"الموصل بلا مسيحيين لأول مرة في تاريخها"، كانت هذه ذورة مأساة مسيحيي العراق، التي وقعت قبل نحو 8 سنوات، بعد اجتياح الموصل من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي صيف عام 2014، وهي مأساة آثارها لم تنتهِ بعد.
فعندما سيطر مسلحو داعش على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد، خَيَّروا سكانها المسيحيين بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية، أو مواجهة حد السيف، ما دفعهم جميعاً للنزوح.
وترك مسيحيو الموصل كنائسهم ومنازلهم وممتلكاتهم، إلى جانب ذكرياتهم وتاريخهم في المدينة العريقة، لعدم قدرة مؤسسات الدولة على حمايتهم من بطش التنظيم الإرهابي آنذاك.
لكن العراق استعاد بدعم من التحالف الدولي كافة أراضيه من قبضة "داعش" عام 2017، عقب معارك طاحنة خلّفت دماراً في دور العبادة والممتلكات العامة والخاصة بمحافظة نينوى، الواقعة بشمالي البلاد.
وبعد نهاية داعش، عادت بعض الأسر المسيحية القليلة إلى الموصل وسهل نينوى، فيما نزحت معظم الأسر إلى مناطق أكثر أمناً، وخاصة إقليم كردستان (شمالي العراق).
وتُشكل المسيحية في العراق ثاني أكبر الديانات من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام، معظمهم من أبناء الكنيسة الكلدانية والآشوريين، وهناك أيضاً مجموعات صغيرة من الأرمن والتركمان والأكراد والعرب.
وهناك 14 طائفة مسيحية معترف بها رسمياً في العراق، ويعيش الغالبية منها في بغداد ومحافظة نينوى بالشمال وإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي. وفي ما يلي أبرز الطوائف المسيحية في العراق:
استهداف مسيحيي العراق بدأ قبل داعش
والاستهداف الطائفي بالعراق الذي يستهدف مسيحيي العراق لم يبدأ خلال حقبة "داعش"، بل يعود إلى عام 2003، عند سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين؛ إذ بات المسيحيون هدفاً لهجمات متكررة شنتها جماعات إرهابية أبرزها تنظيم "القاعدة".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2010، احتجز مسلحو "القاعدة" عشرات المسيحيين رهائن داخل كنيسة "سيدة النجاة" وسط بغداد، قبل إطلاق الرصاص عليهم، ما أسفر عن مقتل 60 شخصاً وإصابة عشرات آخرين، في واحدة من أعنف الهجمات التي طالت أتباع الديانة بالعراق.
ومنذ سقوط نظام صدام عام 2003، تنامت معدلات هجرة مسيحيي العراق إلى دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وسط مخاوف خلو البلاد من سكانها المسيحيين.
وفي تصريح للأناضول، قال أوكر زيا، مواطن مسيحي يسكن في العاصمة بغداد، إن "مسلسل الاعتداء على المسيحيين بالعراق له تاريخ طويل ممتد يعود لعام 1930".
وأضاف زيا: "موجة هجرة المسيحيين الجديدة بدأت عام 2003 باجتياح عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي، ثم الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة عام 2006، ومن بعدها دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى البلاد عام 2014.
وتابع: "عودة المسيحيين المهاجرين إلى العراق باتت صعبة للغاية، نظراً لمعاناتهم المريرة في البلاد على مدى سنوات طويلة، كما أن العراق لا يزال يعاني غياب الأمن والاستقرار وسوء الخدمات العامة".
من مليون ونصف مسيحي إلى 250 ألفاً
ووفق تقرير لمفوضية حقوق الإنسان العراقية (رسمية)، في مارس/آذار 2021، فإن 250 ألف مسيحي فحسب لا يزالون يقطنون العراق من أصل 1.5 مليون كانوا موجودين قبل 2003.
وأشار التقرير آنذاك إلى أن "1315 مسيحياً قُتلوا في العراق بين عامي 2003-2014، إضافة إلى نزوح 130 ألفاً واختطاف 161 آخرين خلال فترة سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الموصل بين عامي 2014-2017″.
وقام بابا الفاتيكان فرنسيس بزيارة تاريخية إلى العراق، في مارس/آذار 2021، استعصت على أسلافه، بسبب التوترات الأمنية والاستهدافات الطائفية في البلد العربي.
هل يعود المسيحيون بعد القضاء على داعش؟
بدوره، قال رئيس الوقف المسيحي بالعراق رعد كججي، في تصريح للأناضول، إن "هناك العديد من العوامل التي ساعدت على استمرار مسلسل هجرة المسيحيين من العراق".
وأوضح: "عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاستهداف الطائفي وانتشار عناصر التنظيمات الإرهابية وراء هجرة المكون المسيحي من العراق".
واستبعد كججي احتمال عودة المسيحيين المهاجرين إلى البلاد، مبيناً أن "معظمهم قاموا ببيع ممتلكاتهم، ومن الصعب العودة مرة أخرى".
ورجَّح رئيس الوقف المسيحي أن يكون عدد المسيحيين في عموم العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، لا يتجاوز 500 ألف فحسب.
وخلال السنوات القليلة الماضية، باتت كنائس المسيحيين في العراق، باستثناء إقليم كردستان، إما خاوية أو مغلقة أو مُدمَّرة، وقامت السلطات بمساعدة منظمات دولية بإعادة ترميم عدد منها في عموم البلاد.
فيما قال رئيس أساقفة الكنيسة الكلدانية في كركوك والسليمانية يوسف توما، إن "تناقص أعداد المسيحيين كان وراء إغلاق الكنائس في البلاد".
وأوضح توما في حديث مع الأناضول، أن "التطرف في البلاد يعد أبرز الأسباب التي تقف وراء هجرة أبناء الديانة المسيحية من العراق".
وأضاف: "عودة المسيحيين إلى العراق مجدداً مرتبطة بعدة أمور، أبرزها الدور الحكومي الجاد بهذا الشأن، من خلال إقرار تشريعات تُجرّم الاستهداف والتمييز الطائفي وسياسات تعمل على رفع الوعي المجتمعي".