"رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية هو شرط إيران الأخير لإحياء الاتفاق النووي"، كان هذا خبراً مزعجاً للغاية للكثيرين في الشرق الأوسط وأمريكا، لدرجة أن تقارير إعلامية إسرائيلية تتحدث عن أنه كان أحد أسباب عقد القمة الثلاثية المصرية الإسرائيلية الإماراتية.
فما هي طبيعة العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، وما هي انعكاسات رفعه المحتمل من قائمة الإرهاب على منطقة الشرق الأوسط؟
وأفادت تقارير بأن هناك إصراراً إيرانياً على رفع الحرس الثوري من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية لكي توافق طهران على إحياء الاتفاق النووي، وأن الولايات المتحدة مستعدة لذلك في حال تقديم طهران ضمانات لتخفيض أنشطتها بالمنطقة.
وأثار ذلك غضباً شديداً لدى حلفاء أمريكا في الخليج العربي وإسرائيل وكذلك في أوساط الجمهوريين، ويعتقد، حسب وسائل إعلام إسرائيلية أن الخوف من رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية كان أحد أسباب عقد القمة الثلاثية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، كما أنه قد يكون أحد أسباب عقد قمة النقب بين وزراء خارجية عدد من الدول العربية ونظيريهم الإسرائيلي والأمريكي في ظل سعي إسرائيل وعدد من دول الخليج لإقناع واشنطن بعدم الإقدام على هذه الخطوة.
نفي أمريكي لاحتمال رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية
لكن روبرت مالي، المبعوث الأمريكي لمحادثات إيران النووية، قال في منتدى الدوحة مؤخراً: "سيظل الحرس الثوري الإيراني خاضعاً للعقوبات بموجب القانون الأمريكي وسيظل تصورنا للحرس الثوري الإيراني قائماً"، ولكن اللافت أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لم يشر إلى هذا الأمر خلال قمة النقب.
ودخلت إيران في مفاوضات لإحياء الاتفاق مع بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا بشكل مباشر والولايات المتحدة بشكل غير مباشر منذ أبريل/نيسان 2021.
وقال مالي عن المفاوضات: "نحن قريبون جداً من الحل"، ولكننا نقف في هذه المرحلة منذ فترة طويلة، وهذا يشير إلى صعوبة المفاوضات.
وزير إيراني يصفه بالجيش الوطني
قبيل حديث مالي، شدد كمال خرازي، وزير الخارجية الإيراني السابق والمستشار الحالي للمرشد الأعلى للبلاد، على أهمية الحرس الثوري للبلاد.
وقال خرازي إن "الصفقة وشيكة لكنها تعتمد على الإرادة السياسية للولايات المتحدة".
وأضاف: "بالتأكيد يجب رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأمريكية".
وقال إن "الحرس الثوري الإيراني هو الجيش الوطني ولا يمكن إدراج الجيش الوطني في قائمة الجماعات الإرهابية".
قصة تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية
صنفت الولايات المتحدة الحرس الثوري على أنه "منظمة إرهابية أجنبية" في عهد الرئيس آنذاك دونالد ترامب في أبريل/نيسان 2019.
جاء ذلك بعد عام من انسحاب ترامب من جانب واحد للولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
توصف قائمة الإرهاب بأنها واحدة من أقوى الأدوات في ترسانة الأمن القومي الأمريكية، حسبما ورد في مقال نشر في صحيفة Washington Post الأمريكية كتبه فيكتوريا كواتس وروبرت جرينواي اللذين عملا في إدارة ترامب.
فهذا التصنيف من قبل وزارة الخارجية والوكالات الأخرى لا يعزل الكيان المعني اقتصادياً فحسب، بل يفرض أيضاً عقوبات على أي مجموعة أخرى توفر لها الدعم المادي (والذي يمكن أن يكون أي شيء من الغذاء والمأوى إلى التسلح).
قد لا تكون هناك مشكلة بالنسبة لأعضاء الحرس الثوري كبيرة في تصنيفهم كأعضاء في منظمة إرهابية، نظراً لطبيعة حياتهم المعزولة عن الغرب والسرية في كثير من الأحيانن ولكن المشكلة في ملايين الإيرانيين والشيعة العرب في الدول التي يوجد بها نفوذ لطهران، والذين قد يوصمون أمريكياً بالتعامل مع منظمة إرهابية لعلاقاتهم بالحرس الثوري الذي ينشط في هذه الدول.
في الأساس، يفرض التصنيف عقوبات على الشركات التي تقوم بأي نوع من الأعمال التجارية مع الكيان الخاضع للعقوبات، ويضع هذه الشركات أمام خطر متزايد من التقاضي المدني من جانب ضحايا الكيان.
يقول كواتس وجرينواي: "لقد وجد الحرس الثوري الإيراني أن موارده وأنشطته مقيدة بشكل متزايد بهذه العقوبات وغيرها".
في 16 أبريل/نيسان 2019، بعد يوم من تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، حجبت منصة التواصل الاجتماعي إنستغرام حسابات الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، وقائده في ذلك الوقت قاسم سليماني، وثلاثة آخرين من الحرس الثوري الإيراني.
يعترف الكاتبان الأمريكيان بأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني كجماعة إرهابية لم يكن إجراءً سهلاً، لأنه كان أول مرة تفرض فيها حكومة الولايات المتحدة عقوبات على عنصر من جيش أجنبي، الأمر الذي أثار مخاوف جدية في ذلك الوقت من استهداف الجيش الأمريكي أيضاً بعقوبات انتقامية.
ولكنهما يقولان إنه بعد نقاش بين الوكالات استمر لعدة أشهر وانتهى في أوائل أبريل/نيسان 2019، انتصرت الحجة القائلة بأن الحرس الثوري الإيراني لم يكن يعمل كجيش عادي بل كذراع إرهابية عملياتية للنظام الإيراني، حسب تعبيرهما.
لكن رغم العقوبات على الحرس الثوري الإيراني التي تسبق تصنيفه كجماعة إرهابية اكتسب الحرس الثوري دوراً كبيراً في تنفيذ السياسة الخارجية لإيران، وهو يسيطر حالياً على قطاعات واسعة من الاقتصاد.
ولقد أثبت الحرس الثوري الإيراني أنه أداة مفضلة لدى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي لشن هجمات غير متكافئة يمكن إنكارها باستخدام كوادر ووكلائهم الذين تلقوا عقيدة تدريبهم من قبل عملاء إيرانيين لديهم عقود من الخبرة في مثل هذه العمليات.
الحرس الثوري سيستفيد من مليارات الدولارات وحرية العمل
يقول منتقدو إدارة بايدن إن إزالة العقوبات النووية تعني دخول مليارات الدولارات لطهران ومع رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، سيؤدي ذلك حتماً إلى ضخ نقدي كبير في خزائن الحرس الثوري الإيراني والذي يمكن أن يكون فقط حافزاً لتوسيع أنشطة التنظيم.
ويرى هؤلاء المنتقدون أن "رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات عن الشركات المرتبطة به يعزز موارده المالية ويوسع قدرته التشغيلية ويزيد من قوته السياسية ونفوذه الإقليمي".
كما أن الميليشيات الشيعية التابعة أو الحليفة للحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان واليمن ستستفيد من هذا الوضع، الأمر الذي قد يجعل رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية تنازلاً استراتيجياً يغير قواعد اللعبة إذا وافق عليه بايدن.
وتريد إدارة بايدن الوصول لاتفاق نووي بأسرع ما يمكن لسببين، أولهما خوفاً من استمرار طهران في تخصيب مزيد من اليورانيوم لدرجة تقربها من القنبلة النووية، وأيضاً وللمفارقة ترغب واشنطن في عودة طهران لتصدير النفط لتعاقب النفط الروسي بعد غزو موسكو لأوكرانيا.
رسالة خاطئة لروسيا
وفي محاولة لحث إدارة بايدن لعدم رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، قال كواتس وجرينواي إن شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المرشحين لإقناع النظام الإيراني بالانضمام إلى اتفاق جديد لانتشار الأسلحة النووية سيكون له تأثير على تقويض مصداقية العقوبات الأمريكية بصفة.
فمن الآن فصاعداً ستبدو العقوبات الأمريكية قابلة للتفاوض حسب الظروف، وليست لأنها مرتبطة بالسلوك الذي صممت لمعاقبته، معتبرين أن ذلك سوف يبعث برسالة خاطئة إلى روسيا التي أصبحت آخر الخاضعين للعقوبات الأمريكية.
ولكن الوجه الآخر، للصورة الذي يعلمه كثير من المعنيين بالشأن الإيراني، أن العقوبات على طهران بصفة عامة أدت إلى تقوية سيطرة الحرس الثوري على مجمل سياسة واقتصاد البلاد، لدرجة أن هناك وجهة نظر أن الحرس الثوري غير متحمس لرفع العقوبات مقابل إحياء الاتفاق النووي، لأنه يفضل ما يسميه نمط اقتصاد المقاومة القائم على العزلة عن الغرب والاعتماد الذات مع محاولات التهريب، وهو الوضع الذي يعزز قبضته الأمنية على البلاد.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية تجد صعوبة في تمرير هذا القرار المحتمل، ولكنها استفادت من الضجة المحيطة به، وهو أنها بدلاً من مواجهتها للاعتراض الأساسي من قبل إسرائيل ودول الخليج والجمهوريين الذي يركز على رفض إحياء الاتفاق النووي مع إيران، فلقد أصبحت الجهود الأساسية لهؤلاء موجهة للاحتجاج على فكرة رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، الأمر الذي قد يجعلهم أقل اعتراضاً إذا تم إحياء الاتفاق مع إبقاء الحرس الثوري في قائمة الإرهاب.