 وAT4 وكارل غوستاف؛ وبنادق SPG-9 القديمة التي لا تزال واسعة الانتشار ومدافع MT-12 Rapira المضادة للدبابات.
ورُصدت أيضاً دبابات T-62M التي أرسلت إلى أوكرانيا وهي تحمل درعاً قفصياً مؤقتاً فوق برجها، وهذه الدروع تلقى سخرية كبيرة على الشبكات الاجتماعية لأنها لا تحميها من الأسلحة القوية المضادة للدبابات مثل صواريخ جافلين أو Stugna-P.
ومع ذلك، تساعد هذه الدروع القفصية في صد القنابل المضادة للدبابات التي تلقيها طائرات مسيّرة مدنية- وهو تكتيك أوكراني شائع حقق نجاحاً مفاجئاً- وربما تحد من تأثير الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات.
على أن قائداً روسياً قال في مقابلة إن وحدته أزالت هذه الدروع، مشيراً إلى أنها تعيق عمل برج المدفع الرشاش وهوائيات اللاسلكي، وهروب الطاقم من الدبابة في حال احتراقها.
وروسيا، التي تفتقر إلى القوة البشرية المطلوبة لمهاجمة أراضي أوكرانيا والدفاع عن الأراضي التي تحتلها في آن واحد، تحاول الاعتماد على بديل من مخزونها القديم.
وبالتالي، يدل إدخال دبابات T-62 على أن موسكو مضطرة للرجوع لأسلحتها القديمة لأنها تستنفد أحدث منظومات أسلحتها في القتال، رغم أن دبابات T-62 أضعف من مئات من دبابات T-72 وT-80 الروسية التي دُمرت في القتال.
ومع ذلك، فحتى دبابة قديمة تكون محصّنة تقريباً من جميع الذخائر المضادة للدروع والمدفعية الثقيلة، ويمكنها إطلاق نيران قاتلة مباشرة من مسافة بعيدة. ولو تم استخدامها بحكمة، فلا يزال بإمكان وحدة من دبابات T-62 أن تشكل عقبة مزعجة أمام وحدات المشاة الأوكرانية خفيفة التسليح في الهجوم.