لأول مرة في تاريخ الحروب يتم استخدام صاروخ فرط صوتي في عملية عسكرية واقعية، وذلك بعد إعلان الجيش الروسي أنه أطلق الصاروخ كنزال على مستودع أسلحة كبير في أوكرانيا.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها أطلقت صاروخ "كِنزال" Kinzhal ضد مستودع أوكراني كان يقع تحت الأرض ويضم صواريخ وذخيرة طائرات في مدينة إيفانو فرانكيفسك غربي أوكرانيا.
ومن الواضح أن استخدام صاروخ كنزال في أوكرانيا قد تم عدة مرات.
إذ قال إيغور كوناشينكوف، المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إن روسيا استخدمت نظام الصواريخ الساحلي المتجول "باستيون" لتدمير محطة راديو واستطلاع عسكري في مدينة أوديسا الساحلية جنوبي أوكرانيا.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان: "إنه تم تدمير مخزون كبير من الوقود بصواريخ +كاليبر+ التي تم إطلاقها من بحر قزوين وكذلك صواريخ باليستية فرط صوتية أطلقها نظام +كينجال+ (أو كينزال) من المجال الجوي لشبه جزيرة القرم". ولم تحدد تاريخ الضربة.
وأضافت الوزارة أن الضربة وقعت في منطقة ميكولاييف لكنها لم تحدد تاريخها. وبحسب الوزارة فإن الغاية من العملية استهداف "المصدر الرئيسي لإمداد المدرعات الأوكرانية بالوقود" والمنتشرة في جنوب البلاد.
وأقرَّ سلاح الجو الأوكراني بوقوع هجوم صاروخي روسي على منطقة إيفانو فرانكيفسك، إلا أنه لم يوضح نوع الأسلحة المستخدمة في الهجوم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
وقال المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية يوري إغنات في حوار للموقع الالكتروني "أوكرانسكا برافدا" إن "أوكرانيا أصبحت للأسف ساحة تجارب لترسانة الصواريخ الروسية بأكملها".
ما سمات الصواريخ "فرط الصوتية"؟
وتنتمي صواريخ كنزال أو كينجال (خنجر بالروسية) الباليستية وصواريخ "زيركون" العابرة إلى جيل جديد من الأسلحة التي طورتها روسيا ووصفها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها "لا تقهر" لأنه يفترض أن تتمكن من تجنب أنظمة دفاع العدو.
ويقصد بالصاروخ فرط الصوتي أو فائقة الصوتية أي صاروخ أو مركبة انزلاقية سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ يمكنها أن تحمل أسلحة نووية.
يقول الخبراء إن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت هي صواريخ من جيل متقدِّم من الأسلحة التي يمكنها التحليق بسرعات فائقة، وتزيد سرعتها على خمسة أضعاف سرعة الصوت.
ويُزعم أن سرعة هذه الصواريخ وقدرتها على المناورة وتحليقها عند ارتفاع لا تدركه أنظمة الرادار يُصعِّب تدابير تعقبها واعتراضها، ويجعلها مستعصية على الإيقاف تقريباً.
وصُدمت الولايات المتحدة من تجارب الصواريخ فرط الصوتية الروسية وبالأكثر الصينية، وحتى كوريا الشمالية انضمت إلى سباق الصواريخ الباليستية فرط الصوتية.
ويعتقد أن الروس والصينيين قد تقدموا على الأمريكيين في هذا المجال، مما يجعل تسريع وتيرة إطلاق نظام الدفاع ضد الصواريخ الباليستية الجاري تطويره حالياً، أمراً حيوياً للبنتاغون.
بقيت الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت سراً محفوظاً في حراسة مشددة حتى وقت قريب، وإن لم يخفِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استثمار بلاده في أسلحة يجزم أنها لم تصنع إلا ردّاً على نشر الولايات المتحدة لأنظمة دفاع صاروخية استراتيجية.
ما سرعة الصاروخ كِنزال؟
تأتي صواريخ كِنزال ضمن مجموعة أسلحة وصفتها روسيا بأنها "لا تُقهر" حين كشفت عنها قبل أربع سنوات، وتضم المجموعة أيضاً صواريخ "تسيركون" Zircon وصواريخ "أفانغارد" Avangard، وهما صاروخان أسرع وأبعد مدى من صواريخ كِنزال.
وجرى الحديث حول صاروخ كنزال لأول في خطاب ناري من فلاديمير بوتين في عام 2018.
ويعتقد أن الصاروخ كنزال تطوير من الصاروخ الباليستي التكتيكي "إسكندر إم" الأرض أرض تم تكييفه للإطلاق الجوي من الاعتراضية الشهيرة التي تعود للحرب الباردة ميغ 31 والتي تعد أسرع طائرة حربية في العالم حالياً.
ويرى موقع the Aviationist المتخصص في شؤون الطيران أنه لا يمكن اعتباره "سلاحاً فرط صوتي" بالمعنى التقليدي، لأنه صاروخ يتنفس الهواء يعتمد على تقنية سكرامجت، وأنه أقرب لصاروخ باليستي أو صاروخ كروز، يطير بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات، لأن مسار طيرانه أقرب للمسطح بطريقة تشبه صواريخ كروز.
تنطلق الصواريخ فرط الصوتية من منصات إطلاقها، إلى خارج الغلاف الجوي ثم تعود إليه في مرحلة التوجه نحو الهدف، وهو أمر لا يبدو أنه ينطبق على كنزال.
وتمتلك صواريخ كروز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت القدرة على هزيمة أو إضعاف فاعلية معظم أنظمة المراقبة والأنظمة المضادة للصواريخ بسبب سرعتها وقدرتها على المناورة.
ويُزعم أن الصاروخ كنزال يتمتع بخصائص طيران قادرة على المناورة لا تُرى عادةً في صواريخ الوقود الصلب التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وقد أعرب مراقبو برامج الصواريخ الروسية عن شكوكهم بشأن مزاعم روسيا بشأن أداء صواريخها، ولكن هذا لا يمنع قلق الغرب من من هذا الصاروخ.
وتحمل طائرات "ميكويان ميغ 31" MiG-31K المقاتلة هذه الصواريخ، وعندما يطلق هذا الصاروخ من هذه الطائرة فإن سرعتها الفائقة تعطي دفعة لسرعة الصاروخ الأصلية، مما يجعله يحلق بسرعة تصل إلى 10 أضعاف سرعة الصوت، أي نحو 12347 كيلومتراً في الساعة، ويمكنها إصابة هدف على بعد 2012 كيلومتراً.
وللتوضيح، فإن صاروخ كروز توماهوك الأمريكي، وهو نظام صواريخ بعيدة المدى دون سرعة الصوت، تبلغ سرعة تحليقه نحو 885 كيلومتراً في الساعة.
ويستطيع صاروخ كِنزال حملَ رأس حربي نووي أو تقليدي.
وفقاً للروس ومصادر غربية معنية بهذا الملف فإن الصاروخ كينزال يحافظ على بعض القدرة على المناورة في جميع مراحل تحليقه بما في ذلك تنفيذه مناورت بسرعة تفوق سرعة الصوت.
إذا كانت هذه القدرات دقيقة، فقد تجعل من الصعب اعتراض الصاروخ كنزال بواسطة الأنظمة المضادة للصواريخ.
وبينما يبلغ مدى الصاروخ نفسه 1200 ميل (أي حوالي 2000 كيلومتر). فإن مدى الطائرات التي تحمله من طراز MiG-31BM، البالغ نحو 3 آلاف كيلومتر، يطيل من المدى الفعلي للصاروخ.
إذ يمنح المدى المشترك للطائرة والصاروخ صاروخ كنزال إمكانية الضربة العابرة للقارات عبر مدى يصل إلى نحو 5 آلاف كلم.
والهدف من وضع الصاروخ كنزال على متن الطائرة MiG-31 التي تعود للثمانينات، هو أن طيرانها على ارتفاع شاهق (أكثر من 60.000 قدم) مع سرعتها القصوى البالغة 2.8 ماخ تمنح الصاروخ الباليستي التكتيكي مدى وصول وسرعة أكبر بكثير مما كان سيحصل عليه إذا تم إطلاقه من الأرض.
يستطيع الصاروخ كنزال أيضاً تعديل مساره خارج القوس الباليستي التقليدي. هذه القدرة على المناورة وسرعته تجعل من الصعب اعتراضه.
يُعتقد أنه يستطيع ضرب السفن
يقال أيضاً إن الصاروخ كنزال لديه قدرة مضادة للسفن، على الرغم من أن الطبيعة الحقيقية لقدراته في هذا الصدد غير واضحة.
من الممكن أن يظل الدور التقليدي المضاد للسفن أمراً طموحاً أو مبالغة من قبل الروس، وقد يكون يمكن استخدامه فقط في هذا الدور من خلال تزويده برأس نووي لضمان دمار واسع النطاق يصيب السفن، أو إذا كان مزوداً بباحث رادار نشط قادر على استهداف السفن المتحركة.
حتى الآن، يعتقد أن مخزون هذه الأسلحة الروسية المتطورة محدود، وكذلك منصات الإطلاق المعدلة من طراز MiG-31، لكنها انتشرت في سوريا وفي جيب كالينينغراد على حدود بولندا مؤخراً، حسبما ورد في تقرير لموقع the Drive.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن البحرية الملكية البريطانية والبحرية الفرنسية تعملان على صناعة صاروخ فرط صوتي منذ عام 2011، ويُتوقع أن يدخل الخدمة في غضون ثماني سنوات.
يُعرف الصاروخ البريطاني الفرنسي باسم "بيرسيوس" Perseus، ويُقال إنه يتسم بهيكل تحليق مرن ويعمل بمحرك نفاث.
لماذا يتم استخدام الصاروخ كنزال في حرب أوكرانيا الآن؟
يرى مراقبون غربيون أن استخدام الصاروخ كنزال يعد دليلاً إضافياً أن الدفاعات الجوية الأوكرانية تمثل رادعاً قوياً للقوات الجوية الروسية، حسب موقع the Drive الأمريكي.
يقول الموقع لقد كانت الدفاعات الجوية الأوكرانية فعالة بشكل ملحوظ ضد الطائرات الروسية، وحققت بعض النجاح ضد صواريخ كروز أيضاً.
يزعم الموقع: أصبح من الواضح تماماً أن روسيا لا تزال غير راغبة أو غير قادرة على استخدام طائرات هجومية مأهولة ضد أهداف في أقصى الغرب الأوكراني نظراً لتهديد الطيران المضاد الأوكراني.
وأكدت وزارة الدفاع البريطانية في بيان أن روسيا "فشلت في السيطرة على المجال الجوي وتعتمد بشكل كبير على أسلحة بعيدة المدى يتم إطلاقها من مواقع الأمان النسبي للمجال الجوي الروسي لضرب أهداف في أوكرانيا".
وقد تكون هناك رسائل سياسية من وراء استخدام الصاروخ كنزال لأول مرة في غرب أوكرانيا تحديداً.
لطالما كانت الصواريخ فرط الصوتية محور دعاية بوتين ضد الغرب، لإيصال رسالة بتفوق روسيا على الولايات المتحدة في مجال الردع النووي تحديداً، رغم أن الكثيرين يرون أنها لا تضيف جديداً باعتبار أن الصواريخ الباليستية النووية التي ليست فرط صوتية لدى البلدين أمريكا وروسيا يصعب إسقاطها من قبل الأنظمة الدفاعية الحالية، وبالتالي هي قادرة على تحقيق الردع المتبادل بين البلدين، والصواريخ فرط الصوتية لم تغير هذه المعادلة لأن البلدين أصلاً قبل الصواريخ فرط الصوتية قادران على تدمير بعضهما البعض.
وربما كان استخدام موسكو لصاروخ كنزال رسالة إلى أوكرانيا وحلف الناتو مفادها أن لدى روسيا خيارات لتصعيد النزاع في ظل حقيقة أن هذا الصاروخ قادر على حمل رأس نووي (100-500 كيلوطن) أو رأس حربي شديد التفتيت.
موقع الهجوم يمثل رسالة إضافية، حيث استخدام هجوم الصاروخ كنزال قاعدة أوكرانية بالقرب من الحدود مع بولندا الدولة العضو بالناتو، والتي تأتي المساعدات الغربية عبرها.
إلى جانب الرسالة الرمزية التي يرسلها استخدام مثل هذا الصاروخ إلى أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، قد يكون استخدام الصاروخ كنزال هدفه نوعاً من الاختبار الميداني.
كانت الحرب السورية فرصة لروسيا لاختبار أسلحتها الأكثر تقدماً، بما في ذلك تلك التي لا تزال قيد التطوير، ففي فبراير/شباط 2018، تم نشر طائرتين من طراز Su-57 الشبحية في قاعدة أحميم الجوية بالقرب من اللاذقية لأول مرة، رغم أن الطائرة لم تنهِ كل اختباراتها بعد في خطوة أثارت استغراباً في عالم الطيران آنذاك.