الصين وأمريكا وجزر المحيط الهادئ.. كل ما تريد معرفته عن ساحة المواجهة الجديدة بين بكين وواشنطن

بعد أن فاجأت الجميع باتفاقية أمنية مع جزر سليمان، يقوم وزير خارجيتها بجولة في عشر دول دفعة واحدة، فهل أصبحت منطقة المحيط الهادئ ساحة مواجهة جديدة بين الصين وأمريكا؟

صحيفة The Guardian البريطانية تناولت قصة ساحة المواجهة التي تبدو في طريقها للاشتعال بأسرع مما كان متوقعاً، في تقرير عنوانه "ما هي الصفقات التي تسعى إليها الصين في المحيط الهادئ؟"، رصد أسباب شعور الغرب بزعامة الولايات المتحدة بقلق شديد.

لماذا يتحدث الجميع فجأة عن الصين في المحيط الهادئ؟

جذبت طموحات الصين في المحيط الهادئ اهتماماً متجدداً لأول مرة في مارس/آذار، عندما تسربت أنباء عن مسودة اتفاقية أمنية من شأنها أن تفتح باباً واسعاً للجيش والشرطة الصينيَّين في جزر سليمان.

كان إعلان الصين وجزر سليمان توقيع اتفاقية أمنية قد تسبب حرفياً في زلزال جيوسياسي تردد صداه في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وباقي العواصم الغربية، إذ تحولت الجزر فجأة ودون مقدمات إلى نقطة صدام لم تكن متوقعة بين الولايات المتحدة والصين.

وجزر سليمان Solomon Islands هي أرخبيل يتكون من نحو 990 جزيرة تشكل معاً دولة عاصمتها هونيارا، وتقع في جنوب المحيط الهادئ على بعد أقل من 2000 كلم من الساحل الشرقي لأستراليا، ويبلغ عدد سكان الأرخبيل نحو نصف مليون نسمة ومساحة الجزر مجتمعة نحو 82450 كلم2.

وكانت جزر سليمان، التي تتبع التاج البريطاني كإحدى دول الكومنولث، قد تصدرت الأحداث عالمياً خلال نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حين اندلعت فيها أحداث شغب وأُحرقت مبانٍ حكومية، على خلفية إدارة الحكومة لأزمة الوباء وملفات أخرى.

وبالتالي فإن الاتفاقية الأمنية مع الصين فاجأت الأخبار أستراليا ونيوزيلندا، الشريكين الأمنيين التقليديين لجزر سليمان، بالإضافة إلى دول المحيط الهادئ الأخرى والولايات المتحدة.

وخلال هذا الأسبوع، بينما شرع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في زيارة تستغرق 10 أيام إلى ثماني دول في المحيط الهادئ، وردت أنباء تفيد بأن بكين كانت تسعى لتأمين صفقة أمنية اقتصادية شاملة مع 10 دول من شأنها أن تعني توسعاً كبيراً في نفوذها في المنطقة.

لماذا تشعر أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة بالقلق؟

أعربت الدول الثلاث عن مخاوفها من أن الوجود الأمني ​​الصيني المتزايد في المحيط الهادئ من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة، فيما تتمثل أكبر المخاوف في صفقة جزر سليمان، التي تعني أن الصين قد تنشئ في نهاية المطاف قاعدة عسكرية على الجزر، على بعد ألفيّ كيلومتر من الساحل الشرقي لأستراليا، رغم نفي بكين وهونيارا وجود مثل هذا المخطط.

لكن النفي لا يبدد القلق الشديد من جانب أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا، إذ إن وثيقة مسربة عبر الإنترنت تظهر أن الاتفاقية الأمنية تفتح الباب أمام الصين لإقامة "قاعدة بحرية" في جزر سليمان، فالنص يظهر أن مشروع الاتفاقية المقترح يسمح "للسفن الصينية بالقيام بزيارات إلى وتنفيذ تحركات لأغراض لوجستية والتوقف أو الانتقال عبر جزر سليمان.

"هذه النقطة بالتحديد تمثل أبرز نقاط القلق لأستراليا"، بحسب ما قاله المفوض السامي الأسترالي السابق لدى الأرخبيل جميس باتلي في تقرير سابق للغارديان، مضيفاً: "مصطلح (قاعدة بحرية) يمثل تلخيصاً لقلق استراتيجي وجيوسياسي لدى أستراليا، أصبح الآن مبرراً تماماً. وبالنسبة لأستراليا تُعتبر هذه الاتفاقية كابوساً استراتيجياً، والأمر نفسه ينسحب على باقي دول المنطقة والولايات المتحدة".

وفي الوقت نفسه، كان اهتمام الصين بإبرام صفقة مماثلة مع كيريباتي مصدر قلق بسبب مواردها السمكية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في وسط المحيط الهادئ. وقد كان لكل من كيريباتي وجزر سليمان علاقات دبلوماسية مع تايوان حتى عام 2019 عندما تحولوا لإقامة علاقات مع الصين.

وفي هذا السياق، كانت أخبار زيارة وانغ والاتفاق الأمني ​​والاقتصادي متعدد الأطراف قد قرعت أجراس الإنذار الجديدة في واشنطن وكانبيرا وويلينغتون.

يقول ريتشارد ماكغريغور، الزميل البارز في معهد لوي الأسترالي للصحيفة البريطانية: "عندما تفكر في مدى المصالح العالمية للصين والحجم الصغير نسبياً لدول المحيط الهادئ، فإن هذا يخبرك على الفور أن بكين لديها خطط طموحة طويلة الأجل في المنطقة".

ماذا سيفعلون حيال ذلك؟

في أيامها الأولى في منصبها، أوضحت وزيرة الخارجية الأسترالية الجديدة، بيني وونغ، أن المحيط الهادئ سيكون إحدى أولويات كانبيرا بعد سنوات من الاحتكاك بين دول المحيط الهادئ والحكومة الائتلافية الليبرالية الوطنية السابقة.

وبعد فترة وجيزة من توليها المنصب، سجلت وونغ خطاباً بالفيديو لقادة المنطقة متعهدة بجعل المناخ أولوية، وأن أستراليا ستكون شريكاً "كريماً ومحترماً وموثوقاً به". وانطلقت في زيارة منافسة خاصة بها إلى المحيط الهادئ، مع لقاء مع رئيس وزراء فيجي، فرانك باينيماراما، وإلقاء كلمة في منتدى جزر المحيط الهادئ في سوفا على جدول الأعمال.

أما الولايات المتحدة، فقد أرسلت وفداً رفيع المستوى إلى جزر سليمان الشهر الماضي للتعبير عن مخاوفها بشأن اتفاق الصين، حيث رفض السفير دانييل كريتنبرينك، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، في وقت لاحق استبعاد العمل العسكري إذا أقامت الصين قاعدةً عسكرية في جزر سليمان.

وعلى الجانب الآخر، اتبعت نيوزيلندا نهجاً أكثر ليونة، حيث قالت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن هذا الأسبوع إنه "ليس لنا أن نتحدث نيابة عن دول المحيط الهادئ الأخرى"، ولكن ويلينغتون كانت "مستعدة للاستجابة" للاحتياجات الأمنية في المنطقة.

ما هي الصفقات التي وقعتها الصين في المحيط الهادئ؟

يمثل اتفاق جزر سليمان أول اتفاقية أمنية ثنائية معروفة لبكين في المحيط الهادئ. ومن المتوقع على نطاق واسع أن توقِّع الصين مزيداً من الاتفاقيات مع جزر سليمان خلال زيارة وانغ وستتطلع إلى توقيع اتفاقيات مع دول المحيط الهادئ الأخرى خلال الجولة أيضاً.

أخبر تيبورورو تيتو، سفير كيريباتي لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، صحيفة The Guardian البريطانية هذا الأسبوع، أن الصين وافقت من حيث المبدأ على تمويل تجديد مدرج الحرب العالمية الثانية في جزيرة كانتون، لكنه نفى التقارير التي تفيد بوجود اتفاق أمني أوسع قيد التنفيذ.

هناك مخاوف من أن كيريباتي قد توقِّع صفقةً مع الصين، تمنحها حقوق صيد خاصة في منطقة جزر فينيكس المحمية، والتي كانت واحدة من أكبر المناطق البحرية المحمية في العالم، حتى أعلنت حكومة كيريباتي العام الماضي أنها ستفتح الجزر للصيد التجاري.

ووقَّعت فانواتو للتو عقداً مع الصين لبناء مدرج جديد في مطار بيكوا بجزيرة سانتو، للسماح بوصول الطائرات الأكبر حجماً، مما يجعلها في متناول إيصال المساعدات الإنسانية.

هل أخفقت أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة؟

لطالما اتهمت جزر المحيط الهادئ أستراليا بالفشل في التعامل مع مخاوفها بشأن المناخ، الذي يعتبرونه تهديداً وجودياً، على محمل الجد. وكان قادة كانبيرا يسخرون من دول المحيط الهادئ بسبب مخاوفهم. وفي العام 2015، كان رئيس الوزراء آنذاك توني أبوت ووزير الهجرة بيتر داتون يمزحان بشأن ارتفاع منسوب مياه البحر في المنطقة.

وبعد اجتماع 2019 لمنتدى جزر المحيط الهادئ، اتهم العديد من القادة رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك سكوت موريسون بالسلوك المهين، حيث قال باينيماراما لصحيفة The Guardian إن موقفه المتعالي يدفع دول المحيط الهادئ نحو الصين. بينما تتمتع نيوزيلندا بعلاقة أكثر إيجابية، وتذهب 60% من مساعداتها الخارجية إلى المنطقة.

وعلى الرغم من أن التغير المناخي يهدد حياة البشر على الأرض بشكل عام، فإن هناك دولاً تواجه خطر الاختفاء (أو الانقراض بحسب تعبير ممثلها) لوجودها في أعلى قائمة المعرَّضين للطقس المتطرف من ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة وفيضانات وارتفاع منسوب البحار والمحيطات، وعلى رأسها أغلب جزر المحيط الهادئ بطبيعة الحال.

ويشير مصطلح التغير المناخي إلى التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء.

وفي ظل هذه الأوضاع المقلقة للغاية، أصدرت مجموعة من الدول نداءات استغاثة، كونها الأكثر عرضة لتغير المناخ، محذرة من أنها "على وشك الانقراض"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، إذ قال محمد نشيد، الرئيس السابق لجزر المالديف، والذي يمثل نحو 50 دولة معرضة لتأثيرات تغير المناخ: "نحن ندفع بأرواحنا ثمن الكربون المنبعث من شخص آخر".

ماذا تعني الصفقات لمنطقة المحيط الهادئ؟

هناك مخاوف من أن الصفقات لا تعني فقدان سيادة الدول الجزرية فحسب، بل تعني أيضاً أنها ستجعلها مركزاً للمنافسة الجيوستراتيجية غير المرغوب فيها. فقد وقعت بعض أكثر المعارك دموية في الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادئ. في جزر سليمان، هناك أيضاً مخاوف من إمكانية جلب الجيش أو الشرطة الصينية لقمع الاحتجاجات.

وفي رسالة إلى 21 من قادة دول المحيط الهادئ اطَّلَعت عليها وكالة Reuters البريطانية، قال ديفيد بانويلو، رئيس ولايات ميكرونيزيا الفيدرالية، التي ستعقد اجتماعاً افتراضياً مع وانغ، إن بلاده ستدفع بأنه ينبغي رفض الاتفاق المقترح متعدد الأطراف، لأنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى اندلاع "حرب باردة" جديدة بين الصين والغرب.