منذ تولى ناريندرا مودي رئاسة الحكومة في الهند عام 2014، تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان بحق المسلمين دون توقف، لكن الولايات المتحدة نادراً ما توجه اللوم لنيودلهي، فلماذا الآن انتبهت إدارة بايدن لانتهاكات حقوق الإنسان تحت إدارة مودي؟
فمنذ وصول مودي إلى السلطة، شنت جماعات هندوسية يمينية هجمات على أقليات بدعوى أنها تحاول منع التحول الديني، وأقرت عدة ولايات هندية، وتعمل أخرى على دراسة، قوانين مناهضة لحق حرية الاعتقاد الذي يحميه الدستور.
وفي 2019، وافقت الحكومة على قانون يخص الجنسية قال معارضون له إنه تقويض لدستور الهند العلماني بإقصاء المسلمين المهاجرين من دول مجاورة. والقانون من شأنه منح الجنسية الهندية للبوذيين والمسيحيين والهندوس والجاينيين والبارسيين والسيخ الذين فروا من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل 2015.
ورغم القائمة الطويلة والمستمرة من الإجراءات التي تنتهك حقوق الإنسان وتهدد النظام الديمقراطي الراسخ في الهند منذ عقود طويلة، تمتع مودي بعلاقات قوية مع واشنطن سواء خلال رئاسة دونالد ترامب أو خلال إدارة بايدن الحالية.
بلينكن ينتقد حقوق الإنسان في الهند
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خرج عن هذا التوجه مساء الإثنين 11 أبريل/نيسان وقال إن الولايات المتحدة ترصد تزايداً في انتهاكات من بعض المسؤولين بالهند لحقوق الإنسان، في انتقاد مباشر ونادر من واشنطن لسجل حقوق الإنسان في الدولة الآسيوية، بحسب رويترز.
وفي إفادة صحفية مشتركة مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار ووزير الدفاع الهندي راجناث سينغ، قال بلينكن: "نتواصل بانتظام مع شركائنا الهنود بشأن هذه القيم المشتركة (لحقوق الإنسان)، ولهذا، فإننا نرصد بعض التطورات المثيرة للقلق في الهند مؤخراً، ومنها زيادة انتهاكات حقوق الإنسان من جانب بعض مسؤولي الحكومة والشرطة والسجون".
بلينكن لم يخُض في تفاصيل، ولم يعلق سينغ وجايشانكار، اللذان تحدثا بعد بلينكن خلال الإفادة الصحفية، على مسألة حقوق الإنسان من الأساس.
ويتبنى مودي وحزبه الحاكم سياسات قومية هندوسية تزيد الاستقطاب الديني منذ توليه السلطة في 2014. وبعد وقت قصير من إعادة انتخابه رئيساً للوزراء في 2019، ألغت حكومة مودي الوضع الخاص لإقليم كشمير في مسعى لدمج المنطقة ذات الأغلبية المسلمة بشكل كامل مع بقية أجزاء البلاد.
وللسيطرة على الاحتجاجات، اعتقلت الإدارة الكثير من القيادات السياسية في كشمير وأرسلت مجموعات شبه عسكرية كثيرة أخرى من الشرطة والجنود إلى الإقليم الواقع بمنطقة جبال الهيمالايا، والذي تطالب باكستان أيضاً بالسيادة عليه.
وحظر حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي له مودي مؤخراً ارتداء الحجاب في الفصول الدراسية بولاية كارناتاكا. وطالبت جماعات هندوسية متشددة فيما بعد بمثل هذه القيود في ولايات هندية أخرى.
تصريحات بلينكن جاءت بعد أيام من تساؤل النائبة الأمريكية إلهان عمر حول ما تعده ترددا من الحكومة الأمريكية في انتقاد حكومة مودي فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وقالت عمر، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له الرئيس جو بايدن، الأسبوع الماضي: "ما الذي يحتاج مودي أن يفعله ضد السكان المسلمين في الهند حتى نتوقف عن اعتباره شريكاً في السلام؟".
النفط الأمريكي بديلاً للنفط الروسي؟
هذا الانتقاد النادر من الإدارة الأمريكية لانتهاكات حقوق الإنسان في الهند يتزامن مع سعي إدارة بايدن للضغط على حكومة مودي كي تتوقف الأخيرة عن شراء النفط من روسيا واستبداله بالنفط الأمريكي، في ظل موقف نيودلهي فيما يتعلق بالهجوم الروسي على أوكرانيا، وهو الموقف الذي تسعى إدارة بايدن لتغييره.
وقال مسؤولون أمريكيون إن بايدن قال لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إن شراء المزيد من النفط الروسي ليس في مصلحة الهند ويمكن أن يعرقل رد الولايات المتحدة على الحرب في أوكرانيا، بحسب رويترز.
مسؤول أمريكي قال لرويترز إن بايدن لم يصل إلى حد تقديم "طلب صريح" لمودي، مشيراً إلى أن الهند لديها مخاوف بشأن تعزيز العلاقات بين روسيا والصين، لكن الرئيس أبلغ مودي بأن تعزيز وضع الهند على المستوى الدولي لن يتحقق بالاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، حسبما قال مسؤولون أمريكيون.
المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أكدت هي الأخرى على نفس الرسالة، إذ قالت للصحفيين: "أوضح الرئيس أنه ليس من مصلحتهم زيادة" واردات النفط الروسي.
الحديث عن النفط الروسي والتهديدات الأمريكية المبطنة لنيودلهي تبدو خطوة أبعد على طريق ممارسة الضغوط، على الرغم من أن الهند كانت قد أعلنت بالفعل يوم 19 مارس/آذار الماضي أن وارداتها من النفط الأمريكي سوف ترتفع بنسبة 11% هذا العام، بحسب رويترز.
وزار وفد من إدارة بايدن نيودلهي يوم 31 مارس/آذار الماضي لمناقشة واردات النفط الهندية من روسيا، وأعلنت واشنطن وقتها أنه لا توجد "خطوط حمراء" بالنسبة للهند فيما يتعلق بشراء النفط الروسي، لكنها حذرت في الوقت نفسه من زيادة اعتماد الهند على مصادر الطاقة الروسية.
ثم جاءت الخطوة الأخيرة من جانب بايدن والخاصة بالحديث مباشرة مع مودي بشأن ضرورة التوقف عن شراء النفط من روسيا، مما يطرح التساؤلات بشأن ما قد تقدم عليه واشنطن في حالة استمرار الحكومة الهندية في شراء النفط الروسي وعدم الاستماع "للنصيحة الأمريكية"؟
العلاقات بين الهند والولايات المتحدة علاقات شراكة استراتيجية، لكن منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا لا تسير نيودلهي على النهج الذي تريده واشنطن. فقرار الهند الامتناع عن التصويت بشأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان الأممي إشارة على أن الهند لا تريد إغضاب روسيا ولا الولايات المتحدة أيضاً.
كيف ترد الهند؟
وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين، رفض سؤالاً بشأن مشتريات الهند من الطاقة من روسيا، قائلاً إن التركيز يجب أن يكون على أوروبا لا الهند. وقال: "ربما يكون إجمالي مشترياتنا خلال الشهر أقل مما تشتريه أوروبا في مساء يوم واحد".
وجرت محادثات موسعة بين أكبر ديمقراطيتين في العالم في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لمزيد من المساعدة من الهند لممارسة ضغوط اقتصادية على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا والذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة".
وقال مودي: "في الآونة الأخيرة، كانت أنباء مقتل مدنيين أبرياء في مدينة بوتشا مقلقة للغاية. نددنا بها على الفور وطالبنا بإجراء تحقيق مستقل". وأشار مودي إلى أنه اقترح خلال محادثات أجراها في الفترة الأخيرة مع روسيا أن يجري الرئيس فلاديمير بوتين محادثات مباشرة مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وحاولت الدولة الواقعة في جنوب آسيا موازنة علاقاتها مع روسيا والغرب، لكنها على خلاف الأعضاء الآخرين في دول الحوار الأمني الرباعي، الذي يضم أيضاً الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، لم تفرض عقوبات على روسيا.
واشترت الهند 13 مليون برميل على الأقل من النفط الخام الروسي منذ غزو أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط، بعد أن أغرتها التخفيضات الكبيرة في أعقاب العقوبات الغربية على الكيانات الروسية. وذلك مقارنة بنحو 16 مليون برميل للعام الماضي بأكمله، بحسب البيانات التي جمعتها رويترز.
ولم تكشف ساكي عما إذا كانت الهند قد قدمت أي التزامات بشأن واردات الطاقة، لكنها قالت إن واشنطن مستعدة لمساعدتها على تنويع مصادر الطاقة. وقالت، في إشارة إلى تصريحات مودي بشأن الحرب: "جزء من هدفنا الآن هو البناء على ذلك وتشجيعهم على فعل المزيد. ولهذا السبب من المهم إجراء محادثات بين الزعماء".
وأضاف مسؤول أمريكي: "لم نطلب من الهند القيام بأي شيء على وجه الخصوص. الهند ستتخذ قراراتها" بعد "محادثة صريحة للغاية"؛ إذ جرت محادثات في واشنطن يوم الإثنين جمعت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الشؤون الخارجية الهندي جيشانكار ووزير الدفاع الهندي راجناث سينغ.
وفي الآونة الأخيرة، قال بايدن إن الهند هي الوحيدة من بين دول الرباعي التي كانت "مترددة إلى حد ما" في اتخاذ إجراءات ضد روسيا، فهل يشير ذلك إلى أن الهدف الآن هو ممارسة مزيد من الضغوط على نيودلهي للتخلص من ذلك "التردد"؟
وفي هذا السياق، هل تأتي انتقادات بلينكن "النادرة" لانتهاكات حقوق الإنسان في الهند كورقة ضغط، أخذاً في الاعتبار أن تلك الانتهاكات مستمرة منذ وصل مودي إلى منصبه وتزداد وتيرتها حتى وصلت إلى مطالبات علنية بإبادة جماعية للمسلمين، دون تعليق من إدارة بايدن؟
وعلى الرغم من أن بايدن أعلن عن وضع حقوق الإنسان في صدارة سياسته الخارجية، فإن الاختبارات المتتالية التي تعرض لها الرئيس الأكبر سناً في تاريخ أمريكا قد جاءت نتيجتها الفشل الذريع، حيث تم تغليب المصلحة المادية على ما يصفه الرئيس بايدن "بالقيم الأخلاقية".
إذ يواجه المسلمون في الهند اضطهاداً غير مسبوق منذ تولِّي مودي رئاسة الحكومة عام 2014، وشهد أواخر عام 2021 تعرُّض المسلمين في ولاية آسام شمال شرقي الهند لإجراءات قمعية، وصلت إلى حد القتل والتهجير، من جانب الحكومة الهندوسية التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، وهي إجراءات متسقة مع سياسة اضطهاد المسلمين في أكبر ديمقراطيات العالم، والتي يطبقها مودي منذ مجيئه إلى سُدة الحكم.
وكانت البشاعة والوحشية، التي أظهرها مقطع فيديو انتشر لقتل شاب مسلم في ولاية آسام والقفز على جثته، سلطت الضوء على ما تقوم به حكومة مودي الهندوسية. ثم نشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً بعنوان "صمتٌ من قادة الهند إزاء دعوات متطرِّفين هندوس لقتل المسلمين"، رصد قيام المئات من النشطاء والرهبان الهندوس اليمينيين في مؤتمرٍ عُقِدَ الأسبوع الأخير من عام 2021 ليقسموا على أن يحوِّلوا الهند، الجمهورية العلمانية دستورياً، إلى أمةٍ هندوسية، حتى لو تطلَّب ذلك الموت والقتل.
ونظراً لبشاعة ما حدث ووصوله إلى مستويات غير مقبولة من التحريض العلني على المسلمين في البلاد، انفجرت حملة غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي داخل الهند وخارجها مطالبة بالقبض على المحرضين ومحاكمتهم، لكن شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً رصد غياب أي تحركات جادة من جانب السلطات الهندية في هذا الشأن.
لكن يبدو أن رغبة إدارة بايدن في تضييق الخناق على روسيا وزيادة عزلتها الاقتصادية والسياسية بأي وسيلة ممكنة قد جعلت الوقت مناسباً لتوجيه "انتقاد" لمودي وحكومته بشأن "تزايد انتهاكات حقوق الإنسان".