بدأت تتكشف تدريجياً معلومات تؤشر إلى احتمال وجود دور أمريكي في إغراق الطراد الروسي موسكفا، الذي يعد أكبر كارثة بحرية تلحق بدولة كبرى منذ الحرب العالمية الثانية.
إذ يعتقد أن البحرية الأمريكية استخدمت طائرة مراقبة بحرية جديدة لتوفير بيانات استهداف دقيقة للقوات الأوكرانية لإغراق السفينة الروسية موسكفا في البحر الأسود، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Times البريطانية.
لماذا تبدو عملية إغراق موسكفا صعبة التنفيذ على أوكرانيا وحدها؟
وغرق طراد الصواريخ الروسي موسكفا الذي كان يقود أسطول البحر الأسود الروسي إثر إنفجار وقع على متنه، قالت موسكو إنه بسبب انفجار داخلي لذخيرة على الأرجح، بينما قالت كييف إنه جراء هجوم بصاروخين من طراز نيبتون أوكراني الصنع، وهي رواية أيدتها وزارة الدفاع الامريكية "البنتاغون".
ونبتون هو صاروخ مضاد للسفن طورته أوكرانيا مؤخراً ويستند إلى تصميم صاروخ سوفييتي أقدم، ويتم تثبيت قاذفات هذه الصواريخ على شاحنات متمركزة بالقرب من الساحل.
ووفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، يمكن لصواريخ نبتون أن تضرب أهدافاً تصل إلى 175 ميلاً، وبالفعل يعتقد أن موسكفا كان ضمن هذا النطاق يوم غرقه.
وغرق الطراد خلال محاولة سحبه للميناء، حيث صعّب الطقس العاصف من عملية إنقاذه، وقالت روسيا إنه لم يغرق أي من أفراد طاقمه الذين يزيدون عن 500 شخص، فيما ألمحت المصادر الغربية والأوكرانية إلى غرق بعضهم، بل تحدثت بعض وسائل الإعلام الغربية عن غرق المئات منهم.
ويعد غرق هذا الطراد حدثاً مثيراً للصدمة في عالم البحرية في العالم، بالنظر إلى أن أحد مهام هذا الطرد توفير الحماية الجوية للأسطول الروسي، كما أنه من مهامه تدمير حاملات الطائرات الأمريكية.
تمت ترقية موسكفا عدة مرات على مر السنين، ويفترض أن لديه دفاعات لإسقاط الصواريخ الأوكرانية أرض- بحر، وجو- بحر، حيث كان مسلحاً بثلاثة مستويات من الأنظمة الدفاعية الجوية.
النظام الأبعد مدى هو نظام إس 300 الصاروخي، وكان لدى موسكفا أيضاً صواريخ أخرى مصممة للتغلب على التهديدات على بعد 50 ميلاً، ثم نظام سطح-جو متوسط المدى كان يُعتقد أنه فعال في نطاق سبعة أميال.
وإضافة للمستويات الثلاثة السابقة من الصواريخ المضادة للتهديدات الجوية، كان لدى الطراد موسكفا خط دفاع أخير قصير المدى هو المدافع المثبتة على سطحه، والتي كانت من المفترض أن تسقط صاروخ نبتون الأوكراني أيضاً.
لكن أياً من تلك الدفاعات لم تنجح في حماية السفينة.
كل ذلك قد يشير إلى احتمال وجود دور أمريكي في غرق الطراد موسكفا، وهو احتمال تزايد بعد تقارير عن وجود طائرة أمريكية متخصصة في رصد السفن والغواصات في المنطقة.
ويعتقد أن أحد أسباب غرق الطراد بعد تعرضه للهجوم الصاروخي هو التصميم السوفييتي القديم لموسكفا الذي يضع الصواريخ على سطح الطراد، مما يزيد فرص اشتعالها، عكس التصميمات الحديثة للسفن الأمريكية التي تخزن الذخائر في بطن السفن، لتكون محمية جيداً.
هل هناك دور أمريكي في غرق الطراد الروسي موسكفا؟
كشفت the Times البريطانية أن طائرة أمريكية كانت تقوم بدوريات في البحر الأسود في الساعات التي سبقت إصابة موسكفا بالصواريخ الأوكرانية.
ومنذ بدء الحشد الروسي حول أوكرانيا، ازدادت طلعات طائرات التجسس الأمريكية في شرق أوروبا بما في ذلك الطائرات المسيرة حسبما تظهر عمليات تتبع الطيران المتاحة للجمهور، وفقاً لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ومنذ غزو أوكرانيا، قامت مجموعة من منصات المراقبة والطائرات بدون طيار التابعة لحلف شمال الأطلسي برصد التحركات الروسية من الساحل البولندي، على طول الحدود الأوكرانية وصولاً إلى البحر الأسود.
ولكن في يوم غرق الطراد كانت هناك طائرة استثنائية في المنطقة وقامت أيضاً بأمور استثنائية أثارت انتباه مراقبي الطيارين المدنيين في العالم.
فلقد كانت طائرة استطلاع أمريكية من طراز بوينغ P8 Poseidon تحلق على بعد نحو 100 ميل من موسكفا في اليوم الذي تعرض فيه الطراد الروسي للهجوم.
بل كانت هذه الطائرة تتعقب موسكفا في الساعات التي سبقت تعرض الطراد للهجوم، قبل أن تزود الطائرة الأمريكية الجيش الأوكراني بموقع الطراد، حسبما يعتقد ووفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة Daily Mail البريطانية.
تم الكشف عن وجود الطائرة عبر موقع Flightradar24 وهي خدمة سويدية قائمة على الإنترنت تعرض معلومات تتبع رحلات الطائرات في الوقت الفعلي على الخريطة.
يتضمن ما يقدمه الموقع معلومات تتبع الرحلات، والأصول والوجهات، وأرقام الرحلات، وأنواع الطائرات، والمواقع، والارتفاعات، والسرعات.
ويمكنه أيضاً عرض عمليات إعادة التشغيل بالفاصل الزمني للمسارات السابقة وبيانات الرحلة التاريخية حسب شركة الطيران أو الطائرة أو نوع الطائرة أو المنطقة أو المطار.
يقوم الموقع بتجميع البيانات من مصادر متعددة، ولكن خارج الولايات المتحدة ، في الغالب يتم جمع المعلومات من قبل متطوعين مع مستقبلات ADS-B ومن مستقبلات ADS-B عبر الأقمار الصناعية.
وتعتبر صحيفة The Guardian البريطانية أن هذا الموقع السويدي "موثوق".
وفقاً لتقرير صحيفة the Times فإنه في يوم 13 أبريل/نيسان 2022، أي يوم غرق موسكفا، حلقت طائرة P8 برمز AE681B من القاعدة الجوية البحرية الأمريكية في سيجونيلا في جزيرة صقلية الإيطالية متجهة نحو البحر الأسود، تم اكتشافها لأول مرة فوق البحر الأبيض المتوسط في الساعة 1.32 مساءً بتوقيت كييف.
وتُظهر البيانات من موقع FlightRadar24 أن الطائرة P8 حلقت فوق البلقان وبلغاريا، قبل أن تصل إلى ساحل البحر الأسود في رومانيا في وقت مبكر من بعد الظهر.
كان آخر موقع مسجل للطائرة فوق بلدة Valea Nucarilor في رومانيا، على بعد حوالي 12 ميلاً من الحدود الأوكرانية، في الساعة 3.27 مساءً بالتوقيت المحلي. في هذه المرحلة، كانت P8 أقرب بقليل من 100 ميل من موقع موسكفا.
ثم اختفت الطائرة من شاشة الرادار FlightRadar24، حيث هبطت الطائرة من ارتفاع يبلغ 29000 قدم إلى 11900 قدم.
خلال الساعتين و56 دقيقة التالية، كان موقع P8 غير معروف.
ثم ظهرت أخيراً في الساعة 6.23 مساءً، متجهة نحو ساحل البحر الأسود فوق بلدة Casimcea في رومانيا، على بعد حوالي 37 ميلاً من آخر موقع موثق لها.
وفقاً لخبراء الدفاع، عادةً ما تقوم طائرة P8 بإيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال، وهو الجهاز الذي يسجل موقعها، عندما تدخل منطقة صراع.
بعد 19 دقيقة، اختفت الطائرة P8 من عن الرادار مرة أخرى، قبل أن تعود للظهور بعد 42 دقيقة بالقرب من أبرود، في جنوب رومانيا في الساعة 7.24 مساءً، حيث عادت إلى قاعدتها في سيجونيلا بصقلية، حسبما ورد في تقرير مجلة the Times
جاء أول تقرير معروف عن إصابة موسكفا من متطوع أوكراني له صلات بالجيش نشر الخبر على فيسبوك، وذلك في الساعة 8.42 مساءً، أي بعد ساعة من نهاية فترة اختفاء الطائرة الأمريكية التي كانت على ما يبدو في مهمة عسكرية غامضة في نفس وقت تقريباً غرق موسكفا.
أمريكا تقر بأنها تقدم معلومات لأوكرانيا، ولكن ترفض الحديث عن أي دور لها في استهداف موسكفا
تجدر الإشارة إلى أن لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي اعترف، هذا الشهر بأن أمريكا كانت تقدم معلومات استخباراتية للجيش الأوكراني في منطقة دونباس، وهو أول اعتراف علني بأن المعلومات السرية قد تمت مشاركتها مع كييف.
كما أفادت تقارير بأن الولايات المتحدة قد وعدت مؤخراً بأنها سوف تشارك المعلومات العسكرية بشكل فوري مع أوكرانيا، بدلاً من إخضاعها لمراجعة تستغرق وقتاً كما كان يجرى من قبل.
وقالت أميليا سميث، محللة بيانات الطيران المستقلة من الولايات المتحدة، إن وجود P8 في 13 أبريل/نيسان 2022 كان غير معتاد، ولكنه "ليس خارجاً عن المألوف تماماً". وقالت إنه كان هناك عدد أكبر قليلاً من الطائرات الأمريكية تحلق فوق ساحل البحر الأسود في ذلك اليوم.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير: "تمشياً مع دعمنا للجناح الشرقي للناتو، قمنا ببعض الدوريات الجوية المحدودة قبالة سواحل رومانيا. لكننا لن نتحدث في تفاصيل الأمور التشغيلية".
أكثر طائرات أمريكا تطوراً في رصد السفن الحربية
تعد الطائرة بوينغ P8، التي تبلغ تكلفتها حوالي 431 مليون دولار أمريكي، أكثر طائرات البحث عن الغواصات وتتبع السفن الحربية تطوراً في ترسانة الولايات المتحدة.
يمكن أن تسقط هذه الطائرة عوامات فوق المياه المفتوحة لاكتشاف سفن العدو ومجهزة أيضاً برادار APY-10 المتطور.
على الرغم من إخفاء قدراتها الدقيقة، فقد قدر الخبراء سابقاً أن P8 يمكن أن تحدد منطقة رادار مقطعية تبلغ 10000 متر مربع من نطاق يزيد على 220 ميلاً، مما يعني أن موسكفا كانت في نطاق قدراتها على الرصد يوم غرقها.
هل قامت الطائرة الأمريكية بقصف الطراد الروسي أو التشويش عليه؟
أفادت تقارير بأن البحرية الأمريكية زودت أو تتحضر لتزويد الطائرة P8 بصواريخ مضادة للسفن، ولكن من المستبعد أن يصل التورط الأمريكي في العملية إلى إغراق السفينة الروسية بصاروخ أمريكي.
ولكن في المقابل، قد يكون هناك احتمال آخر، وهو قيام الطائرة الأمريكية بالتشويش على رادارات الطراد الروسي وأنظمته الدفاعية بالنظر إلى أنه حتى لو كانت الطائرة الأمريكية قد ساعدت الأوكرانيين في تحديد موقع الطراد، فإن قدرة الصواريخ الأوكرانية على اختراق دفاعات الطراد التي يفترض أنها حصينة تظل أمراً محيراً.
ويمكن تثبيت نظام Intrepid Tiger II على الطائرة P8 Poseidon الذي يوفر قدرات الحرب الإلكترونية متعددة الأدوار ودعم استخبارات الاتصالات. وبالمثل يمكن تزويدها بكبسولات وأنظمة تشويش قوية ذات حماية ذاتية كما أنها مزودة بشراك خداعية.
وأفادت تقارير العام الماضي بأن البحرية الأمريكية، اختبرت نظاماً جديداً للحماية الذاتية لطائرة الدوريات البحرية P-8A Poseidon. يطلق شراكاً قادرة على التشويش على رادارات العدو أو جذب صاروخ موجه بالرادار بعيداً عن الطائرة.
كما يعتقد أنه نظراً لحجم وقدرات هذه الطائرة خاصة في مجال توليد الطاقة، فإنها يمكن أن تحمل أسلحة الطاقة الموجهة، وهي أسلحة مثل الليزر وأمواج الميكرويف وغيرها تتسم بالتكتم ويمكن لبعضها أن تلحق الضرر بالمعدات أو حتى الإلكترونيات فقط وليس الأفراد، ففي خلال حرب العراق، استخدم الجيش الأمريكي الأسلحة الكهرومغناطيسية، بما في ذلك الموجات الدقيقة عالية الطاقة، لتعطيل الأنظمة الإلكترونية العراقية وتدميرها.
كما تعد هذه الطائرة من الطائرات القليلة التي يعتقد أنها قادرة على حمل أو التعاون مع الطائرات المسيرة، والتي يمكن استخدامها في عملية التشويش أو الإرباك، علماً بأن بعض التقارير الأولية تحدثت عن الأوكرانيين استخدموا طائرات مسيرة تركية الصنع من نوع بيرقدار تي بي 2 لإرباك الطراد الروسي قبل استهدافه بصواريخ نبتون.