تسبَّبت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في إعادة خلط دبلوماسية الشرق الأوسط، وإجبار الولايات المتحدة على إعادة تقييم التكاليف السياسية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران. فكيف غيرت الحرب حسابات الصفقة الغربية مع طهران؟
الاتفاق النووي الإيراني.. بايدن في موقف صعب بين شروط طهران ومخاوف الحلفاء بالخليج
بعد عام من المفاوضات، صار الاتفاق على "الصفقة النووية" الآن، يتوقف على نقطة شائكة، يقول الأشخاص المطلعون على المحادثات لموقع Bloomberg الأمريكي، إنها برزت باعتبارها الأكثر إثارة من الناحية السياسية بالنسبة لإدارة بايدن، وهي حذف الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية.
ولا يرتبط هذا التصنيف مباشرةً بالاتفاقية الأصلية، التي حدّت من النشاط النووي لطهران مقابل تخفيف العقوبات، لكن إيران تصر طوال الوقت على رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب.
ويواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن حالياً مخاطر أكبر مما كانت عليه منذ تولى منصبه في يناير/كانون الثاني 2021. إذ تمتلك إيران الآن مخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب، وفشل العقوبات في وقف تقدمها، وعدم التوصل إلى صفقة يعني احتمال العيش مع مخاطر تطوير إيران لأسلحة نووية وبدء سباق تسلح إقليمي.
مع ذلك، فإنَّ شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية من شأنه تنفير قادة دول الخليج العربية، في الوقت الذي يعمل فيه بايدن على حشد الحلفاء ضد موسكو وكبح أسعار البنزين المرتفعة. وتخاطر تلك الخطوة أيضاً بقلب التحالف الذي يعود لعقود ووسّع نفوذ الولايات المتحدة في منطقة استراتيجية تصدر طاقة أكثر من أي منطقة أخرى وتمتد عبر ثلاث نقاط اختناق للشحن.
رهانات عالية المخاطر
بعد أسبوعين من تعليق محادثات إحياء الاتفاق، يقول دبلوماسيون إنَّ موعد عودة المفاوضين إلى فيينا غير واضح. كما أن قرار روسيا بتفجير شرطها الأخير في الاتفاق، والإفراج عن بريطانيين إيرانيين في الأسبوع الماضي احتجزتهما طهران لسنوات لم يولد زخماً جديداً بعد.
وفي انعكاس للحالة المزاجية المتوترة في الوقت الذي تعيد فيه أوكرانيا رسم المشهد السياسي، ظهر أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي محبطين من إحاطة سرية بشأن المحادثات يوم الثلاثاء 22 مارس/آذار.
قال السيناتور الديمقراطي بن كاردان، الذي حضر المؤتمر الصحفي في واشنطن لوكالة بلومبرغ: "كانت روسيا مهتمة في البداية بإعادة الولايات المتحدة إلى الصفقة. لكنها الآن مهتمة فقط بأوكرانيا. لم يعد اهتمامها بالصفقة موجوداً".
بعد أسابيع من الإشارة إلى أنَّ الصفقة النووية وشيكة ويمكن إزالة العقبات المتبقية في غضون أيام، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس يوم الإثنين 21 مارس/آذار: "إنَّ الاتفاق ليس وشيكاً ولا مؤكداً".
ويجادل مؤيدو الصفقة بأنَّ تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابية كان إجراءً رمزياً اتخذه الرئيس دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاقية في عام 2018 وإطلاقه حملة "الضغط الأقصى". وقالت إيران منذ البداية إنها تريد إزالة جميع العقوبات الإضافية التي فُرِضَت في عهد ترامب.
وحتى إذا حُذِفَ الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، فإنَّ المنظمة العسكرية التي سلّحت ودرّبت مجموعات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة وشنّت هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وعلى الناقلات في الخليج العربي ستظل خاضعة لعدد كبير من العقوبات الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ إعادة العمل بالاتفاق من شأنه تحفيز إيران على تقليل التوترات؛ ما قد يكسر حلقة العنف الانتقامية التي هزت الخليج منذ انسحاب ترامب من الاتفاقية.
ويُقدِّر معارضو الصفقة، وحتى أعضاء الإدارة الداعمين لها، أنَّ التراجع سيعكس ضعفاً وسيترتب عليه خسائر سياسية قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني؛ حيث ديمقراطيو بايدن معرضون لفقدان سيطرتهم على الكونغرس.
تآكل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط
إضافة إلى ذلك، تقول "بلومبرغ" إن الأمريكيين يشعرون بالقلق من دفع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تواجهان هجمات منتظمة من المقاتلين اليمنيين المدعومين من إيران، إلى مزيد من التقارب مع روسيا والصين؛ ما يسرع من تآكل القوة الأمريكية الجاري بالفعل بالمنطقة.
وجاءت إحاطة مجلس الشيوخ بعد ساعات من عقد إسرائيل والإمارات ومصر قمة نادرة -لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات فقط- بهدف تشكيل جبهة مشتركة ضد اتفاق إيران وحماية أنفسهم من الاضطرابات الاقتصادية الأكثر إلحاحاً التي أثارتها العملية العسكرية الروسية، التي بدأت منذ شهر.
وأثارت المناقشة اعتراضاً عاماً غير عادي من إسرائيل. وأصدر رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد بياناً مشتركاً، يوم الجمعة 25 مارس/آذار، حثا فيه الولايات المتحدة على عدم "التخلي عن أقرب حلفائها مقابل وعود جوفاء من الإرهابيين".
ويمكن أن ينشأ تحدٍّ آخر للصفقة من داخل حزب بايدن نفسه بمجرد تقديمه نص الصفقة ليخضع لمراجعة الكونغرس كما هو مطلوب بموجب قانون صدر عام 2015. وبالإضافة إلى المعارضة الجمهورية الواسعة، قد تواجه الاتفاقية مقاومة من بعض الديمقراطيين المؤثرين بما في ذلك روبرت مينينديز، الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والذي حذر الإدارة من قبول صفقة سيئة أو اتفاق مؤقت.
الصين قد توفر مخرجاً اقتصادياً لإيران إذا انهارت المحادثات النووية
في ظل غياب اتفاق، من المرجح أن يزداد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بكثافة بينما تعمل حكومتها على تقوية العلاقات التجارية مع الصين وروسيا. وتحدث وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مع نظيره الصيني، عقب محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في موسكو الأسبوع الماضي.
كشفت الصين هذا الأسبوع أنها واصلت استيراد الخام الإيراني في يناير/كانون الثاني. وحذّر محللون أمنيون منذ شهور من أنَّ الصين قد توفر لإيران طريق هروب اقتصادي إذا انهارت المحادثات النووية. وانتقدت بكين باستمرار العقوبات الثانوية الأمريكية التي تستهدف شركاءها التجاريين. وقد نمت بالفعل قائمة الشركات الخاضعة للعقوبات في أعقاب الهجوم الروسي في أوكرانيا.
وبينما يحاول بايدن ثني الصين عن مساعدة الكيانات الخاضعة للعقوبات، كان بطيئاً في معالجة عمق الغضب بين حلفاء دول الخليج العربية بشأن الصفقة الإيرانية؛ ما أضر بالجهود المبذولة لعزل موسكو.
لم توقع أية حكومة شرق أوسطية، بما في ذلك إسرائيل، على دعم العقوبات الساحقة التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا.
لكن تقول وزارة الخارجية الأمريكية إنها الآن على اتصال دائم بالحلفاء في الشرق الأوسط لتقديم تطمينات. وبعد تجاهلها الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية محمد بن سلمان وإهمالها لسنوات تعيين سفيرين في الإمارات والسعودية، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يجتهدون لتحديد اجتماعات دبلوماسية رفيعة المستوى في المنطقة في الأيام والأسابيع المقبلة.
ويقول الأشخاص المطلعون على المحادثات إنَّ الخلاف حول الإدراج الرمزي للحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب ليس مستعصياً، إذا ما قرر الجانبان أنَّ الاتفاقية تستحق عناء التغاضي عن هذه النقطة الخلافية.
وكتبت شركة Eurasia Group للاستشارات، في الأسبوع الماضي: "كل من الولايات المتحدة وإيران تريدان صفقة. لكن ربما تستمر الاستعراضات الدرامية؛ لأنَّ إيران تحاول الاستفادة من أسعار النفط المرتفعة للفوز بالعديد من الامتيازات الإضافية في الاتفاق".