عندما كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن صاروخ كينزال في عام 2018، وصفه بأنه سلاح "لا يقهر" وأشاد بقدراته الفرط صوتية. والآن تقول روسيا إنها أطلقت العنان لهذا الصاروخ في أوكرانيا. وإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فستكون هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها صواريخ تفوق سرعة الصوت في الحروب. فما هي الصواريخ الفرط صوتية؟ وماذا يعني بدء استخدامها لأول مرة في الحرب الدائرة بأوكرانيا؟
ما هي الصواريخ الفرط صوتية؟
تعرف الأسلحة الفرط صوتية بأنها صواريخ أو مركبات انزلاقية، سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية.
ويعني وصف "فرط صوتي" أن سرعة تلك الصواريخ تساوي خمسة أضعاف سرعة الصوت، أو قرابة الكيلو مترين في الثانية. لكن الشائع في المصطلحات العسكرية هو عدم إطلاق وصف الصاروخ فرط الصوتي على أي صاروخ يسافر بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت؛ حيث يقتصر استخدام المصطلح عادةً على الصواريخ التي يمكنها المناورة قبل ضرب هدفها، دون أن تتحرك في مسارٍ بسيطٍ ومباشر.
إذ تصل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، التي تطير في قوس عالٍ، إلى سرعات مماثلة عند دخولها الغلاف الجوي مرة أخرى، لكن تتميز الصواريخ الفرط صوتية بقدرتها على الحفاظ على هذه السرعات على ارتفاعات منخفضة، وعلى المناورة أثناء قيامها بذلك.
ما أنواع الصواريخ الفرط صوتية؟
هناك نوعان أساسيان من الصواريخ الفرط صوتية:
1- الصاروخ الجوّال
يطير هذا الصاروخ في مسارٍ مسطح مدفوعاً بمصدرٍ للطاقة طوال الرحلة، وهي ببساطة إصدارات أسرع من صواريخ كروز الحالية، مثل توماهوك المستخدمة في المقام الأول من قبل أمريكا وبريطانيا، وهي تأخذ منعطفاً واحداً فقط قبل الوصول إلى هدفها.
2- الصاروخ الانزلاقي
تسمى صواريخ الانزلاق المعزز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وهي على عكس الصواريخ الجوالة، حيث يتم إطلاقها في الغلاف الجوي في مسارٍ بالستي، وبالستي هنا تُشير إلى مسار القوس المنحنية الذي تسلكه القذيفة بعد إطلاقها في الهواء، وفي هذه الحالة تكون قمة القوس عند نقطةٍ شديدة الارتفاع عن الأرض. وحين تبدأ القذيفة هبوطها، تعود مقدمة الصاروخ التي تحمل الرأس الحربي باتجاه الأرض في سرعةٍ تفوق سرعة الصوت، مع القدرة على تغيير مسارها أثناء الرحلة.
ويطلق على مقدمة الصاروخ هذه اسم المركبة الانزلاقية، لأنها لا تمتلك مصدراً خاصاً للطاقة، مثل خزانات وقود الطائرات النفاثة، بل تتحرك أو تنزلق مدفوعةً بقوى الديناميكا الهوائية مثل الرفع ومقاومة المائع.
ما الذي يميز الصواريخ الفرط صوتية عن غيرها أيضاً؟
يشكل كلا النوعين من الصواريخ الفرط صوتية تحدياً خطيراً للدفاعات الصاروخية؛ إذ إن سرعتهما تمنح الخصوم وقتًا أقل للرد، وقدرتهما على المناورة تجعل اعتراضهما أكثر صعوبة. والمسار غير المتوقع لمعظم رحلات هذه الصواريخ يسمح لها بتبديل الهدف في منتصف المسار. ويمكن أن تكون مجرد ثوانٍ بين الوقت الذي يُعرف فيه الهدف على وجه اليقين ولحظة التأثير.
يصعب تعقب وتدمير الصواريخ البالستية الفرط صوتية بسبب قدرتها على المناورة؛ حيث تبدأ الصواريخ هبوطها عادةً عند ارتفاعاتٍ أقل من الصواريخ البالستية الأخرى؛ مما يسمح لها بالتحليق أسفل المنطقة التي تغطيها أنظمة الرادار البرية والبحرية.
أما بالنسبة للصواريخ الجوالة، فإنّ أكثر أنواعها شيوعاً الآن يسافر بسرعةٍ أقل من سرعة الصوت؛ إذ إنّ جعل الصاروخ يطير بسرعةٍ أكبر سيمنحك أفضلية مباغتة خصومك، لكنه يتطلب تقنية دفعٍ أكثر تقدماً.
ومن الصعب على الدفاعات الصاروخية القائمة أن تعترض الصواريخ البالستية الفرط صوتية، وذلك نتيجة سرعة تلك الصواريخ ومسار طيرانها غير المتوقع. وقد أصدرت الولايات المتحدة عقوداً لثلاث شركات مقاولات دفاعية، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، من أجل تطوير صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ الفرط صوتية. لكن مسؤولين أمريكيين قالوا إن عملية تطوير هذه القدرة الدفاعية من المرجح أن تستمر إلى منتصف العقد الجاري.
هل أطلقت روسيا حقًا صاروخاً فرط صوتي في أوكرانيا، وماذا يعني ذلك؟
في 19 مارس/آذار 2022، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها استخدمت صاروخاً فرط صوتي لتدمير مخزن ذخيرة في مدينة ديلاتين غرب أوكرانيا. وبعد يوم قالت إن صاروخا آخر من هذا النوع نسف مستودعاً للوقود بالقرب من مدينة ميكولايف في جنوب أوكرانيا.
وأكدت أوكرانيا وقوع الضربات، لكن لم تحدد نوع الأسلحة المستخدمة. من جانبها، قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها لا تستطيع دحض ادعاء روسيا بأنها استخدمت أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، لكن لا يمكنها أيضاً التحقق من ذلك.
لم تتمكن وسائل الإعلام الأمريكية ولا البنتاغون من تأكيد أن الصواريخ كانت في الواقع تفوق سرعتها سرعة الصوت. وادعت روسيا أن الصاروخ الذي استخدمته في أوكرانيا سافر بسرعة عشرة أضعاف سرعة الصوت. ومفتاح هذه التقنية هو استخدام "مركبة انزلاقية" تفوق سرعتها سرعة الصوت يمكنها ضبط المسار والارتفاع.
ومع ذلك، أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الأسلحة الفرط صوتية الروسية وتفوقها يوم الإثنين 21 مارس/آذار 2022، وفقاً لشبكة CNN الأمريكية. ورداً على سؤال بشأن مشاهدته لصاروخ "كينزال" الروسي، قال بايدن: "لدى الصاروخ الروسي رأس حربي مماثل للصواريخ الأخرى، حيث لا يوجد فرق كبير باستثناء أنه يكاد يكون من المستحيل إيقافه.. هناك سبب لاستخدامهم له".
وعلى الرغم من تعليقات الرئيس، قلَّل البنتاغون من أهمية الإطلاق. وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في برنامج Face the Nation : "لن أعتبر ذلك عاملاً يغير قواعد اللعبة، أعتقد أن سبب لجوء بوتين إلى استخدام هذه الأنواع من الأسلحة هو أنه يحاول إعادة إنشاء الزخم. لقد رأيناه يهاجم البلدات والمدن والمدنيين بشكل مباشر، ونتوقع أن نرى استمرار ذلك، لكنني لا أعتقد أن هذا في حد ذاته سيغير قواعد اللعبة".
أضاف أوستن أنه لا يرى الإطلاق أن استخدام موسكو للصواريخ الفرط صوتية إشارة جيدة لجهود روسيا الحربية المفوقة، وقال: "أنت تتساءل عن سبب قيام بوتين بهذا، هل ينفد مخزونه من الذخائر الموجهة بدقة؟ هل يفتقر إلى الثقة الكاملة في قدرة قواته على استعادة الزخم؟".
إلى جانب كينزال، أشارت وزارة الدفاع البريطانية في 21 مارس/آذار، إلى أن صواريخ إسكندر استخدمت بكثافة من قبل القوات الروسية في هجومها على أوكرانيا. ويمكن لصاروخ إسكندر الوصول إلى سرعات تفوق سرعة الصوت، ولكن ليس من خلال مسار طيران منخفض ومنبسط مثل صاروخ كروز.
ويزعم مسؤولو الدفاع الأمريكيون أن "التباهي الروسي في استخدام الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت هو مجرد دعاية تهدف إلى إرسال رسالة إلى الغرب حول قدرة روسيا وتفوقها".
ما أنواع الصواريخ الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا؟
1- المركبة الانزلاقية "أفانغارد"
أحد أبرز الأسلحة الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا في الخدمة هي مركبة انزلاق فرط صوتية، تزعم أنَّ أقصى سرعة لها تصل ما بين 20 و27 ماخ (24500-33000 كيلو متر في الساعة)، وتستطيع حمل رأس نووي يزن 2 ميغاطن، ويصل مداها إلى ما يزيد عن (6000 كيلو متر تقريباً).
ودخلت "أفانغارد" المركبة الانزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، الخدمة التشغيلية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2019. ويمكن حملها إلى ذروة مسار رحلتها على متن سلسلة من الصواريخ الروسية العابرة للقارات، بما في ذلك أحدث صاروخ بالستي عابر للقارات وأكثره تقدماً، "آر إس-28 سارمات". ولا تحتوي مركبة "أفانغارد" الانزلاقية على طريقة دفع على متنها، وتعتمد على إعادة الدخول للوصول إلى سرعاتها العالية، لكن يُزعَم أنَّ لديها قدرات مناورة دينامية أثناء الطيران لتجنب الاعتراض.
2- صاروخ "كينزال"
تمتلك روسيا أيضاً الصاروخ البالستي "كينزال"، الذي يُطلَق من الجو بمدى يتراوح بين 900 إلى 1250 ميلاً (1500 كيلومتر- 2000 كيلومتر)، وبإمكانه حمل رأس حربي نووي أو تقليدي بوزن 500 كيلو/طن، وتقول موسكو إنها استخدمته الآن لأول مرة في أوكرانيا.
دخل صاروخ كينزال- التي تعني خنجر بالروسية- من طراز "كيه إتش-47 إم2" إلى الخدمة التشغيلية في عام 2017، رغم أنه سلاح غريب على هذه القائمة، بدلاً من استخدام محرك نفاث فرطي (سكرامجت) للدفع مثل صواريخ كروز، التي تفوق سرعة الصوت، أو استخدام مركبة انزلاقية لإدارة إعادة الدخول، يحقق كينزال سرعات تفوق سرعة الصوت من خلال القوة الغاشمة المطلقة.
في الواقع، كينزال هو نسخة مطورة من صاروخ "إسكندر 9 كيه 720" الذي يطلق من الأرض، وهو صاروخ بالستي قصير المدى، ذو نظام توجيه جديد مصمم خصيصاً للعمليات جو-أرض.
ويمكن لصاروخ "كينزال" المناورة عند جميع مراحل مسار طيرانه، حيث تقول موسكو إن سرعته تتجاوز 12 ماخ (14 ألفاً و700 كيلومتر في الساعة)؛ ما يجعله سلاحاً صعب الاعتراض.
3- صاروخ "تسيركون"
في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن بوتين عن إجراء اختبار ناجح لمنظومة "تسيركون" الصاروخية الفرط صوتية المضادة للسفن. وقال بوتين إن الاختبار جرى بشكل "ناجح ومثالي"، وشدد على أن "هذا الاختبار يشكل خطوة ملموسة في سبيل تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد".
وتسيركون هو صاروخ روسي، مجنح وفرط صوتي، قادر على القيام برحلة طويلة المدى، وتصل سرعته القصوى 9 "ماخ"، نحو 2.65 كم/ ثانية على ارتفاع 20 كم.
وقد أُطلِقَ عدة مرات منذ يناير/كانون الثاني 2020 من فرقاطة "أدميرال غورشكوف" التابعة لأسطول الشمال الروسي. وتقول موسكو إنَّ بإمكانه إصابة أهداف على مدى يصل إلى 1000 كم.