أصبح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مهدداً بالإقالة، بعد تقارير عن فقدانه الأغلبية البرلمانية، في وقت اتهم فيه الولايات المتحدة ضمنياً بأنها تقود مؤامرة لإسقاطه.
كان من المتوقع أن يلقي خان الخطاب أمس الأربعاء، لكنه أجبر على التأجيل حتى يوم الخميس؛ بعد أن انضم حزب حيوي في إئتلافه الحاكم إلى المعارضة، مما أدى إلى إنهاء الأغلبية التي يتمتع بها في البرلمان.
وتقدم نواب المعارضة الباكستانيون باقتراح لحجب الثقة عن رئيس الوزراء عمران خان في 28 مارس/آذار 2022، وكان ذلك تتويجاً للاضطرابات السياسية التي اجتاحت البلاد لعدة أسابيع، حسبما ورد في تقرير لموقع the Diplomat الياباني.
وجاء ذلك بعد أن قررت الحركة القومية المتحدة التي كانت عضواً في ائتلافه الحاكم، التحالف مع المعارضة المشتركة؛ لدعم اقتراحها سحب الثقة من عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني وبطل العالم السابق للإسكواش.
إليك الأصوات التي يُعتقد أن المعارضة جمعتها
وفي أعقاب هذا التطور، يعتقد أن حكومة عمران خان التي يقودها حزب "حركة إنصاف" المعروف اختصاراً بـ(PTI)، خسرت الأغلبية في مجلس النواب.
إذ ترفع خطوة الحركة القومية الباكستانية العدد المتوقع لأصوات المعارضة ضد خان إلى 177، أي أكثر بخمسة أصوات من الـ172 صوتاً التي يحتاجها المجلس الوطني المكون من 342 عضواً للإطاحة به.
وبعد أن كان الائتلاف الحاكم بقيادة عمران خان يمتلك 176 مقعداً، أصبح لديه الآن 164 صوتاً فقط من أعضاء البرلمان، وذلك في ضوء المعطيات الأخيرة التي لا يُعرف ما إذا كانت ستتبدل في الساعات القادمة أم لا.
وبعد عدة تأخيرات من جانب رئيس الجمعية الوطنية لكسب وقت لصالح خان، حسب اتهامات المعارضة، من المتوقع أن يجرى التصويت على سحب الثقة يوم الأحد أو الإثنين القادمَين، بعد مناقشة في البرلمان تبدأ اليوم الخميس.
يجب أن يكون هناك تصويت في غضون سبعة أيام ، مما يترك أمام خان نافذة قصيرة لبعض المناورات السياسية والمقايضة في اللحظة الأخيرة.
وتؤكد المعارضة بقيادة شهباز شريف، أنها باتت تملك الأغلبية للإطاحة بخان وحكومته.
أحزاب أخرى انفصلت عن ائتلاف عمران خان
وقبل ذلك أعلن حزب الشعب البلوشي المعروف اختصاراً بـ"بي إيه بي" (BAP)، انفصاله عن الائتلاف الحاكم والانضمام للمعارضة.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب الحركة القومية المتحدة لديه 7 مقاعد، فيما يملك حزب الشعب البلوشي 5 مقاعد، في حين تقول وسائل إعلام باكستانية إن مقعداً واحداً من الحزب البلوشي سيكون مع الحكومة. وبذلك يمكن القول إن عمران خان فقد 11 صوتاً، وهو ما تحتاجه المعارضة للفوز بالتصويت للإطاحة به.
وروجت وسائل إعلام أجنبية- لا سيما الهندية- أن عمران خان سيقدم استقالته، أو يعلن عن إقالة بعض الوزراء، لكن وزير الإعلام الباكستاني فؤاد شودري، نفى ذلك وأكد أن خان لن يقدم استقالته.
خان يلمح إلى مؤامرة أمريكية
ولمّح خان ضمنياً إلى أن المعارضة تتحرك بناءً على مؤامرة أمريكي تستهدف عزله (دون تسمية لواشنطن).
واتخذت باكستان تحت قيادة خان موقفاً محايداً في الأزمة الأوكرانية مما أغضب الولايات المتحدة، رغم أن باكستان ليست صديقاً مقرباً لموسكو، لأن الأخيرة حليفة تقليدية للهند، وكان خان من أواخر قادة العالم الذين التقوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كما تتهم المصادر الغربية إسلام آباد بالمساعدة في سرعة انتصار طالبان على الحكومة الأفغانية الموالية للغرب بعد انسحاب قوات حلف الناتو من البلاد.
وفي حديثه إلى الآلاف من أنصاره بالعاصمة الباكستانية يوم الأحد الماضي، سحب خان مذكرة من جيبه ورفعها في الهواء باعتبارها "دليلاً" على مؤامرة أجنبية جارية في البلاد للإطاحة به، قائلاً إن القادة المحليين كانوا يتصرفون بأمر من القوى الأجنبية.
وفي خطابٍ دامَ ساعتين في 27 مارس/آذار، قال خان إن هذه "المؤامرة الممولة من الخارج"، حسب تعبيره، تم فيها رشوة وزرائه للتصويت ضده، بسبب سياسته الخارجية.
وسعى خان إلى وضع معركته ضد حزب الحركة الديمقراطية الشعبية على أنها حرب ضد الفساد الداخلي ومن أجل سيادة باكستان، وقال "إنه حتى لو فقد دعم البرلمان، فإنه يأمل أن تدفعه الإرادة الشعبية للشعب الباكستاني إلى العودة لمقر الحكومة".
وتحدَّث رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الأربعاء، عن بعض تفاصيل "رسالة المؤامرة الأجنبية" مع كبار الصحفيين وأعضاء مجلس الوزراء، مؤكداً أن الوثيقة حقيقية وأن مؤامرة أجنبية جارية للإطاحة به من السلطة.
وفقاً لتقرير صادر عن المنفذ الإعلامي الباكستاني DAWN، أطلع عمران خان أعضاء حكومته على محتويات الرسالة، وأضافت التقارير أنه تم تزويد مجموعة من الصحفيين بمحضر الاجتماع، بسبب الحظر القانوني على الكشف عن الوثائق السرية.
وعلم الصحفيون أن الرسالة تفيد بأن مسؤولاً رفيع المستوى من دولة لم يتم تسميتها، أبلغ مبعوثاً باكستانياً أن لديهم مشاكل مع السياسة الخارجية لخان، لاسيما زيارته لروسيا والموقف من الصراع الأوكراني الجاري.
وعلى الرغم من عدم تسمية أي حكومة أجنبية في ذلك الاجتماع، فإن تلميحات تشير ضمناً إلى واشنطن.
وفقاً لتقرير "DAWN"، تم إبلاغ المبعوث الباكستاني أن المسار المستقبلي للعلاقات بين البلدين مرهون بمصير اقتراح سحب الثقة الذي كانت أحزاب المعارضة تخطط لتقديمه ضد خان.
وأضافت أنه تم تحذير المبعوث من تداعيات خطيرة إذا نجا رئيس الوزراء عمران خان، من التصويت بحجب الثقة.
وحسبما ورد، أُرسلت البرقية في 7 مارس/آذار، أي قبل يوم من تقديم المعارضة الباكستانية مقترح سحب الثقة وطلب عقد جلسة للجمعية الوطنية للتصويت عليها.
وأفادت الأنباء بأن البرقية أرسلها سفير باكستان لدى الولايات المتحدة آنذاك، أسد مجيد، على أساس اجتماعه مع مساعد وزير الخارجية لشؤون جنوب ووسط آسيا دونالد لو.
وبحسب بعض التقارير الإعلامية، فإن ما يسمى بخطاب التهديد هو برقية عاجلة من سفير باكستان السابق لدى الولايات المتحدة أسد مجيد، حول محادثة غير رسمية مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا، دونالد لو.
وقال عبد الباسط، وهو دبلوماسي سابق، لوسائل الإعلام المحلية، إن ما يسمى برسالة التهديد كانت بمثابة تقييم دبلوماسي من السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة أسعد مجيد خان، وليس تهديداً من الحكومة الأمريكية.
وذكر مصدر دبلوماسي آخر: "الغرض من هذه البرقيات هو إبقاء حكومة إسلام آباد على اطلاع على الأجواء الدبلوماسية. إنها ليست علامة على مؤامرة ضد حكومة أو شخصية".
الولايات المتحدة تنفي
ونفت الولايات المتحدة، أمس الأربعاء، تسليم أي رسالة محددة إلى سفير باكستان في واشنطن بذلك الوقت، وقالت إنه لم يتم إرسال أي رسالة من قبل أي وكالة حكومية أمريكية إلى باكستان بشأن الوضع السياسي الحالي في البلاد.
وخلال رده على سؤال بشأن "الرسالة" المزعومة و"تورط الولايات المتحدة في اقتراح لسحب الثقة من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان"، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: "لا صحة لهذه المزاعم"، حسبما نقلت عنه لموقع "DAWN" الباكستاني.
على الرغم من أن التقارير الإخبارية تشير إلى أن خطاب التهديد مغطى بقانون الأسرار الرسمية ولا يمكن الكشف عنه بالكامل للجمهور الباكستاني بشكل عام، قررت الحكومة الباكستانية، في جلسة خاصة لمجلس الوزراء برئاسة عمران خان، مشاركة رسالة "المؤامرة الخارجية" مع لجنة الأمن القومي، حيث سيطلع وزير الخارجية، شاه محمود قريشي، اللجنة على الرسالة في رسالة جلسة بالكاميرا.
وفي حديثه لـ"الجزيرة.نت"، قال الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا: "نستطيع القول إن رئيس الوزراء عمران خان أصبح غير مرغوب فيه من قبل الولايات المتحدة"، وأضاف أنه "ربما يكون قد تلقى تهديدات من واشنطن بالفعل"، على حد قوله.
المعركة لم تُحسم لصالح المعارضة، فقد تكون هناك صفقة في اللحظة الأخيرة
وهدد خان، النواب بغضب الجماهير إذا صوتوا ضده، وقالت تقارير إن كانور نافيد جميل، القيادي بالحركة القومية المتحدة، تعرض للمضايقة ووصفه بالخائن من قبل أنصار خان في مطار إسلام آباد الدولي يوم الأربعاء، بعد أن انفصل حزبه عن رئيس الوزراء.
ويتحرك الجانبان لعقد صفقات سياسية في اللحظات الأخيرة، ففي الوقت الذي تتحدث فيه المعارضة عن امتلاكها الأصوات الكافية لإسقاط عمران خان، يجري الأخير، بعض التحركات التي يمكن أن تضمن له الخروج من التصويت منتصراً.
وبينما يحاول كلا الجانبين التأثير على هذه الأحزاب الصغيرة للانضمام إلى صفوفهما، فإن منصب خان على رأس الحكومة قد منحه مزيداً من الحرية لتقديم حوافز جذابة، حسب موقع the Diplomat.
على سبيل المثال، كشفت مصادر مطلعة على الأمر، أن حكومة حزب إنصاف باكستان (PTI) من المحتمل أن تعرض وزارة الموانئ والشحن على ائتلاف الحركة القومية الباكستانية (MQM-P)، التي تضم سبعة أعضاء في البرلمان الباكستاني والتي خرجت من الائتلاف.
فاستعداد خان لعرض الوزارات مقابل الأصوات يمكن بالفعل أن يستعيد شركاء حزب PTI.
وفي تحرك جديد، أعلن حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح قائد أعظم) أنه يضع ثقله وراء رئيس الوزراء، بعد أن عرض خان، منصب رئيس وزراء البنجاب على تشودري برويز إلهي، بدلاً من رئيس وزراء الإقليم عثمان بوزدار الذي قدم استقالته الإثنين الماضي.
وبحسب صحيفة "داون" (DAWN) الباكستانية، فإنه يُنظر إلى دعم الحزب لعمران خان على أنه إحياء لآماله في إنقاذ حكومته، وصرح برويز إلهي خلال لقاء له مع قناة (Dunya News)، بأن التصويت على عدم الثقة سوف يفشل.
ويدرك كل من حزب إنصاف باكستان (PTI) وتحالف المعارضة المعروف باسم الحركة الديمقراطية الباكستانية (PDM)، أن العامل الحاسم سيكون شركاء خان في التحالف.
وفي هذا السياق يقول الصحفي والمحلل السياسي شريف شيخ إن "مجموعة تارين، وهي جزء من الحزب الحاكم، تحمل الصوت الفاصل، حيث إن انضمامها للمعارضة سيعني فقدان عمران خان لمنصبه، وإذا انضمت إلى عمران فسيعني هذا هزيمة للمعارضة".
وقال شيخ لموقع"الجزيرة.نت": "من المتوقع أن تنضم مجموعة تارين إلى حركة (إنصاف باكستان) الحاكمة، خاصة بعد استقالة بوزدار من رئاسة وزراء البنجاب وهو أحد مطالب المجموعة، ولكن ستتضح الأمور قبل موعد التصويت بوقت قصير".
المحكمة العليا والتصعيد في الشارع
وفي السياق نفسه، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حذيفة فريد: "إضافة إلى الانشقاقات داخل الائتلاف الحاكم، فإن آمال المعارضة تتوقف بشكل أساسي على حكم المحكمة العليا، التي لا تزال لم تحسم الجدل بشأن مسألة تصويت المشرعين من الحزب الحاكم ضد حزبهم، حيث ترددت خلال الفترة الأخيرة مسألة عدم احتساب أصوات المشرعين المنشقين عن حزب عمران خان".
وأضاف فريد لـ"الجزيرة.نت"، أن "التطورات الأخيرة تعطي احتمالات بإمكانية حدوث انشقاقات داخل حركة المعارضة، ولذلك، ونظراً إلى التطورات الميدانية يمكن القول إن عمران خان باقٍ في الحكم".
وهناك مخاوف من اتساع حراك الشارع المؤيد لعمران خان والمعارضة بناءً على تصويت البرلمان.
وقال الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا إن "الخوف من أن يؤدي إسقاط الحزب الحاكم وحكومته بعد تعرضه للتهديد بحجب الثقة إلى نزول أنصاره للشارع واحتمالات انزلاق البلاد لحالة من العنف، جعل الأحزاب المؤيدة للحكومة التي كانت تفكر في الانسحاب تقرر العودة إلى الإئتلاف الحاكم من جديد".
وأضاف رانا مستدركاً: "لكننا لا نستطيع أن نجزم بما إذا كان خان سينتصر على المعارضة أم سيخسر التصويت".
خان قد يعود بالانتخابات حتى لو تم عزله
وتساعد خطابات خان الجماهيرية على حشد الدعم الشعبي على المدى الطويل، وهو ما سيكون مفيداً في حالة إجراء انتخابات مبكرة محتملة، حسب موقع the Diplomat.
ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة بباكستان في عام 2023، وكان الهدف من تجمّع حزب خان في 27 مارس/آذار، إظهار القوة والدعم الشعبي ليس من أجل تعزيز موقفه فقط في اقتراع حجب الثقة، بل أيضاً في الانتخابات القادمة، حسبما قال مايكل كوجلمان، المتخصص بشؤون باكستان وأفغانستان في مركز ويلسون.
ومع ذلك تستمر قطاعات من الناخبين بباكستان في إلقاء اللوم على حكومة حزب خان في الأزمات الاقتصادية المتفاقمة بالبلاد. كما تضاءلت علاقات حزب إنصاف مع المؤسسة العسكرية، التي يشار إليها غالباً باسم "اليد الخفية" التي توجه السياسة الباكستانية.
ويتهم المنتقدون خان بأنه يستخدم عنف الشرطة ضد معارضيه، إضافة إلى توظيف هيئات مكافحة الفساد ضدهم.