ما حصة روسيا من سوق النفط العالمي؟ وهل يمكن استبدال تلك الحصة في حالة تنفيذ حظر شامل على الإمدادات من موسكو بسبب الهجوم على أوكرانيا؟ ومن أين يمكن استبدال النفط الروسي إذا كان ذلك ممكناً؟
هذه التساؤلات وغيرها أصبحت الهم اليومي للسياسيين والاقتصاديين وللعامة على حد سواء منذ اندلعت الحرب في أوكرانيا قبل نحو شهر، فأسعار الطاقة من نفط وغاز تؤثر في جميع سكان الكرة الأرضية نظراً لانعكاس تلك الأسعار ليس فقط على التنقلات والحركة، ولكن على إنتاج السلع بأنواعها وسلاسل التوريد والتدفئة وغيرها من الأنشطة الإنسانية.
كما أن أسعار النفط والغاز المرتفعة تسبب ضغوطاً سياسية ضخمة على زعماء الدول الغربية، وهذا واضح بشكل صارخ في واشنطن ولندن وباقي العواصم الغربية.
ومنذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك منطقتين انفصاليتين في إقليم دونباس الأوكراني، بدأت الدول الغربية في فرض عقوبات على روسيا، بدأت بالقطاع المالي وبعض الأثرياء الروس، ثم تطورت بعد بدء الهجوم على أوكرانيا، يوم 24 فبراير/شباط الماضي، لتشمل جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والرياضية والثقافية، لتواجه موسكو ما يشبه العزلة.
لكن قطاع الطاقة الروسي ظلَّ بعيداً عن تلك العقوبات إلى حد كبير، باستثناء قرار ألمانيا تعليق مشروع خط أنابيب نورد ستريم2 لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا وأوروبا، علماً بأن المشروع لم يكن قد دخل مرحلة التشغيل بعد. لكن استمرت واردات الغاز والنفط الروسية على حالها، حتى أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الثلاثاء 8 مارس/آذار، حظر واردات النفط والغاز الروسية.
هل يمكن فعلاً الاستغناء عن الطاقة الروسية؟
تناول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، عنوانه "كيف سيستبدل العالم المنتجات النفطية الروسية بعد أوكرانيا؟"، كيف سافر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الخليج ليطلب المزيد من النفط لاستبدال الإمدادات من روسيا، ما تسبب في توجيه زعيم حزب العمال، كير ستارمر، اتهامات لجونسون بأنه يسعى للهروب من قبضة روسيا بأي ثمن.
لكن في الوقت نفسه رصد تقرير الصحيفة تقريراً أصدرته الوكالة الدولية للطاقة يكشف عن مدى محدودية الخيارات المتاحة أمام أي مسعى اقتصادي لاستبدال النفط الخام والمنتجات النفطية الروسية.
ويقول التقرير إنَّ الطلب العالمي على النفط من المتوقع أن يكون قرابة 100 مليون برميل يومياً هذا العام، وهو أقل من التوقعات السابقة بسبب صدمة النمو العالمي التي سببتها الحرب في أوكرانيا.
تنتج روسيا نحو 10 ملايين برميل يومياً وتصدر نحو نصف هذه الكمية إلى جانب نحو 3 ملايين يومياً من المنتجات النفطية، لكن ليس واضحاً كم من هذا المعروض قد يكون في خطر الآن، خصوصاً أن تأثير الحظر الأمريكي على واردات النفط والغاز الروسية ليس مؤثراً كما كان يعتقد.
وتعتقد الوكالة الدولية للطاقة أنَّ ما لا يقل عن 1.5 مليون برميل يومياً من النفط ومليون برميل يومياً من المنتجات النفطية ستُفقَد على الأرجح من روسيا، من أبريل/نيسان وحتى نهاية العام على أقل تقدير؛ لأنَّ المشترين إمَّا يرفضون الإمدادات طوعياً أو يرفضونها لتجنُّب انتهاك العقوبات. وتقول: "هذه الخسائر قد تتعمق إذا ما تسارعت عمليات الحظر أو الانتقاد العام".
صوفي أودوباسيانو، خبيرة النفط الخام العالمي لدى شركة ICIS لمحللي أسواق الطاقة، قالت للصحيفة البريطانية: "في الواقع، لا يمكن لبلد واحد سد الفجوة التي ستتركها روسيا في السوق في حال صدور حظر عالمي". فمن أين يمكن للعالم إذاً أن يحاول إيجاد ما يصل إلى 5 ملايين برميل إضافي من النفط يومياً؟
السعودية والإمارات
تعتبر السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم ومعها الإمارات، هما الأمل الأكبر للدول الغربية في سد الفراغ المحتمل لغياب النفط الروسي، بما تملكان من احتياطات ضخمة وإمكانيات لزيادة الإنتاج بسرعة، ولهذا كانت وجهة واشنطن ولندن الأولى في هذا الشأن هي الرياض وأبوظبي.
وبالتالي لم يكن مفاجئاً، كما تقول الغارديان، أن يكون الخليج المحطة الأولى في مسار رحلة رئيس الوزراء البريطاني. فالسعودية، التي تتمتع بطاقة فائضة تبلغ مليوني برميل يومياً، والإمارات، بمليون برميل يومياً، هما منتجا النفط الرائدان الوحيدان اللذان يملكان طاقة فائضة فورية لتعويض النقص الروسي. لكن مثلما لفتت الوكالة الدولية للطاقة، فإنهما "لا تُظهِران حتى الآن استعداداً للاستفادة من الاحتياطيات".
وتُعَد كلتاهما عضو بمجموعة "أوبك بلس" للدول المنتجة للنفط، والتي ستجتمع مجدداً في 31 مارس/آذار لتحديد مستويات الإنتاج. ووافق أعضاء أوبك على زيادة الإنتاج بشكل متواضع بواقع 400 ألف برميل يومياً في وقتٍ سابق هذا الشهر، مارس/آذار، على الرغم من معرفتهم الكاملة بالوضع الأوكراني.
وقال للصحيفة البريطانية أولي هانسن، المحلل لدى مصرف Saxo Bank، إنَّ حدوث زيادة سعودية/إماراتية تشمل طاقتيهما الفائضة "من الممكن أن تؤدي إلى انتهاء تعاون أوبك بلس"، مُشيراً إلى أنَّ خطوة كهذه مستبعدة.
ويشير أيضاً إلى أنَّه لا يوجد منتج نفط سيزيد طاقته الفائضة إلى الحد الأقصى أبداً، إذ يُعتَبَر الإبقاء عليها عاملاً مهماً لاستقرار الأسعار ومِصَدّاً واقياً في حالة حدوث اضطراب غير متوقع.
ماذا عن إيران؟
تُقدِّر الوكالة الدولية للطاقة امتلاك إيران لطاقة فائضة بنحو 1.2 برميل يومياً نظرياً، لكن هناك بعض المشكلات الجدية. الأولى هي الحاجة لرفع العقوبات، من خلال قرار في المحادثات بين طهران والاقتصادات الغربية حول إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بشأن الطموحات النووية الإيرانية. وتقول الوكالة إنَّه حتى إذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يستغرق الأمر 6 أشهر أخرى على الأقل قبل أن يدخل مليون برميل يومياً من إيران في المعادلة.
وتملك إيران 100 مليون برميل في المخازن العائمة يمكن الوصول إليها بسرعة، لكن سيستغرق الأمر أشهراً لإضافتها إلى سلسلة التوريد العالمية.
فنزويلا
مثلما هو الحال بالنسبة لإيران، تظل فنزويلا خاضعة للعقوبات الأمريكية التي سيتعين رفعها إذا ما أُريد زيادة إنتاجها. ومن شأن العودة إلى إنتاج 2015 أن يعني 1.8 مليون برميل إضافية في نهاية المطاف، لكنَّ ذلك سيحدث بصورة تدريجية للغاية.
وقال هانسن: "سيتمثل التأثير الأولي في بضع مئات الآلاف من البراميل، ومن المرجح أن يتطلَّب استمرار التعافي سنوات ومليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة".
النفط الصخري الأمريكي
تقول أودوباسيانو: "ظلَّت الصادرات الأمريكية تتزايد طوال معظم عام 2021، ووصلت إلى ذروتها في ديسمبر/كانون الأول عند مستوى 3.45 مليون برميل يومياً، حين لم تتهدد بفعل الأعاصير وانقطاعات الطاقة"، وترى أنَّ فرص حدوث تعجيل سريع في هذا الاتجاه ضئيلة.
يتفق هانسن مع ذلك، قائلاً إنه يمكن إضافة نصف مليون برميل إضافية إذا ما عاد النفط الصخري الأمريكي إلى مستويات إنتاج ذروة 2019، لكنَّ هذا سيعيقه النقص المستمر في الرمال وسائقي الشاحنات وأطقم التكسير الهيدروليكي والحفارات.
كما لن تكون الزيادة سريعة. إذ تُقدِّر شركة Rystad Energy للبحوث متوسط الوقت المطلوب منذ حفر (بدء) بئر جديدة حتى تدفق النفط إلى السوق بثمانية أشهر.
المنتجون الأصغر
يقول هانسن إنَّ نيجيريا لا تزال أقل بـ 400 ألف برميل عن ذروة إنتاجها عام 2019. وستتطلَّب استعادة ذلك المستوى استثمارات من كبرى شركات النفط واستقراراً سياسياً أكبر. تذكر الوكالة الدولية للطاقة أيضاً كندا والأرجنتين باعتبارهما مُساهِمتين محتملتين من خلال مواردهما الصخرية الشبيهة بالولايات المتحدة، لكن لا يوجد شيء من شأنه تغيير الوضع بصورة ملحوظة. ولا تذكر الوكالة حتى بحر الشمال في تقديرها لمصادر الإمدادات البديلة.