الخلاف بين إيران من جهة والسعودية والكويت من جهة أخرى بشأن حقل الدرة في الخليج العربي ليس البؤرة الساخنة الوحيدة بين طهران ودول الخليج، فهناك أيضاً الجزر الإماراتية المحتلة وملفات أخرى.
ففي مارس/آذار الماضي، وقَّعت الكويت وثيقة مع السعودية لتطوير حقل الدرة، الذي من المتوقع أن ينتج مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يومياً و84 ألف برميل يومياً من المكثفات، وفقاً لبيان صدر في حينها عن مؤسسة البترول الكويتية.
لكن إيران قالت بعدها بأيام إن هذه الوثيقة الموقعة بين السعودية والكويت لتطوير حقل غاز الدرة "غير قانونية"، نظراً لأن طهران تشارك في الحقل ويجب أن تنضم لأي إجراء لتشغيل وتطوير الحقل.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في حينها على تويتر: "حقل آرش/الدرة للغاز هو حقل مشترك بين دول إيران والكويت والسعودية". وأضافت: "هناك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت. تحتفظ الجمهورية الإسلامية لنفسها كذلك بالحق في استغلال حقل الغاز".
وفي 29 مارس/آذار قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إن "إيران ليست طرفاً في حقل الدرة فهو حقل كويتي سعودي خالص".
ما قصة حقل الدرة للغاز؟
يقع حقل الدرة في المنطقة البحرية المتداخلة بين الكويت وإيران، وتقع أغلب مساحة الحقل في المياه الكويتية والسعودية، وتم اكتشاف الحقل عام 1967 ويحتوي على مخزون كبير من الغاز، يُقدر بنحو 11 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل من النفط.
وعلى الرغم من اكتشاف الحقل الغني بالغاز والمكثفات قبل أكثر من نصف قرن، فإن موقعه داخل المنطقة المغمورة بين السعودية والكويت وتنازع إيران للحصول على جزء منه، رغم أنه يقع بشكل شبه كامل داخل المياه الكويتية والسعودية، تسبب في تعطيل بدء الإنتاج منه.
وعلى مدى أعوام طويلة أجرت إيران والكويت مباحثات لتسوية النزاع حول منطقة الجرف القاري على الحدود البحرية بين البلدين، إلا أنها لم تؤدِّ إلى نتيجة. ويعود النزاع بين إيران والكويت الى ستينات القرن الماضي، حينما منح كل طرف حق التنقيب في حقول بحرية لشركتين مختلفتين، وهي الحقوق التي تتقاطع في الجزء الشمالي من حقل الدرة.
وبدأت إيران التنقيب في الدرة في 2001، مما دفع الكويت والسعودية إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة.
ويوم 21 مارس/آذار الماضي، أعلن وزير النفط الكويتي محمد الفارس ووزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، التوقيع على اتفاق لتطوير حقل الدرة لاستغلاله، تقوم بموجب الاتفاق شركة عمليات الخفجي المشتركة، وهي مشروع مشترك بين شركة أرامكو لأعمال الخليج والشركة الكويتية لنفط الخليج، بالاتفاق على اختيار استشاري يقوم بإجراء الدراسات الهندسية اللازمة لتطوير الحقل.
ومن المتوقع أن يؤدي تطوير حقل الدرة إلى إنتاج مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي يومياً، بالإضافة إلى إنتاج 84 ألف برميل من المكثفات يومياً. وقُرر أن يُقسم الإنتاج بالتساوي بين الشريكين، بالاستناد إلى خيار "الفصل البحري"، بحيث يتم فصل حصة كل من الشريكين في البحر، ومن هناك ترسل حصة شركة أرامكو لأعمال الخليج من الغاز الطبيعي وسوائل الغاز والمكثفات إلى مرافق الشركة في الخفجي، فيما ترسل حصة الشركة الكويتية لنفط الخليج من الغاز الطبيعي وسوائل الغاز والمكثفات إلى مرافقها في الزور.
إيران تدخل على الخط
بعد أيام قليلة من الإعلان السعودي-الكويتي بشأن حقل الدرة، قال إيران إن الاتفاق "غير قانوني"، واصفة الحقل بأن "أجزاء منه تقع في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت"، مما يشير إلى أن حقل الدرة قد يمثل نقطة توتر متجددة بين طهران ودول الخليج.
السعودية والكويت أصدرتا الأربعاء 13 أبريل/نيسان بياناً مشتركاً، نشرته وكالتا الأنباء الرسميتان في البلدين، جاء فيه أنهما تجددان الدعوة لإيران لعقد مفاوضات حول تعيين الحد الشرقي من المنطقة المغمورة المقسومة في الخليج.
ونقل البيان عن وزارتي الخارجية السعودية والكويتية القول إن البلدين يؤكدان "على حقهما في استغلال الثروات الطبيعية في هذه المنطقة، وعلى استمرار العمل لإنفاذ ما تم الاتفاق عليه بموجب المحضر الموقع بينهما بتاريخ 21 مارس 2022".
وقال البيان إن السعودية والكويت سبق أن وجهتا الدعوات لإيران للتفاوض حول تعيين الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة ولم تلبِّ تلك الدعوات. وأضاف البيان "تُجدد كل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت كطرف تفاوضي واحد دعوتهما الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعقد هذه المفاوضات".
ويفهم من البيان السعودي-الكويتي أن محاولات تعيين الحدود البحرية في المنطقة بين الكويت وإيران لم تنجح من قبل في حسم المسألة، أو بمعنى أدق لم تبدأ من الأساس لعدم استجابة إيران، فهل تختلف الأمور هذه المرة أم يظل حقل الدرة رهينة التوترات بين إيران ودول الخليج؟
الجزر الإماراتية المحتلة
حقل الدرة لن يكون أول الملفات الشائكة بين إيران ودول الخليج العربي ولا آخرها، فالعلاقة بين الطرفين، منذ ما قبل قيام ثورة الخميني في إيران عام 1979، تتسم بالتوتر في أغلب الأحيان، ولا يبدو أنها في طريقها للتحسن في ظل الثقة المفقودة بين طهران وأغلب العواصم الخليجية.
وتعتبر جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى الإماراتية التي تحتلها إيران منذ عام 1971 أبرز الملفات الشائكة بين إيران ودول الخليج عموماً والإمارات خصوصاً، فطهران لا تظهر أي استعداد لإعادة الجزر للسيادة الإماراتية.
ورغم صغر مساحة الجزر الثلاث، فإنها ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة جدا للإمارات ولإيران، إذ تشرف الجزر على مضيق هرمز الذي يمر عبره يومياً حوالي 40٪ من الإنتاج العالمي من النفط. ومن يسيطر على هذه الجزر يتحكم بحركة الملاحة البحرية في الخليج.
وكان موقع جزيرة أبو موسى الاستراتيجي وغناها بالمعادن الدافع وراء قيام إيران باحتلالها عام 1971، قبل أن تنال الإمارات استقلالها عن بريطانيا بيومين فقط، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وفي عام 1999، بنت إيران مطاراً في الجزيرة يربطها بمدينة بندر عباس الإيرانية، إلى جانب افتتاح بلدية جزيرة أبو موسى فيها. وفي عام 2012 أقامت إيران محافظة جديدة وسمتها "خليج فارس" وجعلت من جزيرة أبو موسى مركزاً لها.
وتتميز الجزر بسواحلها العميقة فتستخدم كملجأ للغواصات. وهي غنية بالثروات الطبيعية مثل البترول وأوكسيد الحديد الأحمر وكبريتات الحديد والكبريت.
تبلغ مساحة جزيرة طنب الكبرى ما يقرب من 9 كيلومترات مربعة، وتقع شرقي الخليج العربي قرب مضيق هرمز، وتبعد حوالي 30 كيلومتراً عن إمارة رأس الخيمة الإماراتية، وكانت جزيرة طنب الكبرى تتبع لإمارة رأس الخيمة قبل تأسيس دولة الإمارات. وخضعت للسيطرة الإيرانية عام 1971 بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة. وهي غنية بالثروة السمكية.
أما طنب الصغرى فتتميز بتربتها الرملية والصخرية ولا تتوفر فيها المياه الصالحة للشرب، وتبعد حوالي 12.8 كيلومتر عن جزيرة طنب الكبرى غرباً، ومساحتها 2 كيلومتر مربع فقط.
فقدان الثقة والتدخل في الشؤون الداخلية
بخلاف الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران وقضية حقل الدرة الذي يبدو أن تطويره والاستفادة منه، الذي تأخر ما يقرب من 60 عاماً، قد يتأخر مرة أخرى رغم الاتفاق السعودي-الكويتي، تتسم العلاقات بين إيران والدول العربية الخليجية بفقدان الثقة لأسباب متنوعة وممتدة.
فإيران، ومنذ قيام الثورة فيها عام 1979، تسعى إلى تصدير نسختها من نظام الحكم وتعتبر نفسها راعية المسلمين الشيعة في المنطقة، ومن أجل ذلك عمل الحرس الثوري الإيراني على تأسيس ميليشيات مسلحة في دول عربية أبرزها لبنان (حزب الله) والعراق (الحشد الشعبي) وسوريا، كما تدعم إيران الحوثيين في اليمن وتتهمها البحرين بالعمل على زعزعة استقرار البلاد من خلال تحريض الشيعة هناك على حكام البلاد السنة.
وفي هذا السياق، تتشكك دول الخليج في البرنامج النووي الإيراني وتعتبره خطراً مباشراً عليها، فامتلاك طهران سلاحاً نووياً يعني، من وجهة النظر الخليجية، زيادة الخطر الذي يمثله الحرس الثوري على استقرار الدول العربية الخليجية.
إيران، من جانبها، تنفي رغبتها بالحصول على سلاح نووي وتردد أن برنامجها النووي أغراضه سلمية فقط، لكن الخطوات التي اتخذتها طهران منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، تشير إلى اقتراب الجمهورية الإسلامية من العتبة النووية، بحسب التقارير الاستخباراتية الغربية.
وبالتالي، فإن تطبيع العلاقات بين أغلب الدول الخليجية، وبخاصة السعودية، وإيران تبدو مهمة شبه مستحيلة، ليس فقط بسبب الصراع حول المكانة الإقليمية والدينية بينهما، ولكن أيضاً بسبب الملفات الشائكة والساخنة بينهما، من الدعم الإيراني للحوثيين (الشيعة) في اليمن ورفض السعودية وجود ذراع لإيران على حدودها، إلى الصراع بينهما على الأراضي اللبنانية، إلى الملف النووي وغيرها من الملفات الساخنة.
الخلاصة هنا هي أن الدول العربية الخليجية تتهم إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية وزعزعة استقرارها، بينما تقول طهران إن دول الخليج، وبخاصة السعودية والإمارات، تسعى لحصار النظام الإيراني والاستقواء بالقوى الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة، والتحالف مع إسرائيل، وهو ما يشير إلى مدى عمق الخلافات والثقة المفقودة بين الطرفين.