كان الاعتداء على جنازة شيرين أبو عاقلة مشهداً لا يُنسى، وبدا فيه أن الموت حتى لا يوفر للفلسطينيين أي حماية من القمع الإسرائيلي.
ففي هذا المشهد الذي رأه العالم برمته قام رجال شرطة يرتدون ملابس سوداء، ويعتمرون الخوذات، ويلبسون معداتهم الواقية، بالاعتداء بهراواتهم على أشخاص يحملون نعشاً في موكب جنازة، ويركلون أجسادهم حتى ينزلق التابوت من أيدي المشيعين ويكاد يسقط على الأرض.
هذا ما سيتذكره معظم الناس في العالم من جنازة صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة، التي أقيمت في القدس يوم الجمعة 13 مايو/أيار.
قلق من تأثير الاعتداء على جنازة شيرين أبو عاقلة على صور إسرائيل
بالنسبة لكثير من الإسرائيليين فإن ما يقلقهم هو صورة إسرائيل الإعلامية التي تضررت من هذا المشهد، ولكن تقريراً لصحيفة Haaretz الإسرائيلية حاول تفسير سلوكيات قوات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين وموتاهم، والتي لا تراعي حرمة الموتى، وليس لها فائدة أمنية وتسيء لصورة الدولة العبرية، ومع ذلك تستمر قوات الاحتلال في ممارستها.
لقد تحدّث كثيرون في إسرائيل عن الأمر على مدار الساعات الماضية، وبلغ الأمر ببعضهم القول إن الأزمة استفحلت، حتى إنها تكاد تتحول إلى كارثة تلحق الضرر بصورة إسرائيل وعلاقاتها العامة، إلا أن المشكلة الحقيقية ليست في كيف ينظر العالم إلى هذا الحادث، بل هي في العنف غير المبرر الذي استخدمته الشرطة الإسرائيلية، حسب صحيفة Haaretz.
إسرائيل تحاول تبرير جريمتها بالحديث عن رشة مياه فلسطينية
سارعت الشرطة الإسرائيلية إلى نشر مقطع فيديو التقطته طائرة مسيرة في الجنازة، ويظهر فيه شابان يلقيان ما يبدو أنه زجاجة ماء على جنود الشرطة الإسرائيليين، لكن ما أهون ذلك من عذر لما فعلوه، في حدث كان يجب التعامل معه بأقصى درجات الحساسية.
وقد أمر المفوض العام للشرطة الإسرائيلية بفتح تحقيق في سلوك الشرطة في الجنازة، إلا أن هذه الحادثة ليست إلا مثالاً من حالات كثيرة، تصرفت فيها الشرطة الإسرائيلية تصرفات مستنكرة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة والإمعان في إذلال الضحايا.
في اليوم نفسه الذي قَتل فيه الجنود الإسرائيليون أبو عاقلة، ذهبت الشرطة الإسرائيلية إلى أسرتها المكلومة ليطلبوا منها إزالة الأعلام الفلسطينية التي رفعها الناس أمام المنزل، وإخلاء الشارع، وخفض صوت الأغاني الوطنية.
ثم أظهرت مقاطع فيديو موثقة أن الشرطة الإسرائيلية عمدت في يوم جنازة شيرين أبو عاقلة، وبعد وقت قصير من مرور موكب النعش، إلى نزع الأعلام الفلسطينية عن السيارات وتمزيقها.
وهاهم يصيبون فلسطينياً بالأقصى ويتعمدون تأخير علاجه إلى أن يموت
وكأن كل ذلك لا يكفي للدلالة على القهر الذي يتعرض له الفلسطينيون، فقد توفي صباح السبت 14 مايو/أيار، الشاب الفلسطيني وليد الشريف، الذي أصابه جنود الاحتلال برصاصة معدنية في الرأس، في الجمعة الثالثة من شهر رمضان، ثم جرّوا جسده في باحات المسجد الأقصى وأخّروا علاجه، حتى دخل في غيبوبة. وقد زعمت الشرطة الإسرائيلية أن الإصابات نجمت عن سقوطه، إلا أنها لم تقدم أي دليل على مزاعمها.
أُصيب الشريف بعيار ناري معدني مغلف بالمطاط الأسود، والغاية من هذه الرصاصة التي يبلغ قطرها 40 ملم هو إحداث ألم شديد بمن يصاب بها، وهي السلاح الرئيسي دون أسلحة القتل الفتاكة في قائمة الأسلحة التي تستخدمها الشرطة الإسرائيلية.
تحوّلت الشرطة الإسرائيلية منذ عام 2014 عن الرصاص الإسفنجي الأزرق الأخف وزناً إلى الرصاص الأسود الأثقل وزناً منه، وتسبَّب هذا السلاح "غير الفتاك" في عدد لا يُحصى من الإصابات الخطيرة، وتزايدت الوفيات منذ استخدامه. ويعاني عشرات من الشبان والأطفال والشيوخ في القدس الشرقية من إصابات شديدة لحقت بهم جراء هذه الرصاصات، وقد فقد بعضهم عينه أو أصيب بالعمى التام.
ثم يرفضون تسليم جثته لأهله، والسبب أنهم لا يعتبرون الفلسطينيين بشراً
اندلعت أزمة جديدة في ساعات مبكرة من يوم السبت، بعد أن رفضت الشرطة الإسرائيلية تسليم جثمان وليد الشريف لأسرته لدفنه، مع أنه لم يكن قيد الاعتقال حين أُدخل المستشفى بعد إصابته قبل ثلاثة أسابيع.
من الجليِّ أن في الشرطة الإسرائيلية من داخلها مشكلةً ما، ربما يقول بعض الناس إن الأمر يتعلق بمشكلة في القيادة والقدرة على السيطرة، وقد يقول آخرون إن المشكلة تكمن في قواعد تدريب الشرطة وأساليب التجنيد. والواقع أن الأزمة أعمق من ذلك بكثير، فالأمر في حقيقته أن ضباط الشرطة الإسرائيليين لا يرون الفلسطينيين بشراً حين ينظرون إليهم، ولا يدفعهم وازع إلى احترامهم أو مراعاة آلامهم، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وإنها لحقيقة مروعة، غير أنها ليست كذلك للفلسطينيين فحسب، بل لكل من تقع عينه على مشهد من هذه المشاهد.