ارتفع مستوى التوتر في القدس والضفة الغربية، وتكرر اقتحام المتطرفين من أعضاء الكنيست والمستوطنين للمسجد الأقصى، فهل يسعى نفتالي بينيت لإشعال الوضع كما فعل نتنياهو مِن قبله؟ ولماذا؟
حاولت قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحام مخيم جنين في الضفة الغربية، الخميس 31 مارس/آذار، وقتلت شابين فلسطينيين، فيما اقتحم عضو الكنيست اليميني المتطرف بن غفير، المسجد الأقصى في حراسة مشددة من شرطة الاحتلال، وأعلنت هيئة أركان جيش الاحتلال التأهب القصوى استعداداً لتنفيذ عمليات خلال شهر رمضان.
كان 11 إسرائيلياً قد قُتلوا في ثلاث هجمات خلال أسبوع، إذ كان مواطن عربي بإسرائيل قد قتل أربعة أشخاص في هجوم دهس وطعن بمدينة بئر السبع الجنوبية، قبل أن يقتله أحد المارة الإسرائيليين، وقالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إن مُنفذ الهجوم من المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ويوم الأحد 27 مارس/آذار، وتزامناً مع انعقاد قمة إسرائيلية-عربية في النقب جنوب إسرائيل، أطلق مهاجم عربي، من سكان بلدة في الشمال، النار فقتل ضابطي شرطة بمدينة الخضيرة التي تبعد نحو 50 كيلومتراً شمالي تل أبيب، وأطلق ضباط آخرون النار عليه وقتلوه، بحسب رويترز. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم الخضيرة.
والثلاثاء 29 مارس/آذار، قُتل خمسة أشخاص بالرصاص في ضواحي تل أبيب، في الهجوم الثالث، خلال أقل من أسبوع. وقع الهجوم في بني براك، وهي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية.
اقتحام المسجد الأقصى قبيل رمضان
منذ الأربعاء 30 مارس/آذار، كثف الاحتلال استهدافه للفلسطينيين داخل الخط الأخضر وخارجه في القدس الشرقية والضفة الغربية، سواء من خلال الشرطة أو الجيش أو المستوطنين المسلحين، واستمر التصعيد بصورة متزايدة وفي أجواء متشنجة وصولاً إلى اقتحام المسجد الأقصى من جانب بن غفير ومستوطنين يهود متطرفين مسلحين بشدة وتحرسهم شرطة الاحتلال.
وعلى الرغم من أن الحكومات الإسرائيلية كانت منذ عام 2003، قد سمحت من جانب واحد للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، وفي ظل احتجاجات ورفض دائرة الأوقاف الإسلامية، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، فإن وتيرة تلك الاقتحامات وحدّتها قد بدأتا تأخذان منحى تصعيدياً خطيراً في السنوات الأخيرة.
وتعيد تصرفات نفتالي بينيت التصعيدية وتصريحاته العنصرية والتحريضية ضد "العرب" إلى الأذهان ما قام به سلفه وأستاذه بنيامين نتنياهو العام الماضي، وفي الأسابيع السابقة على شهر رمضان، والتي تسببت بنهاية الأمر في إشعال حرب غزة، خلال مايو/أيار 2021.
وكان بن غفير نفسه أحد الأوراق الرئيسية في تأجيج الأوضاع بالعام الماضي، بوضعه مكتباً له في حي الشيخ جرّاح، حيث تهجير الفلسطينيين، ثم توجهه إلى باب العمود واستفزاز الفلسطينيين. وخلال الأشهر الماضية أقام عضو الكنيست نفسه خيمة على أرض عائلة سالم بالشيخ جرّاح، فيما قام بعدها بزيارات استفزازية للفلسطينيين لمنطقة باب العمود مرة أخرى.
واقتحم بن غفير، المسجد الأقصى، الخميس 31 مارس/آذار، من خلال باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد، بحراسة الشرطة الإسرائيلية. وفي شريط فيديو خلال اقتحامه نشره على شبكات التواصل، قال بن غفير: "زيارتي فيها رسالة بسيطة واحدة وهي أنني لا أخضع ولا أتراجع". وأعلن عن رفضه تقليص ساعات اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى خلال شهر رمضان.
تصعيد إسرائيلي وعباس يندد
وزارة الصحة الفلسطينية، التابعة للسلطة برئاسة محمود عباس، قالت إن القوات الإسرائيلية قتلت فلسطينيين اثنين على الأقل في اشتباكات اندلعت أثناء مداهمة بالضفة الغربية المحتلة.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن قواته وحرس الحدود دخلت مخيماً للاجئين في مدينة جنين؛ لاعتقال من وصفتهم بـ"إرهابيين مشتبه بهم"، وأضاف أن قواته تعرضت لإطلاق نار داخل المخيم "فتعاملت" مع المسلحين.
وزارة الصحة الفلسطينية قالت إن الاشتباكات أسفرت عن سقوط "شهيدين هما سند أبو عطية (17 عاماً) ويزيد السعدي (23 عاماً)". وتابعت الوزارة أن الاشتباكات أدت أيضاً إلى "إصابة 15، بينها 14 إصابة بالرصاص الحي وإصابة بالاختناق بالغاز. ثلاث من بين الإصابات صُنفت على أنها خطرة، وإصابة واحدة متوسطة الخطورة".
الاشتباكات وقعت داخل مخيم جنين، الذي بات يعرف باسم "عش الدبابير" بعد أن فشل جيش الاحتلال على مدى أكثر من عام، في اقتحامه واعتقال من يسميهم "مشتبهاً بهم"، في إشارة إلى شباب ينتمون لحركات المقاومة الفلسطينية.
التصعيد من جانب حكومة إسرائيل برئاسة بينيت، والتي تضم حزباً عربياً للمرة الأولى منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948 على أرض فلسطين، لم يتوقف عند المسجد الأقصى أو جنين، بل امتد إلى أنحاء المناطق الفلسطينية وحتى داخل الخط الأخضر، حيث يجوب المتطرفون اليهود المسلحون شوارع المدن الإسرائيلية ويعتدون على العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وتحدث بينيت، في وقت متأخر من الأربعاء، مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأعلن سلسلة من الإجراءات للتعامل مع ما وصفها بموجة جديدة من "الهجمات من العرب"، وقال إنه سيتم نشر مزيد من قوات الشرطة في شوارع المدن مع تعزيز الأمن بالمناطق المتاخمة للضفة الغربية.
ومن جانبه، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان، إن "مثل هذه الاستفزازات المتمثلة بمواصلة الاقتحامات وعمليات القتل اليومية لأبناء شعبنا، وجرائم المستوطنين اليومية، ستجر المنطقة إلى مزيد من أجواء التوتر والتصعيد".
وكان عباس نفسه قد خضع لتهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وأصدر بياناً، الثلاثاء، ندد فيه بالهجوم الذي نفذه الشهيد ضياء حمارشة، وهو من قرية يعبد قرب مدينة جنين، وهو ما أثار غضب الفلسطينيين بالداخل والخارج، في ظل تعرض الفلسطينيين لاعتداءات وقتل من جانب الاحتلال وجنوده وشرطته ومستوطنيه.
شبكة قدس الإخبارية كانت قد أشارت إلى أن ضياء حمارشة أسير محرر، كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلته عام 2013، وهو ممنوع من دخول إسرائيل منذ خروجه من المعتقل.
وينم البيان الذي أصدره عباس، عن مدى خطورة الأوضاع مع اقتراب شهر رمضان، ويبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية لا يريد تكرار ما حدث العام الماضي عندما وجد نفسه خارج المشهد تقريباً بالصمت عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في حي الشيخ جراح وباب العمود والمسجد الأقصى، حتى اندلعت الحرب التي حققت فيها حركات المقاومة في قطاع غزة المحاصر انتصاراً أجبر إسرائيل على القبول بوقف إطلاق النار بوساطة مصرية.
لماذا يسعى بينيت للتصعيد الآن؟
كان رئيس وزراء إسرائيل السابق، بنيامين نتنياهو، قد اختار طريق التصعيد ضد الفلسطينيين خلال التوقيت نفسه من العام الماضي، سعياً للتشبث بمنصبه، لكن الحريق الذي أشعله كان سبباً مباشراً في الإطاحة بالسياسي الأطول بقاءً بمنصب رئيس الوزراء في تاريخ الدولة العبرية.
وكانت الأحداث الدامية قد بدأت في القدس الشرقية المحتلة، من خلال سعي حكومة نتنياهو لإجلاء عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح، وكان هدف نتنياهو هو إرضاء المستوطنين المتطرفين، وعلى رأسهم حركة "لاهافا"، ثم إغلاق باب العمود دون سبب، وصولاً إلى الاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى، والتي تشكل جريمة حرب بموجب بنود القانون الدولي، وصولاً إلى إطلاق الفصائل الفلسطينية صواريخ من غزة رداً على تلك الاعتداءات، ومن ثم اندلاع حرب غزة التي استمرت 11 يوماً.
وفي نهاية المطاف فقد نتنياهو منصبه لصالح ائتلاف يقوده تلميذه بينيت، فالأخير أيضاً ينتمي لليمين الإسرائيلي المتطرف الرافض لفكرة حل الدولتين أو عملية السلام مع الفلسطينيين، والذي يبدو أنه يشعر الآن، بحسب مراقبين، بأن الفرصة قد تكون مواتية لتسريع عمليات تهويد القدس، في ظل انشغال العالم بالهجوم الروسي على أوكرانيا من جهة، وعودة قطار التطبيع مع إسرائيل إلى مساره من جهة أخرى.
فقد استضافت إسرائيل، الإثنين الماضي، للمرة الأولى على الإطلاق، اجتماعاً ضم وزراء خارجية مصر والإمارات والمغرب والبحرين وأمريكا ونظيرهم الإسرائيلي، وذلك في النقب، حيث ندد الوزراء العرب بالهجمات التي تعرض لها إسرائيليون على يد فلسطينيين.
وعلى الرغم من أن كثيراً من الفلسطينيين كانوا يأملون أن يكون رمضان هذا العام مختلفاً وأقل توتراً مما تعرضوا له في رمضان الماضي، فإن حكومة الاحتلال برئاسة بينيت يبدو أنها تخطط لشيء آخر.
إذ يقوم فلسطينيون بتجميل المسجد الأقصى باستخدام كميات كبيرة من المنظفات والطلاء الجديد وتزيينه بالفوانيس استعداداً لشهر رمضان، ويحدوهم الأمل في مرور هذا الشهر الكريم بهدوء رغم التوترات السياسية. ووصل متطوعون من كل الأعمار من إسرائيل والضفة الغربية المحتلة والقدس لتهيئة ثالث الحرمين الشريفين قبل حلول رمضان، الذي من المتوقع أن يبدأ بعد غدٍ السبت.
وقالت فاطمة دياب، وهي من سكان القدس القديمة: "إن شاء الله، رمضان يكون هادئاً وأحسن من تلك السنة، ولا تكون هناك مشاكل"، بحسب رويترز.
لكنّ عنف المستوطنين بأنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية الواقعتين تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب 1967، تزايد بشكل لافت في الفترة الأخيرة. وخلال قمة تاريخية مع الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، الأربعاء، دعا عاهل الأردن، الملك عبد الثاني، إلى التهدئة.
الخلاصة هنا هي أن بينيت يبدو كأنه يسير على خطى نتنياهو في رفع وتيرة التصعيد ضد الفلسطينيين مع قرب حلول شهر رمضان، متخذاً من الهجمات الأخيرة داخل الخط الأخضر مبرراً، كأن الاعتداءات والقمع من جانب إسرائيل، جيشاً وشرطة ومستوطنين، بحق الفلسطينيين توقفا يوماً واحداً، فهل يرى بينيت أن الفرصة مواتية لإشعال حرب تثأر فيها إسرائيل مما تعرضت له في حرب غزة، العام الماضي؟