يتواصل انتشار مرض جدري القرود في العديد من دول العالم، في ظل قلق ينتاب العلماء من انتشاره الأسرع من المتوقع، رغم أنه يفترض أنه يتفشى بصعوبة بين البشر، كما طرحت تقديرات من قبل الجهات الطبية الغربية حول علاقته بالمثلية الجنسية.
يتولد مرض جدري القرود نتيجة فيروس مشابه للجدري، الذي أُعلِنَ أنه قُضِيَ عليه عالمياً في عام 1980.
وتجاوز عدد حالات الإصابة المؤكدة بمرض جدري القرود 80 حالة في 12 دولة على الأقل، وقالت منظمة الصحة العالمية إن هناك نحو 80 إصابة مؤكدة و50 حالة أخرى قيد الفحص.
وأبلغت بريطانيا عن 11 حالة جديدة في 20 مايو/أيار 2022، أي أكثر من الإجمالي في الأسبوعين الماضيين. كثير منهم ليس لديهم روابط بالسفر إلى إفريقيا حيث يوجد المرض، مما يعني أنه نُقِلَ محلياً.
وأثارت الحالات المكتشفة القلق في الأوساط البريطانية، لأنه تاريخياً تم اكتشاف ثماني حالات فقط في بريطانيا، كانت الأولى في عام 2018، حسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
في الماضي، كانت الحالات المتفرقة تأتي من الخارج. كل هذا ينذر بالخطر، لكن العالم ليس عاجزاً على الإطلاق في مواجهة الفيروس، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
هل وصل مرض جدري القرود للدول العربية؟
لم تسجل أي دولة عربية حتى الآن أي إصابة بجدري القرود، وأكدت وزارة الصحة السعودية عدم رصد أي حالة في المملكة حتى الآن. وأشارت إلى خطة وقائية وعلاجية متكاملة للتعامل مع المرض، مؤكدة جاهزيتها التامة للرصد والتقصي والتعامل مع الحالات في حال ظهور أي حالة، والتواصل مع منظمة الصحة العالمية لمعرفة تفاصيل أي مستجدات حول المرض أو رصد أي حالات في جميع أنحاء العالم، للتأكد من عدم وجود مخالطين لأي حالات ترصد في المملكة.
وأفادت تقارير بأن وزارة الصحة المغربية اتخذت إجراءات على مستوى جميع المطارات والموانئ والمعابر الحدودية، من أجل الكشف المبكر عن أي حالة واردة والحد من انتشار الفيروس في البلاد.
ولكن إسرائيل أعلنت عن تسجيل أول إصابة بجدري القرود في الشرق الأوسط، أمس السبت، بعد رصد عدة دول في أوروبا وأمريكا الشمالية إصابات بالمرض المتوطن في أجزاء من إفريقيا.
وقال متحدث باسم مستشفى إيخيلوف في تل أبيب لوكالة فرانس برس إنه تأكدت إصابة رجل يبلغ 30 عاماً بجدري القردة، بعد عودته مؤخراً من أوروبا الغربية حاملاً أعراض المرض.
وأفادت وزارة الصحة الإسرائيلية بأن الرجل خالط شخصاً مصاباً بجدري القرود في الخارج، مشيرة إلى أنه تم أخذ عينة لفحصها ووُضع في الحجر في مستشفى إيخيلوف وأعراض إصابته خفيفة.
إليك أعراض المرض وأكثر الأشخاص تعرضاً للخطر
يعد جدري القردة، مرضاً نادراً وعادة ما تكون أعراضه الحمى وآلام العضلات وتضخم الغدد اللمفاوية والطفح الجلدي على اليدين والوجه.
وقال ديفيد هيمان، رئيس المجموعة الاستشارية الاستراتيجية والتقنية لمنظمة الصحة العالمية، إن الاختلاط المباشر هو الوسيلة الرئيسية لانتقال الفيروس المؤدي مرض جدري القرود لأن الطفح الجلدي المصاحب عادة للمرض معدٍ للغاية.
وعلى سبيل المثال يكون الآباء والأمهات الذين يعتنون بأطفال مرضى معرضين للخطر، وكذلك العاملون الصحيون وهذا هو السبب في أن بعض الدول بدأت في تطعيم الفرق التي تعالج مرضى جدري القرود باستخدام لقاحات الجدري.
ينتشر جدري القرود من خلال رذاذ السعال والعطس الذي يدخل الأنف أو الحلق أو العينين. يمكن أيضاً التقاطه من خلال ملامسة جلد أو ملابس أو فراش الشخص المصاب الذي ينقل الفيروس من البثور أو الجرب. وتظهر الأعراض عادة بعد خمسة إلى 21 يوماً من الإصابة.
كما يمكن أن ينتقل الفيروس من خلال ملامسة الآفات الجلدية وقطرات الشخص المصاب، وكذلك استخدام الأدوات المشتركة مثل الفراش والمناشف.
وعادة ما تكون عدوى مرض جدري القرود خفيفة، مع أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا. ويمكن أن يتطور طفح جلدي ينتشر في جميع أنحاء الجسم، ويتحول إلى بثور وقشور. عادة ما يتعافى الأشخاص المصابون في غضون أسابيع قليلة.
كما هو الحال مع فيروسات الجدري الأخرى، يكون المرض أكثر حدة عند الأطفال الصغار والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
ويعتمد مدى خطورة ذلك على السلالة التي يُصاب بها الشخص. إحدى السلالتين عُثِرَ عليها في التفشي الذي اندلع في حوض الكونغو، والذي كان قاتلاً بنسبة 10%. أما السلالة الأخرى، والتي عُثِرَ عليها في غرب إفريقيا، فهي أقل حدة، حيث يُقدَّر معدل الوفيات الناجمة عنها بنسبة حوالي 1%. تُستَمَد هذه التقديرات من حالات تفشي المرض في الأماكن النائية في إفريقيا ذات الرعاية الصحية السيئة. من المحتمل أن يكون جدري القرود أقل فتكاً في البلدان الغنية.
كيف يمكن الوقاية منه أو علاجه؟
صُدِّقَ على لقاح مرض جدري القرود الذي طورته شركة Bavarian Nordic، وهي شركة دنماركية للتكنولوجيا الحيوية، من قبل المنظمين الأمريكيين في عام 2019. وصُدِّقَ أيضاً على اللقاح لعلاج الجدري، وليس الوقاية فقط.
وتشير البيانات الواردة من إفريقيا إلى أن التطعيم السابق ضد مرض جدري القرود فعال بنسبة 85% على الأقل في الوقاية من جدري القرود.
وتقول المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إن اللقاح يكون مفيداً للغاية إذا حُقِنَ قبل أو في غضون أربعة أيام من التعرض للفيروس. وحتى إذا حُقِنَ في غضون 14 يوماً بعد التعرض للفيروس، فقد يظل مفيداً في تخفيف الأعراض.
وتشير الأدلة من الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن بعض الأدوية المضادة للفيروسات المستخدمة لفيروسات الجدري الأخرى قد تكون مفيدة أيضاً.
ومن الأمور المشجعة أيضاً أن فيروس جدري القرود ليس جيداً بشكل خاص في الانتشار بين الناس، وليس سريع عدوى مثل الحصبة.
تاريخ اكتشافه
اكتُشِفَ جدري القرود لأول مرة في الدنمارك، عام 1958 في أحد قرود المختبر (ومن هنا جاءت تسميته)، ولكن يُعتقد أنه ينتشر بين قوارض صغيرة في إفريقيا.
في تلك القارة، تحدث الكثير من حالات العدوى من الحيوانات البرية، عندما يصطادها الناس أو يتعاملون مع اللحوم النيئة أو يأكلونها. لكي ينتشر الفيروس من شخص إلى آخر يتطلب الاتصال الوثيق.
وجرى تسجيل أول حالة بشرية من جدري القردة، في عام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
تساؤلات حول سبب سرعة انتشاره، وحديث عن تركزه في أوساط المثليين
وصف الخبراء تفشي مرض جدري القرود بأنه "غير معتاد" لأنه كان يُعتقد أن انتقال جدري القرود من شخص لآخر كان نادراً للغاية.
وكشفت سوزان هوبكنز، كبيرة المستشارين الطبيين في وكالة الأمن الصحي البريطانية، انتشار مرض جدري القرود بشكل ملحوظ بين "المثليين ومزدوجي الميول الجنسية" في كل من المملكة المتحدة وأوروبا.
وقالت في تصريحات نشرتها، الجمعة، صحيفة "دايلي ميل" البريطانية إنه "تم تسجيل نسبة ملحوظة من الحالات الحديثة لمرضى جدري القرود في المملكة المتحدة وأوروبا بين المثليين من الذكور ومزدوجي الميول الجنسية".
وقالت وكالة الأمن الصحي في بريطانيا إن الحالات الأخيرة كانت في الغالب بين "مثليين أو ثنائيي الجنس أو رجال يمارسون الجنس مع رجال".
وحثت هيئة خدمات الصحة الجنسية في المملكة المتحدة (UKHSA) بشكل خاص الرجال المثليين وثنائيي الجنس على أن يكونوا على دراية بأي طفح جلدي أو آفات غير عادية وأن يتصلوا بخدمة الصحة الجنسية دون تأخير إذا كانت لديهم مخاوف، وفي الوقت نفسه، أصبحت إيطاليا والسويد أحدث دولتين تسجلان حالات إصابة بفيروس جدري القرود.
وكان خبراء في الرعاية الطبية ببريطانيا قد أعلنوا أنه سيتم إعطاء لقاحات جدري القرود للمثليين "كجزء من حملة مركزة لمواجهة تفشي هذا المرض في المملكة المتحدة".
وقالت منظمة الصحة إنها تريد تسليط الضوء، بالتعاون مع بريطانيا، على الإصابات بجدري القرود التي ترصد في هذا البلد منذ بداية مايو/أيار، خصوصاً في مجتمع المثليين.
وكشف مستشار الشؤون الصحية بحكومة مدريد الإقليمية، إنريكي رويث إسكوديرو، أن إجراءات تتبع حالات الإصابة التي قامت بها مديرية الصحة العامة التابعة أظهرت أن غالبية حالات الإصابة بالمرض كانت مرتبطة بحمام "ساونا" يرتاده مثليو الجنس.
وترجح السلطات الإسبانية أن حفلات "فخر المثليين" في جزر كناريا الإسبانية يمكن أن تكون بؤرة أخرى لعدوى جدري القرود.
طريقة تشخيصه تحتاج إلى مختبرات متخصصة
الجزء الصعب هو التشخيص. يشبه الطفح الجلدي لجدري القرود إلى حد كبير الجدري المائي. ويتطلب تأكيد ذلك إرسال عينات إلى مختبر متخصص مجهز للتعامل مع مسببات الأمراض شديدة الخطورة. في الوقت الحالي، يوجد في بريطانيا مختبر واحد فقط لمسببات الأمراض النادرة مخصص لإجراء اختبارات لجدري القردة.
وحذرت "دويتشه إيدز هيلفه"- وهي منظمة جامعة لأكثر من 120 منظمة معنية بالمصابين بالإيدز في ألمانيا- من الاستنتاجات الخاطئة بشأن التشابه بين جدري القرود والأيدز، حسبما نقل عنها تقرير لموقع "الجزيرة.نت".
وقالت المتحدثة باسمها، هولجر فيشت، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية: "بالطبع هناك أوجه تشابه سطحية بين جدري القرود وفيروس نقص المناعة المكتسب (إتش آي في) HIV -المسبب للإيدز- عندما ظهر في بدايته، فهو مرض آخر من إفريقيا يصيب المثليين أيضاً. لكن المقارنة غير صالحة في نواحٍ كثيرة أخرى".
وأوضحت أنه على عكس فيروس نقص المناعة المكتسب، فإن الفيروس المسبب لجدري القرود معروف منذ فترة أطول في ثمانينيات القرن الماضي، كما يُشفى المصاب من المرض من تلقاء نفسه، وقالت: "من المهم جداً بالنسبة لنا ألا ينشأ هنا ذعر ومخاوف غير معقولة"، مشيرة في المقابل إلى أنه لا تزال هناك أوجه عدم يقين فيما يتعلق بتقييم شدة المرض؛ على سبيل المثال، مدى القدرة على تحمل الإصابة بين المرضى الذين يعانون من نقص المناعة، من بينهم المصابون بفيروس نقص المناعة المكتسب الذين لم يتم علاجهم.
ومع ذلك، يجب أن يكون احتواء تفشي جدري القرود أمراً سهلاً نسبياً، حسب مجلة The Economist البريطانية.
ويمكن أن يؤدي عزل الحالات المؤكدة أو المشتبه فيها وتتبع جهات الاتصال المحتملة المصابة إلى إيقاف سلاسل الانتقال. من المحتمل أن يُستخدَم لقاح الجدري من أجل ما يُعرَف بالتطعيم الحلقي، حيث تطعيم المخالطين للأشخاص المصابين والعاملين الصحيين المعرضين لخطر كبير.
وتتطلع بريطانيا وإسبانيا إلى تخزين اللقاح بالفعل. وقد نجح التطعيم الحلقي للمخالطين عن قرب في الحد من بعض حالات تفشي الإيبولا الأخيرة في إفريقيا.
تقول المجلة البريطانية: "في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، من المؤكد اكتشاف المزيد من حالات جدري القرود. لكن من غير المرجح أن ينتشر تفشي المرض خارج نطاق السيطرة. لقد صدم فيروس كوفيد-19 العالم وجعله يدرك أنه غير مستعد، حيث لا توجد أدوية أو لقاحات جاهزة. ومع ذلك، فإن جدري القرود يقع في نطاق مختلف تماماً".