"يجب إعلان الانتصار في يوم النصر الروسي على النازية"، رسالة صارمة وصلت للجنود والقادة الروس من موسكو، جعلت المراقبين قلقين مما يحدث في حرب أوكرانيا قبيل حلول هذا اليوم، ويسلطون الضوء على القداسة التي اكتسبها هذا اليوم في الثقافة الروسية.
وأوشكت الحرب الروسية على أوكرانيا على إتمام شهرها الثاني، وقد بات الأوكرانيون والدول الغربية في ترقبٍ لما قد يأتي به احتفال الكرملين بيوم النصر الروسي، الذي يوافق 9 مايو/أيار من كل عام، وما قد يحمله هذا اليوم من تأثير في مجرى العمليات العسكرية الروسية الجارية في أوكرانيا.
يحتل هذا اليوم مكانة بارزة في التاريخ الروسي، إذ يحتفي الروس فيه بذكرى انتصارهم على ألمانيا النازية، ويذهب خبراء إلى أن هذا اليوم إما أن يكون بشارة بانتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، وإما نذيراً يؤذن باستمرار الحرب وتوسع مداها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
يجب عدم الاستهانة بمكانة يوم النصر الروسي على النازية
قالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، الشهر الماضي، إن القيادة الروسية أبلغت الجنود الروس بأن الحرب يجب أن تنتهي بحلول ذلك التاريخ. وذكر موقع Axios الإخباري الأمريكي يوم الأحد، 10 أبريل/نيسان، أن هذا الموعد قد يكون موعداً حاسماً وذا تأثير شديد الخطورة في مسار الحرب التي أودت حتى الآن بحياة آلاف من الناس وشردت ملايين الأوكرانيين.
من جانب آخر، قال علماء متخصصون في التاريخ الروسي لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إنه من الأهمية بمكان ألا يستهين الغرب بمكانة هذا اليوم ودلالته عند الروس، لا سيما في وقت تسعى فيه الأمة الروسية إلى التحول إلى إمبراطورية بتلك الحرب التي تشنها على بلد يريد التأسيس لاستقلاله، على حد تعبيرهم.
تحل في هذا اليوم ذكرى توقيع المارشال الألماني فلهلم كايتل، أحد قادة القوات المسلحة الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، وثيقة استسلام ألمانيا، في 8 مايو/أيار 1945، بتوقيت برلين، والذي يوافق 9 مايو/أيار في روسيا والدول المجاورة لها، بحساب الفارق الزمني مع ألمانيا.
بوتين ركّز على تعزيز الاحتفال بهذا اليوم
أقرَّ الاتحاد السوفييتي هذا اليوم عيداً وطنياً، ثم أعاد بوتين بعد صعوده إلى السلطة بثَّ التوهج في هذا العيد، وأحيا الاحتفاء بتقاليد الانتصار الروسي المرتبطة بهذا اليوم ونشرها في وسائل الإعلام الروسية، من سينما وتلفزيون.
ويحظى يوم 9 مايو/أيار بمكانة تتجاوز بكثير مجرد كونه يوم عطلة سنوية، فهو يوم يستعرض فيه الجيش الروسي قوته، ويتزين فيه المحاربون القدامي بملابسهم العسكرية، ويحتفي فيه الروس بالفضائل التي يرون أنهم ينفردون بها وترفع مكانتهم بين سائر الأمم والشعوب.
يقول ستيفن برين، وهو أستاذ مشارك في التاريخ السوفييتي والروسي بجامعة ولاية ميسيسيبي الأمريكية، إن تمجيد روسيا لانتصارها على ألمانيا النازية، ونجاحها رغم كل الصعوبات والتوقعات بالهزيمة المحتومة، أمرٌ متجذر في الهوية الوطنية الروسية، ولا يقل تبجيلها لهذا اليوم -إن لم يكن يتجاوز- عن تبجيلها لإطلاق أول قمر صناعي روسي إلى الفضاء "سبوتنك 1″، وفخرها بنجاح الحملات الجماعية لمحو الأمية في العهد السوفييتي.
ويصف برين النظرة الروسية لهذا اليوم بأنها تتخذ من ذكراه "رمزاً لانتصار الخير على الشر"، و"ربما ينعت بعض الناس ذلك بأنه نشر لسرديات غرضها التنميط، إلا أنها أحداث انطوت على مكابدة وكفاح بالفعل، ويرى الروس تلك الحرب لحظة تجلَّى فيها كل ذلك".
تضمَّن احتفال روسيا بيوم النصر العام الماضي تسيير قافلة دبابات "تي 34" سوفييتية، تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية في الشوارع، وتحليق 76 طائرة مقاتلة وطائرة هليكوبتر واستعراض صاروخ باليستي روسي من طراز "آر إس 24" في الميدان الأحمر.
استغل بوتين الاحتفال لبث دعايته ونشر انتقاداته للغرب، مندداً بما وصفه بهوس "الروسوفوبيا" (معاداة الروس) في الغرب، وتعهد بأن أمته ستدافع عن مصالحها.
"24 مليون قتيل".. إنه أهم من يوم الاستقلال الأمريكي
قال برين، المتخصص في التاريخ الروسي، إن يوم النصر في روسيا يعادل على نحو ما "يوم الاستقلال"، الذي تحتفي فيه الولايات المتحدة، في 4 يوليو/تموز، بالاستقلال عن بريطانيا العظمى.
إلا أن هذا التشابه يقصر أيضاً عن الوفاء بمكانة هذا اليوم في روسيا، وما يعنيه للهوية الروسية، فالاتحاد السوفييتي خسر 24 مليون مدني وجندي على الأقل في هذه الحرب، وهو أكبر عدد من الضحايا بلغته دولة في الحرب العالمية الثانية.
وتقول فيث هيليس، أستاذة التاريخ الروسي وتاريخ أوروبا الحديثة في جامعة شيكاغو الأمريكية، إنه حتى إذا كان المحاربون القدامى الذين قاتلوا في الحرب يموتون مع مرور السنين، فإن ذكرى الحرب أبعد ما تكون عن التلاشي والنسيان، بل الأرجح أن ينتهز بوتين خطاب هذا العام للحديث عن النازية والفاشية.
وتشير هيليس إلى أن تلك المصطلحات لا يستخدمها النظام الروسي بمدلولها الأصلي، وإنما غالباً ما تشير إلى المعادين لروسيا. ويُتوقع أن تشهد احتفالات يوم النصر هذا العام تجسيداً للمشاعر المعادية لأوكرانيا، إلا أننا لا نعرف ما إذا كانت روسيا ستشهد انتصاراً حقيقياً في أوكرانيا بحلول ذلك التاريخ أم لا.
قد يصبح منعطفاً حاسماً لروسيا في الحرب الأوكرانية
وقال ألكسندر فيندمان، وهو مقدم أمريكي متقاعد ومدير سابق لقسم الشؤون الأوروبية بمجلس الأمن القومي الأمريكي، لموقع Axios الإخباري، إن يوم التاسع من مايو/أيار قد يكون منعطفاً حاسماً لروسيا في هذه الحرب.
وأوضح: "إذا نجحت [القوات الروسية في بلوغ أهدافها]، أخشى أن يعني ذلك تحول الغزو إلى حرب طويلة الأمد، ودافعاً لروسيا بألا تكتفي بمكاسب محدودة. وأدهى من ذلك أن طول أمد الحرب وانتشارها قد يفضي إلى مواجهة روسية محتملة مع الناتو".
وإذا كان الخبراء يتفقون على أن روسيا قد خسرت بالفعل حربها الدعائية عن مسوغات الحرب على أوكرانيا بما ارتكبته قواتها من جرائم في بوتشا، وعجزها عن الرد على اتهامات أوكرانيا الأخرى، إلا أن خبراء عديدن قالوا أيضاً إن استسلام بوتين أمر يتعذر تصديقه.
وقالت هيليس، أستاذة التاريخ الروسي بجامعة شيكاغو "أرى أن بوتين لن يسمح بإعلان الهزيمة، حتى إن وقعت، فعقليته لا مكان فيها لتقبل الهزيمة، ومن ثم فإنه مهما حدث فإن بوتين سيحوِّل الأمر إلى انتصار".