أصبح اتفاق تصدير الغاز الثلاثي بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل محط أنظار العالم، في وقت تسعى فيه أوروبا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، ولكن هل يمكن للاتفاق الذي لم تعلن تفاصيله بعد أن يحقق الاستقلال الأوروبي عن الغاز، وما المميزات التي يمنحها لكل طرف، ومن المستفيد الأكبر منه.
والاتفاق هو مذكرة تفاهم يبدو أنها بمثابة اتفاق إطاري لوضع قواعد وأسس عملية تنظيم تصدير الغاز من شرق المتوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة من إسرائيل عبر منشآت تسييل الغاز المصرية.
وتزامن توقيع الاتفاق في القاهرة، الذي أعلن الأربعاء 15 مايو/أيار، مع اجتماع منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يَجمع مسؤولين من الدول الثماني أعضاء المنتدى، وهي مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإيطاليا وفرنسا، إضافة إلى مراقبين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي.
إليك ما نعرفه عن اتفاق تصدير الغاز الثلاثي
وقالت وزارة الطاقة الإسرائيلية إن الاتفاق سيسمح بتصدير كمية كبيرة من الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا لأول مرة.
الصفقة، ستُمكن إسرائيل من إرسال غازها الطبيعي عبر خطوط الأنابيب الموجودة بالفعل إلى الموانئ المصرية، حيث يمكن تسييله وضغطه ثم تصديره إلى أوروبا.
وتسمح الترتيبات الجديدة التي كانت اتفقت إسرائيل عليها مع مصر قبل توقيع الاتفاق الثلاثي بتصدير الغاز الإسرائيلي، الذي يدخل نظام نقل الغاز الأردني في بيت شيعان، ليتم نقله جنوباً إلى مصر عبر ميناء العقبة الأردني، من خلال خط الغاز العربي (AGP).
"مذكرة التفاهم بمثابة التزام بمشاركة الغاز الطبيعي مع أوروبا، ومساعدتها في تنويع مصادر الطاقة"، حسبما قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الحرا، بعد التوقيع، ولفتت إلى أن إسرائيل ومصر وقبرص ستكون دولاً موردة يعتمد عليها لإمداد أوروبا بالطاقة.
وقالت وزارة الطاقة الإسرائيلية إنه بموجب الاتفاق، سيشجع الاتحاد الأوروبي الشركات الأوروبية على المشاركة في مناقصات التنقيب الإسرائيلية والمصرية.
يتوقع زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال من مصر إلى أوروبا بموجب الاتفاقية، حسبما نقلت وكالة Reuters عن مسؤولين، على الرغم من أنهم قالوا إن الأمر سيستغرق على الأرجح عامين قبل أن يتم توسيع الصادرات بشكل كبير. ومصر منتج للغاز أيضاً، لكن صادراتها كانت محدودة بسبب ارتفاع الطلب المحلي.
ما كمية الغاز التي سيتم تصديرها، وهل تؤدي لاستغناء أوروبا عن روسيا؟
وافق الاتحاد الأوروبي على حظر الفحم والنفط في حزمه السابقة من العقوبات ضد روسيا، دون المساس مباشرة بواردات الغاز الروسية، التي تلبي 40% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، و55% من احتياجات ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا.
ومع ذلك، قطعت روسيا الإمدادات عن العديد من الدول الأعضاء، لرفضها دفع ثمن الغاز بالروبل، بما في ذلك بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا.
ودفع الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 26 مليار يورو لواردات الغاز لروسيا منذ غزو أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط 2022، وفقاً لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف.
وشددت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، فون دير لاين، على أن اتفاق تصدير الغاز الثلاثي سيزيد من "استقلال الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة"، في إشارة لرغبة التكتل في التخلي عن إمدادات الغاز الروسية.
من المتوقع أن تتراوح صادرات الغاز في إطار الاتفاق الثلاثي بين 2.5 و3 مليارات متر مكعب في عام 2022، ويمكن أن تزيد إلى 4 مليارات متر مكعب في السنوات اللاحقة، حسبما قالت وزارة الطاقة الإسرائيلية قبل توقيع الاتفاق.
لا تقارن هذه الكمية إطلاقاً بكمية الغاز التي تستوردها أوروبا من روسيا، والتي تُقدر بـ155 مليار متر مكعب سنوياً.
ولكن إلى جانب مصر وإسرائيل، يُنظر إلى دول أخرى مثل أذربيجان وبعض الدول الإفريقية على أنها مصدر بديل محتمل لواردات الاتحاد الأوروبي، كما تسعى إيطاليا لزيادة وارداتها من الجزائر، كما بحثت ألمانيا مع قطر استيراد الغاز المسال من الدولة الخليجية.
وسيستمر اتفاق تصدير الغاز الثلاثي لمدة ثلاث سنوات مع تمديد تلقائي لمدة عامين، حسب الوزارة الإسرائيلية، وهي مدة أقل من تسع سنوات، التي وردت في مسودة الاتفاق، ويشير ذلك إلى انصياع مصر وإسرائيل لرغبة الاتحاد الأوروبي في عدم إبرام اتفاق طويل الأمد، في ظل سعيه لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، إلى جانب ميله للعمل على عدم ربط نفسه بصفقات مسعرة لفترة طويلة على أمل تراجع الأسعار.
كما تقول مسودة سابقة لمذكرة التفاهم، إنها لن تنشئ أي التزامات قانونية أو مالية على الاتحاد الأوروبي.
ما الكمية التي تُصدرها مصر من الغاز حالياً؟
تصدر مصر بالفعل كمية صغيرة من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.
في العام الماضي، صدرت مصر 8.9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، أغلبها للأسواق الآسيوية، وصلت صادرات الغاز الطبيعي المسال في مصر بالفعل إلى 5.6 مليار متر مكعب من الغاز المكافئ حتى الآن في عام 2022، مع تسليم حوالي 55 شحنة إلى أسواق التصدير، وفقاً لبيانات من S&P Global.
وتخطط مصر مثل إسرائيل لزيادة إنتاجها وصادراتها في السنوات المقبلة لأوروبا، والاستفادة من رغبة الاتحاد الأوروبي في الاستغناء عن الغاز الروسي، وبالفعل في الأشهر الأخيرة توجه جزء كبير من الغاز المصري لتركيا وأوروبا، بعد أن ارتفعت الأسعار مقارنة بالأسواق الآسيوية.
ولكن يجب ملاحظة أن صادرات مصر الحالية من الغاز تشمل ما تنتجه من حقولها، وما تشتريه من إسرائيل وتعيد بيعه.
ويتم تصدير خمسة مليارات متر مكعب من الغاز الإسرائيلي إلى مصر كل عام، أي أكثر من نصف الكمية التي صدرتها مصر للخارج العام الماضي.
ويعتقد أن اتفاق تصدير الغاز الثلاثي سيسمح لمصر بشراء بعض الغاز الذي يتم نقله إلى الاتحاد الأوروبي ودول أخرى عبر الأراضي المصرية لاستهلاكها أو تصديرها، حسبما ورد في مسودة للاتفاق، أي أن مصر قد تشتري الغاز من إسرائيل ثم تعيد تصديره لأوروبا.
ولكن في كل الأحوال فإن استفادة القاهرة من رسوم تسييل وإعادة تصدير الغاز الإسرائيلي لن تكون بنفس حجم استفادة تل أبيب باعتباره المنتج الأصلي.
هل يكون المشروع بديلاً لغاز شرق المتوسط؟
يبدو أن اتفاق الغاز الثلاثي قد يكون بديلاً لخط أنابيب غاز شرق المتوسط، الذي وقعت اليونان وإسرائيل وقبرص صفقة لبنائه تحت البحر في عام 2020، وكان من المتوقع أن يلبي المشروع المقترح، بميزانية تقريبية تبلغ 6 مليارات دولار، حوالي 10% من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي، لكنه مشروع محفوف بالتعقيدات السياسية واللوجستية، ويحتاج إلى زمن طويل.
في ذلك الوقت قال مسؤولون إسرائيليون إن بناء خط أنابيب إيست ميد سيستغرق ما يصل إلى سبع سنوات.
ولكن الاتحاد الأوروبي ظل متردداً في دعم خط أنابيب شرق المتوسط بسبب التكلفة، ولأنه سيربط أوروبا بالوقود الأحفوري لفترة طويلة، بما يتعارض مع خططه للتوسع في الطاقة الجديدة، إضافة للاعتراضات التركية بسبب مطالبتها في المياه الاقتصادية للمنطقة، سواء باسمها أو باسم قبرص التركية، ودفعت هذه التعقيدات واشنطن التي تسعي لتحقيق استقلال أوروبي عن الطاقة الروسية لرفع دعمها لخط الأنابيب المثير للجدل.
كما أن القاهرة لم تكن متحمسة له، لأنها لا تمتلك كمية كبيرة من الغاز، وفي الوقت ذاته فإنها تقدم بديلاً له عبر مرافق التسييل الخاصة بها.
قصة تحول مصر من مصدِّر للغاز إلى مستورد ثم مركز للتسييل
وأصبحت مصر على نحو متزايد مركزاً إقليمياً للغاز، مع منشأتين للغاز الطبيعي المسال حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت مصر، في فبراير/شباط 2022، إن مصنَعي الغاز الطبيعي المسال يعملان "بكامل طاقتهما"، ويحققان أقصى استفادة من أسعار الغاز الطبيعي المسال المرتفعة.
وبنت القاهرة منشآت التسييل هذه في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، بناء على تقديرات تبين أنها غير صحيحة، بوجود احتياطات كبيرة لديها من الغاز تكفي لتصدير كميات كبيرة.
ولكن سرعان ما تراجع إنتاج الغاز المصري، وتوقفت القاهرة عن التصدير لإسرائيل في مخالفة للاتفاقات المبرمة بين الجانبين، ولجأت أحياناً للاستيراد، وتجنبت مصر دفع غرامة كبيرة لتل أبيب بلغت 1.7 مليار دولار، فرضت عليها من قبل التحكيم الدولي، وذلك عبر الاتفاق على استيراد الغاز الإسرائيلي، وتسييل الغاز لصالح إسرائيل، بدلاً من دفع الغرامة لها.
وبعد أن انحدر إنتاج مصر من الغاز، لدرجة توقفها عن الالتزام بصفقات التصدير لإسرائيل والأردن، بدأ إنتاج القاهرة يتحسن خلال السنوات الماضية عبر اكتشافات جديدة، ولكن مازالت قدرات منشآت التسييل أكبر بكثير من إنتاج مصر المحلي من الغاز.
والمنشأة الأكبر التي تملكها مصر لتصدير الغاز الطبيعي المسال هي منشأة إدكو، التي تديرها شركة شل البريطانية الهولندية وطاقتها- 7.2 مليون طن متري/ سنة (9.9 مليار متر مكعب/ سنة)، والثانية هي محطة دمياط الأصغر التي تديرها إيني الإيطالية، والتي تبلغ 5 ملايين طن متري/ سنة، حسبما ورد في تقرير لموقع S&P Global.
ويعتبر المصنعان مفتاحاً للجهود الأوروبية للحصول على مزيد من الغاز الطبيعي المسال، بما في ذلك من إسرائيل، التي زادت منذ مارس/آذار إمداداتها إلى مصر.
من جانبها تمتلك تل أبيب احتياطات كبيرة من الغاز، ولكنها لا تمتلك خطوط أنابيب لنقله باستثناء الخط الذي يربطها بمصر، والذي تم عكس اتجاهه لنقل الغاز من إسرائيل لمصر.
بالنسبة لتل أبيب يوفر الاتفاق مع مصر لتسييل الغاز مميزات عديدة، أبرزها أنه يغنيها عن إنشاء بنية أساسية باهظة التكلفة للتسييل، إضافة إلى دواعي القلق البيئية من بناء مثل هذه المنشآت في الساحل الإسرائيلي المكتظ بالسكان والرأي العام الحساس من المخاوف البيئية، إضافة إلى المخاوف الأمنية من استهدافه من قبل المقاومة الفلسطينية أو حزب الله في أي صراع.
الاحتياطات التي تتحدث عنها إسرائيل تشمل الحقل المتنازع عليه من لبنان
برزت إسرائيل كمصدر للغاز في السنوات الأخيرة بعد الاكتشافات البحرية الكبرى.
لديها حقلان رئيسيان للغاز قبالة سواحلها مع ما يقدر بنحو 690 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي مجتمعة، وتواصل استكشاف المزيد، بما في ذلك تلك التي تقع تحت الحدود البحرية المتنازع عليها مع لبنان.
وتقول تل أبيب إن حقل كاريش جزء من منطقتها الاقتصادية الخالصة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. بينما لبنان يصر على أنه يقع في منطقة متنازع عليها، وقد يصبح هذا الحقل سبباً إضافياً للتوتر بين حزب الله وإسرائيل، بعد إرسال الأخيرة مؤخراً سفينة تنقيب يونانية في المنطقة المتنازع عليها.
علامات استفهام حول انقلاب موازين الطاقة.. من أين جاءت إسرائيل بكل هذا الغاز؟
قدّر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود (122 تريليون قدم مكعبة) أو 3455 مليار متر مكعب من الغاز، وكذلك 1.7 مليار برميل من النفط في المنطقة.
ولكن يبدو أن إسرائيل أصبحت نجم الطاقة بالمنطقة، بينما مصر، مركز التسييل، ولم تحقق باقي دول المنطقة نفس التقدم في استخراج الغاز.
وإحدى علامات الاستفهام التي يثيرها الاتفاق الذي يجعل مصر مركزاً لتسييل الغاز في المنطقة، هو لماذا أنشأت القاهرة بنية تسييل الغاز الضخمة هذه، والتي ظلّت معطلة لفترة بسبب عدم وجود غاز لديها، بل عرضت القاهرة لخطر دفع غرامات باهظة للأردن وإسرائيل جراء عدم التزامها باتفاقات التصدير السابقة.
وهل السبب هو الخطأ في حساب مقدار احتياطات الغاز المصرية، أم أن هناك علاقة بين اكتشاف إسرائيل كميات كبيرة من الغاز بالتزامن مع إعلان القاهرة أنها غير قادرة على تلبية التزاماتها بالتصدير لتل أبيب.
ويقول منتقدون إن هذا لم يحدث بسبب خطأ في حساب الاحتياطيات المصرية، ولكن نتيجة تنازلات تمت في الأغلب في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك لتل أبيب، عن مساحات من المياه الاقتصادية لإسرائيل تحوي احتياطات كبيرة من الغاز.
كما انعكست خلافات مصر السياسية مع تركيا على سياسة نظام الرئيس السيسي في شرق المتوسط، حيث وقعت القاهرة اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع اليونان أثار غضب تركيا، ويعتقد أن الاتفاق جاء في إطار الخلافات السياسية مع أنقرة أكثر من ارتباطه بالوقائع الجغرافية والسياسية، وأنه قد يؤدي إلى خسارة مصر مساحة تقدر بنحو 15 ألف كيلومتر مربع، من مياهها الاقتصادية، مقارنة بأي اتفاق مماثل مع تركيا، أي أنها تعادل مساحة محافظة الجيزة تقريباً، وتمثل 130 ضعف مساحة جزيرتي تيران وصنافير.
لم تصدق القاهرة على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع أثينا، الذي يعتقد أنه قوبل باعتراض من قبل المتخصصين والجهات المعنية في القاهرة، إضافة لصعوبة تطبيقه في ظل رفض أنقرة، التي أكدت أن أي اتفاق معها سوف يكون أفضل للقاهرة، وقد أشادت تركيا بمراعاة مصر بعد ذلك لمطالبها في منحها لامتيازات التنقيب بالمنطقة.
ولكن الخلافات التركية المصرية أثرت على موقف القاهرة التفاوضي أمام قبرص واليونان وإسرائيل.
وبينما تعد الخلافات التركية اليونانية القبرصية والإسرائيلية اللبنانية حول ترسيم الحدود البحرية وحقوق استخراج الغاز، هي الأشهر، ولكن هناك خلافات أقل شهرة بين إسرائيل وقبرص، ويعتقد أن تل أبيب نالت فيها مكاسب من نيقوسيا عبر خليط من فرض الأمر الواقع والنفوذ لدى الولايات المتحدة.
وكانت مصر قد وقَّعت مع قبرص في عام 2018 عقداً لإنشاء خط ينقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة بمصر وإعادة تصديره، بتكلفة مليار دولار، ولكن الاتفاق ووجه باعتراضات إسرائيل، حيث تقول تل أبيب إن لديها حقوقاً في الحقل.
وإضافة للاتهامات اللبنانية لإسرائيل بالتنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها، فهناك شكوك بأنها تستغل الغاز الفلسطيني دون وجه حق.