12 صاروخاً باليستياً "من خارج العراق" استهدفت قنصلية جديدة لأمريكا في أربيل دون أن تقتل أحداً، فلماذا فعلها الحرس الثوري الآن؟ وما علاقة تعثر مفاوضات نووي إيران، أو إسرائيل أو السعودية بالهجوم؟
كانت وزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق قد قالت إن 12 صاروخاً باليستياً سقطت على أربيل في الساعة الواحدة من صباح الأحد 13 مارس/آذار 2022، مستهدفةً المبنى الجديد للقنصلية الأمريكية والمنطقة السكنية المجاورة لها، لكنها لم تتسبب إلا في خسائر مادية فيما أصيب مدني واحد بجروح، بحسب رويترز.
متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية وصف ما حدث بأنه "هجوم شائن"، لكنه قال إنه لم يصب أي أمريكي بأذى ولم تلحق أضرار بالمنشآت التابعة للحكومة الأمريكية في أربيل.
من الذي أطلق الصواريخ الباليستية؟
في البداية، لم تعلن أي جهةٍ مسؤوليتها عن الهجوم ولم تتوافر أي تفاصيل أخرى، حتى ظهيرة الأحد، لكن وكالة رويترز نقلت عن مسؤول أمريكي، قوله إن الهجمات الصاروخية التي استهدفت أربيل عاصمة إقليم كردستان بشمال العراق انطلقت من إيران، لكنه لم يذكر تفاصيل أخرى.
كما نقلت شبكة ABCNews الأمريكية عن مصدرين، أحدهما تابع لوزارة الدفاع (البنتاغون) والآخر عراقي، دون تسميتهما أيضاً، قولهما إن الصواريخ الباليستية انطلقت من إيران. وفي البداية قال المصدر العراقي إن عدداً من تلك الصواريخ أصاب المبنى الجديد للقنصلية الأمريكية في أربيل.
لكن لوق غفاري مدير مكتب الإعلام الخارجي في كردستان، قال لاحقاً إن أياً من الصواريخ الباليستية لم يصِب مبنى القنصلية الأمريكية، بل سقط على مناطق حولها وإن بعض المباني السكنية قد تضررت.
وقال المسؤول الأمريكي في البنتاغون للشبكة الأمريكية، إن عدد الصواريخ بالتحديد ليس معروفاً، وليس محدداً بالضبط أين سقطت جميعها، لكن المؤكد هو أن المباني الخاصة بالقنصلية الأمريكية الجديدة في أربيل لم تتأثر أو تتضرر بأي شكل من الأشكال. كما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين لم تذكر أسماءهم، بأن الصواريخ مصدرها إيران.
وكانت قناة "كردستان24″، المجاورة لمبنى القنصلية الأمريكية في أربيل، قد نقلت بثاً مباشراً، بعد قليل من الهجمات الصاروخية، من داخل الأستديو أظهر نوافذ زجاجية مُحكمة وبعض الأنقاض على أرضية الأستوديو.
لكنَّ الحرس الثوري الإيراني قطع الشك باليقين وأعلن في بيانٍ تبنّيه مسؤولية الهجوم الصاروخي، قائلاً إن الصواريخ استهدفت ما وصفه البيان بأنه "مركز إسرائيلي" في أربيل، وأضاف البيان، الذي نقلته وسائل إعلام إيرانية، أن الحرس الثوري يحذّر إسرائيل من "ردٍّ قاسٍ وحاسم ومدمر" في حالة وقوع هجمات مستقبلية.
كانت إسرائيل قد أعلنت قبل يومين، "حالة التأهب القصوى" بالبلاد؛ تحسباً لأي هجمات انتقامية من جانب طهران في أعقاب مقتل عضوين بالحرس الثوري الإيراني في هجمات إسرائيلية على الأراضي السورية.
القوات الأمريكية المتمركزة بمجمع مطار أربيل الدولي كانت قد تعرضت في السابق لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، ألقى مسؤولون أمريكيون بالمسؤولية فيها على فصائل مسلحة متحالفة مع إيران، لكن لم تقع مثل هذه الهجمات منذ عدة أشهر.
وكانت آخر مرة تعرضت فيها القوات الأمريكية لهجمات بصواريخ باليستية في يناير/كانون الثاني 2020، وذلك في رد إيراني على قيام الولايات المتحدة بقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، بمطار بغداد، في وقت سابق من ذلك الشهر. ولم يسقط أي عسكري أمريكي قتيل في هجوم 2020 لكنَّ كثيرين عانوا من إصابات في الرأس.
ومن حين لآخر يشهد العراق وسوريا أعمال عنف بين الولايات المتحدة وإيران. فقد هاجمت فصائل شيعية تدعمها طهران القوات الأمريكية في البلدين كما ردت واشنطن في بعض الأحيان بهجمات جوية.
وأسفرت غارة جوية إسرائيلية الاثنين 7 مارس/ آذار عن مقتل اثنين من أفراد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، حسب ما ذكرته وسائل إعلام رسمية إيرانية هذا الأسبوع وتعهد الحرس الثوري بالرد.
هل للهجوم علاقة بتشكيل الحكومة العراقية؟
نفى مسؤولون في كردستان العراق وجود أي "مراكز سرية لإسرائيل أو لأي دولة أخرى" في أربيل أو أي منطقة أخرى في كردستان، وذلك في رد على التقارير الإيرانية التي قالت إن الهجوم الصاروخي استهدف مركزا استراتيجيا "للموساد الإسرائيلي" في أربيل.
وأدان رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الهجوم واعتبره "سابقة خطيرة وانتهاكا" لسيادة البلاد، مضيفا في بيان اطلعت عليه وكالة الأناضول: "ندين بشدة الهجوم الصاروخي الذي استهدف في وقت متأخر من الليلة الماضية، وبأسلوب جبان ووحشي وبدون مبرر، أهالي وأمن واستقرار أربيل عاصمة إقليم كردستان".
"مواجهة التحديات والتهديدات والأخطار، تستدعي من كل أطراف كردستان ومكوناتها التلاحم ووحدة الصف ولم الشمل"، واعتبر بارزاني أن "استهداف أربيل بهذه الصورة وتكراره، سابقة خطيرة وانتهاك صارخ لأمن واستقرار وسيادة العراق، ولن تكون له نتائج غير تعقيد الوضع وإلحاق الضرر بحاضر ومستقبل كل العراق".
كما قال الرئيس العراقي برهم صالح، في تغريدة عبر "تويتر"، إن "استهداف أربيل جريمة إرهابية مُدانة، وتوقيته المُريب مع بوادر الانفراج السياسي يستهدف عرقلة الاستحقاقات الدستورية بتشكيل حكومة مقتدرة".
وأضاف: "يجب الوقوف بحزم ضد محاولات زج البلد في الفوضى"، مشدداً على "ضرورة توحيد الصف لدعم القوات الأمنية وترسيخ مرجعية الدولة ومكافحة الإرهابيين الخارجين عن القانون".
فالهجوم يأتي بعد ظهور بوادر انفراج في الأزمة السياسية بين القطبين الشيعيين؛ كتلة "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر وقوى "الإطار التنسيقي"، بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، إثر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي الوقت الحالي تشارك الأحزاب السياسية العراقية وأغلبها له أجنحة مسلحة في محادثات مكثفة لتشكيل حكومة بعد الانتخابات، وتحذر فصائل شيعية مسلحة على صلة وثيقة بإيران بصفة غير رسمية من أنها ستلجأ للعنف إذا تم استبعادها من أي حكومة ائتلافية. ومن أبرز الخصوم السياسيين في تلك الجماعات مقتدى الصدر الذي تعهد بتشكيل حكومة لا يشارك فيها حلفاء إيران وتضم الأكراد والسنة.
وكانت مجلة Foreign Policy الأمريكية قد نشرت تقريرا عنوانه "لماذا فشل مقتدى الصدر في إصلاح العراق"، رصد كيف أن إيران تُعرف تاريخياً بأنها صاحبة سلطة كبيرة في تشكيل الحكومات العراقية. فعام 2010 مثلاً، جمع الإيرانيون بين الخصمين الصدر والمالكي بعيد الحرب الأهلية في البلاد لتشكيل حكومة توافقية. لكن إيران بدون وسيطها الرئيسي، قاسم سليماني، هذا العام. ففي الماضي، كان سليماني عنصراً مهماً في ضمان التوافق. على أن إسماعيل قاآني الذي خلفه فضل أسلوباً مختلفاً. فأراد الابتعاد عن الاقتتال الداخلي وكان على استعداد لقبول إرادة الأحزاب العراقية. وهذا التغيير في الأساليب وضع قاآني في مواجهة عناصر إيرانية أخرى كانت أكثر قلقاً من محاولات الصدر نحو سلطة الأغلبية.
كما كان من ضمن الأمور المقلقة الأخرى انعدام الثقة في الصدر نفسه بين حلفائه. إذ يرى الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني أن الصدر قد خاطر مخاطرة كبيرة بإبعاد المعارضين السياسيين الأقوياء وحلفائهم الإيرانيين. وهم يخشون أيضاً أن الصدر ليس حليفاً يمكن الاعتماد عليه، وأشاروا إلى تخليه عن مرشح ائتلافه الرئاسي، زيباري، بعد اتهامه بالفساد، بحسب تقرير المجلة الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، يشعر بعض كبار الصدريين بعدم الارتياح لتحالفهم مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لأسباب قومية. إذ أشار أحد كبار الصدريين مؤخراً لمجلة Foreign Policy إلى أنه ليس واثقاً من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني والسنة قد فهموا رؤية الصدر السياسية جيداً واقتنعوا بها.
والصدر خسر قوة أيديولوجية كبيرة أيضاً. فقد أقنع العديد من العراقيين يوماً بأنه داعم للإصلاح. وعام 2016، احتل المنطقة الخضراء احتجاجاً على الفساد، رغم أن كثيراً من حلفائه المقربين كانوا مرتبطين بها. ولكن في السنوات القليلة الماضية، وخاصة منذ اضطلعت حركته بدور قيادي في قمع حركة احتجاجية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، فقد الصدر قوته الأيديولوجية ومحاولته إقناع العراقيين بأنه إصلاحي.
والعام الماضي، ارتبطت حرائق المستشفيات التي أودت بحياة أكثر من مائة شخص بالفساد في وزارة الصحة العراقية، المعروفة بهيمنة الصدر عليها. وصحيح أن الصدر ربما فاز في الانتخابات، فقد حصل على أصوات أقل من الانتخابات السابقة، ويخسر شعبيته بين الشباب.
وهكذا، لم تُكلل محاولة الصدر في فرض رؤيته للإصلاح السياسي، بحجة إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي في العراق، بالنجاح. فالسلطة الانتخابية ليست سوى عنصر واحد في المعادلة التي تحدد تشكيل الحكومة. وثبت أن النظام العراقي التوافقي الذي قد يبدو ضعيفاً قادر على الصمود أمام التغيير.
ماذا عن مفاوضات نووي إيران؟
إذا كان المعلن من جانب الحرس الثوري الإيراني إن الهجوم الصاروخي استهدف "موقعا سريا إسرائيليا" في أربيل، ردا على مقتل اثنين من عناصره في سوريا، فإن توقيت الهجوم الصاروخي يجعل من الصعب استبعاد ما تشهده مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية من تعثر.
فالمحادثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي المبرم 2015 تواجه احتمال الانهيار بعد أن قدمت روسيا مطلبا في وقت حرج أجبر القوى العالمية على وقف المفاوضات لفترة غير محددة رغم وجود نص شبه مكتمل للاتفاق.
وقد وصل المفاوضون إلى المراحل النهائية من المحادثات التي استغرقت 11 شهرا لإحياء الاتفاق الذي رفع العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقييد برنامجها النووي.
كما كانت إيران قد أعلنت خلال الأيام القليلة الماضية رفضها أن يتضمن الاتفاق المزمع عقده برنامجها للصواريخ البالستية وما وصفتها بالعلاقات الاستراتيجية مع دول المنطقة، في إشارة إلى تدخل طهران – من خلال ميلشياتها المسلحة – في الشؤون الداخلية لدول عربية كالعراق ولبنان وسوريا واليمن.
وفي السياق ذاته، أعلنت إيران الأحد أنها قررت تعليق جولة خامسة من المحادثات مع السعودية كان من المقرر أن تبدأ يوم الأربعاء في بغداد. والهدف من تلك المفاوضات المباشرة بين الرياض وطهران هو محاولة التوصل لحلول دبلوماسية بين العدوين الإقليميين.
الخلاصة هنا هي أن الهجوم الصاروخي على أربيل، والذي تبناه على غير العادة الحرس الثوري الإيراني، جاء في توقيت يجعل من شبه المستحيل ربطه بملف دون الآخر، حتى وإن كان البيان الإيراني قد قال إنه استهدف "مركزا إسرائيليا سريا"، فإسرائيل تسعى لنسف مفاوضات العودة للاتفاق النووي، والسعودية تريد لأي اتفاق أن يتضمن حظر برنامج الصواريخ الإيرانية وكذلك تعهد طهران بالتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة، كما أن تشكيل حكومة عراقية تستبعد الحشد الشعبي الموالي لإيران ملف آخر لا يقل أهمية، والسؤال الآن، إلى أين قد يؤدي هذا التصعيد بين إيران وإسرائيل – وأمريكا بطبيعة الحال – على الأراضي العراقية؟