الآن وقد أعلنت أسرة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، أن "الإجراءات القضائية" بحقها قد تمت تسويتها بشكل نهائي، هل يعني ذلك أن جمال مبارك يمكنه أن يعود لممارسة العمل السياسي؟
هذا السؤال أصبح على الفور حديث منصات التواصل الاجتماعي في مصر، بمجرد نشر بيان أسرة مبارك المتلفز عبر يوتيوب، الثلاثاء 17 مايو/أيار 2022، خصوصاً أن من قام بقراءة البيان هو جمال مبارك، الابن الأكبر للرئيس الراحل، وأحد أسباب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ضد والده الذي حكم مصر لثلاثة عقود كاملة.
ماذا جاء في بيان أسرة مبارك؟
ظهر جمال مبارك في تسجيل على يوتيوب وهو يعلن البيان، الذي قال فيه: "اليوم وبعد 10 سنوات من التحقيقات المستفيضة، بما في ذلك العديد من طلبات المساعدة القانونية الدولية المتبادلة بين مختلف السلطات القضائية، والعديد من الإجراءات القضائية في دول عديدة، فقد ثبت أن جميع الادّعاءات الموجهة إلينا كانت كاذبة تماماً".
وأضاف رئيس لجنة السياسات السابق في الحزب الوطني المنحل، متحدثاً باللغة الإنجليزية: "المعركة القانونية التي واجهتها عائلة مبارك، والتي استمرت عقداً من الزمن، انتهت في أعقاب الحكم الأخير الصادر عن المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، الذي أقر مرة أخرى بأن التدابير التقييدية التي فرضها مجلس الاتحاد الأوروبي على الأسرة كانت غير قانونية منذ البداية، وبعد قرار مكتب المدعي العام الاتحادي في سويسرا بتبرئة علاء وجمال مبارك بشكل كامل، بعد انتهاء التحقيق الجنائي الذي دام 11 عاماً".
وكان الادعاء العام الاتحادي في سويسرا قد أعلن الأسبوع الماضي أنه أغلق تحقيقاً استمر 11 عاماً، يتعلق بالاشتباه في غسل أموال فيما يتصل بثورة عام 2011 في مصر. وقال مكتب المدعي العام، في بيان يوم الأربعاء الماضي "على الرغم من التحريات العديدة، وتحويل 32 مليون فرنك سويسري إلى مصر في عام 2018، يتعين على مكتب المدعي العام الآن قبول أن التحقيق لم يستطع إثبات الشبهات التي تبرر اتهام أي شخص في سويسرا أو مصادرة أي أصول"، بحسب رويترز.
وأكد الادعاء السويسري أنه سيفرج عن المبلغ المتبقي الذي جمّده، والبالغ 400 مليون فرنك سويسري (429 مليون دولار). وجاء القرار بعد حكم المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، في السادس من أبريل/نيسان، بتأييد إلغاء عقوبات فرضها الاتحاد على مبارك وأسرته، وفكّ تجميد أصولهم.
وذكر حكم الاتحاد الأوروبي أن هذه العقوبات كانت غير قانونية، وأمر المجلس الأوروبي بدفع تكاليف التقاضي التي تحملتها أسرة مبارك.
وقال جمال في البيان أيضاً إنه "لا يوجد دليل واحد على أن والدي الراحل أو والدتي قد امتلكا أصولاً خارجية من أي نوع. ولم تثبت صحة الادعاءات بأن أفراداً آخرين من الأسرة أخفوا أصولاً في الخارج. كان هناك إفصاح طوعي وشفاف عن جميع أصولنا، بما يتماشى مع القوانين المعمول بها".
وأكد أنه يُنفذ رغبة والده في "شرح مثل هذه الإجراءات للعالم بأسره"، معتبراً أن "الوقت قد حان لوضع الأمور في نصابها الصحيح".
هل من حق جمال مبارك الآن ممارسة العمل السياسي؟
تنقسم الإجابة عن هذا السؤال إلى شقين، الأول جنائي والثاني سياسي. بالنسبة للشق الجنائي كان جمال مبارك وشقيقه الأصغر علاء ووالدهما أيضاً قد صدر بحقهم حكم نهائي باتّ، في جناية معروفة إعلامياً بقضية "القصور الرئاسية".
وقائع تلك القضية ترجع إلى ما بعد إجبار الرئيس الراحل على التنحي عن حكم مصر، يوم 11 فبراير/شباط 2011، ثم البدء في محاكمته ونجليه ورموز نظامه بتهم متعددة، تنوعت بين قتل المتظاهرين خلال أحداث الثورة، والفساد ونهب المال العام، والتلاعب بالبورصة، والكسب غير المشروع، وغيرها كثير.
لكن بُرّئ مبارك الأب ونجلاه جمال وعلاء من الأغلبية الساحقة من تلك القضايا، باستثناء قضية "القصور الرئاسية"، والتي تتلخص وقائعها في استغلال الرئيس السابق ونجليه لنفوذهم، وتحويل مسار عشرات الملايين من الأموال المخصصة لصيانة القصور الرئاسية في البلاد، لاستغلالها في تشييد وصيانة قصور ومكاتب خاصة بأسرة مبارك.
وأصدرت محكمة جنايات القاهرة، في مايو/أيار 2015، حكماً بسجن مبارك ونجليه جمال وعلاء 3 سنوات لكل منهم، خلال إعادة محاكمة في القضية، كما تضمن الحكم حينها تغريم مبارك وجمال وعلاء متضامنين أكثر من 125 مليون جنيه، وإلزامهم معاً أيضاً بردّ أكثر من 21 مليون جنيه إلى الخزانة العامة للدولة. وفي يناير/كانون الثاني 2016، أيدت محكمة النقض حكم الجنايات بالسجن والغرامة.
لكنّ مبارك ونجليه تقدموا بطلب للتصالح ووقف تنفيذ الحكم الصادر ضدهم، بهدف رد الاعتبار، ومن ثم رفع آثار الحكم ضدهم. وفي سبتمبر/أيلول 2018، أصدرت محكمة النقض حكمها في القضية برفض دعوى التصالح ورد الاعتبار، ليصبح الحكم باتّاً ونهائياً وغير قابل للطعن عليه.
بموجب ذلك الحكم أصبح مبارك ونجلاه خاضعِين لأحكام البند 6 من المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية 45 لسنة 2014، والذي ينص على حرمان كل من صدر ضده حكم نهائي في جناية، من مباشرة الحقوق السياسية، سواء بالتصويت أو الانتخاب، لمدة 6 سنوات، تبدأ من تاريخ تنفيذ العقوبة، أي بعد إنهاء فترة السجن المقررة وسداد الغرامة.
وكانت تلك المادة قد تم تعديلها بقرار بقانون 92 لعام 2015، ليتم رفع الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية "إذا أوقف تنفيذ العقوبة، أو رد إلى الشخص اعتباره".
ماذا يعني ذلك لجمال مبارك من الناحية القانونية؟
رغم أن جمال مبارك ووالده الراحل وشقيقه علاء، في وقت صدور الحكم عليهم في قضية القصور الرئاسية، كانوا قد قضوا في الحبس الاحتياطي نحو 4 سنوات، أي أكثر من مدة العقوبة، وبالتالي خرج جمال وعلاء من السجن تباعاً بمجرد صدور الأحكام في القضايا الأخرى، فإنهم ظلوا يحاولون "رد الاعتبار" في قضية القصور الرئاسية، حتى صدر حكم محكمة النقض، في سبتمبر/أيلول 2018.
وغذّى هذا الإصرار من جانبهم التكهنات بأن جمال مبارك يريد العودة إلى ممارسة الحياة السياسية، ونشرت وسائل إعلام محلية مصرية وقتها تصريحات نُسبت لمبارك الأب، قال فيها إن "جمال ابني إذا ترشح في انتخابات الرئاسة سيكتسح". يرجع تاريخ تلك التكهنات إلى مطلع عام 2018، مع نهاية الفترة الرئاسية الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي.
ووقتها نُشرت صور متعددة لجمال وشقيقه علاء وهما يتجولان في القاهرة ويحضران مناسبات خاصة، وتزامن ذلك مع جهود مكثفة من فريقهم القانوني لاستصدار حكم بالتصالح ورد الاعتبار في قضية القصور الرئاسية، لكن ذلك لم يحدث.
على أية حال، وبحسب نصوص القانون المصري في بنود الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية، فإن جمال مبارك قد أعيدت له تلك الحقوق، إذ انقضت مدة الحرمان التي تكون عبارة عن ضعف المدة المحكوم على المدان بها. العقوبة كانت مدتها 3 سنوات، وبالتالي مدة الحرمان كانت 6 سنوات، انتهت العام الماضي 2021.
والمتابع للمشهد الإعلامي المصري، وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الداعمة لأسرة مبارك، يعرف أنه حتى بعد أن فشلت الأسرة في الظفر بحكم "يرد اعتبارهم" في قضية القصور الرئاسية، فإن الحديث عن احتمال ترشح جمال مبارك للانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في مصر خلال الشهر الجاري (مايو/أيار 2022)، كان يتردد بشكل مكثف في تلك الفترة.
لكن التعديلات الدستورية التي أدخلها البرلمان المصري، في أبريل/نيسان 2019، تعني أن جمال مبارك وغيره من الطامحين إلى الترشح للرئاسة في البلاد سيكون عليهم الانتظار لما بعد عام 2030 على الأقل، حيث فتحت تلك التعديلات الباب أمام بقاء الرئيس في منصبه حتى ذلك العام، أو حتى عام 2034 إذا أراد.
لكن عودة جمال مبارك إلى ممارسة العمل السياسي في مصر لم تعد تواجه عقبات قانونية، وبالتالي إذا ما أراد تأسيس حزب جديد أو الانضمام لأحد الأحزاب القائمة للترشح للبرلمان على سبيل المثال فيمكنه ذلك. لكن الشق القانوني ليس هو العامل الوحيد في قرار نجل الرئيس الراحل، فبعض التقارير تشير إلى أن والدته سوزان ثابت ترفض تماماً عودة نجلها الأكبر للعمل في السياسة.
والعنصر الآخر الذي سيكون له دور هام أيضاً في قرار جمال مبارك، الذي كانت الأسرة تعده وريثاً لأبيه في حكم مصر، وكان ذلك أحد أسباب نجاح الثورة ضد أبيه، يتعلق بالمرحلة التي تمر بها البلاد والمنطقة، ورأي الدائرة المحيطة بالرئيس السيسي في أمر كهذا بطبيعة الحال، فكيف يمكن أن يأتي قرار جمال مبارك بعد بيان "البراءة"؟