قد تصبح رحلات الطيران المدني التي تجوب العالم في بضع ساعات أقرب إلينا من المتوقع، بفضل توظيف الذكاء الاصطناعي في اختبارات أشهر طائرة فرط صوتية يجرى تطويرها حالياً.
وتجري وكالة ناسا الأمريكية دراسات على طائرة فرط صوتية اختبارية تسمى X-59 QueSST، تستهدف أن تكون سرعتها 1.42 ماخ (1510 كم/ساعة، 937 ميلاً في الساعة).
وX-59 QueSST هي طائرة تجريبية تم تطويرها من قبل شركة لوكهيد مارتن الأمريكية لمشروع توضيح الطيران منخفض الارتفاع التابع لوكالة ناسا والذي يهدف إلى جمع البيانات؛ للمساعدة في صياغة اللوائح الخاصة بالرحلات التجارية الأسرع من الصوت في المستقبل، أي إن أحد أهداف الطائرة التي يجرى تطويرها هو توفير الظروف الملائمة للترخيص الجهات المعنية للشركات الأخرى بتسيير طائرات أسرع من الصوت وفرط صوتية في رحلات تجارية، علماً بأن هناك العديد من التجارب العاملة في هذا المجال.
وسوف تتميز X-59 بتقنية مبتكرة لتقليل دوي اختراق الصوت العالي الناتج عن الاقتراب من سرعة الصوت ليصبح أكثر هدوءاً هادئة، حسب موقع وكالة ناسا (NASA)
وقام المهندسون بدمج العديد من ميزات التصميم المبتكرة في X-59؛ لجعلها أكثر هدوءاً ومساعدة الطيار على التحكم في الطائرة أثناء الطيران.
يقال إنه إذا سمح لمثل هذه الطائرة بالسفر التجاري، فيمكن أن تطير من لندن إلى نيويورك في غضون ثلاث ساعات فقط دون إطلاق دوي صوتي مرتفع مثلما فعلت طائرة كونكورد الشهيرة الأسرع من الصوت خلال تاريخها البالغ 27 عاماً.
ولكن من الواضح أن ناسا تجري اختبارات بشأن إيصال سرعة الطائرة لعدة أضعاف سرعة الصوت وليس أعلى من الصوت فقط، وهو ما يعرف بالسرعة فرط صوتية، وهي تراهن على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل زمن التجارب للوصول لهذا الهدف، والذي سيمكن الطائرة من أن تدور حول العالم في بضع ساعات.
كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تسريع اختبارات الطيران فرط الصوتي؟
وأعلن مختبر أرغون "Argonne" الوطني، أحد أكبر وأقدم مختبرات العلوم والهندسة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية، عن شراكة مع وكالة ناسا لتعزيز أبحاث الطيران فرط الصوتي، وجعل أوقات السفر الأقصر حقيقة واقعة بمساعدة عمليات المحاكاة الحاسوبية المعززة بالذكاء الاصطناعي، حسبما كشف بيان صحفي للجهتين.
ومحاكاة الطيران الفرط صوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي تهدف إلى اختبار الرحلة فرط الصوتية التي تطير بسرعة 5 ماخ (خمسة أضعاف سرعة الصوت).
سيجلب مختبر أرغون قدرته على الحوسبة الفائقة إلى الطاولة؛ لمساعدة ناسا على تطوير أنظمة اختبار الأجسام الطائرة فرط الصوتية، وضمن ذلك الطائرات التجريبية مثل طائراتها التي تعمل بالطاقة النفاثة X-43A، والتي تم بناؤها كجزء من برنامج Hyper-X، حسبما ورد في تقرير لموقع Interest Engineering.
ويستخدم المختبر ديناميكيات السوائل الحاسوبية (CDF) لنمذجة والتنبؤ بكيفية تفاعل الطائرة مع القوى المحيطة بها عندما تطير بسرعات فرط صوتية.
وعرّف أرغون في بيانه CDF بأنه مجال علمي مكرس "للتعبير عددياً عن سلوك السوائل مثل الهواء والماء".
على الرغم من وجود الكثير لاكتشافه حول تأثيرات سرعة مثل خمسة أضعاف سرعة الصوت وما فوق على الطائرات، يعتقد أرغون أن قدرته على الحوسبة الفائقة ستساعد في تسريع العملية.
وقدّم المختبر ورقة في منتدى المعهد الأمريكي للملاحة الجوية والفضاء في وقت سابق من هذا العام، توضح بالتفصيل كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات محاكاة الكمبيوتر وتبسيط تطوير أحدث الطائرات.
سرعة أي طائرة فرط صوتية قد تذيب هيكل الطائرة التقليدية
وأشار مختبر أرغون إلى أن احتكاك الهواء بسرعة فرط صوتية قوية جداً، يمكن أن يذيب الأجزاء المستخدمة عادةً في الطائرات التجارية التقليدية.
وتقوم وكالة ناسا ومنظمات أخرى باختبار محركات سكرامجت، التي تستفيد من حقيقة أن هذه السرعات العالية تؤدي إلى ضغط الهواء، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة استهلاك الوقود.
ويعتقد أنه يمكن أن تطير الطائرات التجارية الأسرع من الصوت مرة أخرى قريباً، (بعد خروج كونكورد من الخدمة)، حيث أعلنت وكالة ناسا مؤخراً عن الانتهاء بنجاح من الاختبارات الأرضية الحاسمة لطائراتها التجريبية X-59، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times
وأول طائرة تجارية أسرع من الصوت في العالم، هي الكونكورد التي حلّقت لأول مرة في عام 1976 وكان في ذلك الوقت حدثاً ثورياً بالتأكيد ولكنّ عمر الطائرة استمر حتى عام 2003 فقط.
وحصلت شركة لوكهيد مارتن على عقد لتطوير الطائرة الأسرع من الصوت في عام 2016، وتعمل منشأة Skunk Work التابعة لها في مصنع القوات الجوية الأمريكية بولاية كاليفورنيا على الطائرة منذ عام 2018.
وكان إحدى مشكلات الكونكورد، الدوي الهائل الذي تحدثه الموجات الصدمية، عندما تقترب من سرعات تتجاوز سرعة الصوت.
ويمكن أن تسبب الموجات الصدمية- وهي اضطراب في الهواء حول الطائرات- تغيرات شديدة في الضغط فوق سطحها وفي محيطها بشكل عام.
وهذه الانفجارات الصوتية يمكنها أن تولّد كمية هائلة من الطاقة الصوتية، تعادل ما يقرب من 110 ديسيبل، والتي تبدو مثل قصف الرعد أو الانفجارات التي يمكن سماعها من على بُعد 30 ميلاً (48 كم)، ولهذا السبب تم حظر الرحلات التجارية الأسرع من الصوت من قبل إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية.
وتفيد تقارير بأن الصين تبني طائرة فرط صوتية تنتقل لأي مكان بالعالم خلال ساعة.
تواصل التقدم في الاختبارات الأرضية
الآن، ومع اكتمال هذه الاختبارات، عادت X-59 إلى منشأة Skunk Works التابعة لشركة لوكهيد، وفقاً لبيان صحفي صادر عن وكالة ناسا نُشر في 18 أبريل/نيسان 2022.
"تم إجراء الاختبارات الأرضية على X-59؛ لضمان قدرة الطائرة على تحمُّل الأحمال والضغوط من الرحلة الأسرع من الصوت، أو الطيران بسرعات أسرع من 1 Mach. كما تم أيضاً معايرة أنظمة الوقود بالمركبة واختبارها في Lockheed Martin Ft، وستخضع الطائرة X-59 لمزيد من الاختبارات الأرضية مع اقترابها من الاكتمال الكامل من تطويرها، وتواصل إحراز تقدم في طريقها إلى أول رحلة لها"، حسبما ذكرت وكالة ناسا.
كانت أهداف هذه الاختبارات معرفة ما إذا كان بإمكان الطائرة X-59 مع الضغط أو الضغط على هيكلها والذي سيكون عادةً بحد أقصى عندما تتعرض الطائرة لهواء خشن، وتقوم بدوران سريع، وأثناء الهبوط من بين أمور أخرى.
كان الهدف الثاني هو معايرة المستشعرات المضمنة في X-59 المصممة لإخبار الطيار بمقدار الضغط الذي يتم قياسه في تلك المرحلة على الطائرة.
الهدف الثالث هو مقارنة البيانات التي تم الحصول عليها من هذه الاختبارات بنماذج الكمبيوتر التي تم استخدامها في تصميم الطائرة بالمقام الأول؛ للتحقق مما إذا كانت الطائرة قد تم تصميمها حسب التصميم الموضوع وما إذا كان التصميم دقيقاً.
نظراً إلى كونه اختباراً تجريبياً بحتاً، فإن الطائرة X-59 تستخدم بشكل مكثف، مكونات من طائرات أخرى تابعة لشركة لوكهيد مارتن، حيث يكون نحو 10% فقط من التصميم جديداً؛ للمساعدة في إبقاء الطائرة بسيطة ومنخفضة التكلفة قدر الإمكان.
إذ تأتي معدات الهبوط الخاصة بها من مقاتلة تابعة لسلاح الجو الأمريكي من طراز F-16، ومظلة قمرة القيادة من طائرة ناسا للتدريب T-38، وجزء من نظام الدفع من طائرة التجسس الأمريكية الشهيرة U-2، وعصا تحكُّم من مقاتلة شبحية من طراز F-117.
لن يكون بها زجاج رؤية للطيار
يتم تشغيل الطائرة X-59 حالياً بواسطة محرك واحد معدل من جنرال إلكتريك F414 والذي يوجد في المقاتلات الأمريكية Boeing's F / A-18E / F Super Hornet.
ويبلغ طول الطائرة 28.7 متر وطول جناحيها 9 أمتار. تتميز مقدمة الطائرة بأنف ممدود رقيق، يبلغ طوله 30 قدماً، ولا يتيح رؤية أمامية للطيار، وبدلاً من ذلك، سيستخدم طيار X-59 نظام رؤية عن بُعد يُعرف باسم نظام الرؤية eXternal Vision يوفر له الرؤية من خلال موجزات من مجموعة من الكاميرات الأمامية عالية الدقة.
الهدف من الأنف الممتد وعدم وجود رؤية أمامية هو تمكين الواجهة الأمامية للطائرة بالكامل من تحسين قدرات الطيران الأسرع من الصوت والفرط صوتية لتخفيف الطفرة الصوتية.
متى ستحلّق الطائرة فرط الصوتية X-59؟
تشير التقارير إلى أن الاختبارات الهيكلية التي اكتملت مؤخراً ستتبعها قياسات مستقلة لنموذج صغير من طراز X-59 بواسطة وكالة ناسا ووكالة الفضاء اليابانية (JAXA)، وبعد ذلك، سيتم تحديد موعد مستهدف للرحلة الأولى المتوقعة والتي قد تحدث في وقت لاحق من هذا العام.
سيتم إجراء مزيد من رحلات التحقق من الصحة الصوتية في عام 2023، تليها الرحلات الجوية الأوسع نطاقاً بين عامي 2024 و2026 والتي ستشمل رحلات جوية فوق مدن أمريكية مختلفة؛ للحصول على تعليقات الجمهور.
وقالت وكالة الفضاء الأمريكية في بيان سابق: "تخطط ناسا لتسليم نتائج تحليقات الطائرات الجماعية إلى منظمة الطيران المدني الدولية وإدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية في عام 2027".
وأضافت الوكالة: "بوجود هذه المعلومات في متناول اليد، سيكون المنظمون لمجال الطيران المدني قادرين على تحديد ما إذا كان ينبغي إجراء تغيير في القواعد التي تحظر التحليق الأسرع من الصوت فوق الأرض، وهو قرار متوقع في عام 2028".