في ختام اجتماعه بوزراء خارجية أربع دول عربية في النقب، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إن مثل هذه العلاقات من شأنها أن ترهب إيران وتردعها، على حد قوله. كما شدد لابيد ووزير الخارجية الأمريكي على ضرورة مواجهة التهديد الإيراني في المنطقة.
مثل هذه التصريحات تشير بوضوح إلى الهدف الرئيسي من هذه القمة التي ركزت على التصدي لما أسموه زعزعة إيران لأمن واستقرار المنطقة، كما حرص وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على طمأنة إسرائيل وحلفائها العرب بشأن دبلوماسية واشنطن تجاه طهران، خاصة مع تداول أخبار تفيد بأن المفاوضات النووية غير المباشرة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية دخلت المرحلة الأخيرة.
وكانت قمة النقب عقدت يوم الأحد 28 مارس/آذار، بمشاركة وزراء خارجية دول إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب، بالإضافة لمشاركة وزير الخارجية الأمريكي.
ولأن إيران هي المستهدف الرئيسي، كان لابد من إلقاء نظرة على الكيفية التي ينظر بها الإيرانيون لقمة النقب.
قمة الأوهام
تابع المحللون والخبراء الإيرانيون لقاء وزراء الخارجية العرب الأربعة، في النقب يوم الأحد عن كثب، بالإضافة للقاء الثلاثي التاريخي الذي سبق القمة بين الرئيس المصري وحاكم دولة الإمارات العربية ورئيس الوزراء الإسرائيلي في شرم الشيخ، خاصة أن تل أبيب شددت على أن القضية الرئيسية للاجتماعين هى مواجهة الخطر الإيراني في المنطقة.
وفى حديثه لـ"عربي بوست"، وصف المحلل السياسي والمقرب من دوائر صنع القرار فى العاصمة الإيرانية طهران، سيد رضا الحسيني، لقاء النقب، بأنه "قمة الأوهام".
وأضاف: "لقاء النقب كشف عن الضعف المتزايد لكل من واشنطن وتل أبيب، يحاول قادة الكيان الصهيوني أن يكون هذا الاجتماع وقبله اجتماع شرم الشيخ، خطوة لضمان الدعم العربي لهذا النظام فى المنطقة، بعد الشعور بالخطر"، على حد تعبيره.
وأوضح الحسيني: "يقول الإسرائيليون إن اجتماع النقب هو بمثابة التمهيد لتشكيل ما يسمى بالناتو العربي، لكن فى حقيقة الأمر، هم فشلوا حتى في ذلك، لأنهم اعتمدوا على بلدان لا تتمتع بأي ثقل في المعادلات الإقليمية"، في إشارة إلى الدول العربية الأربع التي حضر وزراء خارجيتها اجتماع النقب، بحسب تعبيره.
قمة النقب تعني نجاح محور المقاومة
عقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالى بينيت، فى اليوم الذى سبق عقد لقاء النقب، وقال بينيت: "نحن قلقون بشأن الجهود المبذولة لإزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية، نأمل أن تسمع الولايات المتحدة صوت إسرائيل، وبقية دول المنطقة حول هذه القضية المهمة".
تجدر الإشارة هنا إلى أن مسألة إزالة الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء الأمريكية للمنظمات الإرهابية، تم تناولها في الآونة الأخيرة، من قبل طهران كشرط أساسي لاستكمال مفاوضات فيينا النووية، والعودة إلى الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قد أدرجت الحرس الثوري الإيراني على القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية الأجنبية فى صيف عام 2019، بعد عام واحد من الانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.
وتتمسك طهران بمطلب إزالة الحرس الثوري الإيراني، من قوائم الإرهاب، ضمن مطلبها الأساسي برفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، سواء النووية (أى المرتبط بالبرنامج النووي الإيراني)، أو غير النووية (المرتبطة بتمويل الإرهاب وحقوق الإنسان)، وفق المزاعم الأمريكية.
يقول محلل السياسة الخارجية المقيم بطهران، والمقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لأسباب خاصة، "لطالما كانت مسألة إزالة الحرس الثوري من على قوائم الإرهاب الأمريكية من أكثر القضايا حساسية في مفاوضات فيينا، وتمسكت طهران بهذا المطلب باعتباره من القضايا المهمة فى المفاوضات".
وأضاف: "أطلعني مصدر في الخارجية الإيرانية، أن واشنطن كانت تبذل جهوداً كبيرة لإقناع الكونغرس بتحقيق هذا المطلب لإيران، والانتهاء من مفاوضات فيينا، وهذا ما أربك الإسرائيليين وحلفاءهم العرب".
ويرى محلل السياسية الخارجية الإيراني أن إسرائيل قلقة من إمكانية موافقة واشنطن على المطلب الإيراني بإزالة الحرس الثوري من قوائم المنظمات الإرهابية، فيقول لـ"عربي بوست": "هرع الإسرائيليون إلى الإماراتيين لعرقلة إتمام إحياء الاتفاق النووي، خوفاً من اتساع نفوذ الحرس الثوري في المنطقة بعد رفعه من على قوائم الإرهاب، وعودة الاقتصاد الإيراني إلى الانتعاش مرة أخرى، لذلك يحاولون إغراء بعض الدول في المنطقة للانضمام إلى تحالف عسكري ضد إيران".
وأضاف: "الخوف الإسرائيلي من إيران، والإسراع فى جذب عرب التطبيع إلى الكيان الصهيوني لمواجهة الجمهورية الإسلامية، دليل على هزيمتهم أمام قوة محور المقاومة الإسلامية".
وتشير إيران إلى الجماعات الشيعية المسلحة فى كل من اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، والمتحالفة معها، باسم "محور المقاومة"، الذي تقوده إيران في المنطقة.
كما وصف محلل السياسية الخارجية الإيراني أيضاً كلاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، والمغرب، والبحرين، ومصر، وهي الدول الأربع العربية التى شاركت فى اجتماع النقب، بأنها "دول مفلسة"، مضيفاً: "أستطيع وصف اجتماع النقب بأنه اجتماع فاشل وضعيف، ودليل على هزيمة الإسرائيليين والأمريكيين، كما أنه دليل على خوفهم من قوة إيران المتنامية، والدليل اعتمادهم على دول عربية مفلسة لا مكان لها في المعدلات العالمية".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "يعتقد الإسرائيليون وحلفاؤهم في المنطقة أن عقد اجتماع وإعلان أن هدفه هو تحقيق آلية لردع إيران، لا يخيف القادة الإيرانيين بأي شكل، بل إنه فى الحقيقة يعكس أن محور المقاومة، المتمركز في إيران أصبح اليوم لاعباً رئيسياً في المعادلة الإقليمية، وأن أعداء المقاومة يزدادون عزلة كما أظهرت تجربة السنوات الأخيرة".
أبوظبي خانت ثقة طهران
يرى بعض المحللين الإيرانيين أن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي التي انضمت إلى التطبيع مع إسرائيل في عام 2020، غير جديرة بثقة الإيرانيين.
يقول علي رضا كاظم موسوي، الباحث السياسي بمركز الأبحاث الاستراتيجية التابعة للبرلمان الإيراني، لـ"عربي بوست"، إن إدارة الرئيس رئيسي كانت حريصة منذ اليوم الأول على تحسين العلاقات مع دول الخليج وبالتحديد الرياض وأبوظبي، كما أنها حاولت مد جدار الثقة بينها وبين الخليج، وشهدنا في الأشهر الماضية تقارباً بين طهران وأبوظبي وكان من أبرز دلائل هذا التقارب، زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي إلى طهران في زيارة نادرة من نوعها.
يرى موسوي أن موقف الإمارات الأخير، ومشاركتها في لقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين، في محاولة للتصدي لإيران، هو مسألة تهدد الأمن القومي الإيراني، فيقول لـ"عربي بوست"، "حتى بعد تطبيع الإمارات مع إسرائيل، دأبت الحكومة الإيرانية على توطيد العلاقات بين البلدين (طهران وأبوظبي)، بشرط ألا تكون تداعيات التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب هي زعزعة الأمن القومي الإيراني.
وتابع: "أرى أن الأمور كانت تسير بشكل جيد، حتى إن الخارجية الإيرانية قررت إشراك الإمارات في تفاصيل مفاوضات فيينا، من خلال زيارة لكبير المفاوضين الإيرانيين إلى أبوظبي، في وقت سابق".
وأضاف موسوي: "لكن على ما يبدو فإن هجمات الحوثيين الأخيرة على مطار أبوظبي، وخوف الإماراتيين من فشل مفاوضات فيينا، أو حتى نجاحها، جعلهم يلجأون إلى إحداث تغيير كبير في سياستها الخارجية تجاه طهران".
وبحسب الباحث السياسي الإيراني، فى حديثه لـ"عربي بوست"، فإن الأيام القادمة ستجلب المزيد من المناقشات بين القادة الإيرانيين فيما يخص مسألة التقارب الإيراني الإماراتي، خاصة بعد اجتماع النقب، والحديث عن تشكيل درع رادع من الإسرائيليين والإماراتيين ضد طهران.
كما يرى السيد موسوي أن الإمارات زادت من الشكوك حولها، بعد استضافة الرئيس السوري، بشار الأسد، فيقول: "في السابق أكد القادة الإماراتيون للقيادة الإيرانية أن محاولة إعادة العلاقات الخليجية مع سوريا، لا علاقة لها بالتواجد الإيراني في دمشق، أو العلاقات السورية الإيرانية، لكن على ما يبدو الآن، هناك رغبة إماراتية فى إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية لمواجهة إيران خوفاً من تهديدات إيرانية مزعومة، خاصة بعد محاولات إدارة بايدن الانسحاب من الشرق الأوسط".
لماذا ترى مصر الجمهورية الإسلامية مصدر تهديد لها؟
أما بالنسبة لجمهورية مصر العربية، فمسألة مشاركة وزير الخارجية المصري في اجتماع صحراء النقب، واللقاء الثلاثي بين الرئيس المصري والإماراتي والإسرائيلي في شرم الشيخ، كان مصدر استغراب بين الأوساط الإيرانية.
يقول محلل السياسة الخارجية، والمقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست"، إن مسألة مشاركة مصر فى اجتماع هدفه تشكيل تحالف عسكري ضد إيران، أمر مثير للدهشة والاستغراب حقاً.
وأضاف: "حافظنا طوال سنوات طويلة على مستوى قليل من العلاقات الباردة بيننا وبين مصر، ولم نرَ الأنظمة المصرية مصدراً لتهديد إيران فى أى وقت من الأوقات، فلماذا ترى مصر الآن إيران بمثابة تهديد لها؟".
عزا المصدر السابق مشاركة مصر فى اجتماع النقب إلى أسباب اقتصادية، فيقول: "ربما، ومن الممكن أن أكون مخطئاً، فقد تكون مصر أجبرت على المشاركة في ما أسماه الإسرائيليون تحالف ضد إيران، مقابل مساعدة اقتصادية، لكن مازال الأمر مستغرباً بالنسبة للإيرانيين".
كما يرى محلل السياسة الخارجية أن مصر لا تشارك الخليج نفس المخاوف تجاه طهران.