سيناتور أمريكي بارز وحليف للرئيس السابق دونالد ترامب يدعو علناً لاغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب الهجوم على أوكرانيا، ويكرر تلك الدعوة، فلماذا يضع ذلك إدارة الرئيس جو بايدن في مأزق؟
كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي يسميه الغرب غزواً وتصفه موسكو بالعملية العسكرية، قد بدأ يوم الخميس 24 فبراير/شباط الماضي، بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك منطقتين انفصاليتين في إقليم دونباس الأوكراني.
وشنت الدول الغربية، بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، حملة شرسة لمعاقبة روسيا ودعم أوكرانيا، في ظل خط أحمر معلن وهو عدم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو، كونها دولة نووية.
وبدأت الدول الغربية في فرض عقوبات على روسيا، بدأت بالقطاع المالي وبعض الأثرياء الروس، ثم تطورت لتشمل جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والرياضية والثقافية، لتواجه موسكو ما يشبه العزلة، والحديث الآن يدور حول حظر النفط الروسي أوروبياً أيضاً، بعد أن قامت إدارة بايدن بالفعل بحظر واردات النفط والغاز الروسية قبل نحو أسبوعين.
بوتين العدو الأول لأمريكا والغرب
ومنذ اللحظة الأولى لتفجر الأزمة الأوكرانية وتحولها إلى صراع عسكري، تحول الرئيس الروسي إلى العدو الأول للغرب، وباتت أوصاف مثل "قاتل" و"مجرم حرب" تتردد على لسان مسؤولين كبار في واشنطن بحق بوتين، وتتسبب في زيادة حدة الحرب الكلامية بين الجانبين.
كان بايدن قد قال الأربعاء 16 مارس/آذار إن بوتين "مجرم حرب" لمهاجمته أوكرانيا، وذلك في سياق إعلان الرئيس الأمريكي تقديم مساعدات أمنية إضافية بقيمة 800 مليون دولار لأوكرانيا تشمل أسلحة يمكن استخدامها لإسقاط الطائرات وتدمير الدبابات الروسية.
وفي حديث مع أحد المراسلين بالبيت الأبيض، قال بايدن: "أعتقد أنه مجرم حرب"، بعد أن رد في البداية بالنفي على سؤال حول ما إذا كان مستعداً للاتصال ببوتين، بحسب تقرير لرويترز.
وكانت تلك هي المرة الأولى التي يستخدم فيها بايدن علناً هذا الوصف للإشارة لبوتين. وحاولت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، التخفيف من حدة الأزمة العاصفة التي سببها وصف بايدن لبوتين.
فقالت ساكي لاحقاً إن بايدن كان يعبر عما في قلبه، وأشارت إلى أن هناك عملية قانونية منفصلة لتحديد ما إذا كان بوتين قد انتهك القانون الدولي وارتكب جرائم حرب، وأن هذه العملية جارية حالياً في وزارة الخارجية.
وبطبيعة الحال لم يتأخر الرد الروسي، فقال الكرملين إن ادعاء بايدن بأن بوتين "مجرم حرب" أمر لا يمكن غض الطرف عنه من زعيم بلد قتل المدنيين في صراعات في أنحاء العالم. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف رداً على سؤال حول تصريح بايدن "رئيسنا شخصية دولية تتمتع بمستوى رفيع من الحكمة والبصيرة والثقافة وهو رئيس الاتحاد الروسي، رئيس دولتنا".
وأضاف بيسكوف، بحسب رويترز، أن "مثل هذه التصريحات التي أدلى بها بايدن غير مسموح بها على الإطلاق وغير مقبولة ولا يمكن غض الطرف عنها.. بيت القصيد أن رئيس دولة تقصف الناس في جميع أنحاء العالم منذ سنوات طويلة.. لا يحق لرئيس دولة كهذه الإدلاء بمثل هذه التصريحات".
وأشار بيسكوف إلى أن الولايات المتحدة قصفت اليابان في 1945 ودمرت مدينتي هيروشيما وناجازاكي. واستسلمت اليابان بعد ذلك بستة أيام لتنتهي الحرب العالمية الثانية. وقُتل ما يقرب من 200 ألف شخص على الفور بعد إلقاء القنبلتين ومات كثيرون آخرون بسبب الأمراض الناجمة عن التعرض للإشعاع.
دعوة السيناتور حليف ترامب لاغتيال بوتين
توصيف بايدن لبوتين كان قد سبقه تصريحات للسيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام، وأثارت عاصفة من الانتقادات، حيث نشر تغريدة تدعو "لاغتيال" الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وقال غراهام في تغريدته: "هل يوجد بروتوس في روسيا؟ هل هناك عقيد أنجح من شتاوفنبرغ في الجيش الروسي؟ الطريقة الوحيدة التي ينتهي بها الأمر هي أن يقوم شخص ما في روسيا بإنهاء هذا الرجل.. ستقدم لبلدك- والعالم- خدمة رائعة".
وتابع غراهام بتغريدة منفصلة: "الأشخاص الوحيدون القادرون على إصلاح ذلك هم الشعب الروسي.. من السهل القول، من الصعب التنفيذ.. ما لم تكن تريد أن تعيش في الظلام لبقية حياتك، وانعزال عن بقية العالم في فقر مدقع، فأنت بحاجة إلى الإقدام..".
تلك الدعوة "للاغتيال" أثارت عاصفة متوقعة من ردود الفعل الغاضبة من الجانب الروسي بطبيعة الحال، إذ قال السفير الروسي بأمريكا، أناتولي أنتونوف، وفقاً لما نشرته السفارة الروسية على صفحتها الرسمية بفيسبوك: "أجد تصريح السياسي الأمريكي مرفوضاً ومثيراً للغضب.. إن درجة الفوبيا من روسيا والكراهية في الولايات المتحدة تجاه روسيا خارج النطاق.. من المستحيل تصديق أن عضواً في مجلس الشيوخ لدولة تروج لقيمها الأخلاقية كـ(نجمة مرشدة) للبشرية جمعاء، يمكنه تحمل الدعوة إلى الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهداف واشنطن على الساحة الدولية"، بحسب تقرير لشبكة CNN.
وقررت موسكو استدعاء سفيرها لدى واشنطن، كما أصدرت الخارجية الروسية بيانات قالت فيها إن تقاعس واشنطن عن اتخاذ إجراءات ضد تصريحات السيناتور الشهير سيضر بالعلاقات بين البلدين.
والمعروف عن السيناتور الجمهوري غراهام أنه حليف قوي للرئيس السابق دونالد ترامب، وفي الوقت نفسه يوجه غراهام انتقادات عنيفة طوال الوقت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن تلك الانتقادات ازدادت حدة منذ إعلان بوتين الاعتراف باستقلال لوغانسيك ودونيتسك وقبل حتى بدء الهجوم على أوكرانيا.
ومنذ اللحظة الأولى للهجوم الروسي يقود غراهام حملة شرسة لفرض عقوبات صارمة على موسكو، وبصفة خاصة قطاع الطاقة. وقال غراهام بالفعل في أكثر من مناسبة إن أي عقوبات لا تشمل حظر النفط والغاز الروسي بشكل كامل "لن يكون لها أي تأثير".
لماذا إذاً تعتبر دعوته "لاغتيال بوتين" مأزقاً لإدارة بايدن؟
إذ رصد تقرير نشرته مجلة USA Today ردود الفعل داخل وخارج واشنطن، والتي حذر من خلالها كثير من المحللين من خطورة ما تمثله دعوة غراهام "لاغتيال بوتين" من خطر على الولايات المتحدة نفسها، ووصف زميل غراهام في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري، تيد كروز الدعوة بأنها "فكرة سيئة بصورة استثنائية".
فالفارق واضح بين المطالبة بفرض عقوبات على روسيا أو حتى وصف بوتين بأنه "مجرم حرب"، وبين الدعوة "لاغتياله"، والتي يعتبرها خبراء القانون الأمريكيون أنفسهم ترقى إلى درجة "الحض على ارتكاب أعمال إرهابية".
وكان رد فعل البيت الأبيض على تصريحات غراهام بشأن بوتين كاشفاً عن مدى ما مثله ذلك من ضغوط على إدارة بايدن، إذ قالت ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، للصحفيين: "كلا، نحن لا ندعو لقتل زعيم دولة أجنبية أو لتغيير النظام. هذا ليس موقف حكومة الولايات المتحدة، وبالتأكيد لن تكون هذه تصريحات صادرة عن أي شخص يعمل في هذه الإدارة"، بحسب تحليل موقع Salon الأمريكي، عنوانه "دعوة غراهام لقتل بوتين تسبب خطراً على أمريكا".
وقال أنطوني أرنيد أحد مؤسسي معهد القانون الدولي والسياسة في جامعة جورج تاون للموقع: "هناك عدد كبير من المخاطر الناجمة عن تعليقاته (غراهام). فهذه الدعوة (لقتل بوتين) تمثل سابقة للآخرين تمكِّنهم من اتخاذ أمريكا كنموذج، ويقولون إن واشنطن تنادي بسياسة الاغتيالات، فلماذا لا نتبعها نحن أيضاً ونتوسع فيها لخدمة سياستنا الخارجية؟".
من جانبها، أوضحت نيكا أليكسيفا الباحثة في معمل البحث الجنائي الرقمي في المعهد الأطلسي أن تعليقات السيناتور الجمهوري تساعد الحكومة الروسية في حملتها الهادفة إلى تصوير واشنطن على أنها "دولة مارقة"، وأضافت لموقع Salon: "تعطي هذه الدعوة روسيا قضية محددة تشير إليها، فهذه التعليقات ترقى إلى دعوات للقيام بهجمات إرهابية. وتفتح المجال لحملة من المعلومات المضللة تقوم موسكو بهندستها لاستغلالها بأي صورة تراها وفي أي وقت تختاره".
ويتفق خبراء القانون على أن الأمر معقد جداً عند التعامل مع الرئيس الروسي بوتين، إذ يرى أرنيد أن الولايات المتحدة وروسيا ليستا في حالة حرب حالياً، وبالتالي فإنه من "المستحيل أن تجد واشنطن في أي جانب من جوانب علاقتها مع موسكو وسيلة تصنف بها بوتين على أنه مقاتل. الرجل زعيم مدني لدولة أجنبية".
والمشكلة تتفاقم أكثر مع إصرار غراهام ليس فقط على عدم سحب تصريحاته ودعوته العلنية "لاغتيال بوتين"، بل تكراره لمثل هذه النوعية من التصريحات وإصراره عليها، وهو ما يمثل مأزقاً حقيقياً لإدارة بايدن، التي تواجه بالفعل اتهامات روسية بوجود برنامج أسلحة بيولوجية أمريكية في أوكرانيا، وهو ما تنفيه واشنطن.