تواصل روسيا إحراز تقدم في علاقاتها بجميع أنحاء إفريقيا، التي عمّقتها بشكل كبير خلال العقدين الماضيين؛ حيث وقّعت موسكو مؤخراً اتفاقيات ثنائية وتجارية مع عدة دول إفريقية، على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة عليها؛ بسبب حربها في أوكرانيا التي انطلقت في 24 فبراير/شباط 2022. فكيف نجحت موسكو في ذلك؟
روسيا تعقد اتفاقيات مع زيمبابوي
خلال الأسبوع الجاري، التزمت روسيا وزيمبابوي بتوسيع وتعميق العلاقات الثنائية بينهما، خلال الدورة الرابعة للجنة الحكومية الزيمبابوية – الروسية المشتركة "ICG"، التي عقدت في العاصمة هراري.
وذكرت صحيفة "زيمبابوي ميل" في 2 يونيو/حزيران الجاري، أن وزير الموارد الطبيعية والبيئة الروسي ألكسندر كوزلوف، اقترح على وزير تنمية المناجم والتعدين في زيمبابوي وينستون تشيتاندو، إشراك شركة "زاروبيزجيولوجي" الروسية في العمل بمجال رسم الخرائط الجيولوجية في بلاده.
ونقلاً عن وكالة الأنباء الروسية "إنترفاكس"، أعربت زيمبابوي أيضاً عن استعدادها للنظر، بشكل شامل، في مشاركة الشركات الروسية في التنقيب عن المخزونات الطبيعية في البلاد، واستكشافها وتطويرها.
صفقة عسكرية مع الكاميرون
ووقعت الكاميرون في أبريل/نيسان الماضي اتفاقية عسكرية استراتيجية مع روسيا، لتصبح أول دولة إفريقية تقوم بهذه الخطوة منذ بداية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
يقول مصطفى مهيتا، رئيس مكتب إفريقيا، والزميل بمركز الأبحاث "ميديا ريفيو نتوورك" في جوهانسبرغ، إن توقيع العديد من البلدان الإفريقية صفقات مع روسيا "يرجع لسبب بسيط؛ هو أن روسيا مثل الصين، لا تتدخل في شؤون عملائها، وتعاملهم كشركاء متساوين وذوي سيادة".
يشير مهيتا في حديثه لوكالة الأناضول، إلى أن اتفاقية التعاون الدفاعي التي تم التوصل إليها بين موسكو والكاميرون تهدف إلى مساعدة الأخيرة على مكافحة القرصنة، وتدريب قواتها على مكافحة الإرهاب.
وتتمتع الكثير من البلدان الإفريقية بتقارب طويل الأمد مع روسيا، يعود إلى زمن الحرب الباردة، فبعض القادة السياسيين والعسكريين درسوا هناك، وتنامت الروابط التجارية، وتواصل في السنوات الأخيرة عددٌ متزايد من البلدان الإفريقية مع موسكو، واشتروا كميات أكبر من أي وقتٍ مضى من الأسلحة الروسية، حتى إن بعضها، مثل مالي، بدأت بالاستعانة بالمرتزقة الروس "الفاغنر".
السنغال تنشد الدعم الروسي لإفريقيا بسبب أزمة القمح
وفي 3 يونيو/حزيران الجاري التقى رئيس الاتحاد الإفريقي الرئيس السنغالي ماكي سال، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي بجنوب روسيا. وقال سال مخاطباً بوتين: "جئت للقائك لكي أطلب منك أن تدرك بأن بلداننا هي ضحية لهذه الأزمة على الصعيد الاقتصادي".
وتستورد إفريقيا أكثر من نصف القمح الذي تحتاجه من أوكرانيا وروسيا. وأضاف سال، أن الدول الإفريقية "تعاني من تداعيات النزاع، في حين أن غالبية الدول الإفريقية تجنبت إدانة روسيا خلال عمليتي التصويت في الأمم المتحدة".
قائلاً: إن "العقوبات ضد روسيا تسببت بمزيد من المعاناة، ولم يعد لدينا إمكانية الوصول إلى الحبوب التي تصدر من روسيا، وهذا يطرح تهديدات جدية للأمن الغذائي في القارة".
وتابع الرئيس السنغالي: "التوترات في القطاع الغذائي الناجمة عن النزاع تفاقمت بسبب العقوبات الغربية، التي تؤثر على الشبكة اللوجستية والتجارية والمالية لروسيا".
ودعا إلى "إبقاء القطاع الغذائي خارج العقوبات التي يفرضها الغربيون رداً على الهجوم العسكري الروسي". وأشاد سال "بالدعم الذي كان يقدمه الاتحاد السوفييتي للدول الإفريقية في نضالها ضد الاستعمار"، مثنياً على "تطور العلاقات الروسية – الإفريقية".
روسيا تتجاوز العقوبات الغربية في إفريقيا
يقول أستاذ العلوم السياسة بجامعة جنوب إفريقيا ديرك كوتزي، إن العقوبات المفروضة على روسيا من قبل الأمم المتحدة "ليست ذات تأثير عالمي، لذلك توقع بعض الدول الإفريقية صفقات مع روسيا". ويعتقد كوتزي أيضاً، أنه "من الأسهل على روسيا توقيع اتفاقيات تعاون مع الحكومات الأقل ديمقراطية في القارة".
ويضيف للأناضول: "لا يتعين على الحكومات ذات الديمقراطيات المثيرة للجدل في القارة الإفريقية أن تدخل في الكثير من عمليات صنع القرار لتمرير صفقة مع دولة أخرى، مقارنة بتلك التي لديها عمليات أكثر ديمقراطية". ويشير الأكاديمي الجنوب إفريقي إلى أنه "لكل دولة حق اختيار من تتعاون معه".
الحرب الروسية الأوكرانية تخلق تكتلات في القارة السمراء
ويلفت كوتزي إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية "خلقت تكتلات في القارة الإفريقية؛ حيث انقسمت دولها في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء تصويتها إما لتأييد أو ضد أو الامتناع عن التصويت في قرارات تدين التدخل الروسي في أوكرانيا".
بدوره يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة "كيامبوجو" الأوغندية سلطان كاكوبا، فكرة أن "الصراع في أوكرانيا خلق بالفعل تكتلات في إفريقيا". ويوضح كاكوبا أن العديد من دول القارة "تشتري معداتها العسكرية من روسيا، كما أن روسيا لعبت دوراً في النضال من أجل استقلال العديد من الدول الإفريقية".
ويشير إلى أن معظم الدول في إفريقيا لها تاريخ طويل "كعضو نشط" في حركة عدم الانحياز. وتأسست حركة عدم الانحياز عام 1961، وهي منتدى يضم 120 دولة نامية، تلتزم بالحفاظ على الاستقلال الاستراتيجي، وتتجنب أن تكون جزءاً من التكتلات السياسية حول العالم.
الممثل الخاص للرئاسة الروسية بالشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، قال في 2 يونيو/حزيران الجاري، إن إفريقيا "كانت دائماً منطقة مهمة لروسيا، من وجهة نظر السياسة الخارجية، والتعاون التجاري والاقتصادي والإنساني"، وفقاً لوكالة "إنترفاكس" الروسية.
وأشار بوغدانوف، إلى أن "العديد من الأفارقة درسوا في الجامعات الروسية بين الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي"، معبراً عن أمله "في رؤية العديد من الشركات الروسية تعمل في إفريقيا". وأكد أن روسيا "وقفت إلى جانب العديد من الدول الإفريقية في نضالها من أجل الاستقلال، وهذا هو الأساس لاستعادة العلاقات بين روسيا وإفريقيا".