أقرت الجزائر إجراءات إضافية ضد إسبانيا، رداً على تبني رئيس الحكومة بيدرو سانشيز موقفاً داعماً لرؤية المغرب في نزاع إقليم الصحراء، كما أبدت استعدادها لإخراج أوراق تصعيدية أخرى من محفظتها وفق تطور الأوضاع. والأربعاء، أعلنت الجزائر عن التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، الموقعة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2002، لترد مدريد بأنه "ستكون هناك استجابة مناسبة لإلغاء المعاهدة الثنائية، وسنكون حازمين في الدفاع عن مصالحنا الوطنية ومصالح شركاتنا".
الجزائر وإسبانيا.. إجراءات تصعيدية جديدة
بعدها بساعات قليلة، أصدرت جمعية البنوك الجزائرية (حكومية) تعليمات للمؤسسات المالية تقضي "بتجميد عمليات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا، ووقف أي عملية توطين بنكي لإجراء عمليات تجارية مع مدريد".
حيث تصعد الجزائر إجراءاتها ضد حكومة بيدرو سانشيز، الذي جدد الأربعاء، دفاعه عن قراره بدعم مبادرة الحكم الذاتي في إقليم الصحراء التي يقترحها المغرب منذ 2007.
ما خلفية الأزمة الجزائرية الإسبانية؟
في 18 مارس/آذار الماضي، وصفت الحكومة الإسبانية في رسالة بعث بها سانشيز، إلى العاهل المغربي محمد السادس، مبادرة الرباط للحكم الذاتي في إقليم الصحراء بـ"الأكثر جدية للتسوية في الإقليم المتنازع عليه"، بحسب بيان للديوان الملكي المغربي.
واستدعت الجزائر سفيرها لدى مدريد للتشاور، في اليوم التالي للقرار الإسباني الذي وصفته بـ"التحوُّل المفاجئ". وتعتبر الجزائر موقف الحكومة الإسبانية "منافياً للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام وتساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وفي المنطقة قاطبة"، وفق بيان للرئاسة الجزائرية صدر الأربعاء.
ويقترح المغرب حكماً ذاتياً موسعاً لإقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
كما طالبت الجزائر سابقاً بمراجعة أسعار الغاز المصدر باتجاه مدريد، مبررة ذلك بارتفاع سعره في الأسواق الدولية.
وحذرت وزارة الطاقة الجزائرية نظيرتها الإسبانية من مغبة إعادة تسويق الغاز الجزائري لأية وجهة أخرى، وقالت بأنها ستقوم بمراجعة الاتفاقيات المبرمة في حالة حدوث ذلك.
وجاء ذلك رداً على قرار مدريد إعادة عكس تدفق الغاز باتجاه المغرب، عبر خط أنبوب المغرب العربي (يعبر الأراضي المغربية)، والذي رفضت الجزائر إعادة تجديد عقد استغلاله منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لتقرر الأربعاء، تعليق العمل بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار وتجميد عمليات التجارة الخارجية مع إسبانيا.
وقبل أن تتخذ هذه الإجراءات قالت الجزائر في أكثر من مناسبة إنها "تنتظر من إسبانيا مراجعة موقفها من نزاع الصحراء وتعود للشرعية الدولية". ولوحظ أن السلطات الجزائرية تتحرك وفق عامل الوقت، وتراقب تطورات موقف الحكومة الإسبانية.
ماذا تعني القرارات؟
تجدر الإشارة إلى أن قرار تعليق العمل بالمعاهدة المذكورة، اتُّخذ خلال اجتماع للمجلس الأعلى للأمن، الذي ترأسه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأربعاء، بصفته رئيساً للجمهورية، قائداً أعلى للقوات المسلحة وزيراً للدفاع الوطني.
وأوضح الخبير الدولي في الأزمات حسان قاسيمي لوكالة الأناضول أن "الإطار الذي صدر فيه القرار يعني أن له علاقة مباشرة بأمن الدولة الجزائرية".
وأضاف قاسيمي، وهو مسؤول سابق بالداخلية الجزائرية، أنه "وفي هذه الحالة يمكن تقدير بأن الطرف الإسباني كانت له تصرفات عدوانية تجاه الجزائر". ورأى أن بيدرو سانشيز، "أول من يتحمل مسؤولية عواقب تدهور العلاقات بين بلدين طالما نجحا في الحفاظ على علاقات ممتازة".
في تقدير قاسيمي، فإن إسبانيا "ستتضرر كثيراً من الأوراق التي حركتها الجزائر لحد الآن، خاصة في ظل تزايد انتقادات الطبقة السياسية الإسبانية لرئيس الحكومة الذي سيجد نفسه معزولاً في حال انتخاب حكومة جديدة وحتى أمام القضاء".
وتوقع قاسيمي أن "تُبقي الجزائر حالة الاستعداد لتدابير أخرى في انتظار صدور رد جديد من الحكومة الإسبانية". واعتبر أن "عودة العلاقات بين البلدين، ستتم بعد إزاحة سانشيز وانتخاب حكومة جديدة تحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"، حسب تعبيره.
"عقوبات غير مباشرة"
قرار تعليق المعاملات المالية للتجارة الخارجية من وإلى إسبانيا، سيفقد الطرف الإسباني سوقاً تدر عليه 1.9 مليار دولار سنوياً، وفق إحصائيات رسمية.
وتعتبر مدريد خامس مورد للجزائر بعد الصين، وفرنسا، وإيطاليا وألمانيا، وثاني أكبر سوق لها في إفريقيا بعد المغرب، بينما تصدر الجزائر لإسبانيا قرابة نصف احتياجاتها من الغاز (47 بالمئة).
وفي مايو/أيار الماضي، اختارت الجزائر إيطاليا كأول شريك للطاقة لها في أوروبا، حيث ستباشر ضخ كميات إضافية من الغاز بحجم 9 مليارات متر مكعب الخريف المقبل.
وتقول الجزائر إنها لن تتضرر كثيراً من حظر العمليات التجارية، إذ إن معظم صادراتها نحو إسبانيا من الغاز الذي يبقى تدفقه متواصلاً. وعلق الخبير الاقتصادي الجزائري فريد بن يحيى على الخطوة الجزائرية بأنها "عقوبات اقتصادية غير مباشرة فرضتها (الجزائر) على إسبانيا".
وقال بن يحيى للأناضول: "الجزائر ترى أن إسبانيا خدعتها، وهي شريكها الاستراتيجي في الطاقة وانحازت للمغرب الذي لا تجمعها به سوى مشاكل الحدود والمضائق (مضيق جبل طارق) الهجرة والمخدرات"، حسب تعبيره.
وأوضح أن حظر الواردات الإسبانية سيلحق أضراراً بالغة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وخاصة الفلاحين "فمن الصعب عليهم إيجاد سوق بديلة للجزائر في الوقت الراهن".
وأردف بن يحيى أن الجزائر "استخدمت بشكل مشروع الضغوط الاقتصادية على مدريد مثلما تفعل معظم الدول في الوقت الراهن الذي يسود فيه منطق القوة".
أوراق تصعيد قادمة
وسبق للجزائر أن وظفت الورقة الاقتصادية عندما توترت علاقتها بفرنسا قبل سنتين، حيث أنهت التعاقد مع عدد من المؤسسات الفرنسية الناشطة في قطاعات حساسة كالمياه والنقل، حسب بن يحيى.
وأكد بن يحيى أن "الطرف الجزائري ما زال في جعبته كثير من أوراق التصعيد وقد يصل إلى حد وقف تدفق الغاز"، مستطرداً بأن "إسبانيا دخلت لعبة الكبار وهي ليست بالدولة الكبيرة"، حسب وصفه.
والأربعاء قال مصدر دبلوماسي لموقع صحيفة "الشروق" الجزائرية (خاصة)، إن إسبانيا بقيادة بيدرو سانشيز "لم تعد شريكاً موثوقاً للجزائر وهناك قرارات قادمة بعد إعلان تعليق معاهدة الصداقة" دون الإفصاح عن طبيعتها.