تحالف مكون من 40 دولة تقوده الولايات المتحدة، وهدفه الأساس إضعاف الجيش الروسي للأبد، فما قصته؟ وماذا سيقدم التحالف لأوكرانيا؟ وهل يتسبب هذا التحالف في اندلاع حرب عالمية؟
الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة وعُقد الثلاثاء 26 أبريل/ نيسان في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، مقر قيادة القوات الجوية الأمريكية في أوروبا، شهد مشاركة جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي وعدد قليل من خارج الحلفين.
ورحب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بالمسؤولين من أكثر من 40 دولة في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، وقال: "تقف الدول من أنحاء العالم متحدة في تصميمها على دعم أوكرانيا في حربها ضد العدوان الإمبريالي لروسيا"، وأضاف: "من الواضح أن أوكرانيا تثق في قدرتها على الانتصار، وكذلك الجميع هنا". بحسب رويترز.
ما الدول التي تشارك من خارج الناتو؟
عن اجتماعات الثلاثاء، قال مسؤولون أمريكيون: إنّ إجراء المحادثات الدفاعية مرتبط بأوكرانيا "ويتركز على تسليح كييف كي تتمكن من التصدي للعملية العسكرية الروسية في الشرق".
وعقد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الفعالية في قاعدة "رامشتاين" الجوية الأمريكية في ألمانيا، بعد رحلة إلى كييف تعهد فيها بتقديم دعم إضافي للجهود الحربية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وقال أوستن للصحفيين بعد رحلته إلى أوكرانيا: "بوسعهم تحقيق النصر إذا توافرت لديهم المعدات المناسبة والدعم المناسب".
المنظمون للفعالية لم ينشروا بياناً رسمياً بشأن الدول المشاركة، ومستوى تمثيل تلك الدول، لكن مسحاً لقاعة الاجتماعات أظهر أن المشاركين بالأساس هم الدول الأوروبية، إضافة إلى أستراليا وكينيا وتونس وإسرائيل، كما شارك ممثلون عن كوريا الجنوبية واليابان افتراضياً، بحسب تقرير لموقع Euractiv، الذي أضاف أن جميع أعضاء الناتو والاتحاد الأوروبي كانوا ممثلين في الفعالية.
وفي الوقت الذي دخل فيه الهجوم الروسي على أوكرانيا شهره الثالث، يمكن القول: إن تلك الفعالية الأمريكية على الأراضي الأوروبية تمثل تصعيداً كان الغرب يحجم عنه خلال الأسابيع الأولى للحرب، التي تصفها موسكو بأنها عملية عسكرية خاصة هدفها نزع سلاح أوكرانيا والقضاء على "القوميين النازيين" في كييف، بينما يصفها الغرب بأنها غزو غير مبرر.
إذ كانت أوكرانيا قد طلبت من الناتو فرض منطقة حظر طيران فوق أراضيها، لكن إدارة الرئيس جو بايدن رفضت المقترح خشية أن يؤدي ذلك إلى التصعيد وتحول الحرب في أوكرانيا إلى مواجهة بين روسيا وحلف الناتو، وللسبب نفسه رفضت واشنطن أيضاً عرض بولندا توصيل طائرات ميغ إلى كييف.
كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد اشتكى من أن بلاده تقف وحيدة في مواجهة الهجوم الروسي، وكان ذلك في اليوم التالي لبدء الهجوم، ومن بعدها تسارعت وتيرة المساعدات الغربية لكييف بصورة لافتة، وتدفقت شحنات الأسلحة الفتاكة، خصوصاً الصواريخ المضادة للدروع والطائرات، ومنها ستينغر وغافلين وغيرهما.
وكانت أمريكا قد أعلنت عن اتفاق مع بولندا لإرسال طائرات ميغ إلى أوكرانيا للمساعدة في التصدي للهجوم الروسي، لكن واشنطن تراجعت عن الفكرة خشية رد فعل موسكو.
ماذا سيقدم التحالف لأوكرانيا؟
تمثل اجتماعات رامشتاين نقطة تحول واضحة في الحرب الأوكرانية، في ظل الإعلان عن عقد اجتماعات شهرية بين أعضاء التحالف الجديد؛ إذ أخبر لويد أوستن الصحفيين أنه تم الاتفاق على تشكيل "مجموعة اتصال" هدفها تلبية الاحتياجات الدفاعية لأوكرانيا، وستلتقي المجموعة بشكل دوري.
وتوحي تصريحات أوستن بأن الحرب في أوكرانيا قد تطول، ويبدو أنها ستتحول إلى مستنقع يفقد فيه الرئيس الروسي بوتين جيشه، ومعه القدرة على إعادة تأهيل ذلك الجيش، وهذه ليست تحليلات أو توقعات، بل تصريحات جاءت على لسان مسؤولين أمريكيين قبيل اجتماعات رامشتاين.
وفي هذا السياق تعهد التحالف بإرسال المزيد من الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا، متجاهلة تهديد موسكو بأن دعمهم لكييف قد يؤدي إلى حرب نووية. ففي تحول ملحوظ، أعلنت ألمانيا، حيث تعرضت الحكومة للضغط بعد رفض مناشدات أوكرانية للحصول على أسلحة ثقيلة، أنها سترسل الآن دبابات خفيفة من طراز "جيبارد" مزودة بمدافع مضادة للطائرات.
إذ يعتقد مسؤولون أمريكيون تحدثوا، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، أن روسيا ستعتمد بشكل كبير على الضربات المدفعية لقصف المواقع الأوكرانية أثناء التحرك براً من عدة اتجاهات، لمحاولة تطويق الجيش الأوكراني والقضاء على جزء كبير منه، بحسب رويترز.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي: إنّ الهدف الرئيس للمحادثات في ألمانيا هو "جعل المساعدة الأمنية المتزايدة لكييف، والتي تشمل أسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة مسلحة وذخيرة، متزامنة ومنسقة".
وقال ميلي للصحافيين المسافرين معه: إنّ "الأسابيع المقبلة ستكون حرجة للغاية… إنهم بحاجة إلى دعم مستمر لتحقيق النجاح في ساحة المعركة.. هذا هو الهدف الحقيقي من هذا المؤتمر".
لكن واشنطن تقدر أيضاً أن العديد من الوحدات الروسية تضررت بشدة؛ إذ لحق ببعضها خسائر بشرية بلغت 30%، وهو مستوى يعده الجيش الأمريكي أعلى من أن يستمر في القتال إلى أجل غير مسمى.
هل تتجه الأمور إلى حرب عالمية؟
بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal، قال وزير الدفاع الأمريكي للصحفيين خلال زيارته كييف الاثنين 25 أبريل/نيسان: إن "القدرات العسكرية الروسية يجب أن تتدهور، وإنّ أمريكا تريد إضعاف روسيا إلى الدرجة التي لا يمكنها إعادة بناء جيشها".
وقال الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة للصحفيين على متن الطائرة في طريقه إلى اجتماع الثلاثاء: إن الأسابيع المقبلة "حرجة للغاية"، وقال: "إنهم (أوكرانيا) بحاجة إلى دعم مستمر من أجل تحقيق النجاح في ساحة المعركة".
وخلال اجتماع الثلاثاء، قال أوستن، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية: "سيصبح اجتماع اليوم مجموعة اتصال شهرية حول دفاع أوكرانيا عن ذاتها"، كما أعرب عن أمله في أن تنسّق مجموعة الاتصال هذه عمل "الدول ذات النوايا الحسنة لتكثيف جهودنا وتنسيق مساعداتنا، والتركيز على كسب معركة اليوم والمعارك المقبلة".
وأضاف أوستن، الذي وعد قبيل انعقاد الاجتماع "بتحريك السماء والأرض" لتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية، فقال بعد الاجتماع: "نحن جميعاً مصممون على مساعدة أوكرانيا على أن تنتصر اليوم، وأن تعزز قدراتها على المدى البعيد". كما شدد الوزير الأمريكي على أن "دولاً من سائر أنحاء العالم تحركت لتلبية الاحتياجات الملحة لأوكرانيا.. ونرى مزيداً منها كل يوم".
النوايا الأمريكية أصبحت غير متوارية، بحسب وجهة النظر الروسية، والهدف الآن بات يتمثل في السعي إلى إلحاق الهزيمة العسكرية بالجيش الروسي في أرض المعركة، من خلال سد الفجوة بين قوة الجيشين الروسي والأوكراني بتوفير معدات عسكرية ثقيلة لكييف.
وفي هذا السياق يمكن قراءة رد الفعل الروسي، سواء من خلال تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف، أو من خلال خطوة وقف إمدادات الغاز لبولندا وبلغاريا لعدة ساعات، حتى تعهدت الدول الأوروبية بتسديد قيمة الغاز الروسي بالروبل استجابة لمرسوم بوتين الذي كان قد أصدره نهاية مارس/آذار الماضي.
ففي تصعيد واضح للخطاب الروسي، سُئل لافروف على التلفزيون الحكومي عن احتمالية الحرب العالمية الثالثة، وما إذا كان الوضع الحالي مشابهاً لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي كادت تشعل حرباً نووية.
وقال لافروف، بحسب نص المقابلة الذي نشرته وزارة الخارجية على موقعها الإلكتروني: "الخطر جاد وحقيقي، وعلينا ألا نهون من شأنه". وأضاف أن ما يفعله حلف شمال الأطلسي بإمداد أوكرانيا بالأسلحة يعني "في جوهره" أن التحالف الغربي ضالع في حرب بالوكالة مع روسيا.
اللافت هنا هو انتقاد جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ما سماه "الخطاب التصعيدي" للافروف. وقال كيربي: "واضح أنه غير مفيد وغير بناء… لا يمكن الانتصار في حرب نووية، ولا ينبغي خوضها. ما من سبب يدفع الصراع الحالي في أوكرانيا للوصول إلى ذلك المستوى على الإطلاق".
وفي مؤشر آخر على احتمال اتساع نطاق الصراع، اتهمت أوكرانيا روسيا بمحاولة جر منطقة ترانسدنيستريا المنشقة في مولدوفا المجاورة إلى حربها على كييف، بعد أن قالت سلطات المنطقة المدعومة من موسكو: إنها استُهدفت بسلسلة من الهجمات.
قالت السلطات في منطقة ترانسدنيستريا غير المعترف بها، الواقعة على حدود جنوب غرب أوكرانيا وتحتلها القوات الروسية منذ تسعينيات القرن الماضي: إن انفجارين دمرا برجين إذاعيين يبُثان باللغة الروسية، وإن إحدى وحداتها العسكرية تعرضت لهجوم. وقدمت السلطات قليلاً من التفاصيل، لكنها حملت أوكرانيا مسؤولية ما حدث، ورفعت مستوى التهديد الإرهابي بالمنطقة إلى الأحمر.
وحمّلت مايا ساندو، رئيسة مولدوفا الموالية للغرب، "فصائل من داخل منطقة ترانسدنيستريا مؤيدة للحرب ومهتمة بزعزعة استقرار الوضع في المنطقة"، المسؤولية عن "محاولات التصعيد". وعبّرت حكومة ساندو الأسبوع الماضي عن قلقها بعد أن قال جنرال روسي كبير: إن موسكو تهدف إلى شق طريق عبر أوكرانيا إلى ترانسدنيستريا.
ونقلت وكالة أنباء إنترفاكس الروسية عن وزارة الدفاع الروسية قولها: إن قواتها "حررت" منطقة خيرسون بأكملها في جنوب أوكرانيا وأجزاء من مناطق زابوريجيا وميكولايف وخاركيف، وإذا تأكد ذلك، فسوف يمثل تقدماً روسياً كبيراً في شرق وجنوب أوكرانيا.
وقال نيكولاي باتروشيف، أحد أقرب حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن أوكرانيا تتجه نحو الانهيار إلى "عدة دول"؛ بسبب ما وصفه بأنه محاولة أمريكية لاستخدام كييف لتقويض روسيا. ويبدو أن تعليقاته كانت محاولة لإلقاء اللوم على واشنطن في أي تفكك لأوكرانيا بعد الحرب التي دخلت الآن شهرها الثالث.
الخلاصة هنا هي أن الولايات المتحدة تسعى لحشد تحالف دولي قوي هدفه الرئيس تدمير القدرات العسكرية الروسية، من خلال إمداد أوكرانيا بأسلحة وعتاد كافٍ لإلحاق هزيمة ساحقة بالدب الروسي، فهل يمكن أن يتحقق هذا السيناريو أم أن استراتيجية بوتين ستنتصر في نهاية المطاف؟