يواجه المسؤولون في دبي موقفاً مربكاً تسببت فيه وفاة ماجد الفطيم، رغم مرور أكثر من 4 أشهر على رحيل رجل الأعمال البارز، والسبب يتعلق بنزاعات عائلية بشأن الميراث وأمور أخرى أكثر خطورة.
وكالة Bloomberg الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "موتٌ مفاجئ لملياردير يدفع دبي لمواجهة تفكيك ميراثٍ فوضوي"، رصد الدور الذي تلعبه الشركات العائلية في نهضة دبي ونموها الاقتصادي، وكيف قد تتسبب حالات الوفاة في العائلات المالكة لتلك الشركات في حالة من الارتباك تكشف مدى هشاشة الوضع في الإمارة الخليجية.
وتسعى الإمارات منذ فترة إلى إدخال تعديلات جذرية على العديد من القوانين المنظمة للحياة، وكذلك تغيير العطلة الأسبوعية على النمط الغربي، والهدف في نهاية المطاف هو تشجيع الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم تعتبر مسألة ضمان استمرارية عمل الشركات العائلية بعد حالات وفاة مفاجئة أو خلافات بشأن الميراث قضية حيوية للغاية.
عائلة ماجد الفطيم ومصير ثروته
وفي زاويةٍ حصرية بشكلٍ خاص في دبي، ينهض قصرٌ حديثٌ بأقواسٍ مغربية وبوابة مهيبة على أرض الصحراء، رغم عدم اليقين التام بشأن من سيعيش فيه، على الرغم من مرور أكثر من 4 أشهر على وفاة صاحبه.
فبينما ينشط عشرات العمال في قطعة أرض مترامية الأطراف بجوار الرمال الناعمة لشاطئ، تنتاب السلطاتِ المحلية في الإمارة حيرةٌ بشأن الفيلا وبقية عقارات ماجد الفطيم، رائد إمبراطورية التسوق والترفيه التي تمثل عموداً لاقتصاد دبي، والذي فارق الحياة يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وكان ماجد الفطيم واحداً من أبرز رجال الأعمال في العالم العربي، واحتل في 2021 المرتبة الثالثة في تصنيف أغنياء العالم العربي، وفقاً لصحيفة "فوربس الشرق الأوسط".
ووفقاً لبيانات مؤشر "بلومبيرغ للمليارديرات"، بلغت ثروة ماجد الفطيم في 2021 نحو 6.05 مليار دولار، وجاء في المرتبة 476 ضمن مؤشر "بلومبيرغ". ونشأ ماجد الفطيم في عائلة تجارية حيث كان يعمل والده محمد وعمه حمد في تجارة الأخشاب والأقمشة واللؤلؤ.
ماجد هو مؤسس مجموعة "ماجد الفطيم" المتخصصة في مجال تطوير وإدارة مراكز التسوق، والمدن المتكاملة ومنشآت التجزئة والترفيه على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وذلك في العام 1992.
الشركات العائلية وقضايا الميراث
كانت الشركات المملوكة عائلياً ضروريةً لتنمية دبي، وخطة الميراث الفوضوي تخاطر بالإلهاء والاضطراب تماماً في الوقت الذي تتطلَّع فيه المنطقة إلى توسيع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط.
كريستوفر ديفيدسون، الزميل المشارك في مؤسسة هنري جاكسون الفكرية للسياسة الخارجية، قال لوكالة بلومبيرغ: "مع وجود العديد من التكتلات الكبرى الأخرى المملوكة عائلياً في دبي، فإن المخاطر أكبر من أن تترك مثل هذه الخلافات على الميراث تتفاقم".
ومنذ وفاة ماجد الفطيم، الرجل الثمانيني، لا تزال قضية تقسيم ميراثه دون حلٍّ. وتسيطر شركة ماجد الفطيم القابضة على أصولٍ بقيمة 16.5 مليار دولار، بما في ذلك قاعة التزلج الداخلية الشهيرة، ومول الإمارات الفخم، وامتياز كارفور هايبر ماركت في الشرق الأوسط. لديها أنشطة في 17 دولة، تمتد إلى إفريقيا، ويمتلك المستثمرون حوالي 3.7 مليار دولار من ديون الشركة.
تنتقل الشركة الآن إلى مالكين متعددين ويمكن أن تضع هذه العملية الأساس لمزيد من التغييرات الشاملة، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات تحدثوا للوكالة الأمريكية.
وقال الأشخاص، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأن المناقشات خاصة، إن الخيارات تشمل بيع أجزاء من المجموعة، واستثماراً من قِبَلِ صندوق ثروة سيادي، وإدراجاً عاما. وقالوا إن هذه القرارات ليست وشيكة.
ستستغرق العملية وقتاً حيث تسعى العائلة والشركة إلى تجنُّب الاضطراب، وتتطلَّع دبي إلى الاحتفاظ بسمعتها كملاذ آمن نسبياً وسط الاضطرابات الجيوسياسية التي أذكتها الحرب في أوكرانيا.
وللسيطرة على أيِّ نزاعاتٍ مُحتَمَلة، عيَّن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، لجنةً قضائية خاصة، وهو حدث نادر نسبياً مخصص للقضايا البارزة. ويرأس الهيئة عيسى كاظم رئيس المجموعة التي تدير بورصة دبي.
وهناك عشرة أشخاص، من بينهم ثلاث زوجات وابن وست بنات، لهم نصيب في تركة ماجد الفطيم، التي قُدِّرَت قيمتها بنحو 6.1 مليار دولار وقت وفاة الفطيم، وفقاً لمؤشِّر وكالة Bloomberg الأمريكية للمليارديرات.
مجموعة الفطيم من مالك واحد إلى 9 مُلاك
ويتماشى إدراج شركة ماجد الفطيم مع مصلحة دبي في تشجيع المجموعات المملوكة عائلياً على تعزيز سوق الأسهم المحلية.
وسُجِّلَت حصص الشركة، ويجري ترتيب اجتماعٍ للمساهمين لتسعة أفراد من العائلة بعد أن نقلت زوجة الفطيم من أبوظبي حيازتها إلى بناتها. ولم يضطلع أيٌّ من الورثة باستثناء طارق الفطيم، الابن الوحيد على قيد الحياة وعضو مجلس الإدارة منذ عام 2011، بدورٍ في المجموعة.
وقال حبيب الملا، محامي طارق وعائلته، لبلومبيرغ: "ستستمر الشركة في العمل كما كانت من قبل"، مضيفاً أن هدف طارق هو أن يظل عضواً في مجلس الإدارة. وقال: "كان لها مالك واحد، والآن لديها تسعة مُلاك".
هناك الكثير من العمل الجاري بشأن فهرسة الأصول الشخصية للفطيم وتقييمها وتوزيعها، مثل الطائرات والقوارب في مواقع مختلفة. أخيراً، من المرجح أن تستغرق محادثات الميراث عاماً على الأقل، وفقاً للملا.
وقال: "في هذه المرحلة من الزمن، أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن أي طرح عام أوّلي أو بيع حصص أو أي شيء".
وقالت شركة ماجد الفطيم، التي يديرها مديرون محترفون لسنواتٍ من الزمن، إن لديها "خطة واضحة وشاملة للحفاظ على العمليات العادية" ومتابعة استراتيجيتها التوسعية. وأضافت أنها لم تتخذ أيّ قراراتٍ بشأن أيِّ إدراجٍ أو بيع حصص في المستقبل.
وقالت الشركة في بيان بالبريد الإلكتروني إلى وكالة Bloomberg: "مثل أيِّ عملٍ حكيم، سنراجع عملياتنا باستمرار وسنستجيب بشكلٍ مناسب لأيِّ ظروفٍ متغيِّرة في السوق"، والهدف من ذلك هو: "أننا في وضعٍ جيِّد لاقتناص فرص النمو وخدمة عملائنا بشكل أفضل"، كما جاء في بيان الشركة.
وتمتلك وتدير شركة "ماجد الفطيم" اليوم 27 مركز تسوق و13 فندقاً وأربعة مشاريع مدن متكاملة بالإضافة إلى العديد من المشاريع قيد الإنشاء. كما تمتلك مجموعة "ماجد الفطيم" رخصة حصرية لتشغيل الهايبر ماركت للشركة الفرنسية "كارفور" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ووسط آسيا.
وتعقِّد روابط الزواج مع عائلات بارزة أخرى في الإمارات القضايا المتعلقة بالتوجهات المستقبلية لشركة ماجد الفطيم. هناك أربع مجموعاتٍ للورثة، إحداها في دبي حول طارق وعائلته، وأخرى في أبوظبي. وهناك شخصان، بما في ذلك الزوجة الثالثة للفطيم، لهما محاموهما. وامتنع ممثلو ثلاث مجموعاتٍ من الورثة، فيما عدا مجموعة طارق وعائلته، عن التعليق لوكالة بلومبيرغ ضمن تقريرها.
ومثل عددٍ قليلٍ من الشركات، تمثِّل شركة ماجد الفطيم النمو الملحوظ لدبي، ولكنها تمثِّل هشاشتها أيضاً. اعتمد الحكام على عائلات التجار، التي مُنِحَت السيطرة على قطاعاتٍ معينة مقابل الدعم. لكن مع انفتاح الاقتصاد، يتعرَّض النظام لضغوط، وللتعامل مع النزاعات المُحتَمَلة أنشأت الإمارة محكمةً خاصة بالميراث.
أسَّسَ الفطيم الشركة في التسعينيات بأموالٍ من نزاعٍ على الخلافة مع ابن عمه. كانت شركته هي الأولى التي جمعت بين التسوُّق والترفيه؛ وهي صيغة تجذب الجماهير خلال أشهر الصيف وتتوسَّع لتشمل زوَّاراً من القاهرة والرياض.