شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، ليست أول صحفية تقتلها إسرائيل "بدم بارد"، فالاغتيال والإصابة والاعتقال أسلحة يوظفها الاحتلال للتغطية على جرائمه بحق الفلسطينيين، فكيف يمكن إيقاف هذا الاستهداف؟
تعرضت شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية، للاغتيال بدم بارد برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي أصابتها في الوجه مباشرة، بينما كانت تستعد مع مجموعة من المراسلين والإعلاميين لتغطية قيام قوات الاحتلال بمداهمة لمخيم جنين في الضفة الغربية، كما أظهرت مقاطع الفيديو التي صورت عملية الاغتيال.
وعلى الفور انطلقت الدعاية الإسرائيلية لمحاولة طمس معالم الجريمة، من خلال الزعم بأن مقتل مراسلة الجزيرة جاء نتيجة "تبادل لإطلاق النار" مع "مطلوبين أمنيين"، وهو الوصف الذي تستخدمه قوات الاحتلال للإشارة إلى الشباب الفلسطيني، لكن لقطات الفيديو أظهرت مجموعة المراسلين، ومن بينهم أبو عاقلة، يرتدون الخوذ والسترات الواقية التي تحمل كلمة "صحافة/ Press" المميزة، ولا يوجد غيرهم في المشهد، وفجأة تعرضوا لإطلاق الرصاص لتصاب شيرين أبو عاقلة بطلقة مباشرة في الوجه وتسقط أرضاً، فيما يبدو كعملية "إعدام" مرتبة، بحسب شهود العيان.
أبو عاقلة الأخيرة لكن ليست الوحيدة
وشيرين أبو عاقلة هي من الجيل الأول من المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة القطرية؛ إذ التحقت بها بعد عام فقط من إطلاقها. وطيلة سنوات كانت أبو عاقلة في قلب الخطر لتغطية حروب وهجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، كما تقول الجزيرة.
وليست شيرين أبو عاقلة هي الحالة الوحيدة التي قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإستهدافها فهناك العديد من الصحفيين والعاملين في المجال العام تعرضوا إما للاغتيال بدم بارد أو تم تعرضوا للإصابة البالغة.
بحسب تقرير للاتحاد الدولي للصحفيين أصدره يوم 5 يوليو/تموز 2021، قتلت إسرائيل 46 صحفياً وإعلامياً منذ عام 2000 وحتى عام 2021، فيما وصفه بيان الاتحاد بأنه "استهداف ممنهج ومنظم" من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي هدفه التغطية على ما ترتكبه تلك القوات من جرائم بحق الفلسطينيين. وخلال حرب غزة فقط، التي استمرت 11 يوماً العام الماضي، قتلت إسرائيل 16 صحفياً.
ياسر مرتجي
وكان الصحفي الفلسطيني ياسر مرتجى واحداً من هؤلاء الضحايا، حيث أصابته رصاصات الاحتلال القاتلة وهو يقوم بعمله على حدود قطاع غزة عام 2018، ونعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين مرتجى، 31 عاماً، الذي كان يعمل صحفياً في وكالة "عين ميديا" في غزة.
وأظهرت الصور وقتها مرتجى جريحاً محمولاً على نقالة ومرتدياً سترة واقية زرقاء اللون عليها كلمة صحافة مكتوبة
بحروف كبيرة. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين في وزارة الصحة قولهم إن رصاصة حية اخترقت جانباً من بطنه، وقد توفي في المستشفى لاحقاً جراء إصابته، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وكان مرتجي أول من تعرض للاغتيال بعد انطلاق ما يعرف بمسيرات العودة عام 2018.
أحمد أبو حسين
وكان أحمد أبو حسين صحفي فلسطيني قد أصيب برصاص متفجر في صدره وبطنه خلال تأدية عمله في تغطية مسيرات العودة الكبرى في أبريل/نيسان 2018 في قطاع غزة؛ إذ أطلق عليه قناصة الاحتلال الإسرائيلي الرصاص واستهدفوه بشكل مباشر ومتعمد، في جريمة شبيهة بما تعرضت له شيرين أبو عاقلة.
وأظهرت مقاطع فيديو لاستهداف أبو حسين كيف أنه كان يرتدي السترة الواقية والخوذة وعليهما شعار "صحافة" بارزاً وواضحاً، وكان الشهيد محاطاً بعدد كبير من المحتجين يصورهم ويجري معهم حوارات عندما أصابته رصاصات القناصة الإسرائيليين في صدره وبطنه، ليتم نقله إلى المستشفى لكنه فارق الحياة بعدها بأيام قليلة.
معاذ العمارنة
أما معاذ العمارنة، فقد كان هو الآخر يؤدي عمله جنباً إلى جنب مع صحفيين ومراسلين آخرين، في نوفمبر/تشرينالثاني 2019، في بلدة تابعة لمدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، حيث كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تصادر أراضي وتهدم منازل لفلسطينيين، وكان الضحايا يحاولون الدفاع عن ممتلكاتهم وحياتهم نفسها في وجه جنود مدججين بمختلف أنواع الأسلحة.
في البداية رفض جنود الاحتلال السماح لمعاذ بالمرور والقيام بعمله لكنه أصر كونه يحمل تصريحاً يخول له أداء وظيفته، وأخيراً سمحوا له بالمرور بعد أن سخر منه أحد جنود الاحتلال ووجه إليه ألفاظاً نابية. وبينما يصور العمارنة ما يحدث استقرت رصاصة معدنية أطلقها أحد جنود الاحتلال في العين اليسرى للمصور الحفي الفلسطيني. وبعد نقله إلى المستشفى أراد الأطباء إزالة الشظية المعدنية لكنهم تراجعوا خوفاً على عينه الأخرى؛ نظراً لأن الشظية المعدنية طولها حوالي 2 سم واخترقت العين اليسرى واستقرت قريباً من المخ.
نال العمارنة تضامناً عربياً وعالمياً واسعاً، ونشر الملايين من المتضامنين معه صوراً لهم مع تغطية العين اليسرى بلاصقة أو باليد في رسالة تضامن معه، وتعالت الأصوات بمعاقبة الاحتلال الإسرائيلي على استهداف الصحفيين تحديداً، دون أن يتحقق ذلك حتى اليوم، لتستمر جرائم إسرائيل في استهداف الصحفيين.
جينيفر روبنسون، المستشارة القانونية للاتحاد الدولي للصحفيين (منظمة دولية مقرها واشنطن)، وجهت العام الماضي نداء إلى المحققة الأممية الخاصة إيرين خان، طالبت فيه بالتحرك ضد إسرائيل حتى تتوقف عن استهداف الصحفيين بتلك الصورة المنظمة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وها هي إسرائيل ترتكب جريمة جديدة وتغتال شيرين أبو عاقلة "بدم بارد".