يثير توعد إيران بالانتقام لاغتيال صياد خدايي، أحد ضباط الحرس الثوري، مخاوفَ من أن تخرج حرب الجواسيس مع إسرائيل عن السيطرة، فهل تندلع حرب بينهما، أم أن "الاحتواء" سيكون سيد الموقف مرة أخرى؟
كان شخصان على متن دراجة نارية قد أطلقا النار، الأحد 22 مايو/أيار، على العقيد حسن صياد خدايي، وهو ضابط رفيع المستوى في الحرس الثوري، وذلك في وضح النهار، أمام منزله في قلب طهران، بحسب ما أفاد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، نقلاً عن وسائل إعلام محلية إيرانية.
لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، إلا أن "الحرب المستترة أو السرية أو حرب الجواسيس" بين إسرائيل وإيران مستمرة منذ سنوات طويلة، وتعتبر وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الاغتيال "عملية" تحمل بصمة "الموساد"، وتنقل تأكيدات في هذا الشأن عن مسؤولين أمنيين وعسكريين وسياسيين دون تسميتهم.
تفاصيل اغتيال صياد خدايي
قال الحرس الثوري، في بيان نُشر على موقعه على الإنترنت، إن خدايي "اغتيل في هجوم مسلح نفذه راكبا دراجة نارية في شارع مجاهدي الإسلام في طهران"، خارج منزله.
الحرس الثوري الإيراني أصدر بياناً الأحد، قال فيه إن أحد ضباطه، وهو العقيد حسن صياد خدايي، قُتل في عملية اغتيال نادرة في طهران. ونقلت وكالة تسنيم للأنباء الإيرانية، شبه الرسمية، عن الحرس الثوري قوله إن خدايي كان "أحد مدافعي العتبات المقدسة".
وهذا الوصف هو إشارة إلى الأفراد والمستشارين العسكريين الذين تقول إيران إنهم يقاتلون نيابةً عنها لحماية المواقع الشيعية في العراق وسوريا، حليفتي طهران، من جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية.
وقالت الوكالة نقلاً عن مصدر مطلع إن شخصين يستقلان دراجة نارية فتحا النار على خدايي، وأطلقا خمس رصاصات أصابته وقتلته أثناء عودته إلى منزله، حوالي الساعة الرابعة مساء بالتوقيت المحلي. ونشرت الوكالة صوراً تُظهر رجلاً مستلقياً على مقعد السائق في سيارة بيضاء، والدم يظهر حول ياقة قميصه الأزرق وذراعه اليمنى، ويبدو من الصورة أن إطلاق النار جاء عبر النافذة من جهة الراكب الأمامي.
وقال الحرس الثوري إنه فتح تحقيقاً للتعرف على "المعتدي"، كما ذكرت وكالة فارس للأنباء أن النائب العام زار موقع الجريمة، وأمر بـ"سرعة التعرف على مرتكبي هذا العمل الإجرامي والقبض عليهم".
عملية اغتيال خدايي هي الأولى من نوعها منذ اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وهي عملية الاغتيال التي تمت أيضاً في طهران وفي وضح النهار.
ومنذ عام 2010، تعرّض ما لا يقل عن ستة علماء وأكاديميين إيرانيين للهجوم أو القتل، في سلسلة هجمات كثيراً ما نفذها أشخاص على متن دراجات نارية. ويعتقد أن تلك الهجمات كانت تستهدف إضعاف البرنامج النووي الإيراني، الذي يقول الغرب إن له أهدافاً عسكرية، في حين تصر إيران على طابعه السلمي.
لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اغتيال ضابط في الحرس الثوري بتلك الطريقة، على الأقل منذ اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، على الأراضي العراقية، بضربة صاروخية مطلع عام 2020. ويعتقد أن خدايي أيضاً ينتمي لفيلق القدس.
وأقامت إيران جنازة الثلاثاء، 24 مايو/أيار، في وسط العاصمة طهران للعقيد خدايي، وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي حشوداً تحيط بشاحنة تحمل نعش خدايي ملفوفاً بالعلم الإيراني وتحيط به الورود، وحمل المشيعون صوراً للعقيد في الحرس الثوري، بحسب تقرير لرويترز.
وقال قائد الحرس الثوري حسين سلامي للصحفيين "رد إيران على أي تهديد أو تحرك سيكون قاسياً، لكننا سنحدد متى وكيف سيكون الرد وفي أي ظروف، سننتقم حتماً من أعدائنا".
إيران تتوعد إسرائيل بالانتقام
إيران تلقي بمسؤولية الاغتيالات وغيرها من الهجمات التي تتعرض لها على إسرائيل، وقال سعيد خطيب زادة، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إن دعم الولايات المتحدة يجعل إسرائيل أكثر جرأة.
وأضاف لوسائل إعلام رسمية "ليس هناك شك أن الدعم المستتر والعلني… من الولايات المتحدة، يلعب دوراً مهماً في زيادة جرأة نظام الاحتلال"، في إشارة لإسرائيل. "من عبروا عن عدائهم الشديد لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية المقدس أظهروا مرة أخرى طبيعتهم الشريرة، باغتيال أحد أفراد قوات الحرس الثوري الإيراني واستشهاده".
كما تزامن اغتيال حدايي مع تقرير رسمي إيراني عن اعتقال شبكة تجسس قالوا إنها تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي، إذ ذكر التلفزيون الرسمي أن الحرس الثوري اعتقل أفراداً من شبكة من "الخارجين عن القانون"، جنّدتهم المخابرات الإسرائيلية لتنفيذ عمليات تخريب وهجمات في إيران.
ورصد تقرير لصحيفة The Independent البريطانية مخاوف من أن يؤدي اغتيال حدايي إلى تصعيد إسرائيلي-إيراني قد يخرج عن السيطرة. ورغم رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت التعليق على الأحداث في طهران، أشار تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية إلى خدايي بوصفه كان مسؤولاً عن "اغتيال دبلوماسي إسرائيلي في الهند".
إذ علّق المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام الحكومية القتل على "الغطرسة العالمية"، في إشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، دون تسمية أية دولة بعينها. لكن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، قال في العاصمة طهران، قبل مغادرته لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين في عُمان: "أدعو المسؤولين الأمنيين إلى التحقيق بجدية في الجريمة، ولا شك في أنَّ الانتقام من المجرمين على دماء هذا الشهيد الكريم أمر حتمي".
أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية بقوة إلى أنَّ إسرائيل كانت وراء الهجوم، وحذّرت السلطات الإسرائيلية الإثنين، 23 مايو/أيار، مواقعها الدبلوماسية في الخارج للاستعداد لرد انتقامي محتمل.
تجاوز "غير مدروس" للخط الأحمر؟
وفي تغريدة غامضة، وصفت المنصة الإخبارية "نور"، المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، جريمة القتل بأنها "تجاوز غير مدروس للخط الأحمر، من شأنه تغيير الكثير من الحسابات". وأضافت: "مرتكبو هذه الجريمة سيدفعون ثمناً باهظاً".
وقال النائب الإيراني مجتبى زولنوري، رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان، إنَّ "القتل ليس له قيمة عملياتية خاصة"، لأنَّ خدايي لم يكن تحت حماية أمنية خاصة.
لكن جريمة القتل كانت تحمل جميع السمات المميزة لفيلم تجسس مثير؛ ما يشير إلى اختراق استخباراتي أجنبي عميق داخل إيران. ويشكل الاغتيال الناجح في قلب العاصمة الإيرانية فشلاً أمنياً واستخبارياً محرجاً آخر للبلاد، التي تحبس المنشقين ومزدوجي الجنسية بعدوانية بتهم تجسس واهية.
وقال العميد الإسرائيلي المتقاعد عساف أوريون، والزميل الدولي الحالي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في مقابلة مع الصحيفة البريطانية: "كل من فعل ذلك كانت لديه الاستخبارات العملية والقدرة على التنفيذ وربما الهروب. إنه يقول شيئاً عن قدرات المهاجم من جهة، لكنه يظهر نقاط ضعف إيران من جهة أخرى".
يُذكر أنه في يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اغتيل العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، في عملية قتل أخرى في وضح النهار في إيران، التي يُزعَم أنَّ إسرائيل ونشطاء محليين نفذتها، بالإضافة إلى عدة عمليات تخريبية عام 2021، تستهدف التكنولوجيا النووية الإيرانية وبرامج الصواريخ.
وبرغم أنَّ فخري زادة كان لفترة طويلة شخصاً محل اهتمام لوكالات الاستخبارات الغربية والمفتشين النوويين الدوليين، الذين يسعون للحصول على إجابات حول برنامج التكنولوجيا الذرية الإيراني، فإنَّ خدايي شخصية غير معروفة.
ففي عالم الاستخبارات والأمن في الشرق الأوسط، الذي يشبه بيت المرايا في متاهته، لا يُعرَف الكثير عمّا فعله خدايي من أجل لقمة العيش ولماذا قُتل، إذ إن قلّة من العسكريين الإيرانيين العاديين -إن وُجِدوا- خدموا في سوريا.
وتشير رتبة خدايي ونشره في سوريا إلى أنه كان عضواً في فيلق القدس، الفرع الخارجي للحرس الثوري، الذي يُزعَم أنه وراء عمليات الاغتيال في الخارج، بالإضافة إلى التنسيق مع الجماعات المسلحة المتحالفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
ونقلت بعض وسائل الإعلام عن مسؤولين استخباراتيين زعمهم أنَّ خدايي متورط في استهداف إسرائيليين بارزين في الخارج، وتحديداً في عملية لاستدراج مواطنين إسرائيليين إلى موتهم في قبرص وكولومبيا وكينيا وتركيا، ومؤخراً كان القنصل العام الإسرائيلي في إسطنبول ورجل الأعمال الإسرائيلي التركي هدفين لمؤامرة اغتيال مزعومة أُحبِطَت.
وقال العميد السابق عساف أوريون: "بافتراض صحة ما قرأناه في التقارير، فإنَّ وظيفته كانت جزءاً من فيلق القدس، وربما يكون متورطاً في توجيه هجمات إرهابية ضد الإسرائيليين في الخارج، إذا كان هذا صحيحاً فهو إرهابي. قد تكون هذه عملية وقائية لمكافحة الإرهاب، تهدف إلى إحباط حدوث عمليات إضافية".
لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك القناة 13 التي تديرها الدولة، أشارت أيضاً إلى أنَّ خدايي مشارك في برنامج إيران للصواريخ والطائرات بدون طيار، حيث أشرف على نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في لبنان، ولم تحدد أي من وسائل الإعلام الإسرائيلية مصادر هذه المعلومات.
مقتل خدايي والاعتقالات يأتي وسط موجة جديدة من الاحتجاجات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد، على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بعدما أعلنت الحكومة عن خطة لخفض الدعم وزيادة المساعدات النقدية للفقراء.
وفي الوقت نفسه، تقف إيران والولايات المتحدة حالياً على طرفي النقيض من بعضهما، في محادثات غير مباشرة تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي المنهار لعام 2015، الذي كان يهدف إلى كبح جماح برنامج التكنولوجيا النووية الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، وتعثرت المحادثات بسبب رفض واشنطن رفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية.