على غرار "الجيش الذي لا يُقهر" تردد إسرائيل دائماً مقولة "الأمن الذي لا يمكن اختراقه"، لكن هجوم إلعاد وهروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع والاختراق المتكرر للبنية التحتية وغيرها من الحقائق ترسم صورة مغايرة على الأرجح.
كانت شرطة الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت الجمعة 6 مايو/ أيار أن عملية المطاردة الواسعة بحثاً عن فلسطينيين يشتبه في قتلهما ثلاثة أشخاص في هجوم وقع مساء الخميس، في ذكرى إعلان قيام دولة إسرائيل على أراضي فلسطين عام 1948.
وحددت الشرطة الإسرائيلية هوية المهاجمين، وقالت إنهما فلسطينيان من منطقة جنين بالضفة الغربية المحتلة، وأضافت أنهما فرَّا على الأرجح من مكان الحادث في سيارة، وأقامت قوات الاحتلال حواجز على الطرق ودفعت بمروحية وطلبت مساعدة السكان في العثور على المشتبه بهما، بحسب رويترز.
هجوم إلعاد وردود الفعل المتباينة
هجوم إلعاد، التي تبعد 15 كيلومتراً عن تل أبيب، هو الأحدث في سلسلة من الهجمات داخل الخط الأخضر (ما يطلق عليه إسرائيل) والضفة الغربية نفذها فلسطينيون وأفراد من الأقلية العربية في إسرائيل منذ مارس/آذار الماضي أوقعت 18 قتيلاً، من بينهم ثلاثة من شرطة الاحتلال وحارس أمن.
الهجمات الفلسطينية تأتي رداً على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم، سواء التهجير كما في القدس الشرقية والضفة الغربية أو الاعتداءات والاقتحامات المتكررة بحق المسجد الأقصى، أو المداهمات في بلدات وقرى فلسطينية، وهي المداهمات التي فجَّرت في معظمها اشتباكات رفعت عدد الفلسطينيين المدنيين الذين استشهدوا على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام الجاري إلى 40 على الأقل.
وأشادت حركة حماس التي تدير قطاع غزة بهجوم إلعاد، لكنها لم تعلن مسؤوليتها عنه، وقالت الحركة إن الهجوم جاء رداً على الأعمال الإسرائيلية في المسجد الأقصى.
لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ندد بالهجوم. ونقلت عنه وكالة الأنباء الفلسطينية قوله إن "قتل المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يؤدي إلا إلى المزيد من تدهور الأوضاع".
كما مدَّد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الإغلاق الذي فُرض على الضفة الغربية وقطاع غزة قُبيل العطلة الإسرائيلية لمنع الفلسطينيين من دخول إسرائيل، حتى يوم الأحد. وندَّد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيان أمس الخميس بما وصفه بأنه "هجوم مروع استهدف رجالاً ونساء أبرياء".
وبعد أن أعلن تأسيس إسرائيل عام 1948، احتلت الدولة العبرية الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية خلال حرب عام 1967. ويسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية على هذه الأراضي، من خلال عملية أوسلو للسلام التي انطلقت قبل أكثر من ثلاثة عقود وكان يفترض أن تشهد تأسيس دولة فلسطين المستقلة على أراضي ما قبل حرب 1967.
هجوم إلعاد جاء يوم من رفض المحكمة العليا الإسرائيلية التماساً ضد طلب دولة الاحتلال طرد أكثر من ألف فلسطيني من منطقة ريفية بالضفة الغربية المحتلة لصالح إجراء الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية منتظمة فيها.
وبعد نحو 20 عاماً من المناورات القانونية غير الحاسمة، أصدرت المحكمة العليا قرارها في وقت متأخر الأربعاء 4 مايو/أيار لتمهد الطريق أمام هدم ثماني قرى صغيرة في منطقة بالقرب من الخليل، يعرفها الفلسطينيون باسم مسافر يطا والإسرائيليون باسم جنوب تلال الخليل.
وزعمت المحكمة في حكمها أنها وجدت أن السكان الفلسطينيين، الذين احتفظوا بنمط حياة تطور في المنطقة لأجيال كثيرة ويكسبون عيشهم من الزراعة والرعي، لم يكونوا مقيمين بشكل دائم في المنطقة عندما بدأ الجيش الإسرائيلي إعلانها منطقة تدريب على إطلاق النار في الثمانينات.
بينما يقول سكان مسافر يطا وجماعات حقوقية إسرائيلية إن العديد من العائلات الفلسطينية كانت تقيم بشكل دائم في مساحة 7400 فدان منذ ما قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، وإن طردها سيشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
وقال نضال أبو يونس، رئيس مجلس محلي مسافر يطا، لرويترز عبر الهاتف: "المحكمة العليا رفضت الالتماس المقدم من أهالي المسافر، هذا الأمر يثبت أن هذه المحكمة جزء من الاحتلال، القاضي الذي حكم في القضية لم يحضر سوى جلستين من المحكمة وهو مستوطن".
وأضاف: "هذه القضية أمام القضاء منذ ما يزيد عن عشرين عاماً. سنعقد جلسة مع المحامين للبحث عن أي ثغرة قانونية في القرار". وتابع: "لن نترك منازلنا وسنبقى فيها".
وقال وفد الاتحاد الأوروبي لدى الفلسطينيين إن الطرد يمثل خرقاً للقانون الدولي. وأضاف على تويتر: "بصفتها قوة محتلة، فإن على إسرائيل واجب حماية السكان الفلسطينيين وعدم تهجيرهم".
اهتزاز أسطورة الأمن الذي لا يمكن اختراقه
منذ إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، يمكن القول إن الأساطير مثلت جزءاً رئيسياً من تراث إسرائيل، من الجيش الذي لا يقهر إلى الأمن الذي لا يمكن اختراقه، لكنّ عدداً مما تصفه إسرائيل بالأحداث الأمنية خلال العام الأخير ربما يرسم صورة مغايرة تماماً، وهو ما أثار جدلاً داخل الإعلام العبري نفسه.
وكان شهر رمضان الماضي قد شهد حرباً مفتوحة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة بزعامة حماس، على خلفية الاعتداءات المتكررة في القدس الشرقية والمسجد الأقصى، وتعرض الجيش الإسرائيلي لانتكاسة سببها انتصار المقاومة رغم فارق الإمكانيات الضخم لصالح جيش الاحتلال.
وخلال شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، تعرضت إسرائيل لصدمة من العيار الثقيل بعد أن نجح 6 أسرى فلسطينيين من الهروب من أكثر معتقلات إسرائيل تأميناً وحراسة، وهو سجن جلبوع المعروف باسم "الخزنة" في إشارة لقوة تحصينه واستحالة الهروب منه.
كانت عملية الهروب من سجن جلبوع قد أعادت التأكيد على الارتباط الوثيق بين قصص محاولات الأسرى الفلسطينيين الهروب من المعتقلات الإسرائيلية من جهة وتاريخ النضال الفلسطيني ذاته من جهة أخرى، فتلك القصص بدأت مع الاحتلال لأراضي فلسطين ولا تزال مستمرة، دون أن تتمكن إسرائيل من إيقافها، على الرغم من الإمكانيات الأمنية الهائلة، وهو ما يلقي بظلال من الشك حول تلك "الأسطورة الأمنية" التي تروج لها تل أبيب.
ومن القصص البارزة عملية "الهروب الكبير" من سجن غزّة عام 1987، والتي تمكن خلالها الأسير مصباح الصّوري من قص قضبان نافذة المغسلة في المعتقل المركزي، باستخدام "نصف منشار حديد" هربه إليه أحد أصدقائه في "رغيف فينو" أثناء الزيارة، وبمساعدة اثنين من المعتقلين هما عبد السّلام أبو السرهد وعماد الدين عوض شحادة، وهما لم يهربا معه لأنهما كانا لا يقضيان محكومية مؤبدة مثله وكانت فترة سجنهما قد شارفت على الانتهاء.
ومع استمرار الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وتعثر المسار السلمي من خلال المفاوضات مع استمرار ما يصفه الفلسطينيون بالتطبيع المجاني من جانب دول عربية مع دولة الاحتلال، تتواصل الهجمات التي يقوم بها فلسطينيون فيما وراء الخط الأخضر أو في الضفة الغربية، دون أن ينجح الجدار العازل الذي شيدته إسرائيل في تحقيق الغرض منه وهو أسطورة الأمن الذي لا يمكن اختراقه.
وكانت إسرائيل قد عقدت، أواخر مارس/آذار الماضي، قمة هي الأولى من نوعها، شارك فيها وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب في النقب جنوب إسرائيل، إضافة لنظيرهم الأمريكي توني بلينكن في ضيافة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، وفي اليوم نفسه أطلق مهاجم عربي، من سكان بلدة في الشمال، النار فقتل ضابطي شرطة في مدينة الخضيرة التي تبعد نحو 50 كيلومتراً شمالي تل أبيب، وأطلق ضباط آخرون النار عليه وقتلوه، بحسب رويترز.
ماذا عن الأمن السيبراني والإنترنت؟
وفي مجال الإنترنت والأمن السيبراني، تتفاخر إسرائيل بأنها واحدة من أكثر دول العالم تقدماً في مجال تطوير أجهزة التنصت والتجسس، وأبرزها برنامج بيغاسوس الذي أثار فضائح وتحقيقات عالمية لا تزال مستمرة، إلا أن الدولة العبرية تتعرض لهجمات إلكترونية وفضائح تجسس كذلك، شأنها شأن جميع دول العالم.
وخلال العام الماضي، شهدت المحاولات الإيرانية لاستهداف الدولة العبرية بالهجمات الإلكترونية زيادة هائلة، وذلك عبر هجمات مباشرة على البنية التحتية والمواقع الإلكترونية ومن خلال تجنيد الجواسيس وعملاء التأثير عبر الإنترنت، بحسب تقارير إسرائيلية رسمية وإعلامية.
إذ كشف جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) الإسرائيلي الإثنين 2 مايو/أيار الجاري، عما وصفها بمحاولة إيرانية فاشلة لاستغلال شبكة الإنترنت لتجنيد مواطنين إسرائيليين للقيام بعمليات إرهاب وتجسس مجدداً، وذلك عبر استغلال "نقطة ضعف معروفة".
وبحسب عاموس هرئيل، الصحفي الإسرائيلي ومحلل الشؤون العسكرية في صحيفة Haaretz الإسرائيلية، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تحاول فيها طهران تجنيد عملاء وجواسيس لها في إسرائيل، فقد كانت هناك محاولة مماثلة أُحبِطَت قبل أربعة أشهر من خلال إلقاء القبض على مجموعة من المهاجرين من إيران كانت قد تم تجنيدها، وتلقَّت التعليمات عبر الإنترنت من طهران.
وكشفت تلك التقارير أن المخابرات الإيرانية قد حددت نقطة ضعف رئيسية لدى الجانب الإسرائيلي: "شبكة الإنترنت الإسرائيلية حرة جداً، وأنَّ الإسرائيليين يسعدون بالدردشة مع أي شخص تقريباً عبر الإنترنت".
"يدرك الكثير من الإسرائيليين سريعاً هُوية مُحاوِرهم وينهون الاتصال في اللحظة التي يُعرَض عليهم فيها مقترح ملموس للقيام بشيءٍ ضار. لكنَّ الإيرانيين يعتمدون على القلة التي تستمر في التواصل إمَّا بسبب الحماقة أو الجشع. ويفتح استمرار الحوار الباب أمام التلاعب، وربما أمام تفعيل تجنيدهم في النهاية".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قدمت النيابة العامة الإسرائيلية لوائح اتهام بالتفصيل ضد خمسة جواسيس إسرائيليين وهم بالأساس يهود من أصول إيرانية، وتضمنت الاقتراب من أعضاء الكنيست، والحصول على معلومات حول مسؤولي الموساد والشاباك، وصورة لمنزل رئيس الوزراء في القدس المحتلة، ومراقبة المظاهرات السياسية، وأحوال اليهود الإيرانيين في إسرائيل، ومصيرهم بعد كشف هذه القضية، التي بدأت عبر المشغل الإيراني "رامبود نامدار"، كما ظهر اسمه على الفيسبوك بهذا المسمى.
الخلاصة هنا هي أن أسطورة الأمن الذي لا يمكن اختراقه، والتي تروج لها إسرائيل طوال الوقت، تبدو مبالغة وتدخل في إطار البروباغندا المقصودة، أما الواقع العملي فيرسم صورة مختلفة تتمثل في استمرار الهجمات الفلسطينية رداً على ممارسات الاحتلال وكذلك قدرة إيران على استهداف الداخل الإسرائيلي من خلال الهجمات السيبرانية وتجنيد الجواسيس.