أثار قرار الولايات المتحدة، حذف عدد من الجماعات والحركات من قائمة التنظيمات الإرهابية، جدلاً كبيراً، وكان من بين هذه الجماعات حركة "كاهنا حي" الإسرائيلية المتطرفة. فما قصة هذه الحركة؟ وما الفرق بينها وبين حركة "كاخ"؟ ولماذا حذفتها الولايات المتحدة من قائمة الإرهاب؟ وهل تواصل أنشطتها الإرهابية ضد الفلسطينيين؟
وحركة "كاهنا حي" (كاهنا تشاي بالعبرية) هي حركة انشقت عام 1990 عن حركة كاخ الإسرائيلية المتطرفة، بعد اغتيال مؤسس الحركة الحاخام اليهودي المتطرف مائير كاهنا.
وحركة كاخ جماعة إسرائيلية مسلحة متشددة، تدعو لطرد العرب من أراضي إسرائيل التوراتية، أدرجتها وزارة الخارجية الأمريكية على أنها منظمة إرهابية في عام 1994.
مؤسس الحركة أيد الغزو الأمريكي لفيتنام
مؤسس حركة كاخ التي انشقت منها حركة "كاهنا حي" أو "كاهنا" هو مائير كاهنا، اسمه الأصلي مارتن ديفيد كاهان، (من مواليد 1 أغسطس/آب 1932 في نيويورك، بالولايات المتحدة، وتوفي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1990 في نيويورك).
وهو متطرف سياسي إسرائيلي أمريكي المولد وحاخام، وحفيد وابن لحاخامين، حسب Britannica.
وانضم كاهنا إلى حركة شبابية يمينية شبه عسكرية في عام 1946. وحصل على درجة البكالوريوس من كلية بروكلين (1954)، وحصل على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق في نيويورك (1956)، ورُسم حاخاماً أرثوذكسياً في عام 1957 بعد دراسته في ميرر يشيفا في نيويورك.
في منتصف الستينيات كتب كتباً وعموداً أسبوعياً للصحافة اليهودية، وحشد الدعم لمشاركة الولايات المتحدة في فيتنام. في عام 1968 قام بتشكيل رابطة الدفاع اليهودية المتشددة (JDL)، وجذب أتباعه بشعار ما بعد الهولوكوست "لن يتكرر مرة أخرى"، وأرسل دوريات مسلحة من الشباب اليهودي إلى أحياء السود الأمريكيين.
ورابطة الدفاع اليهودية (JDL) التي أسسها في الولايات المتحدة، هي منظمة متشددة مؤيدة لإسرائيل، مرتبطة بالعديد من الهجمات العنيفة على الأراضي الأمريكية، بما في ذلك اغتيال الناشط الفلسطيني الأمريكي أليكس عودة في كاليفورنيا في عام 1985.
وقُتل عودة، الذي شغل منصب المدير الإقليمي للجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز (ADC)، وهي مجموعة حقوق مدنية، في تفجير أثناء افتتاح مكتبه.
لم تتم إدانة أي شخص بالهجوم، لكن ADC والجماعات العربية الأمريكية لطالما اتهمت حركة كاهنا بالوقوف وراء الاغتيال. كما ربطت تقارير إعلامية عديدة المجموعة بالقتل.
على مر السنين، حثّ المناصرون واشنطن على تسليم أعضاء الحركة المقيمين في إسرائيل والمستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذين تم تحديدهم من قبل سلطات إنفاذ القانون كمشتبه بهم محتملين في اغتيال عودة.
أسس حزباً ودخل الكنيست بعد انتقاله لإسرائيل
وبعد سجن كاهنا في الولايات المتحدة بتهمة التآمر لصنع قنابل، انتقل إلى إسرائيل في عام 1971.
وفي إسرائيل، شكل كاهنا حزب كاخ، وأثار حملة متعصبة ضد العرب، الذين دعا لإبعادهم بالعنف عن أراضي 48 وجميع المناطق التي تحتلها إسرائيل.
وأعلن أن حركته لن تكون جزءاً من أي حكومة لم تطرد العرب من فلسطين/إسرائيل.
وفاز بمقعد في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) عام 1984، لكن فترته انتهت عندما تم حظر حزب كاخ من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية بسبب تحريضه على العنف.
أثناء وجوده في الكنيست، قدم كاهنا مجموعة من القوانين المقترحة التي تدعو إلى "العبودية" أو الترحيل القسري للمواطنين الفلسطينيين الأصليين وغيرهم من المواطنين غير اليهود في إسرائيل، حسب تقرير لمعهد دراسات الشرق الأوسط.
أثناء قيادته لكاخ، اعتقل كاهنا أكثر من 60 مرة من قبل الشرطة والجنود الإسرائيليين خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات، معظمها بسبب جرائم تنطوي على عنف ومؤامرات ضد الفلسطينيين أو تهريب أسلحة.
في عام 1980، سُجن دون تهمة أو محاكمة، وهو شيء يستخدم عادة فقط ضد الفلسطينيين، لمدة 6 أشهر فيما يتعلق بمؤامرة لتفجير مجمع مسجد الحرم الشريف في القدس الشرقية الفلسطينية المحتلة، أحد أكثر الأماكن المقدسة حساسية في العالم.
قبل اعتقاله، قال كاهنا في مؤتمر صحفي إن على الحكومة الإسرائيلية تشكيل "مجموعة إرهابية يهودية" لقتل العرب.
في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1990 في نيويورك، قُتل كاهنا بالرصاص على يد أمريكي من أصل مصري، ترافق دفنه في القدس مع عنف الغوغاء وصرخات "الموت للعرب!".
يقال إن مقتل كاهنا أول هجوم للجماعة التي ستتشكل وتعرف فيما بعد باسم تنظيم القاعدة.
بعد اغتيال مائير كاهنا نجله أسس حركة "كاهنا حي"
أدى اغتيال مائير كاهنا إلى انقسام حزب كاخ، حيث تزعم بنيامين زئيف كاهنا حركة "كاهنا تشاي"، التي انشقت عن الحركة الأصلية كاخ، التي تزعمها باروخ مارزل، الذي أصبح في النهاية عضواً في حزب عوتسما يهوديت اليهودي المتطرف.
واصلت حركة كاخ أنشطتها في إسرائيل بعد مقتل كاهنا في عام 1990، وحظرتها السلطات الإسرائيلية وأعلنتها منظمة إرهابية في أعقاب مذبحة عام 1994 في الحرم الإبراهيمي، والتي نفذها باروخ غولدشتاين، أحد أنصار الحاخام المقتول.
كما حظرت إسرائيل فرع كاهنا تشاي "كاهنا حي" في عام 1994 أيضاً، بعد شهر من إطلاق أحد مؤيدي كاخ النار وقتل 29 من المصلين المسلمين في مسجد بالضفة الغربية.
"كاخ"، فضلاً عن المجموعة المنشقة "كاهنا تشاي"، يؤيدان العنف كطريقة لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين متجانسة دينياً، حسب تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.
لم تشن الجماعتان هجوماً إرهابياً كبيراً منذ عام 1994، على الرغم من أن الأشخاص المنتسبين للجماعتين قد تم اعتقالهم بسبب "هجمات منخفضة المستوى" منذ عام 2000، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2006.
في عام 2006، أيدت محكمة فيدرالية أمريكية إدراج كاخ كمنظمة إرهابية في حكم استئناف ضد القرار.
ولا تختلف حركة "كاهنا حي" (كاهنا تشاي)، عن حركة "كاخ" من حيث الأيديولوجية، فكلاهما نشأت من التعاليم المعادية للعرب للحاخام مائير كاهنا، إنما توجد خلافات شخصية بين قادة الحركتين. ويقيم معظم أفرادها في مستوطنة "كفار تبوح" شمال الضفة الغربية.
وقال ويليام لافي يومانز، الأستاذ المساعد في جامعة جورج واشنطن، والذي يعمل على فيلم وثائقي عن اغتيال الناشط الفلسطيني عودة للجزيرة الإنجليزية: "انقسمت كاخ وكاهنا تشاي إلى مجموعات وأحزاب سياسية مختلفة، تواصل تبني وإلهام وتنفيذ أعمال عنف ضد المدنيين الفلسطينيين".
وكل من حركتي كاخ و"كاهنا حي" استخدم الإرهاب لتحقيق أهدافه، المتمثلة في توسيع الحكم اليهودي في جميع أنحاء الضفة الغربية، وطرد الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة عامي 1967 و1948.
وقتل زعيم "كاهنا حي"، بنيامين، نجل مائير كاهنا، مع زوجته على يد مسلحين فلسطينيين في إطلاق نار من سيارة مسرعة في الضفة الغربية في ديسمبر/كانون الأول 2000.
10 حركات منبثقة عن أفكار كاهنا ولديها عضو في الكنيست
استمرت الجماعات التي يقودها أنصار كاهنا في حملات التحريض على مدى العقود العديدة الماضية، وفي عام 2021، تم انتخاب سياسي إسرائيلي يعتبر التلميذ الأيديولوجي لكاهنا، هو إيتمار بن غفير، عضواً بالكنيست الإسرائيلي، وهو معروف باستفزازه للفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس، إضافة إلى اقتحاماته للمسجد الأقصى التي تؤدي إلى ردات فعل من الفلسطينيين التي وصلت إلى ذروتها في حرب غزة مايو/أيار 2021.
والحركات المنبثقة أو المتأثرة بمائير كاهنا، تبلغ نحو 10 أحزاب وجماعات وحركات، من بينها نحو 4 مازالت نشطة، وفقاً لموسوعة المعرفة المشاعية " Wikipedia".
أشهر العمليات الإرهابية التي نفذها أنصار كاهنا
في عام 2005، هجر جندي من الجيش الإسرائيلي، يبلغ من العمر 19 عاماً، تابع لحركة "كاهنا تشاي"، وحدته، وفتح لاحقاً النار على حافلة؛ ما أسفر عن مقتل 4 من عرب إسرائيل (عرب 48).
لكن الهجوم الأكثر دموية من قبل هذه الجماعات جاء في فبراير/شباط 1994، بعد وقت قصير من توقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، عندما فتح باروخ غولدشتاين، وهو طبيب من مواليد بروكلين ومؤيد لحركة "كاخ"، النار من مدفع رشاش داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل؛ ما أدى إلى استشهاد 29 شخصاً وجرح العشرات قبل أن يقتل نفسه، وقامت إسرائيل بعد هذه المذبحة بترسيخ الوجود اليهودي في المسجد، عبر تقسيمه، وكأنها تعاقب الفلسطينيين رغم أنهم الضحية.
كما قام أنصار كاهنا بإطلاق النار والطعن واستخدام القنابل اليدوية على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية.
وفي الحالات التي لم يعلن فيها كاخ وكاهنا تشاي مسؤوليتهما عن الهجمات ضد العرب، رفض كاهنا وأتباعه إدانة هذا العنف، وكثيراً ما مجدوه.
وشنت جماعة ماتشتيريت، وهي جماعة إرهابية سرية يهودية من الثمانينيات لها صلات بكاخ، عدة هجمات، بما في ذلك حملة فاشلة في مايو/أيار 1980 لقتل العديد من رؤساء البلديات الفلسطينيين، قبل تفكيكها.
كما أحبطت السلطات الإسرائيلية مخططات ماتشتيريت لنسف المسجد الأقصى في القدس.
هجمات على الفلسطينيين في أمريكا
وعلى الرغم من حظرها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة في التسعينيات، إلا أن أعضاء الحركات المنبثقة عن أفكار كاهنا لا يزالون نشطين في الولايات المتحدة ودول أخرى، حيث لم يتم حظرهم ويعملون بشكل علني.
في عام 2017، اتُهم عضوان في رابطة الدفاع اليهودية المتشددة (JDL) التي أسسها كاهنا في الولايات المتحدة، أحدهما من كندا، بالاعتداء الوحشي على فلسطيني أمريكي يبلغ من العمر 55 عاماً، خلال احتجاج خارج مقر لمؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" في واشنطن العاصمة.
في عام 2010، قام عضوان سابقان في JDL بقتل رجل مسلم في فرنسا.
وفي عام 2015، دعا رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر "منسقاً" في جماعة JDL كندا لمرافقته في زيارة لإسرائيل؛ ما أثار إدانة العديد من أفراد الجالية اليهودية الكندية.
لماذا ألغت الولايات المتحدة تصنيف هذه الحركة ضمن المنظمات الإرهابية؟
وانتقد المدافعون عن حقوق الشعب الفلسطيني الخطط الأمريكية لإزالة المجموعة الإسرائيلية اليمينية العنيفة من قائمة واشنطن "للمنظمات الإرهابية الأجنبية" (FTO)، محذرين من أن مثل هذه الخطوة قد تشجع أنصار كاهنا شاي.
بينما أكد مسؤول أمريكي أن وزارة الخارجية الأمريكية أخطرت الكونغرس بخطط شطب المنظمة، المنشقة أصلاً عن "كاخ"؛ لأنها تعتبرها غير موجودة، رغم أن هناك العديد من الحركات المنبثقة عنها أو من أفكار مؤسسها مائير كاهنا.
تزعم الولايات المتحدة أن هذا التغيير مجرد خطوة فنية ملزمة قانوناً، لا تشير إلى تغيير في السياسة تجاه هذه المنظمة.
جاء هذا الإلغاء بالتزامن مع إزالة 4 منظمات أخرى من القائمة: هي منظمة إقليم الباسك للوطن والحرية، وطائفة يوم القيامة اليابانية، التي نفذت هجوم السارين في مترو أنفاق طوكيو في عام 199، ومجلس شورى المجاهدين، وهو منظمة سلفية مقرها غزة، والجماعة الإسلامية التي كانت في الماضي من أبرز الجماعات الإرهابية في مصر، ولكنها أجرت مراجعات بالتعاون مع السلطات المصرية، التي أفرجت عن معظم أعضائها في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وانخرطت في العمل السياسي بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
يُطلب من وزارة الخارجية الأمريكية قانوناً مراجعة تصنيفات المنظمات الإرهابية الأجنبية كل 5 سنوات لتحديد ما إذا كانت الظروف الكامنة وراء هذا التصنيف قد تغيرت بطريقة تستدعي الإلغاء.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية: "لقد حددت مراجعتنا لهذه التصنيفات الـ5 في المنظمات الإرهابية الأجنبية أن المنظمات الـ5 لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي، ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك".
في حالة كاهنا تشاي، قال مسؤول أمريكي إنه لم يتم ربطها بهجوم إرهابي منذ عام 2005، حسبما نقلت عنه صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وقالت الخارجية الأمريكية: "لا تهدف عمليات الإلغاء هذه إلى التغاضي عن الأعمال الإرهابية أو تبريرها".
وأقرت وزارة الخارجية الأمريكية بالضرر الذي تسببت به هذه المنظمات في ضحاياها، لكنها اعترفت بالنجاح الذي حققته مصر وإسرائيل واليابان وإسبانيا في نزع فتيل تهديد الإرهاب من قبل هذه الجماعات".
ومع ذلك، بينما يعترف النقاد بأن المجموعة، التي أسسها السياسي الإسرائيلي القومي المتطرف مائير كاهنا، لم تعد نشطة رسمياً، إلا أنهم يقولون إن أنصارها الذين يتبنون أيديولوجيتها لا يزالون ينشطون في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويقولون إنه بدلاً من إزالة التصنيف، كان على وزارة الخارجية الأمريكية تحديثه وتوسيعه؛ لأن إسقاط هذه الجماعات من القائمة سيُنظر إليه على أنه استمرار للولايات المتحدة في نهجها الخفيف تجاه عنف اليمين اليهودي المتطرف ضد الفلسطينيين".