تضع الاستفزازات الإسرائيلية في القدس الجميع في مأزق من احتمالية اندلاع معركة جديدة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وبين إسرائيل خلال الأيام القادمة بسبب ما بات يُعرف بمسيرة الأعلام.
كانت هناك مناسبات في الماضي تبيَّن فيها أنَّ التوقعات المتشائمة كانت خاطئة، لكن يبدو أنَّ كل عناصر العاصفة العاتية تختمر ليوم الأحد القادم، 29 مايو/أيار.
فالمسيرة التي يستعد لها الإسرائيليون يوم الأحد القادم، 29 مايو/أيار. في القدس والتي وافق صناع القرار السياسي على مسارها المطلوب، قد تؤدي إلى إشعال اضطرابات جديدة في القدس والضفة الغربية، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
هل تعيد أحداث القدس التصعيد مرة أخرى؟
ويشير تقدير الجيش الإسرائيلي إلى أنَّه من المستبعد أن دخول حركة حماس من غزة على خط الأزمة، لكن ما قد يحدث بالقدس وحده يكفي لإشعال حريق جديد بعد بضعة أسابيع خفَّ فيها العنف إلى حدٍّ ما.
وتصادف "يوم القدس" العام الماضي مع شهر رمضان. وتأججت الأجواء التي كانت مشحونة أصلاً أكثر نتيجة مسيرة الأعلام. ووافق رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، الذي كان يقترب من نهاية ولايته، على طلب المشاركين في المسيرة بدخول البلدة القديمة عبر باب العامود والمرور عبر الحي الإسلامي، لكنَّه ألغى القرار في آخر لحظة.
ولم تأتِ جهود الشرطة لتغيير طريق المسيرة بفائدة، إذ أطلقت حماس ستة صواريخ من قطاع غزة على الأراضي المحتلة، وشنَّت إسرائيل عملية "حارس الأسوار". واشتعلت المواجهات بين فلسطينيي الداخل وبين الإسرائيليين داخل الخط الأخضر بصورة شديدة كبيرة.
تصرَّف خليفة نتنياهو، نفتالي بينيت، بطريقة مختلفة قليلاً هذه المرة؛ إذ نُشِرَ إعلان الموافقة على الطريق قبل أسبوعين تقريباً من يوم القدس، أملاً أن يكون ذلك وقتاً كافياً للفلسطينيين لتنفيث غضبهم، في حين يُمكِّن الوساطة المصرية أيضاً من تهدئة حماس. (وفقاً لمواقع تتبُّع رحلات الطيران، هبطت طائرة تستخدمها المخابرات المصرية بمطار بن غوريون الإسرائيلي مرة واحدة على الأقل هذا الأسبوع).
مأزق بينيت
كان المُسوِّغ المبدئي هو "الحكم": هذا هو الطريق الذي تتخذه المسيرة منذ 30 عاماً، وبالتالي لا يوجد داعٍ لتغييره، فضلاً عن أنَّ رمضان قد حلَّ وانقضى بالفعل، وخفَّ التوتر والعنف بعض الشيء.
في الوقت نفسه، تستعد الشرطة الإسرائيلية بطاقتها القصوى وستنشر 3 آلاف ضابط شرطة في مدن الداخل تحسباً لقيام شباب فلسطينيين بعمليات في الداخل.
ويمكن أن يبدأ التوتر في الاحتدام بالفعل صباح الأحد، فيما يتحصَّن الشباب المسلمون في الحرم القدسي. ومن المخطط أيضاً الخروج بمسيرة في اللد، وهي مدينة محتلة ويوجد بها فلسطينيون، والتي ستمر قرب الأحياء العربية وتتسبب في قلق كبير هناك، لدرجة أنَّ هناك تخوُّفاً من أنَّها ستؤثر على العلاقات مع "القائمة العربية الموحدة" داخل الائتلاف الحكومي.
وفي ضوء سابقة العام الماضي، حدَّد الفلسطينيون نقطة يمكنهم الضغط فيها على إسرائيل وربما يحققون فيها إنجازاً، مثل فض المسيرة. ففي الخلفية، ما يزال الغضب يغلي ببطء في الأراضي الفلسطينية على خلفية مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة في جنين، وبالأخص الطريقة التي هاجمت بها إسرائيل جنازة المراسلة الراحلة، والتي نُظِرَ إليها باعتبارها إهانة بالغة.
وحمَّل هذا الأسبوع تحقيقان أجرتهما وكالة أسوشيتد برس وشبكة CNN الأمريكيتين مسؤولية وفاة أبو عاقلة لإسرائيل.
وهدد قادة فصائل مقاومة مثل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بالفعل بالرد باستخدام العنف إذا ما اقتربت مسيرات القدس من المسجد الأقصى في الحرم القدسي. وترسل حكومة بينيت رسائل تطمينية مفادها أنَّ الطريق بعيد عن الحرم القدسي وأنَّه لا نية لعمل ذلك. لكنَّ السؤال هو ما إن كان ذلك كافياً.
ضغوط داخل حكومة بينيت
وبحسب الصحيفة العبرية يتعرَّض بينيت، الذي يتهدد الانهيار ائتلافه الحكومي، لضغوط قوية من وزيرة الداخلية، أييليت شاكيد، وأعضاء آخرين في الكنيست من حزبه "يمينا" لانتهاج تعبيرات قومية للقوة. وليس واضحاً ما إن كان شركاء رئيس الوزراء الكبار في الحكومة –يائير لبيد وبيني غانتس وأفيغدور ليبرمان- يدركون الخطر الكامن في هذه اللحظة، والتي قد تنزلق إلى الساحة الأمنية في ظل ضوابط وتوازنات أقل مما كان موجوداً العام الماضي.
ومثلما يحرص نتنياهو وميري ريغيف وبقية جيش الحقيقة خاصته على أن يُظهِروا لنا كل أسبوع، لا يوجد ما يدعو للنظر إلى الوراء بشوق فترة الحكومة السابقة. لكنَّ نتنياهو بشكل عام كان يمتلك ميزة واحدة واضحة: الحرص الأمني، اعتماداً على الخبرة التي اتسمت بالدم من فترة أعمال شغب نفق حائط البراق (عام 1996) ومحاولة اغتيال خالد مشعل (عام 1997). وهذه المرة، علينا أن نأمل أن يكون هذا أحد الدروس التي تعلمها خليفته منه، كما تقول "هآرتس".
توترت العلاقات بين بينيت وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي إلى حد ما في الأسابيع الأخيرة؛ إذ ضاق رئيس الوزراء ذرعاً من سلوك هيئة الأركان، ويساور البعض شعور بأنَّ الجيش الإسرائيلي أصبح مولعاً إلى حد ما بفكرة أنَّ عملية حارس الأسوار مثَّلت نجاحاً كبيراً وأنَّها ردعت حماس منذ ذلك الحين على الرغم من قصف فصائل المقاومة لأراضٍ محتلة لأول مرة منذ قيام إسرائيل.
ويترتب على ذلك إذاً أنَّه من المستحيل أن تكون حماس ضالعة في العمليات الحالية، التي اندلعت في منتصف مارس/آذار. في الحقيقة، انطلقت الموجة بالفعل من أسفل إلى أعلى، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
لكنَّ هناك وجهة نظر واسعة النطاق في الساحتين السياسية والأمنية، بما في ذلك جهاز الشاباك، ترى أنَّ الجيش يقلل من شأن الدور الذي لعبته حماس. وتحاول الحركة صب مزيد من الزيت على النار في كل من الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر. ورأس هيكلها القيادي في الخارج، صالح العاروري، نشط بصفة خاصة.
مع ذلك، يُظهِر الجهد الإسرائيلي في هذا الصدد نجاحاً، إذ تُلمِّح تركيا، التي استضافت العاروري لسنوات وتحاول الآن التقرب من إسرائيل، له بأنَّه سيكون من الأفضل أن ينتقل إلى عنوانه الآخر في لبنان. وتضغط إسرائيل أيضاً، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، على السلطة الفلسطينية وقف المدفوعات المقدمة لعائلات الشهداء الذين قُتِلوا في أحداث الأشهر القليلة الماضية. وليس واضحاً ما إن كان ذلك المسعى سيؤتي أكله.
ومن الواضح أنَّ رئيس بينيت توقَّع مبادرة هجومية أكبر من جانب الجيش في جنين وربما أيضاً في غزة. فقبل التصعيد الأخير لم يتجاهل الجيش فقط إغلاق منطقة خط التماس بل أيضاً امتنع عن شن اعتقالات في منطقة جنين لعدة أشهر. تصاعد النشاط هناك في الأسابيع الأخيرة، وتواجه القوات الإسرائيلية مقاومة فلسطينية مسلحة في كل مرة تدخل فيها المنطقة. ويُرجَّح أن تستمر عمليات الجيش الإسرائيلي، وربما حتى تتصاعد.