في ظل رفض منظمة أوبك+ للدول المنتجة للنفط ضغوط إدارة جو بايدن بزيادة الإنتاج، جاء إقرار لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يتيح رفع دعاوى قضائية ضد منتجي النفط ليطرح تساؤلات بشأن تأثير القانون الذي فشل الكونغرس في تمريره لأكثر من 20 عاماً.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال في مرحلة البحث عن بديل للنفط الروسي، في ظل العقوبات التي تستهدف موسكو ومصدر دخلها الرئيسي؛ النفط والغاز، بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا، فيما تشهد أسعار النفط عالمياً ارتفاعاً غير مسبوق، بسبب اضطراب مبيعات النفط من روسيا، ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية.
وأجّج غلاء أسعار الطاقة، الذي يرجع جزئياً إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا، التضخم حول العالم، في وقت يواجه فيه الرئيس بايدن ضغوطاً لخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة قبيل انتخابات التجديد النصفي، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن محاولاته لإقناع الرياض بالتدخل لزيادة الإنتاج اصطدمت برفض ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تقديم أي تنازلات لإنقاذ بايدن، في ظل تدهور العلاقة بينهما.
ما قصة مشروع قانون محاكمة أوبك+؟
في هذا السياق، أقرت إحدى لجان مجلس الشيوخ الأمريكي، الخميس 5 مايو/أيار، مشروع قانون يفتح الباب أمام رفع دعاوى قضائية ضد منتجي النفط في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، بدعوى التآمر لرفع أسعار النفط.
وحظي مشروع قانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط"، المعروف اختصاراً باسم نوبك، والذي يرعاه النائب الجمهوري تشاك جراسلي والنائبة الديمقراطية إيمي كلوبوشار وغيرهما، بتأييد 17 عضواً في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، مقابل رفض أربعة، بحسب تقرير لرويترز.
ويحتاج مشروع القانون لأن يقره مجلسا الشيوخ والنواب، ثم يوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانوناً. وإذا أصبح نوبك قانوناً سارياً فسيكون بمقدور وزير العدل الأمريكي مقاضاة أوبك أو أعضائها -مثل السعودية- أمام محكمة اتحادية. كما سيمكنه كذلك مقاضاة منتجين آخرين متحالفين مع أوبك -مثل روسيا- يعملون مع المنظمة على خفض الإمدادات، في إطار ما يُعرف باسم مجموعة أوبك+.
وقالت كلوبوشار "أعتقد أن الأسواق الحرة والتنافسية أفضل للمستهلكين من الأسواق التي يسيطر عليها تكتل من شركات النفط المملوكة لدول… المنافسة من أهم أسس نظامنا الاقتصادي".
ومن شأن نوبك تغيير قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي أوبك وشركات النفط الحكومية في دولها، منذ فترة طويلة، من الدعاوى القضائية.
ما احتمالات تمرير قانون "نوبك"؟
هذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها الكونغرس لتمرير قانون "نوبك"، فعلى مدى أكثر من عقدين من الزمان كانت نسخ مختلفة من مشروع القانون تفشل في الحصول على مباركة الأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب.
والسبب الأساسي وراء فشل تمرير القانون طوال السنوات الماضية مرتبط بالمصالح السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة، وعلاقاتها الاستراتيجية مع كبار منتجي النفط، وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن التوترات غير المسبوقة التي تشوب علاقات الرياض وواشنطن حالياً قد تلعب دوراً في احتمالية تمرير القانون هذه المرة.
كما أن قلق المشرعين الأمريكيين يتزايد من ارتفاع التضخم المدفوع بعض الشيء بأسعار البنزين في الولايات المتحدة، والذي سجل لفترة وجيزة مستوى قياسياً فوق 4.30 دولار للجالون هذا الربيع.
المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، من جانبها، قالت إن الإدارة الأمريكية لديها مخاوف من "التداعيات المحتملة والعواقب غير المقصودة" للتشريع، لا سيما في ظل أزمة أوكرانيا، وأضافت أن البيت الأبيض يدرس مشروع القانون.
لماذا "نوبك" من الأساس؟
هددت السعودية عام 2019 ببيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار إذا ما أقرت واشنطن نسخة سابقة من "نوبك". ومن شأن ذلك تقويض وضع الدولار كعملة الاحتياطي الرئيسية في العالم، ما يخفض من نفوذ واشنطن على التجارة العالمية، ويُضعف من قدرتها على فرض عقوبات على دول أخرى.
وجاء تجاهل ولي العهد السعودي الرد على مكالمات بايدن نفسه مؤخراً، واستقبال الرئيس الصيني استقبالاً حافلاً، والإعلان عن قرب توقيع اتفاق بين الرياض وبكين تدفع بموجبه الصين ثمن النفط السعودي باليوان وليس الدولار، ليزيد المخاوف من أن تكون الأمور هذه المرة تتجه بالفعل إلى نقطة اللاعودة بالنسبة لرمز الهيمنة الأمريكية؛ أي الدولار.
ويهدف نوبك إلى حماية المستهلكين والشركات الأمريكية من الارتفاع المدبر في تكلفة البنزين، لكن بعض المحللين يحذرون من أن تنفيذه قد تكون له أيضاً بعض العواقب الخطيرة غير المقصودة.
كما يعارض مشروع القانون معهد البترول الأمريكي، أكبر جماعة ضغط بقطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة. وفي رسالة إلى زعماء اللجنة، قال المعهد إن نوبك "يخلق مخاطر محتملة على المصالح الدبلوماسية والعسكرية والتجارية الأمريكية، بينما من المحتمل أن يكون له تأثير محدود على مخاوف السوق التي تحرك التشريع".
وحذر بعض المحللين من أن نوبك قد يضر في نهاية المطاف بشركات الطاقة المحلية، إذا ضغط على المملكة العربية السعودية وغيرها من أعضاء أوبك لإغراق الأسواق العالمية بالنفط، لأن تلك الدول تنتج النفط بتكلفة أقل بكثير من الشركات الأمريكية.
هل ينجح التلويح بنوبك في الضغط على أوبك+؟
من المرجح أن يكون الهدف من تمرير لجنة مجلس الشيوخ مشروع قانون "نوبك" نوعاً من أوراق الضغط على الدول المنتجة للنفط، وبخاصة السعودية، بغرض زيادة الإنتاج والسيطرة على الأسعار، خصوصاً أن إدارة بايدن تواجه مأزقاً اقتصادياً خطيراً قبل أشهر من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والتي قد يفقد فيها الديمقراطيون أغلبيتهم الهشة لصالح الجمهوريين، ما يعني أن بايدن سيكون مقيد اليدين خلال ما تبقى من فترة رئاسته الأولى.
لكن أسعار النفط واصلت ارتفاعها للجلسة الثالثة على التوالي، الجمعة 6 مايو/أيار، متجاهلة المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي، خصوصاً في ظل عقوبات الاتحاد الأوروبي الوشيكة على النفط الروسي، التي رفعت المخاوف من احتمال نقص المعروض.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 2.08 دولار، أو 1.88%، إلى 112.98 دولار للبرميل، في حين قفزت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي دولارين أو 1.85% إلى 110.26 دولار للبرميل.
وبدا الخامان في طريقهما لتسجيل ارتفاع للأسبوع الثاني على التوالي، مدعومين باقتراح الاتحاد الأوروبي التخلص تدريجياً من إمدادات النفط الخام الروسي في غضون ستة أشهر، والمنتجات المكررة بحلول نهاية 2022. كما أنه يحظر جميع خدمات الشحن والتأمين الخاصة بنقل النفط الروسي.
وتواصل الارتفاع على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي عدل خطته الخاصة بالعقوبات، في محاولة لكسب تأييد الدول المعارضة، بحسب ما قالته ثلاثة مصادر بالاتحاد الأوروبي لرويترز الجمعة.
وقال ستيفن برينوك، المحلل في بي.في.إم "حظر الاتحاد الأوروبي الذي يلوح في الأفق على النفط الروسي سيسبب نقصاً حاداً في الإمدادات. وفي جميع الأحوال فإن أوبك+ ليست في حالة مزاجية تدفعها للمساعدة، حتى مع ارتفاع أسعار الطاقة، بما يسفر عن مستويات ضارة من التضخم".
وفي تجاهل لدعوات الدول الغربية لزيادة الإنتاج، التزمت مجموعة أوبك+، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا ومنتجين متحالفين، بخطتها لزيادة الإنتاج المستهدف، في يونيو/حزيران، 432 ألف برميل يومياً.
ومع ذلك، يتوقع محللون أن يكون ارتفاع الإنتاج الفعلي للمجموعة أقل بكثير نتيجة للقيود التي تفرضها الطاقة الإنتاجية. كما يتطلع المستثمرون أيضاً إلى زيادة الطلب من الولايات المتحدة في الخريف، حيث كشفت واشنطن عن خطط لشراء 60 مليون برميل من النفط الخام لمخزونات الطوارئ.