يفتح قرار القضاء التونسي بإحالة حركة النهضة في شخص ممثلها القانوني للتحقيق، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"اللوبينغ"، باب التكهنات حول المستقبل السياسي للحزب الذي يملك أكبر كتلة في البرلمان المجمد.
وقضية "اللوبينغ" تتعلق بوجود شبهات حول تلقي جهات بالبلاد تمويلاً خارجياً لدعم حملاتها الدعائية بانتخابات 2019، وبدأ القضاء التحقيق فيها في يوليو/تموز الماضي ضد جهات شملت حزبي النهضة (53 نائباً من 217)، و"قلب تونس" (28 نائباً) وجمعية عيش تونسي (نائب واحد).
والجمعة الماضي، أفاد بيان صادر عن مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية في العاصمة تونس، بأن الممثل القانوني للنهضة (لم يسمّه) "وأحد من ثبت ضلوعه في إبرام عقد الاستشهار (الدعاية) من قياداتها"، أُحيل على مجلسها الجناحي للتحقيق، بالقضية المتعلّقة بتمويل الحملة الانتخابية التشريعية لسنة 2019 (قضية اللوبينغ).
من جانبه، أوضح المحامي والقيادي في "النهضة" سامي الطريقي، أن "نص الإحالة للتحقيق يتضمن الاتهام بتلقي تمويل أجنبي من مصدر مجهول لحزب سياسي (حركة النهضة)".
وقال الطريقي، في تصريح لمراسل الأناضول، أن "الأطراف الذين تم إحالتهم للتحقيق هم: الممثل القانوني لحزب النهضة بصفته فاعلاً أصلياً والقيادي في الحركة رفيق عبد السلام بصفته شريكاً في الاتهام من خلال إبرامه عقد الاستشهار".
وذكر أن "حيثيات الإحالة للتحقيق بالقضية تشير إلى أن رئيس الحركة، راشد الغنوشي هو الممثل القانوني للنهضة، ولكن يمكن أن تطلب هيئة الدفاع إعادة النظر في ذلك"، دون تفاصيل حول الشخصية التي يمكن أن تخضع للتحقيق.
وكان الرئيس قيس سعيّد أكد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضرورة "ترتيب الآثار القانونية اللازمة على تقرير المحكمة (المحاسبات) واختصار الآجال"، كما لوَّح بإصدار مراسيم خاصة لتنفيذ قرارات المحكمة بشأن "جرائم" انتخابات 2019.
وترتب على ذلك، التتبع القضائي للمخالفين، وإحالة عدد من القضايا على محكمة تونسية للنظر في مخالفات انتخابية والتحقيق مع عدد من السياسيين وذلك بعد رفع الحصانة عن نواب البرلمان بعد تفعيل الفصل 80 من الدستور.
لكن سعيّد أكد في أكثر من مناسبة، على "عدم المساس بالحقوق والحريات"، وأنه "لا يستهدف أياً من القوى السياسية في البلاد".
وفي أغسطس/آب الماضي، نفت "النهضة" صحة تقارير إعلامية، تفيد بتوقيعها عقداً بقيمة 30 ألف دولار مع شركة دعاية أمريكية لـ"تجميل" صورتها في الخارج، وهو ما يمنعه القانون التونسي.
وتأتي قضية "اللوبينغ" في ظل أزمة سياسية حادة وتدابير استثنائية تشهدها البلاد منذ 25 يوليو/تموز الماضي، أبرزها تجميد صلاحيات البرلمان، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، إضافة لحل المجلس الأعلى للقضاء وتعيين مجلس مؤقت بدلاً منه.
"نزوع نحو الاستيلاء على السلطة"
ويرى نائب رئيس "النهضة" ومستشاره السياسي رياض الشعيبي أن "الرئيس سعيّد لا يحمل عداءً خاصاً للحركة، وإنما يتعارض هدفه للاستيلاء على السلطة مع كل القوى المدافعة عن الديمقراطية".
ويقول للأناضول: "إن حركة النهضة هي الآن أهم هذه القوى والمتصدرة للنضالات المنادية بعودة الديمقراطية".
ويدين الشعيبي "كل محاولة لتوظيف القضاء في الصراع السياسي"، معتبراً أن "النهضة نشأت داخل المجتمع التونسي وعبرت عن تطلعاته، لذلك منحها ثقته في أكثر من مناسبة ولا يمكن لأية جهة استبعادها سياسياً أو إقصاءها قانونياً".
ويضيف: "ليس هناك في القانون التونسي ما يمنع الحركة من المشاركة السياسية، ولا أعتقد أن قيس سعيّد يمكن أن يتخذ قراراً بمثل خطورة حل الحزب".
ويعتقد المسؤول في "النهضة" أنه "من الطبيعي أن يحسّ المجتمع المهيكل السياسي والمدني بالقلق إزاء توجهات سعيد لتفكيك المؤسسات والأحزاب والمنظمات، ولذلك نرى رفضاً كبيراً لهذه التوجهات وعزماً على التصدي لها".
ويعتبر أنه "ليس هناك أية مصداقية للاستفتاء المزمع تنظيمه في يوليو/تموز المقبل؛ لأنه يتم الترتيب له خارج القانون والدستور".
ويتابع الشعيبي: "بالتالي نحن نرفض هذا المسار (الاستفتاء)، وندعو لاتخاذ خطوات للعودة للمسار الديمقراطي عوض الانسياق وراء هذه المسارات الخطيرة".
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن سعيّد عن تنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية في 25 يوليو/تموز المقبل بالإضافة إلى إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.
"استفادة من السلطة"
من جهته، يتحدث الخبير في الشأن السياسي مراد علالة عن علاقة الرئيس سعيّد وحركة النهضة، قائلاً إن "كل من يمسك بالسلطة يسعى إلى الاستفادة منها، إن لم نقل توظيفها لصالحه، لذلك نبرر التطورات السياسية التي تحدث في تونس".
ويضيف للأناضول أن "قرارات سعيّد تتميز حتى الآن بالبطء الشديد في الإفصاح بما يجول بخاطره وإلى حد الآن لا يرتقي إلى بناء استراتيجية في الحكم".
ويرى علالة أن "كل الآليات المطروحة من استشارة واستفتاء وانتخابات في ظل مناخ اقتصادي واجتماعي متوتر لن تنقذ تونس من أزمتها".
ويشير إلى أن "التطورات التي شهدها القضاء من خلال ما تعرض له من حل المجلس الأعلى للقضاء بموجب مرسوم رئاسي وإرساء مجلس مؤقت يجعل القضاة في وضع الفعل ورد الفعل".
وأوائل مارس/آذار الجاري، أدى مجلس قضاء مؤقت اليمين الدستورية أمام رئيس البلاد، بموجب مرسوم رئاسي، ليحل محل المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية مستقلة)، ما أثار احتجاجات ورفضاً من هيئات قضائية وقوى سياسية عديدة.
ويوضح علالة أن "القضاة في المجلس المؤقت سيحاولون البرهنة بأنهم في حلّ من ضغوط السلطة أو خصوم السلطة"، معتقداً أن "العمليات الاستقرائية للقضايا قد طالت وستكون القرارات بالإدانة أو التبرئة لها تداعيات على التصورات السياسية في قادم الأيام".
ويتابع: "القوانين الانتخابية محل جدل ولو حسمت المسائل ما وصلنا إلى هذه الحال (..) اليوم الجميع أمام القضاء باستثناء من يتمتع بالحصانة (في إشارة للرئيس سعيّد) وهذا خلل موجود في تشريعاتنا".
ويؤكد الباحث السياسي أن "ملف اللوبينغ لابد من البت فيه لحماية المسار الانتخابي القادم، وإذا ذهب القضاء إلى إثبات هذا التمويل ستكون له انعكاسات مدوية على المسار السياسي في تونس وربما يذهب إلى حل حركة النهضة".
يُذكر أن أغلب القوى السياسية في تونس ترفض الإجراءات الاستثنائية، وتعتبرها "انقلاباً على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى وترى فيها "تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.