عبر التحريض ضد المسلمين، حقق وريث مودي المحتمل في حكم الهند، فوزاً في أكبر ولايات البلاد رغم فشله في التعامل مع جائحة كورونا.
وفي الاحتفال بفوزه بفترة حكم ثانية لأوتار براديش أكثر ولايات الهند سكاناً، صعد يوغي أديتياناث، الراهب المتشدد إلى المنصة في مدينة لكناو ليحتفي بانتصاره في انتخابات الولاية التي جرت يوم الخميس الماضي، 10 مارس/آذار، وهو يرتدي لباسه الزعفرانيّ محاطاً بأنصاره الذين يهتفون مهللين لـ"الرب رام"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
ويوغي أديتياناث متهم بالتحريض على العنف ضد الأقلية المسلمة في الهند، وسبق أن قال إن الأقليات التي تعارض اليوغا يجب أن تغادر البلاد أو تغرق في البحر، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
وريث مودي المحتمل غير الأسماء الإسلامية لأخرى هندوسية
أحيا أديتياناث، وهو أول رئيس وزراء لأوتار براديش يحتفظ بمنصبه لولاية ثانية منذ 37 عاماً، المناسبة من خلال دهن نفسه بمسحوق "الغولال" (مسحوق ملون)، وهو طقس لمهرجان "هولي" الهندوسي، بينما كان يقف على المنصة ويشبك يديه مع أيادي وزرائه في استعراض للوحدة.
فاز "حزب بهاراتيا جاناتا" (حزب الشعب) الهندوسي القومي بزعامة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بالولاية، التي تضم أكثر من 220 مليون نسمة وناخبين أكثر من البرازيل، بواقع 255 مقعداً من بين 403 مقاعد، وهو أعلى بكثير من عدد المقاعد المطلوبة لتحقيق أغلبية مطلقة. ولو أنَّ هذا يمثل تراجعاً بواقع 57 مقعداً مقارنةً بالانتصار الساحق الذي سجله الحزب قبل خمس سنوات.
مع ذلك، أشعل الانتصار احتفالات في مختلف مدن الولاية الكبرى، وارتقى العاملون في الحزب جرافاتٍ في اتجاه مكاتب حزبهم لإطلاق هتافات مهللة بالرب رام، وأشادت بعض الهتافات الأخرى بدور أديتياناث في تحقيق الفوز، مثل قولهم: "إذا أراد المرء العيش في أوتار براديش فليتبع يوغي".
وهذه نسخة مُعدَّلة من شعار يهتف به أنصار أديتياناث منذ انتخابه عضواً بالمجلس التشريعي عام 1998، وقد فاز بخمس ولايات انتخابية متتالية منذ ذلك الحين.
سعى أديتياناث الذي تحول إلى سياسيّ وقائد لولاية، أوتار براديش، خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية أوتار براديش باستمرار لانتهاج سياسات تروق لقاعدته القومية الهندوسية. فغيَّر أسماء مناطق بما في ذلك "الله أباد" و"موغال سراي" بأسماء أخرى تبدو ذات طابع هندوسي أكثر. وحظر ذبح البقر، وتقدَّم أيضاً بقانون ضد "جهاد الحب"، وهو نظرية مؤامرة في أوساط اليمين الهندوسي تفيد بأنَّ الرجال المسلمين يُغرِّرون بالنساء لإكراههن على تغيير ديانتهن.
جثث ضحايا كورونا تطفو فوق مياه الأنهار
ويأتي انتصار أديتياناث عقب دعوات تدق ناقوس الخطر بشأن تراجع العلمانية في الهند وصعود سياسات "هندوتفا" (أحد أشكال القومية الهندوسية المتشددة).
كما جاء هذا الانتصار، على الرغم من جائحة كوفيد 19 المروعة واحتجاجات المزارعين الضخمة التي توقّع محللون أنَّها ربما تلعب دوراً ضد رئيس وزراء الولاية أديتياناث. حين سُحِقَ نظام الرعاية الصحية الهندي الصيف الماضي، شُوهِدَت جثث ضحايا الجائحة تطفو في أنهار ولاية أديتياناث .
تُنسَب النتيجة إلى تضييق أديتياناث على الجريمة وشعبيته المرتفعة بين القوميين الهندوس، على الرغم من وجود عدد كبير من السكان المسلمين في ولاية أوتار براديش تُقدَّر نسبتهم بـ20% من السكان. وهو انتصار سيزيد بصورة كبيرة الحديث بين أنصار حزب بهاراتيا جاناتا عن أديتياناث باعتباره وريث مودي المحتمل سياسياً.
حزب المؤتمر تعرض لنتائج مدمرة
وكان يُنظَر إلى هذه الانتخابات الولائية، التي جرى التصويت خلالها في أوتار براديش إلى جانب أربع ولايات أخرى، باعتبارها اختباراً مهماً لحزب بهاراتيا جاناتا قبل الانتخابات العامة في 2024 حين سيتنافس مودي على ولاية ثالثة كرئيس للحكومة. وكانت النتائج مدمرة بشكل خاص لحزب المؤتمر الوطني الهندي الذي كان عملاقاً في السابق، وهو أقدم أحزاب البلاد وحزب المعارضة الرئيسي لحزب بهاراتيا جاناتا.
تقول مانيشا بريام، الأستاذة والمحللة السياسية، إنَّ الفوز الهائل لحزب بهاراتيا جاناتا في انتخابات ولائية حاسمة مثل أوتار براديش: "بكل تأكيد يجعل يوغي نافذاً جداً داخل حزب بهاراتيا جاناتا، في ظل غياب منافس آخر في الأفق".
تقول مايا ميرشنداني، وهي زميلة بمركز أبحاث "مؤسسة مرصد الأبحاث": "ربما خسر حزب بهاراتيا جاناتا أغلبيته الهائلة، لكنَّه يبقى ما حققه يعد فوزاً مريحاً. بالتالي لا شك في أنَّه يجري النظر إلى هذا باعتباره انتصاراً ليوغي أديتياناث".
وتضيف ميرشنداني أنَّها رأت "مشاركة أقل بعض الشيء" من المتوقع من جانب مودي نفسه في الحملة الانتخابية في أوتار براديش، وعادةً ما يلعب رئيس الوزراء دوراً رئيسياً باعتباره أكثر وأهم جاذبي الأصوات في الحزب.
وتتابع: "رأينا في مختلف أنحاء بقية البلاد أنَّ الأمر كان دوماً متعلقاً بكاريزما رئيس الوزراء مودي.. لكنَّني أعتقد أنَّه في أوتار براديش كان هناك إدراك بأنَّ يوغي نفسه لديه قاعدة أتباع قوية والكثير من الناخبين الذين ينظرون إليه باعتباره قائداً بالفطرة".
كان أديتياناث قد رفض في مقابلة مع وكالة رويترز قبل الانتخابات الإجابة عن سؤال حول ما إن كان يجب النظر إليه باعتباره خليفة لمودي.
وقال: "أنا مجرد راهب. سأخدم شعب الولاية حتى يرغب الحزب وإلا سأخدم الشعب من خلال معبدي".
وعقب إعلان نتائج الانتخابات مباشرةً، قالت أبارنا ياديف، عضوة حزب بهاراتيا جاناتا، إنَّ الحزب تلقّى دعماً من مختلف الطوائف الدينية في أوتار براديش.
وأضافت: "الهندوس والمسلمون والسيخ والمسيحيون، حزب بهاراتيا جاناتا مع الجميع ومع كل دين".
تُعَد هذه رسالة انسجام مجتمعي تتعارض مع حقيقة مسيرة أديتياناث السياسية الممتدة لثلاثة عقود تقريباً وخمس سنوات في حكم الولاية. فصاحب الـ49 عاماً هو الطفل المدلل لأكثر صور سياسات هندوتفا تشدداً، والتي سيطرت على البلاد في السنوات الأخيرة، وبالتالي يمثل شخصية مثيرة للانقسام العميق.
ويترأس معبداً هندوسياً رئيسياً في مدينة غوراخبور شرقي أوتار براديش، وهو منصب يتولاه منذ وفاة "والده" الروحي، ماحانت أفايدياناث، في سبتمبر/أيلول 2014.
استهدف المسلمين بحملات ضد جهاد الحب المزعوم
ويدير أيضاً ميليشيا هندوسية خاصة تُدعى "جيش الشباب الهندوسي" تعمل في قضايا دينية مثل حماية البقر ومنع "المحادثات الدينية القسرية" و"جهاد الحب"، وكلتا القضيتين الأخيرتين تستهدفان المسلمين باعتبارهم جناة مزعومين. واتُّهِمَ نشطاؤها بتحويل الحوادث المحلية البسيطة إلى حرائق طائفية.
وألقى أديتياناث قبل توليه رئاسة وزراء الولاية العديد من الخطابات المثيرة للجدل ضد الأقلية المسلمة في البلاد. وقال ذات مرة إنَّ غير المسلمين "ليسوا بأمان في المناطق ذات الغالبية المسلمة" في الولاية، وحذَّر من "تحول غرب أوتار براديش إلى كشمير" بعد موجة أعمال شغب هناك.
ولم تتغير نبرته تماماً بعد توليه مسؤولية الولاية متعددة الثقافات. فقبل أسابيع قليلة فقط من الانتخابات، قال أديتياناث إنَّ "80% من الشعب مع حزب بهاراتيا جاناتا و20% يعارضوننا دائماً"، وهو ما اعتُبِرَ إشارة واضحة إلى الأوضاع الديموغرافية في الولاية (يمثل المسلمون 20% من سكان الولاية). لكنَّه نفى ذلك لاحقاً، قائلاً إنَّ تصريحه لم يكن في "سياق الدين أو الطبقة الاجتماعية" خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الهندية ANI.
ويقول المحللون إنَّ تصريحات أديتياناث المثيرة للجدل لم تضره في صناديق الاقتراع لأنَّها تتماشى مع انقسام مجتمعي عميق بين ناخبي الولاية، وتشير نتائج الخميس إلى أنَّ استمالة الأغلبية الهندوسية يمكن أن تُترجَم إلى فوز انتخابي مؤكد، على الأقل في أوتار براديش.