كان من المتوقع أن يكون الرئيس إيمانويل ماكرون مطمئناً تماماً للفوز بفترة ثانية، لكن مع بدء التصويت في الجولة الأولى تغيرت الأمور وباتت هناك سيناريوهات متعددة تضع مارين لوبان وغيرها في الصورة.
اليوم الأحد 10 أبريل/نيسان بدأ التصويت في الجولة الأولى من انتخابات فرنسا الرئاسية، حيث يتنافس 12 مرشحاً، 8 منهم رجال و4 سيدات، يسعى 11 منهم لحرمان ماكرون من تحقيق إنجاز لم يتحقق منذ أكثر من 16 عاماً، وهو الفوز بفترة ثانية على خطى جاك شيراك.
وذكر موقع قناة فرانس24 أن مراكز الاقتراع في البلاد فتحت أبوابها عند الساعة الثامنة صباح الأحد بالتوقيت المحلي (06:00 ت. غ)، حيث تمت دعوة نحو 48.7 مليون ناخب فرنسي إلى الإدلاء بأصواتهم، وسط مخاوف من عزوف عن التصويت، على غرار ما شهدته انتخابات الأقاليم الصيف الماضي.
ومن المستبعد تماماً أن يتم حسم نتيجة الانتخابات في الجولة الأولى، وسيكون على اثنين فقط من المتنافسين الاستعداد للجولة الثانية المقررة 24 أبريل/نيسان الجاري، وتُظهر استطلاعات الرأي أن ماكرون ضمِن الوجود في الجولة الحاسمة، بينما هناك 5 مرشحين، ثلاثة ينتمون لليمين واثنان من اليسار المتطرف، يمتلكون فرصاً متفاوتة للوجود على بطاقة التصويت في جولة الإعادة.
السيناريو الأكثر ترجيحاً.. لوبان ضد ماكرون
نعم، يعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بولاية ثانية، لكن فترته الرئاسية الأولى حفلت بالاضطرابات الاجتماعية، التي اتخذ خلالها خطوات لتحرير قوانين العمل الفرنسية وخفض الضرائب على الأثرياء والشركات وحاول إعادة تشكيل العلاقات عبر الأطلسي، مما أدى إلى أن يصبح الفارق أضيق بكثير من ذلك الذي صاحَب فوزه على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان في 2017، بحسب تقرير لـ"رويترز".
إذ يرى كثير من المراقبين أن ماكرون، بسعيه خلال العامين الأخيرين لاستقطاب اليمين المتطرف من خلال تبني خطاب أغضب المسلمين داخل فرنسا وخارجها، ربما يكون قد ارتكب مقامرة ضخمة تسببت في تفتيت القاعدة الانتخابية التي أوصلته إلى قصر الإليزيه عام 2017 كأصغر رئيس لفرنسا منذ نابليون بونابرت.
فماكرون نافس لوبان وغيرها من رموز اليمين المتطرف في العداء تجاه المسلمين، وخلال رئاسته صدر قانون "مكافحة الانفصالية الإسلامية" في يوليو/تموز 2021. ويواجه هذا القانون اتهامات باستهدافه المسلمين في فرنسا عبر فرضه قيوداً على مناحي حياتهم كافة، إذ ينص على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين. كما يفرض قيوداً على حرية تقديم الأسر المسلمة التعليم لأطفالها في المنازل.
وكثيراً ما استفز ماكرون المسلمين بتصريحات معادية للإسلام، على غرار قوله إن "الإسلام في أزمة". وكذلك عدم رفضه الصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وحلّ جمعيات لمسلمين بينها "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا". وأدت مواقفه وتصريحاته تلك إلى إشعال الغضب ضد فرنسا وانتشار حملة مقاطعة كل ما هو فرنسي، فاضطر إلى التراجع والاعتذار.
وفي هذا السياق، تدخل لوبان السباق هذه المرّة وهي أقرب المرشحين لمواجهة ماكرون في الجولة الثانية، فاستطلاعات الرأي تشير إلى ارتفاع أسهمها، إذ لم تعد على خطابها الحاد نفسه وباتت توجّه للناخبين رسالة بسيطة: سأعيد الأموال إلى جيوبكم.
تشير تقييمات لوبان إلى أنها نجحت في تبديد الصورة التي تشيطن حزبها اليميني المتطرف دون تغيير برنامجه الأساسي المناهض للهجرة. وتُظهر الاستطلاعات أن ما يصل إلى 23% من الناخبين يعتزمون التصويت لها في الجولة الأولى.
وعند الوصول لجولة إعادة أمام ماكرون، تشير استطلاعات الرأي إلى أنها يمكن أن تحصل على ما يصل إلى ما بين 47% و48.5%، مما يجعل الفوز تحت رحمة هامش الخطأ الإحصائي. وقد يتسبب الممتنعون عن التصويت والناخبون المترددون في إحداث مفاجأة.
وفي حالة خوض ماكرون ولوبان جولة الإعادة، في تكرار لسيناريو الانتخابات الماضية، فإن الرئيس الفرنسي يواجه مشكلة، إذ أخبر العديد من الناخبين اليساريين منظمي استطلاعات الرأي بأنهم لن يصوتوا لصالح ماكرون في جولة الإعادة لمجرد إبعاد لوبان عن السلطة؛ وذلك خلافاً لما حدث في عام 2017.
وسيتعين على ماكرون إقناعهم بتغيير موقفهم والتصويت له في الجولة الثانية. وستُظهر الجولة الأولى مَن الذي سيحصل على أصوات العدد الكبير غير المعتاد من الناخبين الذين لم يحسموا موقفهم، وما إذا كانت لوبان (53 عاماً)، تستطيع تجاوز توقعات استطلاعات الرأي وتحتل الصدارة في الجولة الأولى.
وقال جان دانيال ليفي، من مؤسسة هاريس إنتراكتيف لاستطلاعات الرأي، عن محاولة لوبان الثالثة للوصول إلى قصر الإليزيه: "مارين لوبان لم تكن قريبة من الفوز بانتخابات رئاسية بمثل هذا القدر من قبل"، بحسب رويترز.
ويتفق ماكرون ولوبان على أن النتيجة مفتوحة على كل الاحتمالات. وقالت لوبان لأنصارها يوم الخميس: "كل شيء ممكن"، في حين حذّر ماكرون أتباعه من التهوين من احتمالات فوز لوبان.
السيناريو المفاجأة: ماكرون ضد ميلونشون
يحل مرشح اليسار المتشدد جون-لوك ميلونشون ثالثاً في استطلاعات الرأي ويواصل التقدم. ويأمل أنصاره حدوث طفرة. فمع اقتراب الحزب الاشتراكي، الرمز التقليدي لتيار يسار الوسط، من فقدان البوصلة ومعاناة حزب الخضر في حشد قاعدة دعم واسعة، يناشد ميلونشون الناخبين اليساريين الالتفاف حوله.
ويدخل ميلونشون الجولة الأولى حاصلاً على ما بين 14 و17% في استطلاعات دعم الناخبين مقابل ما بين 9 و10% في يناير/كانون الثاني، كنسبة من نوايا التصويت بالجولة الأولى. وتتوقع استطلاعات الرأي أن يهزمه ماكرون بسهولة إذا وصل للجولة الثانية.
سيناريو غير مرجح: ماكرون ضد زمور
شهد السباق الانتخابي هزة في المراحل المبكرة، بسبب صعود نجم إيريك زمور، العام الماضي، وهو من نجوم البرامج الحوارية يتبنى نهج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المناهض لسلطات المؤسسات، ويصور نفسه على أنه سيكون منفذاً لأمة تحت تهديد مفترض من الإسلام.
وفي العام الماضي، توقعت بعض استطلاعات الرأي وصول زمور للجولة الثانية، لكن دعمه تراجع بعد أن وجد صعوبة في صياغة أفكار تتجاوز الهجرة والأمن وبعدما أضرته تصريحاته بشأن روسيا.
لكن استطلاعات الرأي تُظهر الآن فوزه بنسبة تتراوح بين 9 و11% من الأصوات في الجولة الأولى، بفارق كبير عن لوبان وميلونشون. وتظهر استطلاعات الرأي أن ماكرون سيهزم زمور بأريحية إذا واجهه في جولة ثانية.
سيناريو غير مرجح: ماكرون ضد بيكريس
فازت رئيسة منطقة باريس الكبرى فاليري بيكريس، التي تصف نفسها بأنها خليط من مارغريت تاتشر وأنجيلا ميركل، ببطاقة الترشح عن حزب الجمهوريين المحافظ في ديسمبر/كانون الأول، مما أعطاها دفعة في استطلاعات الرأي.
غير أن حملتها شهدت تعثراً، إذ تجد صعوبة في تقديم نفسها على أنها مختلفة عن ماكرون، في حين تواجه البرامج القومية التي يطرحها منافسوها من تيار اليمين المتطرف.
وتظهر أحدث استطلاعات الرأي الأخيرة فوزها بما بين 8 و10% فقط من الأصوات في الجولة الأولى.
سيناريو واحد يبدو غير محتمل
يبدو من المستحيل تقريباً أن يفشل ماكرون في المرور إلى جولة الإعادة، إذ لم يشر أي استطلاع رأي إلى فشل الرئيس الحالي في بلوغ جولة الإعادة المقررة في 24 أبريل/نيسان. وستكون مفاجأة إلى حد ما، ألا يتصدر ماكرون جميع منافسيه في الجولة الأولى.
لكن يظل الهاجس الأكبر بالنسبة للمرشحين الطامحين إلى الفوز، خاصةً ماكرون ولوبان، يتمثل في العزوف عن التصويت، وهو ما كانت انتخابات الأقاليم، في يونيو/حزيران 2021 قد أظهرته بوضوح.
ووفق بيان لوزارة الداخلية الفرنسية، بلغت نسبة التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بحلول منتصف نهار الأحد 10 أبريل/نيسان، 25.48%، وهي نسبة أقل بثلاث نقاط مما كانت عليه في انتخابات عام 2017، بحسب موقع قناة فرانس 24.
كان العنوان الأبرز للانتخابات الإقليمية في فرنسا هو تدني نسبة إقبال الناخبين بصورة غير مسبوقة، حيث بلغت نسبة الامتناع عن التصويت 68.5%، على الرغم من تزامن الانتخابات مع انتهاء نحو سبعة أشهر من القيود الصارمة على الحريات المدنية بسبب جائحة كورونا، ووسط طقس مشمس.
أما العنوان الثاني لانتخابات الأقاليم بفرنسا فكان فشل اليمين المتطرف في تحقيق انتصار تاريخي كانت بعض استطلاعات الرأي قد توقعته، فخسر مرشحوه في جميع المناطق، وضمنها منطقة بروفانس-ألب كوت دازور (جنوب شرق) التي كان متقدماً فيها في الجولة الأولى من تلك الانتخابات.
ولم يكن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، أحسن حالاً، حيث لم يفز أي من مرشحيه في جميع الأقاليم، مما يزيد من غموض الانتخابات الرئاسية ويفتح الباب أمام احتمال حدوث مفاجأة مخالفة لما تظهره استطلاعات الرأي، وإن كان فوز ماكرون بفترة رئاسية ثانية يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً في نهاية المطاف.