بعد دخول المعارك شهرها الثاني، ما تزال القوات الأوكرانية تلحق خسائر كبيرة بجيش روسيا الأكبر والأفضل تسليحاً، مما أعاق تقدم موسكو على عدة جبهات، وذلك باستخدام توليفة من الأسلحة الدفاعية والتكتيكات العسكرية التي تعتمد على الكر والفر وحرب الكمائن، الأمر الذي ينعكس سلباً على خطط موسكو في أوكرانيا، وكذلك على معنويات جيشها هناك.
ما التكتيكات العسكرية التي تستخدمها أوكرانيا في صد الاجتياح الروسي؟
في حرب الكمائن والمناوشات، استخدمت الوحدات الأوكرانية المتنقلة معرفتها بساحة المعركة المحلية وسعت إلى ضرب القوات الروسية في نقاط ضعفها، وضرب جحافل المدرعات على الطرق الرئيسية وتقويض قدرتها على القتال من خلال تعطيل الإمدادات، كما يقول مراقبون غربيون، كما ركزت أيضاً على الدفاع عن المدن بدلاً من الريف.
ويرى الخبراء أن نهج الأوكرانيين أكثر ملاءمة لخنق الروس في الأماكن التي توسعوا فيها، من شن هجوم مضاد كبير ضد القوات المحتشدة. ويثير ذلك تساؤلات حول قدرة كييف على طرد القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها في جنوب وشرق البلاد.
ويبدو أن أكبر أمل لدى الأوكرانيين في النجاح ضد القوات الروسية الأكبر حجماً، يكمن في كبح تدفق الإمدادات من الذخيرة والوقود والغذاء، مما سيحد من قدرة موسكو على القتال أو الصمود.
ويقول الجنرال المتقاعد فيليب بريدلوف، القائد الأعلى السابق لحلف الناتو في أوروبا، لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية"، إن الأوكرانيين يخوضون معركة ذكية بقوة أقل تجهيزاً بكثير من الروس، وحرب مناوشات تسببت في نزيف الجيش الروسي.
تسمح الأنظمة الأحدث المحمولة على الأكتاف للأوكرانيين بالهجوم في شكل وحدات صغيرة وذكية من جوانب مختلفة، والتخفي بسرعة من هجوم مضاد للعدو. حيث ساعدت الأسلحة المضادة للدبابات التي تطلق على الكتف، مثل صواريخ جافلين الأمريكية الصنع، التي تسمى بـ"جزار الدبابات"، بالإضافة إلى صواريخ "نلاو" NLAW البريطانية الصنع، القوات الأوكرانية على هندسة كمائن فتاكة للدبابات الروسية، حظيت بتفاعل إعلامي كبير.
وتقول تقارير غربية إن القوات الروسية توقفت بالفعل حول ضواحي كييف، ولا يزال نقص الغذاء والإمدادات يزعج القوات الروسية المتقدمة، فيما لا تزال المقاومة الأوكرانية صامدة للغاية.
لم يؤكد البنتاغون رسمياً تقارير إخبارية متعددة تفيد بأن الأوكرانيين أعادوا السيطرة على العديد من الضواحي والبلدات التي احتلها الروس سابقاً. ومع ذلك، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، إن "هناك مؤشرات على أن الأوكرانيين يتجهون أكثر قليلاً نحو الهجوم الآن".
وبينما تحقق حرب الكمائن نجاحاً في شمال البلاد وأوقفت إلى حد كبير التقدم الروسي حول العاصمة الأوكرانية، كييف، تحقق روسيا مزيداً من النجاح في الجنوب والجنوب الشرقي، حيث يمكنها بسهولة إعادة إمداد القوات الكبيرة عبر الشرق. ويقول ضباط أوكرانيون ومسؤولون غربيون إن القوات الروسية سعت للتنقيب حول كييف في انتظار إمدادات جديدة.
توليفة من الأسلحة تساعد القوات الأوكرانية في خوض "حرب الكمائن" ضد روسيا
تستخدم القوات الأوكرانية مجموعة من الأسلحة المضادة للدبابات والمضادة للطائرات وغيرها من التقنيات، في عمليات الكر والفر التي تشنها على القوات الروسية في عدة مناطق، وخصيصاً بمحيط العاصمة ومدن الشرق خاركيف وسومي، ماريوبول جنوباً.
بالإضافة إلى صواريخ جافلين ونلاو، التي تعمل بنظام "أطلق وانسَ"، تستخدم القوات الأوكرانية مزيجاً من الأسلحة من دول الناتو ومعدات من صناعة الأسلحة التي جمعتها كييف قبل غزو روسيا في 24 فبراير/شباط 2022، بما في ذلك نظام صاروخ ستوجنا المضاد للدبابات المثبت على حامل ثلاثي القوائم ونظام صواريخ كورسار الخفيف والمحمول، بحسب تقرير لمجلة national interest الأمريكية.
ونشر الأوكرانيون أيضاً طائرات بيرقدار تركية الصنع، حيث أصبحت طائرات TB2 حديث الساعة منذ بدء الحرب، بعد انتشار العديد من الفيديوهات لاستهدافها قوافل المدرعات والدبابات الروسية وخطوط إمداداتها بسهولة من الجو.
وقبل بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا وخلاله، تسلمت كييف من الولايات المتحدة الأمريكية وجاراتها من دول البلطيق وحتى هولندا وألمانيا، شحنات كبيرة من صواريخ ستينغر الأمريكية المضادة للطائرات، التي تمتلك قدرة هائلة ودقيقة على ضرب الهدف الجوي في أي جزء منه.
إلى جانب ستينغر، أسهمت صواريخ الدفاع الجوي قصيرة المدى مثل صواريخ "سام-3" في كسر فرض السيادة الجوية الكاملة لروسيا في أجواء المدن الأوكرانية بشكل عام والعاصمة بشكل خاص، ونجحت في إسقاط بعض المقاتلات والمروحيات بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية.
وتعد صواريخ سام-3 نيفا أو إس-125 بيتشورا أو SA-3 Goa إس إيه-3 وفق تصنيف حلف الناتو، نظام دفاع جوي سوفييتي متوسط المدى (40 كم) يعمل بالوقود الصلب ويستخدم لحماية المنشآت ضد التهديدات الجوية منخفضة ومتوسطة المدى، ويتكون من محطة إنذار مبكر بعيدة المدى لتتبع ورصد الأهداف وأربع قاذفات أرضية.
المزيد من الأسلحة المتطورة قادمة في الطريق
وافق الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً على مليار دولار كمساعدات عسكرية جديدة لكييف، بما في ذلك، لأول مرة، طائرات بدون طيار انتحارية من طراز "سويتش بليد"، حيث بدأت الولايات المتحدة في شحن 100 طائرة بدون طيار، يتم إطلاقها عبر أنبوب كقذيفة الهاون وتحلق في السماء بسرعة كبيرة، ثم تصطدم بالأهداف.
وبحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية، توفر طائرات سويتش بليد، القابلة للحمل على الظهر والنشر بسرعة سواء من منصات جوية أو بحرية أو أرضية، زيادة في معدل استهداف الأعداء من خلال وجود إحداثيات نظام الموقع الجغرافي المتطور في الوقت الحقيقي، كما تعطي تسجيل فيديو من أجل استهداف دقيق ولتجنب الأضرار الجانبية.
ويمكن برمجتها لضرب الأهداف تلقائياً من على بعد أميال، كما يمكن توجيهها حول الأهداف حتى يحين وقت الضربة. وتقول الشركة المصنعة لها "نورثروب غرومان" إن الطراز المخصص لتدمير الدبابات يمكنه الطيران لمدة 40 دقيقة وما يصل إلى 50 ميلاً.
يقول المقاتلون الأوكرانيون إنهم بحاجة إلى تدفق مستمر للأسلحة المضادة للدبابات، المدرجة أيضاً في الحزمة الأمريكية الجديدة، لمواصلة إلحاق الخسائر بالقوات الروسية.
فيما يزعم المسؤولون العسكريون الأوكرانيون أن عشرات الآلاف من المواطنين العاديين انضموا إلى الكتائب الإقليمية في الأسابيع الأخيرة ويحتاجون إلى الدروع الواقية للبدن والخوذات، بالإضافة إلى شاحنات بيك آب مدرعة وغير مدرعة. قائلين أيضاً إنهم بحاجة ماسة إلى مزيد من أنظمة الدفاع الجوي لإسقاط الطائرات الروسية، فيما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تزويد أوكرانيا بأنظمة سوفيتية التصميم مألوفة لهم، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي S-300 من سلوفاكيا.
مشاكل الإمدادات الروسية تصنع المزيد من المكاسب للقوات الأوكرانية
يستفيد الأوكرانيون من مشاكل روسيا في إمداد القوات في عمق أوكرانيا، ولا سيما أولئك الذين يحاولون محاصرة كييف. وتعثرت القوات الأوكرانية في وقت مبكر من الحرب في صد الهجوم، ثم بدأت في مهاجمة قوافل إمداد طويلة تتألف إلى حد كبير من مركبات عادية ومدرعات، وألحقت أضراراً كبيرة بإمدادات الوقود والذخيرة الروسية بواسطة ضربات طائرات "البيرقدار".
بينما قامت القوات الروسية في العديد من الأماكن بنهب المتاجر والمنازل بحثاً عن الطعام، وفقاً للسلطات الأوكرانية وفيديوهات مفتوحة المصدر، وهو ما يؤثر سلباً على الروح المعنوية للجنود الروس.
في طبيعة الحال، تحتاج الجيوش إلى كميات هائلة من الإمدادات، وتوصيلها يتطلب أعداداً كبيرة من الشاحنات والسائقين والعربات المدرعة الإضافية لحماية المؤن. ومن خلال ضرب الإمدادات، يمكن للأوكرانيين تعطيل الدبابات والأسلحة المدرعة الأخرى بشكل فعال دون مهاجمتها مباشرة، نظراً لأن الدبابة التي لا تحتوي على وقود أو ذخيرة أو طعام لطاقمها، ليست ذات فائدة تذكر.
ويقول نيك رينولدز، وهو محلل أبحاث في الحرب البرية في معهد رويال يونايتد سيرفيسز، في لندن، إن "الضربات الأوكرانية على أهداف ضعيفة فعالة للغاية، وما يفعلونه هو مفاقمة المشاكل التي خلقها الروس لأنفسهم".
الروح المعنوية والإرادة بالقتال تلعبان دوراً هاماً في المعركة بين روسيا أوكرانيا
مع ذلك، يصف رينولدز تكتيكات أوكرانيا بأنها "دفاع يائس" وقال إن قواتها ستكافح كثيراً لاستعادة الأرض، مضيفاً أن القوات الروسية، ولا سيما في شرق وجنوب شرق أوكرانيا، لديها المزيد من خطوط الإمداد المباشرة من المناطق التي تسيطر عليها روسيا. وتمكنت موسكو من ضخ المزيد والمزيد من القوات حول المدن بما في ذلك خيرسون وخاركيف وماريوبول، والتي يسهل الوصول إليها.
ويرى رينولدز في حديثه لـ"وول ستريت جورنال"، أنه لكي تحقق أوكرانيا مكاسب كبيرة، ستحتاج القوات الروسية إلى فقدان القدرة أو الإرادة للقتال، مردفاً: "بالنسبة لأوكرانيا، تعتمد استعادة الأرض على الروح المعنوية وانهيار الخدمات اللوجستية على الجانب الروسي".
على الطرف الآخر، تحدث مسؤولو البنتاغون ومراقبون وتقارير إخبارية بإسهاب عن "عزم المقاتلين الأوكرانيين وروحهم المعنوية العالية"، حيث تقول مجلة "ناشونال إنترست"، إن "الأوكرانيين يقاتلون من أجل وطنهم ووجودهم، ويمثل الأمر لهم مسألة حياة أو موت"، مستدلين بذلك على أن الجيش الروسي يستهدف المدنيين الآن كجزء مما يبدو أنه حملة لتخويف وصدمة الشعب الأوكراني لإجباره على الخضوع. ومع ذلك، لا يبدو أن ذلك فعّال بالشكل الكافي.
وتعيق مشاكل المعنويات الجهود الروسية للتقدم أكثر نحو مراكز المدن، ومن المحتمل أن تساعد معرفة التضاريس وهياكل البناء القوات الأوكرانية، واستخدام تكتيك غطاء المباني لتجنب اكتشافهم قبل الهجمات المفاجئة الروسية، على إطالة أمد المعركة وجعلها أكثر صعوبة بالنسبة لموسكو.
ولتحقيق ذلك، من المحتمل أن يعمل المقاتلون الأوكرانيون بدون قيادة وسيطرة شديدة المركزية، مما يسمح لهم بخوض حرب عصابات من كل حدب وصوب ضد القوات الروسية، وهذا من شأنه أن يعزز الكفاءة من خلال تمكين وحدات التشغيل الأمامية من استخدام تكتيكات الكمائن بنجاح ضد الجحافل الروسية.