وصفه بأنه “جزار”.. هل يسعى بايدن فعلاً للإطاحة بنظام بوتين أم أنها “زلة لسان”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/27 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/28 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/رويترز

تسبب وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ"الجزار" ودعوته إلى الإطاحة بزعيم الكرملين، في عاصفة من ردود الفعل، فهل كانت زلة لسان فعلاً أم تهديد فعلي؟

ففي لقاء له مع لاجئين أوكرانيين في بولندا، وصف بايدن نظيره الروسي بأنه "جزار"، ثم ألقى كلمة في وارسو، اتهم روسيا خلالها بأنها تحاول "خنق الديمقراطية" في أوكرانيا، وأنها تسعى للقيام بذلك في أماكن أخرى. وأضاف أن بوتين حريص على استخدام العنف منذ البداية، قائلاً إنه "لا يمكنه أن يستمر في السلطة".

تصريحات بايدن أثارت ردود فعل غاضبة من روسيا بطبيعة الحال، لكنها أيضاً اجتذبت انتقادات حلفاء لواشنطن أيضاً، وسعى البيت الأبيض والخارجية الأمريكية لتأكيد أن "تغيير النظام" في روسيا ليس هدفاً أمريكياً، فهل هذا صحيح؟

ومع دخول الهجوم على أوكرانيا شهره الثاني دون أن تلوح في الأفق نهاية عسكرية حاسمة كانت تخطط لها موسكو، يبدو أن روسيا بدأت تنفذ بأوكرانيا ما طبقته في حربها بسوريا دعماً لنظام بشار الأسد، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان بريطانية.

كان الهجوم الروسي على أوكرانيا قد بدأ 24 فبراير/شباط الماضي، وسط توقعات بأن تسقط العاصمة كييف بين أيدي الروس خلال أسابيع أو حتى أيام، لكن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا والعقوبات غير المسبوقة على روسيا جعلا المهمة لا تسير على هوى الكرملين على ما يبدو.

هل وجه بايدن تهديداً مبطناً لبوتين؟

سعى البيت الأبيض والخارجية الأمريكية إلى التخفيف من وطأة تصريحات بايدن بشأن نظيره الروسي، فقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن للصحفيين، الأحد 27 مارس/آذار، إن الولايات المتحدة ليست لديها استراتيجية لتغيير النظام في روسيا، بحسب تقرير لـ"رويترز".

وصرح بلينكن خلال زيارة لإسرائيل: "أعتقد أن الرئيس (جو بايدن).. البيت الأبيض أوضح الليلة الماضية، أنه بكل بساطة لا يمكن السماح للرئيس بوتين بشن حرب أو عدوان على أوكرانيا أو أي طرف آخر. كما تعلمون، وكما سمعتم منا مراراً وتكراراً، ليست لدينا استراتيجية لتغيير النظام في روسيا أو في أي مكان آخر".

لكن رغم نفي البيت الأبيض نية واشنطن العمل على تغيير النظام في روسيا، تظل المسألة مثيرة للتساؤل، فهل كانت تصريحات بايدن الشائكة "زلة لسان أم تهديد مبطن؟"، وهذا هو ما تناولته بالفعل صحيفة The New York Times في تقرير لها، رصد كيف أن كلمات بايدن "كانت من بين آخر الكلمات في خطاب صِيغَ بعناية، لكنَّها انحرفت عن التوازن الدقيق الذي حاول الرئيس بايدن تحقيقه خلال ثلاثة أيام من دبلوماسية الحرب في أوروبا.

إذ قال بايدن بإيقاع متباطئ للتأكيد: "بالله عليكم، لا يمكن أن يبقى هذا الرجل بالسلطة". فبدا ظاهرياً أنه يدعو إلى الإطاحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب الحرب في أوكرانيا، التي تصفها موسكو بأنها عملية عسكرية خاصة ويصفها الغرب بأنها غزو غير مبرر، لكنَّ مساعدي بايدن سرعان ما أصرّوا على أنَّ التصريح لم يكن يُقصَد منه أن يمثل دعوة لتغيير النظام.

روسيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

وأيَّاً ما كانت نيته أكَّدت تلك اللحظة التحديات المزدوجة التي واجهها بايدن خلال لقاءات القمة الاستثنائية الثلاث في بلجيكا ومثَّلت نظرة عن كثب على تداعيات الحرب من بولندا: الإبقاء على وحدة حلفاء أمريكا ضد بوتين، وفي الوقت نفسه تجنُّب التصعيد مع روسيا، وهو الأمر الذي قال الرئيس إنَّه قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.

ولتحقيق هذا الهدف أمضى بايدن معظم جولته في جذب أنظار العالم إلى الفظائع التي يرتكبها بوتين منذ بدء الحرب في 24 فبراير/شباط الماضي. وحثَّ على استمرار العمل على شل الاقتصاد الروسي. وأعاد التأكيد على التعهُّد الأمريكي بالدفاع عن الحلفاء بحلف شمال الأطلسي "الناتو" في وجه أي تهديد. ووصف بوتين بأنَّه "جزَّار" مسؤول عن الضرر المدمر الذي لحق بمدن أوكرانيا وشعبها.

قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إنَّ مصير بوتين ليس بيد الرئيس الأمريكي. فقال بيسكوف للصحفيين بعدما أنهى بايدن حديثه: "ليس بايدن من يقرر، رئيس روسيا ينتخبه الروس".

هل أغضب بايدن الحلفاء وليس فقط الأعداء؟

وفي حين جعل بايدن مهمته هي حشد نظرائه وحلفائه للوقوف صفاً واحداً ضد بوتين، إلا أنه ومساعديه كانوا مصممين على تجنُّب القيام بتصرفات يمكن أن يستخدمها بوتين ذرائع لبدء صراع أوسع نطاقاً وأكثر خطورة.

وتعهَّد بايدن مراراً، في مناقشات جرت خلف أبواب مغلقة في الناتو ومع قادة أكثر من 30 بلداً، بعدم إرسال قوات أمريكية للقتال ضد روسيا. وعلى الرغم من المناشدات المستميتة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي من أجل الحصول على مساعدة إضافية، ظلَّ بايدن معارضاً لاستخدام مقاتلات الناتو أو الولايات المتحدة لتأمين المجال الجوي للبلاد من الهجمات الروسية.

لكن الحرب الكلامية التي يشنها بايدن على بوتين لا تفيد في الإبقاء على وحدة الصف كما يريد البيت الأبيض، إذ حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من التصعيد اللفظي من جانب واشنطن مع موسكو، موضحاً أن  ذلك يتنافى مع مساعي التهدئة التي تسير عبر القنوات الدبلوماسية.

وفي مقابلة مع قناة فرانس 3 الأحد، قال ماكرون إن مهمته تتمثل في "تحقيق وقف إطلاق النار أولاً، ثم الانسحاب الكامل للقوات الروسية بالوسائل الدبلوماسية من الأراضي الأوكرانية، مضيفاً أنه "لتحقيق ذلك، لا يمكننا التصعيد بالأقوال أو الأفعال"، وفق ما نقلت فرانس برس.

أوكرانيا ماكرون بوتين
ماكرون انتقد، بشكل غير مباشر، تصريحات بايدن- رويترز

وفي السياق ذاته، قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، الأحد، إنه على تركيا والدول الأخرى مواصلة الحديث مع روسيا للمساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا، مضيفاً خلال منتدى الدوحة: "إذا أحرق الجميع الجسور مع روسيا فمن سيتحدث معهم في نهاية المطاف"، بحسب رويترز.

"الأوكرانيون بحاجة إلى الدعم بكل الوسائل الممكنة، حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم… لكن يجب الاستماع إلى الموقف الروسي بطريقة أو بأخرى"، حتى يمكن تفهم شكاوى موسكو إن لم تكن مبرراتها.

وبالتالي فإن تحليل صحيفة نيويورك تايمز وصف جولة بايدن، التي بدأت الأربعاء 23 مارس/آذار، في لحظة محورية في رئاسته والعالم، وسط أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945 وأزمة إنسانية متفاقمة، بأنها كانت جوهرية للحفاظ على وحدة الصف.

وتختبر الأزمة الأوكرانية الحزم والتعاون داخل حلف الناتو بعد أربع سنوات ألقى فيها الرئيس السابق دونالد ترامب بظلال من الشك على أهمية الحلف، ودفع بسياسة "أمريكا أولاً" الانعزالية. ووفقاً لمراقبي السياسة الخارجية المخضرمين، نجح بايدن خلال معظم جولته في الحفاظ على هذه الرسالة، وهي الحقيقة التي تجعل تصريحه في آخر لحظة بشأن مستقبل بوتين أكثر إثارة للدهشة.

ماذا حقق بايدن من جولته الأوروبية؟

ومع ذلك، أنهى الرئيس زيارته، أمس السبت، وعاد إلى البلاد ومعه قليل من الإجابات الملموسة، بشأن كيف أو متى ستنتهي الحرب، وحالة كئيبة من عدم اليقين بشأن العنف الوحشي والطاحن الذي لم يقع بعد.

إذ بدا يوم أمس الأول، الجمعة 25 مارس/آذار، أنَّ قائداً روسياً كبيراً يشير إلى أنَّ موسكو تُضيِّق أهدافها من الحرب، قائلاً إنَّ السيطرة على العاصمة كييف،والمدن الرئيسية الأخرى ليس أولوية، فقال العقيد سيرغي رودسكوي، نائب رئيس الأركان العامة للجيش الروسي، في بيان علني، إنَّ الجيش سيُركِّز بدلاً من ذلك "على الأمر الرئيسي: التحرير الكامل لدونباس"، وهو الإقليم الجنوبي الشرقي التي يشهد تمرداً انفصالياً مدعوماً من الكرملين.

ويقول مسؤولو الإدارة، إنَّ حدوث تراجع روسي إلى دونباس سيكون بمثابة فشل لافت لبوتين، الذي أثار رفضاً دولياً لغزوه، وأغرق الاقتصاد الروسي في حالة من الفوضى تحت وطأة العقوبات الدولية، بحسب وجهة النظر الأمريكية.

وإذا ما قرر بوتين تقليص نطاق المعركة، فسيفرض ذلك تحديات دبلوماسية جديدة بالنسبة لبايدن، الذي استخدم أهوال الحرب الشاملة لحشد العالم ضد العدوان الروسي. وقد يكون ذلك أصعب في حال قرر بوتين سحب بعض قواته، سواء بتراجع حقيقي أو خداع استراتيجي.

والسبت، حين كان بايدن يستعد لإلقاء كلمته ضربت الصواريخ الروسية لفيف، وهي مدينة في غرب أوكرانيا غير بعيدة عن الحدود البولندية. وضربت الصواريخ ما يُعتَقَد أنّها منشأة لتخزين الوقود ومحيطها، وتصاعد دخان أسود كثيف فوق المدينة، وأُصيب خمسة أشخاص على الأقل.

بايدن مع قادة دول حلفاء لتنسيق جهودم ضد روسيا وهجومها على أوكرانيا/getty images

كان تفكير بوتين لا يزال غامضاً، حين استقل بايدن طائرته الرئاسية مساء السبت عائداً إلى واشنطن، وهو ما يُعقِّد حسابات إدارته في ظل بحثها عن سبل لإبقاء الضغط على روسيا دون التمادي أكثر من اللازم.

كل ذلك يزيد المهمة الصعبة بالنسبة لبايدن، الذي وصل إلى السلطة عازماً على إنهاء الحرب الأمريكية التي امتدت 20 عاماً في أفغانستان، والآن يواجه التحدي المتمثل في إدارة عملية الاستجابة لحرب أخرى.

تلقَّى الرئيس الأمريكي إشادات -حتى من الجمهوريين- لإرساله أكثر من ملياري دولار من المساعدات العسكرية والإنسانية إلى أوكرانيا، ما يُعزِّز قدرة كييف على قتال القوات الروسية. وقد انضم إلى القادة الأوروبيين في فرض عقوبات مُعوِّقة على الاقتصاد الروسي، فارضاً ضغوطاً هائلة على أشد مؤيدي الرئيس الروسي.

وخلال زيارة بايدن إلى بروكسل، أعلن الناتو إعادة نشر قوات إضافية في البلدان الأعضاء الأقرب إلى روسيا، في مسعى قال بايدن إنَّه سيبعث برسالة حزم لبوتين. وأعلن الرئيس أيضاً مساعدات إنسانية بقيمة مليار دولار لبولندا وبلدان أخرى، استقبلت 3.5 مليون شخص نازح من القتال في أوكرانيا. وقال بايدن إنَّ الولايات المتحدة ستفتح حدودها أمام 100 ألف لاجئ أوكراني.

ما مدى خطورة تصريحات بايدن؟

انتهت رحلة بايدن. وقدَّم الرئيس رسالة وحدة ودعم لأوكرانيا في خطابٍ ألقاه في وارسو، فيما كان يختتم جولته التي استمرت ثلاثة أيام في أوروبا. وقال إيان ليسر، المدير التنفيذي لمؤسسة صندوق مارشال الألماني في بروكسل: "القيادة الأمريكية الظاهرة لم تعُد أمراً مفروغاً منه في أوروبا، وعلى هذا النحو تركت جولة الرئيس انطباعاً مهماً".

لكنَّ الرئيس تلقّى انتقادات من جانب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بسبب رفضه فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا. وواجه بايدن حدود التحرك الأوروبي حين طرح على حلفائه مسألة كبح قدرة روسيا على التربُّح من بيع نفطها وغازها. وتحصل أوروبا على نسبة كبيرة من طاقتها من روسيا، ولاقى بايدن مجدداً تردداً كبيراً لاتخاذ أي قرار بقطع شريان الحياة ذاك. وبدلاً من ذلك أعلن الرئيس خطة أطول أجلاً للمساعدة في فطام الأوروبيين عن استخدام الوقود الروسي.

وصف جيريمي باش، الذي عمل مستشاراً كبيراً لكلٍّ من وزارة الدفاع (البنتاغون)، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الأمريكيتين في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، حرب بوتين بأنَّها "زلزال جيوسياسي" و"صراع لا يقع في الجيل إلا مرة واحدة"، اضطرت بايدن للتأقلم سريعاً مع عالم دبلوماسي وأمني سريع التغيُّر.

مقاتلون أمريكيون متطوعون في أوكرانيا/رويترز

وقال باش لنيويورك تايمز: "بايدن الآن قائد عام للقوات المسلحة في زمن الحرب ويخوض أربع حروب دفعة واحدة: حرب اقتصادية، وحرب معلوماتية، وحرب سيبرانية مُرجَّحة، وحرب عسكرية غير مباشرة وغير مسبوقة ضد بوتين. وعجز بوتين حتى الآن عن تحقيق أيٍّ من أهدافه".

وسرعان ما انتقد العديد من أشد مؤيدي الإدارة في السياسة الخارجية الرئيس، بسبب ما بدا أنَّه سعيه للإطاحة ببوتين. فوصفها ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، بأنَّها "زلة انضباطية سيئة تهدد بإطالة نطاق وأمد الحرب".

وفي حين لا يزال المسؤولون الأمريكيون يُصِرُّون على أنَّ هدفهم ليس تغيير النظام في موسكو، أوضح حتى كبار مستشاري الرئيس في شؤون الأمن القومي أنَّهم يريدون خروج بوتين ضعيفاً استراتيجياً.

فقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، الجمعة، قبل خطاب الرئيس: "في النهاية سيسأل الشعب الروسي السؤال الأكثر جوهرية حول الأسباب التي أدت إلى حدوث هذا، ونعتقد أنَّه في النهاية سيتمكَّن من ربط النقاط".

وأضاف سوليفان: "هذه تكاليف جلبها الرئيس بوتين على نفسه وعلى بلاده وعلى اقتصاده وعلى قاعدة صناعاته الدفاعية، بسبب قراره غير المُبرَّر تماماً، والذي لم يسبقه أي استفزاز بشن الحرب في أوكرانيا".

تحميل المزيد