يتردد مصطلح إبادة جماعية في سياق ما توجهه الولايات المتحدة من اتهامات لروسيا بشأن أوكرانيا، فماذا تعني الإبادة الجماعية؟ وما الفرق بينها وبين جرائم الحرب؟ وهل يمكن إثباتها وكيف؟
ومع اقتراب الهجوم الروسي على أوكرانيا من مراحل الحسم، تكثف موسكو تجهيزاتها العسكرية في الشرق بهدف الانقضاض على ما تبقى من قوات أوكرانية في إقليم دونباس ومدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الاتهامات الغربية الموجهة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه كييف عن المعركة الأخيرة ويطالب الرئيس فولوديمير زيلينسكي الغرب بتزويده بالأسلحة اللازمة لهزيمة روسيا، تبدو الحرب النفسية والدعائية عنصراً رئيسياً في الأزمة الأوكرانية قبل حتى أن تتفجر وتشتعل الحرب بالفعل.
من الذي يتهم روسيا بالإبادة الجماعية؟
اتهم الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأمريكي جو بايدن، الجنود الروس بارتكاب إبادة جماعية، مع التركيز على أدلة على ممارسة اغتصاب وتعذيب وقتل في مناطق حول كييف استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها الشهر الجاري، بعد أن انسحبت منها القوات الروسية وأعادت التمركز ناحية الشرق.
وقال بايدن: "نعم، وصفتها بأنها إبادة جماعية، لأنه أصبح جلياً أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يحاول فقط محو فكرة أن يكون بوسع المرء أن يكون أوكرانياً والأدلة تتزايد".
والأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن حجم الفظائع (التي ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا) "لا يبدو أقل من الإبادة الجماعية".
أما موسكو، التي وصفت الهجوم على جارتها الأصغر بأنه "عملية خاصة" لوقف الإبادة الجماعية ضد المتحدثين بالروسية في أوكرانيا، فقالت إن الغرب قدم أدلة مزورة؛ لتشويه سمعة جيشها.
وكانت الإدارة الأمريكية قد وجهت اتهامات بسبع حالات إبادة جماعية منذ تسعينيات القرن الماضي، وكانت في البوسنة ورواندا والعراق وإقليم دارفور السوداني، وكذلك عمليات القتل التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية وضمن ذلك ضد اليزيديين والقمع ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار وتعامل الصين مع مسلمي الإيغور.
ما هي تهمة الإبادة الجماعية؟
الإبادة الجماعية هي أخطر جرائم الحرب على الإطلاق ولها تعريف قانوني صارم، لكن نادراً ما تم إثباتها أمام محكمة منذ إضافتها إلى القانون الإنساني بعد المحرقة، بحسب تقرير لـ"رويترز".
وتعرّف اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1949، الإبادة الجماعية بأنها "محاولة متعمدة لتدمير جماعة على نحو كلي أو جزئي استناداً إلى جنسيتها أو عرقيتها أو عرقها أو دينها".
وبحسب التعريف، فإن الإبادة الجماعية لا تغطي حالات القتل الجماعي على إطلاقها، بل تحدد 5 أفعال محددة، ولا تعتبر أي منها إبادة جماعية إلا إذا تم "ارتكابها بنية التدمير، الكلي أو الجزئي، لجماعة عرقية أو دينية محددة"، وهذه الحالات الخمسة هي: قتل أعضاء الجماعة، والتسبب بأذى جسدي أو عقلي لأعضاء الجماعة، والتدخل بشكل متعمد في ظروف الحياة الخاصة بالجماعة بهدف تدميرها كلياً أو جزئياً، وفرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة، والحالة الخامسة هي نقل أطفال الجماعة إلى جماعة أخرى.
بموجب هذا التعريف، لا تعتبر أعمال العنف المرتكبة بحق المدنيين إبادة جماعية، ولا حتى أي أعمال عنف تقف وراءها دوافع عنصرية أو قومية أو كراهية دينية، بحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي.
وحتى في حالة تعرض أفراد ينتمون لجماعة عرقية أو دينية أو قومية محددة لأعمال عنف أو قتل، لا تعتبر تلك الأعمال إبادة جماعية إلا لو ثبت أن تلك الأعمال العنيفة تهدف إلى القضاء التام على الجماعة ككل.
وحتى الآن انطبق هذا التعريف المحدد والصارم على ثلاث قضايا فقط تم نظرها أمام المحاكم الدولية: مذبحة ارتكبها الخمير الحمر في كمبوديا بحق أقلية تشام والفيتناميين في السبعينيات ويقدر عدد ضحاياها بنحو 1.7 مليون شخص، والحالة الثانية هي القتل الجماعي للتوتسي في رواندا بالتسعينيات والذي أودى بحياة 800 ألف شخص، والثالثة مذبحة سربرنيتشا في 1995، حيث قُتل نحو ثمانية آلاف من الرجال والفتيان المسلمين في البوسنة.
كيف يمكن إثبات الإبادة الجماعية؟
لإثبات الإبادة الجماعية يتعين على ممثلي الادعاء أولاً إظهار أن الضحايا كانوا جزءاً من جماعة قومية أو عرقية أو دينية محددة، ويستبعد من ذلك التعريف الجماعات التي تتعرض للاستهداف بسبب أفكارها السياسية.
وفي ضوء ذلك التعريف المحدد بصرامة والذي تدخل فيه "النية"، من الصعب جداً إثبات الإبادة الجماعية مقارنة بالانتهاكات الأخرى للقانون الإنساني العالمي مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فالدليل على النية أمر يقترب من المستحيل، إلا إذا اعترف الجناة بأن هدفهم هو القضاء على الجماعة المستهدفة.
ميلاني أوبراين، رئيسة الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، قالت لـ"رويترز": "الإبادة الجماعية جريمة يصعب إثباتها. على الأطراف المعنية عرض الكثير على الطاولة". وأشارت إلى الشروط المجتمعة لإبداء النية واستهداف جماعة محمية وارتكاب جرائم مثل القتل أو النقل القسري للأطفال.
وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، بعد ثلاثة أيام من بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا. وتملك المحكمة سلطة نظر قضايا الإبادة الجماعية.
وقال ممثلو الادعاء الأوكرانيون الذين يحققون بالفعل في الجرائم الروسية المزعومة منذ ضم موسكو شبه جزيرة القرم في 2014، إنهم رصدوا الآلاف من جرائم الحرب المحتملة ارتكبتها القوات الروسية منذ 24 فبراير/شباط، وأعدوا قائمة بأسماء مئات المشتبه بهم.
ما قضايا الإبادة الجماعية القائمة حالياً؟
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في السابق مذكرة توقيف ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، بتهمة الإبادة الجماعية، لكن محاكمته لا يمكن أن تبدأ حتى يتم احتجازه في لاهاي.
وتتمتع محكمة العدل الدولية أيضاً بسلطة قضائية من خلال اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وهي أول معاهدة لحقوق الإنسان تعتمدها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، وتنص على التزام المجتمع الدولي بمنع وقوع فظائع الحرب العالمية الثانية مرة أخرى.
وهي تنظر في قضيتين: الأولى تزعم أن ميانمار ارتكبت إبادة جماعية ضد مسلمي الروهينغا، والأخرى تقدمت بها أوكرانيا للقول إن روسيا تستخدم اتهامات بالإبادة الجماعية كذريعة زائفة للغزو. وعادةً ما تستغرق مثل هذه القضايا سنوات لإصدار حكم فيها.