هل يمكن أن يسقط فلاديمير بوتين فعلاً كما يتمنى بايدن وحلفاؤه؟ كلا، وهذه هي الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/16 الساعة 18:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/16 الساعة 18:16 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

لا يكاد يخلو سيناريو يطرحه المحللون بشأن الاحتمالات المتوقعة لنهاية الهجوم الروسي على أوكرانيا من التوقف عند مصير الرئيس الروسي، فهل يمكن فعلاً أن يسقط فلاديمير بوتين؟

كان الهجوم الروسي، الذي يسميه الغرب غزواً وتصفه موسكو بالعملية العسكرية الخاصة، قد بدأ الخميس 24 فبراير/شباط الماضي، وأصبح واضحاً الآن أن الحرب ستكون أطول مما توقع الكرملين، على الرغم من أن القوات الروسية باتت تحاصر العاصمة كييف وباقي المدن الأوكرانية، خصوصاً خاركيف وماريوبول، بينما لم يتمكن الجيش الروسي إلا من السيطرة على مدينة خيرسون.

وتعرضت روسيا لأكبر حملة عقوباتٍ فرضها الغرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من رجال الأعمال. وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدتها وشمولها مع بدء الهجوم.

تغيير النظام في روسيا؟

نشر موقع Vox الأمريكي تقريراً عنوانه "هل يمكن أن يسقط بوتين بالفعل؟"، تناول آراء ودراسات تاريخية وأبحاثاً لاستشراف الإجابة المحتملة للسؤال. يأتي ذلك بالطبع في إطار استمرار العداء على جميع المستويات بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.

فالأزمة بالأساس أزمة جيوسياسية تتمثل في روايتين، إحداهما روسية ترى أن الغرب خالف وعوده التي قدمها لروسيا قبل أكثر من ثلاثة عقود عندما تفكك الاتحاد السوفييتي بشأن عدم توسع الحلف العسكري الغربي بوصة واحدة في شرق أوروبا. وأراد بوتين هذه المرة ضمانات قانونية مكتوبة بشأن عدم انضمام أوكرانيا للناتو أبداً، على أن تقدم واشنطن تلك الضمانات. لكن الرواية الغربية تقول إن تلك ذرائع قدمها بوتين لتبرير ما يقولون إنه غزو لأوكرانيا.

صحيحٌ أن الحرب في أوكرانيا وضعت ضغوطاً هائلة على النظام الروسي، سواء على مستوى النخبة الحاكمة أو على مستوى الشعب الروسي عموماً، لكن تظل الحقيقة على الأرض تقول إن نظام بوتين أرسى، على مدى أكثر من عقدين، دعائم قوية للسيطرة تجعله محصناً إلى حد كبير ضد التغيير المفاجئ داخلياً، سواء عبر الانقلاب العسكري أو الانتفاضة الشعبية، بحسب تحليل الموقع الأمريكي.

ماكدونالدز
أحد مطاعم ماكدونالدز في روسيا/ getty images

وبالتالي فإن التعويل من جانب القادة الغربيين، خصوصاً في واشنطن ولندن، على أن يحدث تغيير للنظام في روسيا بوتين لا توجد مؤشرات تدعمه، على الرغم من أن الأوضاع الداخلية في روسيا الآن تختلف كثيراً عما كانت عليه يوم 23 فبراير/شباط، أي اليوم السابق على بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، بحسب المحللين في واشنطن.

لكن العقوبات الغربية غير المسبوقة قد تتسبب في عزلة اقتصادية لروسيا، وقد تجلت تلك التكلفة الاقتصادية بالكامل الأربعاء 16 مارس/آذار، إذ صارت الحكومة الروسية على شفا أول تخلّف عن سداد ديونها الدولية منذ الثورة البلشفية.

وكان من المقرر أن تدفع موسكو 117 مليون دولار فوائد على سندات سيادية مقومة بالدولار كانت قد باعتها في 2013، لكنها تواجه قيوداً على سداد المدفوعات وأشارت إلى إمكانية الدفع بالروبل، وهو ما قد يؤدي إلى تعثر في السداد.

وتشمل أحدث عقوبات الاتحاد الأوروبي حظراً على استثمارات قطاع الطاقة، وتصدير السلع الفاخرة إلى موسكو، وحظر واردات منتجات الصلب من روسيا، بعد أن أغلقت شركات عالمية، مثل ماكدونالدز، أعمالها في روسيا. كما شملت العقوبات الأخيرة تجميد أصول مزيد من قادة الأعمال الذين يُعتقد أنهم يدعمون الحكومة الروسية، منهم مالك نادي تشيلسي لكرة القدم رومان أبراموفيتش.

الخلاصة هنا هي أن ما يأمله الغرب في أن تؤدي العقوبات والعزلة المفروضة على روسيا إلى تغيير في النظام يبدو احتمالاًً بعيدا، وإن كان البعض ما، زال يأمل أن يحدث. وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس الأربعاء، إنه لا بد من وقف بوتين "بأي ثمن".

ما احتمالات أن يقع انقلاب عسكري؟

تاريخياً كانت النظم الأوتوقراطية كما يصفها الغرب، مثل النظام الروسي، لا تسقط إلا بطريقتين، الأولى انقلاب عسكري والثانية ثورة شعبية شاملة. وخلال العقود الأربعة من الخمسينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي، كانت الانقلابات العسكرية هي الأكثر انتشاراً بينما اختفت الثورات الشعبية.

لكن منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، بدأت الثورات الشعبية تأخذ زمام المبادرة، وشهدت جمهوريات الاتحاد السوفييتي المنهار هذه الظاهرة وأطلق عليها الثورات الملونة، وكان منها الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004.

أوكرانيا
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ورئيس الأركان العامة للقوات الروسية فاليري جيراسيموف – Getty Images

لكن روسيا نفسها لم تشهد أياً من الطريقتين، لا انقلاب عسكري ولا ثورة شعبية أدت إلى تغيير النظام، وذلك منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حتى في أحلك الأوقات، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني والعسكري، وهو ما يجعل من احتمالات وقوع انقلاب عسكري بسبب الهجوم على أوكرانيا أمراً مستبعداً، بحسب أغلب المحللين. فروسيا دولة كبيرة وإمبراطورية سابقة والحس القومي لدى العسكريين خصوصاً والشعب عموماً له اليد الطولى، عندما يتعلق الأمر بالصراع مع الغرب.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لسقوط بوتين إذاً؟

على مدى العقدين الماضيين، أشرف فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من الجنرالات ورجال الأعمال على إعادة هيكلة جميع العناصر الأساسية للاتحاد الروسي وتصميمها تحت شعار رئيسي هو تقليص أو بمعنى أدق محو أي تهديد للنظام نفسه، بحسب تحليل موقع Vox، "فقام بوتين باعتقال وقمع واغتيال المعارضين البارزين أو حتى المحتملين، وزرع الخوف في نفوس المواطنين وربط رفاهية الأغنياء بمدى رضا الزعيم عنهم".

وقد ظهر ذلك جلياً خلال الأزمة الأوكرانية، منذ بدء الهجوم، حيث يتم القضاء مبكراً على أي محاولات للتظاهر رفضاً للحرب، من خلال الاعتقالات الجماعية وإغلاق وسائل الإعلام المعارضة ووقف منصات التواصل الاجتماعي على الأراضي الروسية، وكلها مؤشرات على مدى قوة نظام بوتين وسيطرته على مقاليد الأمور.

وهذا ما عبر عنه آدم كيسي الباحث بجامعة ميشيغان والمتخصص في تاريخ الانقلابات بروسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة، بقوله للموقع الأمريكي: "لقد استعد بوتين لهذا الاحتمال (محاولة الإطاحة به) منذ وقت طويل واتخذ الكثير من الأعمال الاستباقية المتناسقة لضمان أنه لا توجد لدى نظامه أي نقاط ضعف يمكن استهدافه من خلالها".

بوتين روسيا أوكرانيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

وعلى الرغم من الحديث المتكرر، في الدوائر الغربية، عما يقولون إنه سوء تقدير للعواقب من جانب بوتين، فإن الشواهد السابقة تشير إلى أن ذلك قد لا يكون دقيقاً بالضرورة.

فعلى سبيل المثال، عندما قرر المعارض أليكس نافالني تحدي بوتين والعودة من ألمانيا، حيث كان يعالَج من حالة تسمم، اتهم الغرب السلطات الروسية بالوقوف وراءها، تم إلقاء القبض على المعارض الروسي ومحاكمته والزج به في السجن، على الرغم من تهديدات جو بايدن، الذي كان وقتها رئيساً منتخباً لم تبدأ رئاسته فعلياً.

وكان توماس فريدمان، الكاتب السياسي الأمريكي في صحيفة نيويورك تايمز، قد تحدث عن احتمال سقوط بوتين، واصفاً إياه بأنه الأقل ترجيحاً بين سيناريوهات النهاية للهجوم الروسي على أوكرانيا.

ويتمثل هذا السيناريو في أن يفشل بوتين في تحقيق أي من أهدافه وتتحول أوكرانيا إلى أفغانستان أخرى للرئيس الروسي، وتظهر تداعيات العقوبات الاقتصادية فتنتشر وتيرة الرفض الشعبي الروسي لعملية أوكرانيا، مما يؤدي في نهاية المطاف إما إلى قرار شخصي من بوتين بالانسحاب من المشهد تماماً وإما أن ينقلب عليه قادة الجيش الروسي.

لكن الكاتب الأمريكي نفسه رأى أن هذا السيناريو قد لا يكون غير وارد، لعدد من الأسباب، أهمها شخصية بوتين وثانيها سيطرته المطلقة على مقاليد الأمور في روسيا وتمتعه بولاء مطلق من المحيطين به، وإن كان فريدمان لم يخفِ أن هذا السيناريو يعتبر نموذجياً بالنسبة للناتو والاتحاد الأوروبي بالطبع.

الخلاصة هنا هي أن سقوط الرئيس الروسي فلاديمير، سواء من خلال انقلاب عسكري أو ثورة شعبية، يبدو احتمالاً غير وارد، وإن كان ذلك لا يمنع كونه حلماً يتمناه القادة الغربيون عموماً، والرئيس الأمريكي جو بايدن خصوصاً.

تحميل المزيد