أزمة الإساءة إلى النبي تطارد الهند.. إليك حجم مصالحها مع دول الخليج، وهل تضطرها للاعتذار؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/06 الساعة 18:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/07 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي/رويترز

أزمة الإساءة للرسول الكريم من قبل مسؤولين في الحزب الحاكم بالهند، جددت التساؤلات حول أسباب إصرارالحكومة الهندية على سياستها المناهضة للإسلام رغم علاقتها الوثيقة بالعالم الإسلامي وخاصة دول الخليج، ولماذا ترفض الاعتذار حتى الآن؟

وتوالت ردود فعل من عدد من الدول الإسلامية على الإساءة للرسول، حيث أعلنت كل من الخارجية السعودية، والإماراتية استنكارهما للتصريحات الهندية، ورفضهما المساس برموز الدين الإسلامي، فيما استدعت كل من الكويت وقطر سفيري الهند لديهما، وأدان الأزهر الشريف التصريحات، وبدأت حملة لمقاطعة البضائع الهندية في الكويت رداً على الإساءة للرسول.

وسعت الحكومة الهندية، إلى تهدئة الأجواء في ظل انتقادات داخلية ودولية، حيث، أعلن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، تعليق عمل المتحدثة باسم الحزب نوبور شارما، وطرد زميلها نافين كومار جيندال، المسؤول عن وحدة الحزب الإعلامية، واعتبر الحزب الهندي أن "آراءهما مخالفة لموقف الحزب". وقال حزب "مودي" الذي يُتهم باستمرار باستهداف الأقلية المسلمة في البلاد، إنه "يحترم جميع الأديان".

وكان نافين جيندال وشارما قد نشرا تدوينات مثيرة للجدل بشأن زواج النبي محمد بالسيدة عائشة، ما أثار غضباً وانتقادات واسعة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في الدول العربية، وبررت شارما على "تويتر" تعليقاتها، بأنها جاءت رداً على "الإهانات" الموجهة ضد الإله الهندوسي "شيفا".

الإساءة للرسول محصلة لحملة اضطهاد واسعة

وقالت منظمة التعاون الإسلامي في بيان: "هذه الإهانات تأتي في سياق من زيادة حدة الكراهية والإهانات للإسلام في الهند والمضايقات الممنهجة التي يتعرض لها المسلمون هناك"، مشيرة إلى القرار الذي صدر في مارس/آذار الماضي، بحظر الحجاب في المؤسسات التعليمية في عدد من الولايات الهندية، وعمليات تدمير لممتلكات مسلمين، ومسلطةً الضوء على ما وصفته بأنه تحيز من الحكومة الهندية.

ويبلغ تعداد المسلمين في الهند 172 مليون نسمة، أي يمثلون ثالث أكبر تجمُّع للمسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان، ويشكلون أكبر أقلية دينية في الهند، وأكبر الأقليات الإسلامية في العالم بلا منازع.

الإساءة للرسول الكريم
المسلمون في الهند يشكون من الاضطهاد منذ تولي مودي السلطة/رويترز

وعانى المسلمون من حملة ممنهجة منذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الحكم، وهو الحزب الذي اكتسب شعبيته قبل الوصول إلى الحكم، عبر التحريض على المسلمين، وبعض قادته متهمون بالتورط في مذابح ضد المسلمين، ومن ضمنهم رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي الذي تلطّخت سمعته بسبب الجدل الذي أثير عندما كان كبيراً للوزراء في ولاية غوجارات، وذلك خلال أعمال الشغب الطائفية التي شهدتها الولاية في عام 2002 وأسفرت عن مقتل مئات المسلمين.

وعقب وصول مودي إلى السلطة، شنت جماعات هندوسية يمينيةٌ هجمات على أقليات بدعوى أنها تحاول منع التحول الديني، وأقرت عدة ولايات هندية، وتعمل أخرى على دراسة، قوانين مناهضة لحق حرية الاعتقاد الذي يحميه الدستور، كما تم إلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير؛ ذي الأغلبية المسلمة، وتشريع قوانين وصفت بأنها عنصرية وتستهدف المسلمين.

والآن، الهند تخشى على مصالحها

ويبدو أن مسارعة الهند لمحاولة احتواء الغضب من الإساءة للرسول، جاء خوفاً على مصالحها الاقتصادية، خاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي (الكويت وقطر والسعودية والبحرين وعُمان والإمارات).

ويُقيم نحو 9 ملايين عامل هندي في بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تُعتبَر مصدراً لـ65% من تحويلات المغتربين المالية إلى الهند التي تقدر بنحو 89 مليار دولار، وتعد نيودلهي الأولى عالمياً في تلقي تحويلات العاملين في الخارج، متفوقة على الصين والمكسيك.

وفي الفترة من 2021 إلى 2022 بلغ حجم التجارة الثنائية للهند مع دول مجلس التعاون الخليجي ما يقرب من 154 مليار دولار، وبلغ العجز التجاري الهندي مع هذه الدول نحو 67 مليار دولار، حسب موقع India Today.

ما يقرب من 60 في المائة من واردات الهند من دول مجلس التعاون الخليجي هي النفط الخام والغاز الطبيعي، وتشمل العناصر الأخرى الماس والذهب والبوليمرات. من ناحية أخرى، تشمل صادرات الهند المجوهرات الجاهزة والنفط المكرر والأرز والملابس والسيارات ومعدات البث.

والإمارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري الثالث للهند بعد الولايات المتحدة والصين، حيث تمثل التجارة معها نحو أكثر من سبعة في المائة من إجمالي تجارة الهند، إذ صدرت نيودلهي سلعاً وخدمات بقيمة 28 مليار دولار للإمارات، واستوردت منها ما يقرب من 45 مليار دولار، حسب آخر إحصاء.

ويُردّد أبناء الجالية الهندية في الخليج أن دبي هي خامس أكبر مدينة هندية. وللهند أيضاً مصلحة قومية حقيقية في عبور السلع بأمان في مياه الخليج، فهي تستورد نحو ثلث إمداداتها من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي. أما المستثمرون في الدول الخليجية فيرون في النمو الاقتصادي الهندي فرصة لتنفيذ مشاريع جديدة، لا سيما مشاريع في مجال البنى التحتية تشارك فيها شركات خليجية على غرار جهاز أبوظبي للاستثمار أو موانئ دبي العالمية.

ويساهم حافز أمني مهم أيضاً في الدفع نحو هذا التقارب في العلاقات. فلطالما رأت الهند في الخليج "ملاذاً آمناً" للجريمة المنظّمة الهندية، بما يدعم الحاجة لعلاقات وثيقة بين الجانبين للتصدي لها.

ولكنها تتجنب الاعتذار وتنتقد منظمة التعاون الإسلامي

وطالبت دول عربية وإسلامية عدة باعتذار هندي عن الإساءة للرسول، ولكن نيودلهي رفضت، الإثنين 6 يونيو/حزيران 2022، البيانات العربية والدولية الواسعة المنددة بالتصريحات المسيئة للنبي محمد، التي أدلى بها مسؤول بالحزب الحاكم في الهند، وقالت إن الإدانات "لا مبرر لها".

واستنكر المتحدث باسم الخارجية الهندية، أريندام باغشي، بيان منظمة التعاون الإسلامي الرافض للتصريحات، متهماً الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بالإدلاء "بتعليقات تحركها دوافع مضللة"، وأن "بيانها لا مبرر له"، و"ضيق الأفق"، حسب تعبيره.

حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي انتقدت بيانات الإدانة للتصريحات المسيئة للرسول/رويترز

ويُظهر رفض حكومة مودي للاعتذار عن الإساءة للرسول، أن هناك حدوداً لمحاولتها احتواء أزمة الإساءة للرسول، وأنها تتمسك بتوجهاتها المتطرفة، حيث يعد استهداف الإسلام جزءاً متجذراً في أيديولوجيتها، رغم حاجتها الاقتصادية الماسة لدول الخليج.

فهناك عامل جديد يحد من تأثير دول الخليج على الهند، ويقلل من مخاوف نيودلهي من عواقب سياستها، وهو تغير سياسات بعض دول الخليج وتحديداً الإمارات والسعودية، اللتين كانتا تقليدياً شديدتي الحساسية لأي إساءة للمسلمين، خاصةً الرياض التي كانت تعتبر نفسها حاملة لواء الإسلام؛ لكونها بلد الحرمين الشريفين، الذي يطبق الشريعة الإسلامية.

ولكن الأمور تغيرت خلال السنوات الماضية، ولم تعد الهند تخشى غضب الرياض وأبوظبي في هذه القضايا بنفس المستوى السابق.

ففي بداية تولي مودي الحكم، بدت خلفيته السياسية في تعارض مع ثقافة شبه الجزيرة العربية الإسلامية المحافظة، ولكن قادة الخليج الجدد، لا سيما القادة السعوديين والإماراتيين، كانت لهم نظرة مختلفة إلى مودي، إذ التقت مقاربته للتعاطي مع الإسلام السياسي انطلاقاً من الاعتبارات الأمنية مع مقاربتها الخاصة. فقد وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في كلمة ألقاها بحفل أقيم في دلهي في فبراير/شباط الماضي، رئيس الوزراء الهندي بأنه "شقيقه الأكبر". وبالمثل، أقام مودي روابط غير مسبوقة مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، منذ أن كان ولياً للعهد، وحتى إنه وجّه إليه دعوة ليكون الضيف الأساسي في يوم الجمهورية بالهند في عام 2017، وهو شرفٌ محفوظ تقليدياً لرؤساء الدول، حسب تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.

وقال سفير غربي سابق في أبوظبي: "يُجسّد مودي ذهنية السياسة الواقعية وأسلوب الرجل القوي في القيادة، وهو ما أثار فعلاً إعجاب الأمراء السعوديين والإماراتيين".

على مستوى أعمق، يتشارك صنّاع القرار في أبوظبي ودلهي آراء متطابقة عن الأولويات الأمنية. ففي ظل قيادة محمد بن زايد، تعتبر أبوظبي أن التيارات الإسلامية، خصوصاً الإخوان المسلمين، هي التهديد الأكبر لها، وربما يتقدّم هذا التهديد على الأطماع الإقليمية الإيرانية. وتلتقي وجهة النظر هذه مباشرةً مع آراء مودي ومهندس سياسته الخارجية أجيت دوفال، الذي كان عميلاً سابقاً في الاستخبارات، ثم أصبح مستشار مودي لشؤون الأمن القومي عام 2014. ويشنّ دوفال، بصفته هذه، حملة ضارية ضد التيارات الإسلامية التي تستهدف الهند، وتشتمل هذه الحملة على تنفيذ ضربات انتقامية داخل باكستان. ولذلك ليس مفاجئاً أن الإمارات تواظب على تقديم التأييد للسياسات الهندية، بدءاً من الهجمات الجوية عبر خط السيطرة مع باكستان في أعقاب هجوم أوري في عام 2016، وصولاً إلى إلغاء المكانة الدستورية الخاصة التي كانت تتمتع بها كشمير.

في عام 2021 ، بدأت الهند والإمارات العربية المتحدة التفاوض بشأن اتفاقية اقتصادية واسعة النطاق بموجب اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة للهند (CEPA)، والتي تم الانتهاء منها هذا العام.

ويمكن ملاحظة تأثير هذا التغير من حقيقة أن مركز ثقل الاعتراض الخليجي الأخير على الإساءة للرسول الكريم انتقل إلى قطر والكويت وسلطنة عمان، وكان لافتاً في هذا الصدد ظهور دعوة هندية إلى مقاطعة الخطوط الجوية القطرية وليس طيران دولة أخرى، بسبب موقف الدوحة القوي.

وخلاصة القول إن السعودية بثقلها الاقتصادي والإمارات بعلاقتها الوثيقة مع الهند يمكنهما، بالتعاون مع بقية دول الخليج، الضغط على نيودلهي لوقف حملتها ضد الإسلام والمسلمين، عبر توجيه رسالة حازمة بأن مصالحها الاقتصادية قد تضرر إذا استمرت هذه السياسة.

تحميل المزيد