في صفقة هي الثالثة خلال 2022، وافقت أمريكا على بيع مروحيات شينوك 47 لمصر، فما تفاصيل الصفقة؟ وماذا تمثله من قيمة عسكرية؟ وكيف ستوفر القاهرة قيمتها المالية رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة؟
جاء الإعلان عن الصفقة، التي تشمل 23 من المروحيات الأمريكية، الخميس 26 مايو/أيار، من جانب وزارة الخارجية الأمريكية، إذ قال مكتب الشؤون العسكرية والسياسية التابع للخارجية الأمريكية على تويتر، إن الوزارة "وافقت على مبيعات عسكرية أجنبية مقترحة لمصر تشمل ما يصل إلى 23 طائرة هليكوبتر من طراز شينوك 47 والمعدات ذات الصلة بتكلفة تقديرية تبلغ 2.6 مليار دولار"، بحسب رويترز.
"شينوك 47".. المروحية العسكرية الأثقل والأسرع
ويرجع تاريخ تصميم وإنتاج أول موديل من الطائرة المروحية إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي، وتم إدخال عشرات التعديلات والتطويرات عليها منذ ذلك الوقت. وبالنسبة للموديل الذي تمت الموافقة على بيعه للقاهرة، فهو شينوك 47-إف، وهو طراز ذو دوَّار مزدوج ومتطور ومتعدد المهام.
وتستخدم شينوك 47-إف في عمليات الرفع الثقيل خلال العمليات العسكرية، إذ تعد من أثقل طائرات الرفع التي صنعتها الدول الغربية. ووفقاً لموقع شركة بوينغ الأمريكية المنتجة للمروحية العسكرية، يبلغ قطر دوَّار الطائرة 18.29 متر، فيما ييلغ طول جسمها (من المقدمة إلى الذيل) 15.46 متر، أما عرضه فيصل إلى 3.78 متر، بينما يبلغ ارتفاع الطائرة 5.68 متر.
وتصل سعة الوقود في الطائرة إلى 3914 لتراً، وهو ما يجعلها قادرة على التحليق لمدة قد تصل إلى خمس ساعات من دون الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود. كما تبلغ السرعة القصوى للطائرة 302 كيلومتر في الساعة، وهو ما يجعلها واحدة من أسرع المروحيات التي لا تزال في الخدمة على الإطلاق.
ويمكن للطائرة العمل في نطاق مهمة يصل إلى 370.4 كيلومتر بشكل متواصل، من دون الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود، كما أنَّ بإمكانها التحليق لارتفاع يصل إلى 20 ألف قدم. ويبلغ الوزن الإجمالي للطائرة 22680 كيلوغراماً، مع قدرات خاصة لنقل حمولة يصل وزنها إلى 10886 كيلوغراماً.
وتتميز الطائرة بنظام مراقبة طيران أوتوماتيكي رقمي يمكِّن الطيار من التحويم في مكان واحد، والهبوط بأمان في الظروف التي تكون فيها الرؤية محدودة، كحالات التعتيم الجزئي الناتجة عن انقطاع الكهرباء.
كما تتمتع الطائرة أيضاً بقمرة قيادة رقمية متقدمة تعطي الطيار معلومات شاملة عن البيئة المحيطة، إضافة إلى قدرات طيران آلي متقدمة. ويوجد في الطائرة نظام متقدم لمعالجة الحمولات، يتيح استيعابها داخل الطائرة، وأيضاً نقلها خارجياً من خلال تعليقها بجسم الطائرة.
لماذا تحتاج مصر لتلك الطائرة؟
لا تزال القوات المسلحة المصرية تواجه تهديدات إرهابية في شبه جزيرة سيناء، وتتعرض قوات مصرية لهجمات دموية على فترات متقطعة، كان آخرها خلال مايو/أيار الجاري، حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن هجوم راح ضحيته 11 عسكرياً مصرياً في سيناء، بحسب بيان نقله موقع فرانس24.
الهجوم، الذي وقع السبت 7 مايو/أيار، يعد واحداً من أعنف الهجمات في الأعوام الأخيرة بشمال سيناء، حيث تشن قوات الأمن المصرية حملة على مسلحين لهم صلة بتنظيم داعش، على الرغم من التراجع الواضح في وتيرة الهجمات الإرهابية خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ويبدو من مواصفات طائرة شينوك-47-إف الأمريكية أنها تمثل إضافة نوعية في العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب في سيناء، وإن كان الجيش المصري يمتلك بالفعل طائرات هليكوبتر أمريكية الصنع أيضاً من طراز أباتشي وبلاك هوك، لكن قدرة الـ"شينوك-47-إف" على التحويم والهبوط بأمان في الظروف التي تكون فيها الرؤية محدودة، تمثل ميزة إضافية هامة في المناطق الجبلية التي يختبئ فيها عناصر داعش في سيناء.
وتشير البيانات الأمريكية بشأن مبيعات الأسلحة لمصر إلى أن الهدف الأساسي هو مكافحة الإرهاب، حيث قالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية الأسبوع الماضي، تعليقاً على صفقة سلاح أخرى لمصر، إنها "سوف تحسّن قدرة مصر على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية من خلال توفير دعم جوي لقواتها عبر نقل الإمدادات والمعدات والأفراد".
صفقة السلاح الثالثة لمصر خلال 5 أشهر
صفقة الـ"شينوك-47-إف" هي الثالثة التي توافق عليها الخارجية الأمريكية لصالح مصر منذ بداية عام 2022، إذ وافقت واشنطن خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، على صفقتي معدات عسكرية لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار.
تضمنت الصفقة الأولى التي تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار، بيع مصر 12 طائرة نقل "سي-130 جيه سوبر هيركيوليز" ومعدات أخرى تابعة لها. أما الصفقة الثانية فتتعلق بشراء القاهرة أنظمة رادار للدفاع الجوي بقيمة 355 مليون دولار؛ لمساعدتها في التصدي للتهديدات الجوية.
وقبل أيام قليلة، أبلغت إدارة الرئيس جو بايدن الكونغرس أنها وافقت على صفقة بقيمة 691 مليون دولار لبيع صواريخ مضادة للدبابات ومعدات أخرى لمصر. وبحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، تشمل تلك الصفقة 5070 صاروخاً مضاداً للدبابات من طراز TOW 2A وأدوات ومعدات وخدمات تدريب.
ماذا عن حقوق الإنسان؟
الكشف عن صفقات السلاح الأمريكية لمصر يثير عدداً من علامات الاستفهام، بعضها من جانب القاهرة والبعض الآخر من جانب واشنطن. وإذا بدأنا بالجانب الأمريكي، فنجد أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تكرر انتقاداتها للنظام المصري بشأن ملف حقوق الإنسان، وكان بايدن نفسه قد وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأنه "ديكتاتور ترامب المفضل"، وذلك في أثناء حملته الانتخابية عام 2020.
لكن الصفقات العسكرية من أمريكا لمصر لا تتوقف على الرغم من قلق واشنطن المستمر بشأن التعامل القاسي لنظام السيسي مع المعارضين السياسيين، حيث تقدر جماعات حقوقية عدد المعتقلين السياسيين في السجون المصرية بنحو 60 ألفاً، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
ففي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد علقت مساعدات عسكرية للقاهرة بقيمة 130 مليون دولار على الرغم من ورودها في الميزانية، وذلك بسبب عدم تحقيق تحسن في وضع حقوق الإنسان بالبلاد.
كما أنه في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حض وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مصر خلال محادثات ثنائية، على إجراء "تحسينات ملموسة" في مجال حقوق الإنسان.
لكن في سنة 2022 المالية التي بدأت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021، خصصت إدارة بايدن في ميزانيتها مساعدات للقاهرة بقيمة 1.4 مليار دولار، معظمها عسكري كما كان الحال في العام المالي السابق. ومنذ توقيع مصر اتفاق السلام مع إسرائيل برعاية أمريكية قبل أكثر من أربعة عقود، تقدم واشنطن للقاهرة مساعدات عسكرية سنوية بنحو 1.3 مليار دولار.
ماذا عن الأزمة الاقتصادية في مصر؟
أما من ناحية القاهرة، فإن الكشف عن صفقات السلاح في هذا التوقيت يثير التساؤلات وربما الغضب أيضاً، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، والتي تمثل ضغوطاً هائلة على المواطنين والحكومة أيضاً. فأزمة الديون الخارجية تتفاقم بصورة غير مسبوقة، إذ تخطت تلك الديون حاجز 145 مليار دولار، وتبتلع خدمة تلك الديون من فوائد وأقساط أكثر من نصف الموازنة العامة للدولة.
وكان التعويم الثاني للجنيه المصري في مقابل الدولار الأمريكي في شهر أبريل/نيسان الماضي، مؤشراً على مدى عمق الأزمة المالية بمصر، في ظل الارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية في البلاد بفعل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا ومن قبلها جائحة كورونا، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يتساءل كثير من المصريين عن مصادر تمويل صفقات السلاح الأمريكية ومدى جدواها في هذا التوقيت.
فيما يتعلق بالتمويل، قال لواء متقاعد في الجيش المصري لموقع "عربي بوست"، إن الحكومة المصرية لن تتحمل أي أعباء إضافية وإن تكلفة تلك الصفقات تتم تغطيتها من خلال المساعدات العسكرية الأمريكية.
"هناك خط ائتمان مفتوح (Credit Line) مرتبط بالمساعدات العسكرية السنوية يسمح بتقسيط قيمة صفقات السلاح على حساب المساعدات في السنوات القادمة، وهو ما يعني أن صفقة الشينوك-47-إف التي تبلغ قيمتها 2.6 مليار دولار قد يتم تسديدها على مدى سنتين، على سبيل المثال"، بحسب ما قاله اللواء متقاعد الذي طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، في رده على سؤال يتعلق بالفارق بين قيمة الصفقات خلال الأشهر الأولى من العام الجاري وإجمالي قيمة المساعدات المالية المرصودة.